الجزء الثاني :
وأهل فلسطين رأوْا زعماءهم يفرطون بالأرض المباركة الطهور لألدِّ أعداء الله في الأرض ,
ثم تجاسروا وقتل بعضهم بعضاً خدمة للكفار المحتلين !
وقد حُذروا بعظيم فـُحش فعلهم من فوق سبع طباق !
ونـُصحوا من إخوة لهم مخلصين ,
ولكنهم أصروا على أمرهم , وساروا بـِغيهم ,
أتدرون لماذا حصل هذا ؟ لأن هذا الأمر أصبح لديهم أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه ولا حرج !!
والكثيرُ منا يرى الحكام يطبقون أنظمة الكفر علينا جهاراً نهارا , دون خشيةٍ من الله , ولا ورع له , ولا حسابٍ من عبيدة , فأقروا المنكر وارتضوا به ! أو سكتوا عنه ,
أتدرون لماذا حصل هذا ؟ لأن هذا الأمر أصبح لديهم أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه ولا حرج !!
وهكذا إخوة الإيمان : دخلت مثل هذه الأمور حتى في بعض ٍمن أمور الدين , ولو تطرقنا إلى بعض مسائل البدع مثلاً لوجدناها كثيرة ! فقد جاء في بعض الروايات أن أحد الصحابة دخل المسجد يوماً فوجد أناساً من التابعين وقد تحلـَّقوا في هيئةٍ يذكرون الله فيها , وهي هيئة ٌلم يكن الصحابي رضي الله تعالى عنه قد شهدها زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ! فماذا فعل ؟ أخذهم بالشِّدة !! أتدرون لماذا دهش ؟! لأنه تعجب لمَّا رأى أمراً لم يكن يراه زمن الرسول صلوات ربي وسلامه عليه , واعتبره بدعة ! فغلـُظ عليهم أو قال فيهم قولاً غليظا .
وأما اليوم ! فقد بلغت الأمور أعداداً هائلة من المسلمين ممن يأتون البدعة بما هو بيِّنٌ بمخالفته لسنة الهادي الأمين , وكذلك حصلت أمور خالفت بعض النصوص القطعية من كتاب الله المبين .
فهناك في مصر مثلاً , فإن بعض الناس إذا ضاق عليه رزقه , أو أصابه مكروب , أو ألمت به مصيبة , فإنه يذهب إلى القبور ويلجأ لأصحابها , ويزور مقامات الصالحين ويتضرع إلى أصحابها هناك ,
ويتوسل إليهم بقضاء حوائجه !
وسَعَةِ رزقه !
ونراهم يروجون لهذا المنكر ويبثونه عبر وسائل الإعلام ,
وكأن هذا الأمر طبيعي لا غضاضة فيه ولا حرج !
والفكرة التي أريد أن أبينها إخوتي في الله وأحبتي : أن الناس عندما يتعودون المنكر شيئاً فشيئاً , ويستمرؤون الحرام فإنه يصبح مقبولاً لديهم ! لأنهم قبلوا به وأخذوه تدريجياً عن رضاً واطمئنان .
وقد كان هذا في معظم أمور الدين ! بمعنى , أنه حصل كثير من المخالفات المتعلقة بالحكم الشرعي , نعم , فقد حصل في النظام الإجتماعي , والإقتصادي , وحصل كذلك في السياسة , ولا يزال يحصل حتى في بعض ٍمن أمور العقيدة ! .
فأهل فلسطين أيها الإخوة الكرام : وقبل ثلاثين عاماً لم يكن بينهم في حينها من يرضى بالصلح أو الإعتراف أو التفاوض أو التنازل عن فلسطين المحتلة عام ثمانيةٍ وأربعين .
وقبل ثلاثين عاماً لم يقبل االمسلمون , وكذلك أهل فلسطين الذين هم جزءٌ من أمة الإسلام لم يقبلوا بفكرة إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 أبداً .
وكان الناس يتهمون كل من ينادي بها بالتقصير, ويوصم بالتفريط , ويُشهَّر به على رؤوس الأشهاد , ويُتهم بالخيانة , ويُرمى بالنذالة , ويُنعت بالعمالة , ويُوصف بكل الصفات المستخدمة سياسياً وإعلامياً من قِبل الزعماء الذين رفعوا شعار: فلسطين من النهر إلى البحر, وفلسطين لا تحرر إلاَّ بالكفاح المسلح , وقالوا أيضاً : من يلقي السلاح فهو خائن !
ولذلك كان القول بخلاف ما طرحوا , ومن أي إنسان سواءٌ أكان محللاً سياسياً , أو كاتباً , أو صحفياً , كانوا يعتبرونه خارجاً عن الصف الوطني , ويعتبرونه منبوذاً من أمته وشعبه !
ويقولون : هذا نشازٌ ! لا يمثل رأي الشعب الفلسطيني وإنما يمثل نفسه ,
نعم فقد كان الواحد منا وبمجرد أن يقبل أو أن يتكلم , أو أن يناقش , أو أن يُبدي رأيه , أو أن يطرح فكرة ًعابرة , يُتهم بتصفية القضية , والتآمرعلى الشعب وبيع فلسطين والتنازل ِعنها , والتفريط بترابها !!
أتذكرون تلك الشعارات الطنانة, والكلمات الرنانة, أم أنكم نسيتموها بمرور الأيام الحَبالى, والأعوام الخوالي !!
أما اليوم أيها الإخوة الأكارم : وبعد انقلاب الموازين , وتغيير المعايير , واضطراب المفاهيم زمنَ هؤلاء الرويبضات ! فقد أصبح إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 67 أو على أيِّ جزء منها , والتنازلُ أو التفاوضُ مع الجيران, أصبح مشروعاً إسلامياً, وأمراً مقبولاً, وكأن هذا الأمر عاديٌّ لا غضاضة فيه ولا حرج , مما يعني أنها قد تجاوزت كونـَها قبل ثلاثين عاماً خيانة إلى إنجاز وطنيٍّ أصبح اليوم الآن مشروعاً إسلامياً !
ولتعلموا أيها المؤمنون : أن هذا الدين لا يتغير ولا يتبدل , وأن الذي يتغير ويتبدلُ همُ الناس بتغير نفسياتهم , وحتى تغيُّرُ الأوضاع لا يغير الدين , لأن الدين يبقى ثابتاً بثبوت مبدئه .
نعم , فالمبدأ ثابت , والعقيدة ثابتة , والحكم الشرعي ثابت , والحلال ما أحله الله سبحانه وتعالى ورسولـُه وسيبقى حلالاً إلى يوم القيامة , وأن الحرام ما حرمه الله تبارك وتعالى ورسوله , وسيبقى حراماً إلى يوم القيامة , لا يتغير ولا يتبدل , وإنما الذي يتغير ويتبدل هو ما كان من وضع البشر,
فكيف بالله عليكم بما كان يُعتبر سابقاً خيانة على رؤوس الأشهاد !
وقد أصبح اليوم مشروعاً يتوجب على الناس أن يتمسكوا به , وأن يلتفوا حوله , وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وبأمثالهم إذ يقول محذراً : ( كيف بكم إذا طغت نساؤكم، وفسق شبابكم، وتركتم جهادكم ؟ قالوا : وإن ذلك لكائن يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه ، قالوا: وما أشد منه يا رسول الله ؟ قال: كيف أنتم إذا لم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده ، وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشدُّ منه يا رسول الله ؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا ورأيتم المنكر معروفا ؟ قالوا : أو كائن يا رسول الله ؟ قال : نعم وأشد منه سيكون ، يقول الله : بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيرانا ) .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المستمسكين بالدين , السالكين عليه , غيرِ المتغيرين بحسب تغير الأوضاع والأحوال , أو وفق المصالح والهوى , ونسأله أن يفقهنا في الدين , وأن يعلمنا التأويل , وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه , نسألك ربي أن تجعل أعمالنا صحيحة خالصة لوجهك الكريم , وأن تثبتنا على الحق , وأن تتوفانا على الإيمان , وأن تجمعنا مع النبي العدنان في جنان الرضوان .
اللهم آمين , اللهم آمين , اللهم آمين ,
ربِّي , رب العالمين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم بحمد الله ورعايته