عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-2007, 09:19 PM   رقم المشاركة : 3
مرحبا بالجميع
Band
 





مرحبا بالجميع غير متصل

الجزء الثالث :

ومع ذلك فان معناها بعد هذا التأويل لا ينطبق على الواقع، ولم يوجد في الواقع، فكون رئيس الدولة والحكومة وأعضاء البرلمان ينتخبون بأكثرية أصوات الشعب، وان مجلس النواب هو التجسيد السياسي للإرادة العامة لجماهير الشعب، وانه يمثل أكثرية الشعب هو ابعد ما يكون عن الحقيقة والواقع، إذ إن أعضاء البرلمان إنما انتخبوا نواباً من أقلية الشعب، وليس من أكثريته، إذ إن مركز العضو الواحد في البرلمان يترشح له عدة أشخاص، وليس شخصاً واحداً، وبذلك تتوزع أصوات المقترعين في الدائرة على المرشحين، ومن ينال أكثر أصوات المقترعين في الدائرة لا يكون حائزاً على أكثرية أصوات من لهم حق الانتخاب في الدائرة، وبالتالي يكونون مفوضين من هذه الأقلية وممثلين لها، وليسوا مفوضين من الأكثرية الشعبية ولا ممثلين لها.

وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس الدولة، سواء أكان انتخابه من الشعب مباشرة، أم بواسطة أعضاء البرلمان، فانه لا ينتخب بأكثرية أصوات الشعب، بل بأقلية الأصوات، كما هو حاصل مع أعضاء البرلمانات.

هذا فضلاً عن إن رؤساء الدولة وأعضاء البرلمانات في اعرق البلاد الديمقراطية كأمريكا وبريطانيا يمثلون إرادة الرأسماليين، من رجال الأعمال وكبار الملاك، ولا يمثلون إرادة الشعب، ولا إرادة أكثريته، فإن كبار الرأسماليين هم الذين يوصلون إلى سدة الحكم، وإلى المجالس النيابية من يحقق لهم مصالحهم، فهم الذين يدفعون نفقات الانتخابات لرئاسة الدولة، ولعضوية البرلمانات، وبذلك تكون لهم السيطرة على رؤساء الدول، وعلى أعضاء البرلمانات. وهذا واقع معروف في أمريكا.

وفي بريطانيا فان المحافظين هم الحكام، وحزب المحافظين يمثل كبار الرأسماليين من رجال الأعمال والملاك، وطبقة اللوردات الأرستقراطية، ولا يأتي حزب العمال إلى الحكم إلا عند حصول حالة سياسية، تقتضي ابتعاد المحافظين عن الحكم.

ولذلك فالحكام وأعضاء البرلمانات في أمريكا وبريطانيا إنما يمثلون الرأسمالية، ولا يمثلون إرادة الشعب، ولا إرادة أكثريته.

ولهذا فان القول إن البرلمانات في البلاد الديمقراطية تمثل رأي الأكثرية هو كذب وتضليل، وان القول إن الحكام يختارون من أكثرية الشعب، وإنهم يستمدون سلطتهم من الشعب هو كذب وتضليل كذلك.

والتشريعات التي تسن في تلك البرلمانات، والقرارات التي تصدرها تلك الدول تكون آخذة بعين الاعتبار مصالح هؤلاء الرأسماليين أكثر من أخذها مصالح الشعب، أو أكثريته بالاعتبار.


ثم إن القول بان الحاكم مسؤول أمام البرلمان الذي يجسد الإرادة العامة للشعب، وانه لا يتخذ القرارات الكبيرة إلا بعد موافقة أكثرية أعضاء البرلمان هو قول لا ينطبق على الحقيقة والواقع، فإيدن أعلن حرب السويس على مصر دون أن يعلم البرلمان، ودون أن يعلم الوزراء شركاءه في الحكم غير وزيرين أو ثلاثة، وداليس أيام حرب السويس طلب منه الكونغرس ملف السد العالي، والأسباب التي أدت إلى سحب عرض تمويله فرفض رفضاً باتاً أن يسلم الملف إلى الكونغرس، وديغول كان يتخذ القرارات دون أن يدري بها وزراؤه، وحتى الملك حسين يتخذ القرارات الهامة والخطيرة دون أن يدري بها الوزراء، أو أعضاء البرلمان.

هذا في البلاد الديمقراطية العريقة.
أما البرلمانات في العالم الإسلامي فهي اقل شأناً وهي اسم على غير مسمى، إذ لا يجرؤ أي برلمان في العالم الإسلامي أن يتعرض لشخص الحاكم، أو أن يتحداه. أو أن يتحدى نظام حكمه،
فالبرلمان الأردني على سبيل المثال – وقد انتخب باسم إعادة الديمقراطية وتوفير الحريات – لم يجرؤ أن يتعرض لمحاسبة الملك حسين، أو لفساد حكمه مع علم جميع أعضاء البرلمان أن الفساد والانهيار الاقتصادي إنما من فساد العائلة المالكة، ومن سرقتها للأموال، ومع ذلك لم يتعرض أي عضو من أعضاء البرلمان لذلك، وإنما تعرضوا لزيد الرفاعي ولبعض الوزراء مع أنهم يعرفون إن زيد الرفاعي والوزراء ما هم إلا موظفون صغار، لا يجرؤون على أن يتصرفوا أي تصرف دون أن يكون بإذن الملك وعلمه.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن القوانين في الغالب إنما تسنها الحكومة كمشاريع قوانين، ثم ترسلها إلى البرلمان فتدرسها اللجان المختصة وتعطي رأيها فيها ثم يصادق عليها أعضاء البرلمان، وكثير منهم لا يعرفون من واقع هذه القوانين شيئاً، لأنها ليست من اختصاصهم.
لذلك فإن القول إن التشريعات التي تصدرها البرلمانات في البلاد الديمقراطية هي التي تعبر عن الإرادة العامة للشعب، وإنها تمثل سيادة الشعب هو قول يخالف الحقيقة والواقع.


ومن المساوئ البارزة في النظام الديمقراطي فيما يتعلق بالحكم والحكومات انه إذا لم يكن في البلد الديمقراطي أحزاب كبيرة يمكنها أن تحصل على الأغلبية المطلقة في البرلمان، وبالتالي يمكنها أن تشكل الحكومة وحدها، فإن الحكم في مثل هذا البلد يبقى غير مستقر، وتبقى الحكومات فيه واقعة تحت وطأة أزمات سياسية متلاحقة بشكل مستمر، لأنه من الصعوبة على الحكومة فيه أن تحصل على ثقة الأغلبية البرلمانية، مما يضطرها إلى الاستقالة، وقد تمر شهور دون أن يتمكن رئيس الدولة من تشكيل حكومة جديدة، مما سيبقي الحكم في البلد مشلولاً، وشبه معطل، وقد يضطر رئيس الدولة لحل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة، بغية تغيير الموازين، حتى يتمكن من تشكيل حكومة جديدة. وهكذا دواليك يبقى الحكم في البلد غير مستقر، وتبقى سياسته مهتزة وشبه معطلة. وذلك كايطاليا واليونان وامثالهما من البلدان الديمقراطية التي فيها أحزاب كثيرة، ولا يوجد فيها حزب كبير يستطيع أن يحصل على الأغلبية المطلقة، لذلك تبقى المساومة بين الأحزاب قائمة، وقد تتحكم الأحزاب الصغيرة في الأحزاب الأخرى التي تعرض عليها أن تشاركها في تشكيل الحكومة، فتفرض شروطاً صعبة لتحقيق مصالحها الخاصة، وبذلك تتحكم الأحزاب الصغيرة التي لا تمثل إلا القلة بالأحزاب الأخرى، كما تتحكم في سياسات البلد، وقرارات الحكومة فيه.

وإن من أشد ما بليت به الإنسانية ما جاء به النظام الديمقراطي من فكرة الحريات العامة، التي ترتب عليها ما ترتب من ويلات للبشرية، ومن انحدار المجتمعات في البلدان الديمقراطية إلى مستوى أحط من مستوى قطعان البهائم.

ذلك إن فكرة حرية التملك، وكون النفعية هي مقياس الأعمال ترتب عليهما وجود الرأسمالية الضخمة، التي أصبحت في حاجة إلى المواد الخام لتشغيل مصانعها، وإلى أسواق استهلاكية لتسويق منتجاتها، مما دفع هذه الدول الرأسمالية إلى التنافس على استعمار العالم المتأخر، والاستيلاء على ثرواته، والاستئثار بخيراته، وامتصاص دماء شعوبه، بشكل يتناقض تناقضاً كلياً مع كل القيم الروحية والخلقية و الإنسانية.

وقد حدت شدة الجشع والطمع بين هذه الدول الرأسمالية، وتجردها من القيم الروحية والخلقية و الإنسانية، وتسابقها على الكسب الحرام إلى المتاجرة بدماء الشعوب، وإلى إيقاد الفتن والحروب بين الدول والشعوب لتتمكن من بيع منتوجاتها وتصريف صناعتها العسكرية التي تدر عليها الأرباح الطائلة.

وكم هو مثير للسخرية، والاشمئزاز تبجح دول الديمقراطية الاستعمارية بشكل وقح، كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وتشدقها بالقيم الديمقراطية،وبحقوق الإنسان في الوقت الذي تدوس فيه هذه الدول كل القيم الإنسانية والخلقية، وتهدر فيه جميع حقوق الإنسان، بل ودماء الإنسان. ففلسطين، وجنوبي شرقي أسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا السوداء، وجنوب أفريقيا خير دليل يصفع وجوههم، ويبرز مدى كذبهم ودجلهم ومدى وقاحتهم وصفاقة وجوههم.

أما فكرة الحرية الشخصية فقد أوصلت المجتمعات في البلاد الديمقراطية إلى مجتمعات بهيمية منحطة، وأوصلتها إلى مستوى من الإباحية القذرة لم تصل إليه البهائم. وصدق الله حيث قـال (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ) الفرقان.

وقد أصبحت ممارسة الجنس مباحة في هذه المجتمعات الديمقراطية كشرب الماء بنصوص قانونية شرَّعتها برلمانات تلك الدول الديمقراطية، ووافقت عليها كنائسها، وقد أباحت هذه التشريعات ممارسة الجنس، والمعاشرة بين الذكور والإناث بمنتهى الحرية، إذا بلغ كل منهم الثامنة عشرة من عمره، دون أن تملك الدولة، أو الآباء أي سلطان لمنع هذه الممارسات الجنسية.
ولم يقتصر الأمر على تشريع إباحة الممارسات الطبيعية، بل تعداه إلى تشريع إباحة الممارسات الجنسية الشاذة، بل أباحت أيضا بعض البلدان الديمقراطية الزواج بين الشاذين جنسياً، بحيث أباحت للرجل أن يتزوج الرجل، وللأنثى أن تتزوج الأنثى.
لذلك فان من المظاهر الطبيعية والعادية أن ترى في الشوارع والطرقات والحدائق والأتوبيسات والحافلات الشباب والشابات يتبادلون القبل والضم والعناق والمداعبة، وقلة الحياء دون أن يثير ذلك أي انتباه، أو أي استغراب، لأنه يعتبر من الأمور العادية والطبيعية عندهم.


كما أنه من الأمور الطبيعية أن تغتنم النساء بروز الشمس في الصيف فيستلقين في الحدائق عاريات كما ولدتهن أمهاتهن إلا من ورقة التوت يسترن بها السوأتين، كما إن من الأمور العادية والطبيعية أن تسير النساء في الصيف شبه عاريات لا يسترن إلا القليل من أجسادهن. وقد أصبحت الممارسات الجنسية الشاذة والغريبة تملأ هذه المجتمعات الديمقراطية المنحطة، فكثرت اللواطة بين الذكور، والسحاق بين الإناث، وتعاطي الجنس مع البهائم والحيوانات، كما كثرت الممارسات الجنسية الجماعية بين عدة أشخاص ذكوراً وإناثا يمارسون الجنس سوية مع بعضهم في وقت واحد، مما لم يوجد مثله في حظائر البهائم والحيوانات.

وقد نشرت إحصائية في إحدى الصحف الأمريكية تقول : إن هناك 25 مليون شاذ في أمريكا يطالبون بالاعتراف بشرعية الزواج بينهم، وإعطائهم حقوقاً مثل حقوق غير الشاذين. كما نشرت إحدى الصحف إن مليون شخص في أمريكا يمارسون الجنس مع أرحامهم من الأمهات والبنات والأخوات.

وقد نتج عن هذه الإباحية البهيمية انتشار الأمراض الجنسية وأشدها فتكاً " الإيدز" كما نتج عنها كثرة أبناء الزنا حتى إن إحدى الصحف نشرت أن 75% من الإنجليز أبناء سفاح.

وقد تفسخت الأسرة في هذه المجتمعات، وفقد التراحم بين الآباء والأبناء والأمهات والإخوة والأخوات. حتى صار من الأمور الطبيعية أن يشاهد العشرات، بل المئات من الرجال والنساء المتقدمين في السن يسيرون في الشوارع، ويرتادون الحدائق مصطحبين معهم الكلاب التي تشاركهم سكنهم ومأكلهم، بل ونومهم، وتكون المؤنس لهم في وحدتهم، لان كلاً منهم يعيش وحيداً لا أنيس له ولا جليس إلا الكلب.

هذه نماذج مما أنتجتها قيم الديمقراطية من الحريات العامة التي يتغنون بها، وهي شكل من أشكال وجهها الحضاري، الذي يفتخرون به، ويدعون إليه، ويحملونه إلى العالم، ليشاركهم في هذا الوجه الحضاري القبيح. وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى فساد هذه الديمقراطية وعفنها، ونتن رائحتها.

يتبع بإذن الله
ـــــــــــــــــ