عرض مشاركة واحدة
قديم 22-02-2007, 12:10 PM   رقم المشاركة : 4
king-abdullah
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية king-abdullah
 





king-abdullah غير متصل

تابع

الحديث الثلاثون

حقوق الله و حدوده

عن أبى ثعلبة الخشنى جرثوم بن ناشر رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: "ان الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، و حد حدودا فلا تعتدوها، و حرم أشياء فلا تنتهكوها، و سكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها" حديث حسن، رواه الدارقطنى و غيره.

الشرح

قوله صلى الله عليه و سلم: "ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها" أى: أوجب ايجابا حتميا على عباده فرائض معلومة و لله الحمد، كالصلوات الخمس، و الزكاة، و الصيام، و الحج، و بر الوالدين، و صلة الأرحام، و غير ذلك.
"فلا تضيعوها" أى: لا تهملوها اما بترك، أو بالتهاون، أو ببخسها، أو نقصها.
"و حد حدودا" أى: أوجب واجبات و حددها بشروط و قيود. "فلا تعتدوها" أى: لا تتجاوزوها.
"و حرم أشياء فلا تنتهكوها" حرم أشياء مثل الشرك، و عقوق الوالدين، و قتل النفس التى حرمها الله الا بالحق، و الخمر، و السرقة، و أشياء كثيرة.
"فلا تنتهكوها" أى : فلا تقعوا فيها، لإن وقوعكم فيها انتهاك لها، "و سكت عن أشياء" أى : لم يفرضها و لم يوجبها و لم يحرمها. "رحمة بكم" من أجل الرحمة و التخفيف عليكم، "غير نسيان" فان الله تعالى لا ينسى كما قال موسى عليه الصلاة و السلام: (لا يضل ربى و لا ينسى) (طه:52)، فهو تركها جل و علا رحمة بالخلق، ليس نسيان لها.
"فلا تسألوا عنها" أى: لا تبحثوا عنها.

فى هذا الحديث من الفوائد:
- حسن بيان الرسول صلى الله عليه و سلم، حيث ساق الحديث بهذا التقسيم الواضح البين.
و من فوائده: أن الله تعالى فرض على عباده فرائض أوجبها عليهم على الحتم و اليقين.
و الفرائض قال أهل العلم: أنها تنقسم الى قسمين: فرض كفاية، و فرض عين.
فأما فرض الكفاية: فانه ما قصد فعله بقطع النظر عن فاعله، و حكمه أنه اذا قام به من يكفى سقط عن الباقين.

و فرض العين هو: ما قصد به الفعل و الفاعل، وو جب على كل أحد بعينه.
فأما الأول: فمثله الأذان و الاقامة و صلاة الجنازة و غيرها.
و أما الثانى: فمثل الصلوات الخمس و الزكاة و الصوم و الحج.
و قوله: "و حد حدودا" أى: أوجب واجبات محددة و معينة بشروطها.

فيستفاد من هذا الحديث: أنه لا يجوز للانسان أن يتعدى حدود الله، و يتفرع من هذه الفائدة أنه لا يجوز المغالاة فى دين الله، و لهذا أنكر النبى صلى الله عليه و سلم على الذين قال أحدهم: "أنا أصوم و لا أفطر، و قال الثانى: أنا أقوم و لا أنام، و قال الثالث: أنا لا أتزوج النساء" أنكر عليهم و قال: "و أما أنا فأصلى و أنام، و أصوم و أفطر، و أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس منى".
و من فوائد هذا الحديث: تحريم انتهاك المحرمات لقوله: "فلا تنتهكوها" ثم ان المحرمات نوعان: كبائر، و صغائر.
فالكبائر لا تغفر الا بتوبة، و الصغائر: تكفرها الصلاة و الحج و الذكر و ما أشبه ذلك.
و من فوائد الحديث: أن ما سكت الله عنه فهو عفو، فاذا أشكل علينا حكم الشىء هل هو واجب أم ليس بواجب و لم نجد له أصلا فى الوجوب، فهو مما عفا الله عنه، و اذا شككنا هل هذا حرام أم ليس حراما و هو ليس أصله التحريم، كان هذا أيضا مما عفا الله عنه.
و من فوائد الحديث: انتفاء النسيان عن الله عز و جل، و هذا يدل على كمال علمه، و أن الله عز و جل بكل شىء عليم فلا ينسى ما علم و لم يسبق علمه جهلا، بل هو بكل شىء عليم أزلا و أبدا.
و من فوائد الحديث: أنه لا ينبغى فى البحث و السؤال الا ما دعت اليه الحاجة، و هذا فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم، لأنه عهد التشريع و يخشى أن أحدا يسأل عن شىء لم يجب فيوجبه من أجل مسألته أو لم يحرم فيحرم من أجل مسألته، و لهذا نهى النبى صلى الله عليه و سلم عن البحث عنها فقال: "فلا تبحثوا عنها


الحديث الحادى و الثلاثون

فضل الزهد

عن أبى العباس سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه قال: جاء رجل الى النبى صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله، دلنى على عمل اذا عملته أحبنى الله و أحبنى الناس، فقال: "ازهد فى الدنيا يحبك الله، و ازهد فيما عند الناس يحبك الناس" حديث حسن. رواه ابن ماجه و غيره بأسانيد حسنة.

الشرح

عن أبى العباس سهل بن سعد الساعدى –رضى الله عنه- قال: جاء رجل الى النبى صلى الله عليه و سلم و لم يبين اسم الرجل، لأنه ليس هناك ضرورة الى معرفته اذ أن المقصود معرفة الحكم و معرفة القضية. فقال: "يا رسول الله، دلنى على عمل اذا عملته أحبنى الله، و أحبنى الناس" و هذا الطلب لا شك أنه مطلب عالى يطلب فيه هذا السائل ما يجلب محبة الله له و ما يجلب محبة الناس له، فقال له النبى صلى الله عليه و سلم: "ازهد فى الدنيا" يعنى: اترك فى الدنيا ما لا ينفعك فى الآخرة، و هذا يتضمن أنه يرغب فى الآخرة، لأن الدنيا و الآخرة ضرتان اذا زهد فى احداهما فهو راغب فى الأخرى بل هذا يتضمن أن الانسان يحرص على القيام بأعمال الآخرة من فعل الأوامر و ترك النواهى و يدع ما لا ينفعه فى الآخرة من الأمور التى تضيع وقته و لا ينتفع بها أما ما يكون سببا لمحبة الناس، فقال: "ازهد فيما عند الناس يحبك الناس" فلا يطلب من الناس شيئا و لا يتشوق اليه، و لا يستشرف له و يكون أبعد الناس عن ذلك حتى يحبه الناس، لأن الناس اذا سأل الانسان ما فى أيديهم استثقلوه و كرهوه، و اذا كان بعيدا عن ذلك فانهم يحبونه.

و من فوائد الحديث: حرص الصحابة –رضى الله عنهم- على سؤال النبى صلى الله عليه و سلم فيما ينفعهم.
و من فوائده: أن الانسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله و أن يحبه الناس، و يكره أن يمقته الله و يمقته الناس فبين النبى عليه الصلاة و السلام ما يكون به ذلك.
و من فوائد الحديث: أن من زهد فى الدنيا أحبه الله، لأن الزهد فى الدنيا يستلزم الرغبة فى الآخرة، و قد سبق معنى الزهد: و أنه ترك ما لا ينفع فى الآخرة.
و من فوائد هذا الحديث: أن الزهد فيما عند الناس سبب فى محبة الناس لك.
و من فوائد هذا الحديث: أن الطمع فى الدنيا و التعلق بها سبب لبغض الله للعبد، و أن الطمع فيما عند الناس و الترقب له يوجب بغض الناس للانسان، و الزهد فيما فى أيديهم هو أكبر أسباب محبتهم


الحديث الثانى و الثلاثون

لا ضرر و لا ضرار

عن أبى سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدرى رضى الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: "لا ضرر، و لا ضرار" حديث حسن. رواه ابن ماجه و الدارقطنى و غيرهما مسندا. و رواه مالك فى الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم، فأسقط أبا سعيد، و له طرق يقوى بعضها بعضا.

الشرح

عن أبى سعيد سعد بن سنان الخدرى – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "لا ضرر و لا ضرار" ثم تكلم المؤلف – رحمه الله – على طرق هذا الحديث.
قوله: "لا ضرار" أى: أن الضرر منفى شرعا، "و لا ضرار" أى: مضاره.
و الفرق بينهما أن الضرر يحصل بلا قصد، و الضرار يحصل بقصد.
فنفى النبى صلى الله عليه و سلم الأمرين، و الضرار أشد من الضرر، لأن الضرار يحصل قصدا كما قلنا.
مثال ذلك: لو أن انسانا له جار و هذا الجار يسقى شجرته فيتسرب الماء من الشجرة الى بيت الجار، لكن بلا قصد، و ربما لم يعلم به، فالواجب أن يزال هذا الضرر، اذا علم به حتى لو قال صاحب الشجرة: أنا ما أقصد المضارة، نقول له: و ان لم تقصد، لأن الضرر منفى شرعا.
و أما الضرار، فان الجار يتعمد الاضرار بجاره فيتسرب الماء الى بيته و ما أشبه ذلك، و كل هذا منفى شرعا، و قد أخذ العلماء من هذا الحديث مسائل كثيرة فى باب الجوار و غيره، و ما أحسن أن يراجع الانسان عليها ما ذكره العلماء فى باب الصلح و حكم الجوار


الحديث الثالث و الثلاثون

البينة و اليمين

عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم و دماءهم، لكن البينة على المدعى، و اليمين على من أنكر" حديث حسن، رواه البيهقى و غيره هكذا، و بعضه فى الصحيحين.

الشرح

قوله: "لو يعطى الناس بدعواهم" أى: بما يدعونه على غيرهم، و ليعلم أن اضافة الشىء تكون على أوجه:
الأول: أن يضيف لنفسه شيئا لغيره، مثل أن يقول: "لفلان على كذا" فهذا اقرار.
و الثانى: أن يضيف شيئا لنفسه على غيره، مثل أن يقول: "لى على فلان كذا و كذا" فهذه دعوى.
و الثالث: أن يضيف شيئا لغيره على غيره، مثل أن يقول: "لفلان على فلان كذا و كذا" فهذه شهادة.

و الحديث الآن فى الدعوى، فلو أدعى شخص على آخر قال: "أنا أطلبك مائة درهم مثلا" فانه لو قبلت دعواه لادعى رجال أموال قوم و دماءهم، و كذلك لو قال لآخر: "أنت قتلت أبى" بدون بينة لكان ادعى دمه، و هذا يعنى أنها لا تقبل دعوى الا ببينة، و لهذا قال: "لكن البينة على المدعى" فاذا ادعى انسان على آخر شيئا قلنا: أحضر البينة، و البينة كل ما بان به الحق سواء كانت شهودا أو قرائن حسية أو غير ذلك.
"و اليمين على من أنكر" أى: من أنكر دعوى خصمه اذا لم يكن لخصمه بينة.
فاذا قال زيد لعمرو: "أنا أطلبك مائة درهم" قال عمرو: لا، قلنا لزيد: ائت ببينة، فان لم يأتى بالبينة، قلنا لعمرو: احلف على نفى ما ادعاه، فاذا حلف برىء.
و هذا الحديث فيه فوائد: منها أن الشريعة الاسلامية حريصة على حفظ أموال الناس و دمائهم، لقوله: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم و دماءهم".
و من فوائد هذا الحديث: أن المدعى اذا أقام بينة على دعواه حكم له بما ادعاه، لقوله عليه الصلاة و السلام: "لكن البينة على المدعى".
و البينة كل ما يبين به الحق و يتضح كما –أسلفنا فى الشرح- ، و ليست خاصة بالشاهدين أو الشاهد، بل كل ما أبان الحق فهو بينة.

و من فوائد الحديث: أن اليمين على من أنكر، أى: من أنكر دعوى المدعى.
و من فوائده: أنه لو أنكر المنكر و قال: "لا أحلف" فانه يقضى عليه بالنكول.
ووجه ذلك أنه اذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجب عليه، فيحكم عليه به


الحديث الرابع و الثلاثون

تغيير المنكر

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الايمان" رواه مسلم.

الشرح:
قوله: "من رأى" من هذه شرطية و هى للعموم، و قوله: "رأى" يحتمل أن يكون المراد رؤية البصر، أو أن المراد رؤية القلب، و هى العلم، و الثانى أشمل و أعم، و قوله: "منكرا" المنكر هو: ما أنكره الشرع و هو ما حرمه الله عز و جل أو رسوله، قوله: "فليغيره بيده" اللام هذه للأمر، أى: يغير هذا المنكر بأن يحوله الى معروف، اما بمنعه مطلقا أى: بتحويله الى شىء مباح، "بيده" ان كان له قدرة اليد، قوله: "فان لم يستطع" أى: أن يغيره بيده، "فبلسانه" بأن يقول لفاعله: اتقى الله، اتركه، و ما أشبه ذلك، "فان لم يستطع" باللسان، بأن خاف على نفسه أو كان أخرس لا يستطيع الكلام "فبقلبه" أى: يغيره بقلبه و ذلك بكراهته اياه، و قال: "و ذلك أضعف الايمان" أى: أن كونه لا يستطيع أن يغيره الا بقلبه هو أضعف الايمان.

ففى هذا الحديث فوائد:
أولا: وجوب تغيير المنكر على هذه الدرجات و المراتب باليد أولا، و هذا لا يكون الا للسلطان، و ان لم يستطع فبلسانه و هذا يكون لدعاة الخير الذين يبينون للناس المنكرات.
و من فوائده: أن من لا يستطيع لا بيده و لا بلسانه فليغير بقلبه.
و من فوائد هذا الحديث: تيسير الشرع و تسهيله حيث رتب هذه الواجبات على الاستطاعة لقوله: "فان لم تستطع"، "فان لم يستطع".
و من فوائد هذا الحديث: أن الايمان يتفاوت، بعضه ضعيف و بعضه قوى و هذا مذهب أهل السنة و الجماعة و له أدلة من القرآن و السنة على أنه يتفاوت.
و ليعلم أن المراتب ثلاث: دعوة، أمر، تغيير.
فالدعوة أن يقوم الداعى فى المساجد أو فى أماكن تجمع الناس و يبين لهم الشر و يحذرهم منه و يبين الخير و يرغبهم فيه.
و الآمر بالمعروف و الناهى عن المنكر: هو الذى يأمر الناس و يقول: افعلوا، أو ينهاهم و يقول: لا تفعلوا.
و المغير: هو الذى يغير بنفسه اذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته و لا لأمره و نهيه


الحديث الخامس و الثلاثون

أخوة الاسلام

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "لا تحاسدوا، و لا تناجشوا، و لا تباغضوا, و لا تدابروا, و لا يبع بعضكم على بيع بعض, و كونوا عباد الله اخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، و لا يخذله, و لا يكذبه, و لا يحقره، التقوى هاهنا – و يشير الى صدره ثلاث مرات – بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه و ماله و عرضه" رواه مسلم.

الشرح

قوله: "تحاسدوا" هذا نهى عن الحسد، و الحسد هو كراهة ما أنعم الله على أخيك من نعمة دينية أو دنيوية سواء تمنيت زوالها أم لم تتمن, فمتى كرهت ما أعطى الله أخاك من النعم فهذا هو الحسد.
"و لا تناجشوا" قال العلماء: المناجشة أن يزيد فى السلعة، أى: فى ثمنها فى المناداة و هو لا يريد شراءها، و انما يريد نفع البائع أو الاضرار بالمشترى.
"و لا تباغضوا" البغضاء هى الكراهة، أى: لا يكره بعضكم بعضا.
"و لا تدابروا" أن يولى كل واحد الآخر دبره بحيث لا يتفق الاتجاه.
"و لا يبع بعضكم على بيع بعض" يعنى: لا يبيع أحد على بيع أخيه, مثل أن يشترى انسان سلعة بعشرة فيذهب آخر الى المشترى و يقول: أنا أبيع عليك بأقل، لأن هذا يفضى الى العداوة و البغضاء.
"و كونوا عباد الله اخوانا" كونوا يا عباد الله اخوانا، أى: مثل الاخوان فى المودة و المحبة و الألفة و عدم الاعتداء ثم أكد هذه الأخوة بقوله: "المسلم أخو المسلم" للجامع بينهما و هو الاسلام و هو أقوى صلة تكون بين المسلمين.
"لا يظلمه" أى: لا يعتدى عليه، "و لا يخذله" فى مقام يحب أن ينتصر فيه، "و لا يكذبه" أى: لا يخبره بحديث كذب، "و لا يحقره" أى: يستهين به, "التقوى هاهنا" يعنى: تقوى الله تعالى محلها القلب، فاذا اتقى القلب اتقت الجوارح، "و يشير الى صدره ثلاث مرات" يعنى: يقول التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، ثم قال: "بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم" بحسب يعنى: حسب، فالباء زائدة, و الحسب الكفاية، و المعنى لو لم يكن من الشر الا أن يحقر أخاه لكان هذا كافيا, "المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه" دمه فلا يجوز أن يعتدى عليه بقتل أو فيما دونه، "و ماله" لا يجوز أن يعتدى على ماله بنهب أو سرقة أو جحد أو غير ذلك، "و عرضه" أى سمعته، فلا يجوز أن يغتابه فيهتك بذلك عرضه.
فوائد الحديث:
أولا: النهى عن الحسد، و النهى للتحريم, و الحسد له مضار كثيرة منها:
أنه كره لقضاء الله و قدره, و منها أنه عدوان على أخيه, و منها أن يوجب فى قلب الحاسد حسرة, كلما ازدادت النعم ازدادت هذه الحسرة فيتنكد عليه عيشه.
و من الفوائد: تحريم المناجشة لما فيها من العدوان على الغير, و كونها سببا للتباغض و أسبابه, فلا يجوز للانسان أن يبغض أخاه أو أن يفعل سببا جالبا للبغض.
و من فوائد الحديث: تحريم التدابر, و هو أن يولى أخاه ظهره, و لا يأخذ منه, و لا يستمع اليه, لأن هذا ضد الأخوة الايمانية.
و من فوائده: تحريم البيع على بيع المسلم، و مثله الشراء على شرائه، و الخطبة على خطبته, و الاجارة على اجارته و غير ذلك من حقوقه.
و منها: وجوب تنمية الأخوة الايمانية لقوله: "و كونوا عباد الله اخوانا".
و منها: بيان حال المسلم مع أخيه, و أنه لا يظلمه، و لا يخذله, و لا يكذبه, و لا يحقره، لأن كل هذا ينافى الأخوة الايمانية.
و من فوائده: أن محل التقوى هو القلب, فاذا اتقى القلب اتقت الجوارح.
و ليعلم أن هذه الكلمة يقولها بعض الناس اذا عمل معصية و أنكر عليه, قال: التقوى هاهنا, و هى كلمة حق, لكنه أراد بها باطلا, و هذا جوابه أن نقول: لو كان هنا تقوى لاتقت الجوارح؛ لان النبى صلى الله عليه و سلم يقول: "بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم" و ذلك لما يترتب على احتقار المسلم من المفاسد.
و من فوائد هذا الحديث: تحريم دم المسلم, و ماله, و عرضه, و هذا هو الأصل, لكن توجد أسباب تبيح ذلك؛ و لهذا قال الله سبحانه و تعالى: (انما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون قى الأرض بغير الحق)(الشورى:42), (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل)(الشورى:41).
و من فوائد هذا الحديث: أن الأمة الاسلامية لو اتجهت بهذه التوجيهات, لنالت سعادة الدنيا و الآخرة؛ لأنها كلها آداب عظيمة عالية راقية, تحصل بها المصالح و تنكف بها المفاسد


الحديث السادس و الثلاثون

أعمال البر و جزاؤها

عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، و من يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا و الآخرة، و من ستر مسلما ستره الله فى الدنيا و الآخرة، و الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه، و من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة، و ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة، و غشيتهم الرحمة، و حفتهم الملائكة، و ذكرهم الله فيمن عنده، و من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" رواه مسلم بهذا اللفظ.

الشرح

قال النووى – رحمه الله تعالى – فى الأربعين النووية: الحديث السادس و الثلاثون، عن أبى هريرة – رضى الله عنه – عن النبى صلى الله عليه و سلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" و الكرب يعنى: الشدة و الضيق و الضنك، و التنفيس معناه: ازالة الكربة و رفعها، و قوله: "من كرب الدنيا" يعم المالية و البدنية و الأهلية و الفردية و الجماعية، "نفس الله عنه" أى: كشف الله عنه و أزال "كربة من كرب يوم القيامة" و لا شك أن كرب يوم القيامة أعظم و أشد من كرب الدنيا، فاذا نفس عن المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، "و من يسر على معسر" أى: سهل عليه و أزال عسرته، "يسر الله عليه فى الدنيا و الآخرة" و هنا صار الجزاء فى الدنيا و الآخرة ، و فى الكرب كربة من كرب يوم القيامة؛ لأن كرب يوم القيامة عظيمة جدا. "ومن ستر مسلما" أى: ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أو دينيا أو دنيويا اذا ستره و غطاه حتى لا يتبين للناس. "ستره الله فى الدنيا و الآخرة" أى: حجب عيوبه عن الناس فى الدنيا و الآخرة.
ثم قال صلى الله عليه و سلم كلمة جامعة مانعة، قال:"و الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه" أى: أن الله تعالى يعين الانسان على قدر معونته أخيه كما و كيفا و زمنا، فما دام الانسان فى عون أخيه فالله فى عونه، و فى حديث آخر:"من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته" و قوله:"من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة" يعنى: من دخل طريقا و صار فيه يلتمس العلم، و المراد به العلم الشرعى، سهل الله له به طريقا الى الجنة؛ لأن الانسان اذا علم شريعة الله تيسر عليه سلوكها، و معلوم أن الطريق الموصل الى الله هو شريعته، فاذا تعلم الانسان شريعة الله سهل الله له به طريقا الى الجنة، "و ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله" و المراد به المسجد، فان بيوت الله هى المساجد؛ قال الله تعالى: (فى بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه)(النور:36) ، و قال: (و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)(الجن:18) ، و قال: (و من أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه)(البقرة:114) ، فأضاف المساجد اليه؛ لأنها موضع ذكره، قوله: "يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم" يتلونه: أى: يقرءونه، و يتدارسونه: أى يدرس بعضهم على بعض، "الا نزلت عليهم السكينة، و غشيتهم الرحمة، و حفتهم الملائكة" نزلت عليهم السكينة يعنى: فى قلوبهم، و هى الطمأنينة و الاستقرار، و غشيتهم الرحمة: غطتهم و شملتهم، و حفتهم الملائكة: صارت من حولهم، "و ذكرهم الله فيمن عنده" أى: من الملائكة، "و من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" أى: من تأخر من أجل عمله السىء فان نسبه لا يغنيه، و لا يرفعه، و لا يقدمه، و النسب هو الانتساب الى القبيلة و نحو ذلك.

فى هذا الحديث فوائد:
أولا: الترغيب فى تنفيس الكرب عن المؤمنين, لقوله صلى الله عليه و سلم: :من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".

و من فوائده: الاشارة الى القيامة، و أنها ذات كرب، و قد بين ذلك الله تعالى فى قوله: (يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شىء عظيم(1)يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد)(الحج:1،2).

و من فوائد هذا الحديث: تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمين, و يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد.

و من فوائد الحديث: الترغيب فى التيسير على المعسرين، لقوله صلى الله عليه و سلم: "من يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا و الآخرة" و التيسير على المعسر يكون بحسب عسرته؛ فالمدين مثلا الذى ليس عنده مالا يوفى به يكون التيسير عليه اما بانظاره، و اما بابرائه, و ابراؤه أفضل من انظاره, و التيسير على من أصيب بنكبة أن يعان فى هذه النكبة، و يساعد و تهون عليه المصيبة, و يوعد بالأجر و الثواب و غير ذلك، المهم أن التيسير يكون بحسب العسرة التى أصابت الانسان.

و من فوائد هذا الحديث: الترغيب فى ستر المسلم لقوله صلى الله عليه و سلم: "من ستر مسلما ستره الله فى الدنيا و الآخرة" و المراد بالستر: هو اخفاء العيب، و لكن الستر لا يكون محمودا الا اذا كان فيه مصلحة, و لم يتضمن مفسدة, فمثلا المجرم اذا أجرم لا نستر عليه اذا كان معروفا بالشر و الفساد, و لكن الرجل الذى يكون مستقيما فى ظاهره ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا؛ فالستر ينظر فيه الى المصلحة، فالانسان المعروف بالشر و الفساد لا ينبغى ستره، و الانسان المستقيم فى ظاهره و لكن جرى منه ما جرى هذا هو الذى يسن ستره.

و من فوائد هذا الحديث: الحث على عون العبد المسلم و أن الله تعالى يعين المعين حسب اعانته لأخيه لقوله صلى الله عليه و سلم: "و الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه" و هذه الكلمة يرويها بعض الناس "ما دام العبد", و لكن الصواب: "ما كان العبد فى عون أخيه" كما قاله صلى الله عليه و سلم.

و من فوائد هذا الحديث: الحث على طلب العلم لقوله صلى الله عليه و سلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة" و قد سبق فى الشرح معنى الطريق و أنه قسمان حسى و معنوى.

و من فوائد هذا الحديث: فضيلة اجتماع الناس على قراءة القرآن، لقوله: "و ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ...الخ".

و من فوائده: أن حصول هذا الثواب لا يكون الا اذا اجتمعوا فى بيت الله، أى: فى مسجد من المساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها.

و من فوائد هذا الحديث: بيان حصول هذا الأجر العظيم, تنزل عليهم السكينة, و هى الطمأنينة القلبية و تغشاهم الرحمة أى: تغطيهم و تحفهم الملائكة أى: تحيط بهم من كل جانب, و يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالى عند ملأ، و قد قال الله تعالى فى الحديث القدسى: "من ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم".

و من فوائد هذا الحديث: أن النسب لا ينفع اذا لم يكن العمل الصالح، لقوله: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".

و من فوائد هذا الحديث: أنه ينبغى للانسان أن لا يغتر بنفسه، و أن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة