الجزء الرابع :
أيها الإخوة الكرام : هذه مواثيق يجب أن يكون فيها بنود واضحة صريحة صادقة تحدد طبيعة علاقة المسلمين بعضُهم ببعض بأننا أمة واحدة, مصداقاً لقوله تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ {92} ) الأنبياء .
ومصداقاً لقوله عليه السلام في وثيقته الخالدة التي ذكرها ابن هشام في سيرته حول صيغة الوثيقة العظيمة: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم ، وجاهد معهم , إنهم أمة واحدة من دون الناس ... وإن المؤمنين لا يتركون مُفرحا ـ أي المثقل بالدين والكثير العيال ـ بينهم أن يُعطوه بالمعروف في فداء أو عقل .
وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه , وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة َظلم ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين ، وإنّ أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم ... وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ... وإن سِلم المؤمنين واحدة، لا يسلم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم ... وأنه لا يحلُّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ـ أي عامل جريمة ـ ولا يؤويه... وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مردّه الى الله عز وجل ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله: ( المسلمون تتكافأ دماؤهم , يسعى بذمتهم أدناهم ، ويُجيرُ عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم , يرد مُشدُّهم على مُضعِفهم ، ومسرعهم على قاعدهم , لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ) .
نعم : هذا نص الوثيقة الخالدة للهادي عليه السلام إلى أن تقوم الساعة , وهذا هو حكم الأصل , وهكذا يجب أن نكون ـ أمة ًواحدة ًمن دون الأمم ـ في السراء والضراء , في العسر واليسر .
يترتب على ذلك أنه يتوجب على أهل فلسطين في ميثاقهم قطعُ كلِّ علاقة مع أيِّ دولة كافرة تحارب المسلمين فعلاً كأمريكا , بريطانيا , فرنسا , وبالتأكيد دولة يهود , لأن البعض من أهل فلسطين عندهم علاقات سياسية رسمية مع اليهود , فيجتمعون بهم ويفاوضونهم , نعم يتوجب أن تقطع كل العلاقات مع تلك الدول , كما ويجب أن تلغى كل القرارات التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة , ومجلس الأمن , والهيئة العمومية , وأن تنبذ مواثيقهم ويضرب بها عرض الحائط , وكذلك جميع الهيئات والمؤسسات واللجان والبنود التي أُبرمت بحق المسلمين وبلادهم .
كما ويجب كذلك أن تقطع العلاقات مع كل الدويلات القائمة في بلاد المسلمين بدون استثناء , لأنها كلـَّها حكومات تحكم بغير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وتتآمر مع الكفار للنيل من أهل فلسطين وغيرهم , حتى إنها تتآمر مع الكفار المستعمرين على شعوبهم , ! فنحن لم نتخير حكامنا ولا أمراءنا ولا ساداتنا ولا زعماءنا ولا حتى كبراءنا , وإنما فرضوا علينا جبراً عنا , وسلطوا على رقابنا , لذلك فهم والله ليسوا منا , ولسنا منهم , وقد حكمونا بالكفر الصراح .
علاوة على أنهم ما وجدوا أصلاً إلاَّ لإبقاء الفرقة بين المسلمين , وعدم توحيدهم , عبر إذكاء النعرة القومية , والعصبية الطائفية , وإشعال الحروب وإذكاء نارها فيما بينهم على أطراف البلاد , فقتلوا الملايين من المسلمين , تماماً كما حدث إبان الصراع المصري السعودي اليمني , وكما حدث في الحرب الأردنية الفلسطينية , وما هو حاصل اليوم من اقتتال داخلي في لبنان , والحرب العراقية الإيرانية , وما البوليساريو والسودان والصومال وأفغانستان وكشميرعنا ببعيد , فلا يوجد بلد واحد من بلاد المسلمين إلاَّ واقتتل مع جيرانه , أو اختصم مع إخوانه .
وقد أدركنا بعد سنوات طوال بأن الذي يدافع عن يهود عِـبر مواجهته للأمة الإسلامية هي الكيانات المصطنعة التي أوجدها ابتداءً الكافر المستعمر على حدود أرض فلسطين , تلك التي أطلق عليها بدول الطوق , كالكيان السوري والمصري والأردني واللبناني , إضافة إلى حماية يهود من الداخل وهو الأمر الذي تكفلت به السلطة الوطنية الفلسطينية , والتي ما أنشأت أصلاً , إلا لقتل أكبر عدد ممكن ٍمن المسلمين , وللتنازل عن فلسطين ليهود الملاعين , فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه , فقد قاموا بهذه المهمة على أتم وجه وزيادة !
ولا تنسوْا إخوة الإسلام والإيمان : أن هؤلاء الحكام والزعماء ليسوا صادقين مع الله , وبالتالي فهم ليسوا مخلصين لشعوبهم أبداً , بل هم خائنون كذابون مدلسون , ألم يرفعوا شعاراتهم الطنانة , ويلقوا خطاباتهم الرنانة.
واليوم : ما عدنا والله نسمع هرطقاتهم تلك من مثل قولهم : صهيوني حضر حالك آجوا الثوار, فدائي ما بكلمهم غير بالرشاش والمدفع , فلسطين من النهر إلى البحر , وإنها لثورة حتى النصر حتى النصر حتى النصر , من يلقي السلاح فهو خائن , بالبحر حنرميكم , هنيئاً لك يا سمك البحر, كـُلوهم بأيديكم بأظافركم بأسنانكم .
ثم هل نسيتم الديباجة التي تغنى بها قاداتكم طويلا : لا صلح , لا اعتراف , ولا سلام مع المحتل , فما الذي تغير؟! وقد وصمتم المجاهد بالإرهابي , ورميتم من حمل السلاح بالخيانة !!!
إذن وكما أسلفنا فلا بد وأن تقطع كلُّ العلاقات الرسمية مع كل الدول , ليتم توثيق العلاقات عوضاً عنها مع الأمة التي أصبحت اليوم تنظر إلينا بأننا شعب يتصارع على السلطة , ويتفاوض مع يهود , ويسعى وراء المرتبات , والأدهى من ذلك كله والأمر, فتنة الإقتتال الداخلي ! تلك هي الحالقة التي لا أقول : تحلق الشعر وإنما تحلق الدين . وكلا الطرفين يسعى لإقامة دويلة بما يسمى بحدود سبعة وستين . مضيفين إليها ملحقاً إعلامياً يدغدغون به مشاعر الناس حين يقولون ـ وعاصمتها القدس الشريف ـ ونسي هؤلاء المساكين ! بل قل تناسوا أن هذه الدويلة ومن فوق سبع سماوات حرام إقامتها , حتى وإن كانت في فلسطين كلِّ فلسطين , لأنها ترسيخ للفرقة , وتقطيع لأوصال المسلمين , بإضافة رقم جديد يرسخ مشروع سايكس بيكو المشؤوم , مخالفين بذلك قول الحق سبحانه وتعالى : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ {52} ) المؤمنون .
ومخالفين هدي الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وقد سعى من أول يوم لبعثته إلى توحيد الناس على العقيدة الإسلامية , وجمعهم تحت راية حاكم واحد , وهذا هو الأصل مصداقاً لقوله عليه السلام : ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ) .
فإذا كان في الأرض خليفتان يحكمان بالإسلام ! فقد أوجب الشارع قتل الثاني منهما .
ولقوله صلوات ربي وسلامه عليه : ( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه بالسيف كائناً من كان ) .
ــــــــــــــــــــــ
يتبع بإذن الله