الجزء الثاني :
والديمقراطية انبثقت عن عقيدة فصل الدين عن الحياة،
وهي العقيدة التي قام عليها المبدأ الرأسمالي.
وهي عقيدة الحل الوسط المائعة، التي تمخض عنها الصراع بين الملوك والقياصرة في أوروبا وروسيا، وبين الفلاسفة والمفكرين، إذ كان الملوك والقياصرة يتخذون الدين وسيلة لاستغلال الشعوب، وظلمهم ومص دمائهم، بزعم أنهم وكلاء الله في الأرض وكانوا يتخذون رجال الدين مطية لذلك.
فنشأ صراع رهيب بينهم وبين شعوبهم قام أثنائه فلاسفة ومفكرون،
منهم من أنكر وجود الدين مطلقاً،
ومنهم من اعترف به، ولكنه نادى بفصله عن الحياة، وبالتالي عن الدولة والحكم.
وقد انجلى هذا الصراع عن فكرة الحل الوسط فكرة فصل الدين عن الحياة ونتج عن ذلك طبيعياً فصل الدين عن الدولة.
فكانت هذه الفكرة هي العقيدة التي قام عليها المبدأ الرأسمالي، وكانت هي قاعدته الفكرية، التي بنى عليها جميع أفكاره، والتي عين على أساسها اتجاهه الفكري، ووجهة نظره في الحياة.
وعلى أساسها عالج جميع المشاكل في الحياة.
فهي القيادة الفكرية التي يحملها الغرب، ويدعو العالم إليها.
ولما كانت هذه العقيدة قد أبعدت الدين والكنيسة عن الحياة والدولة، وبالتالي عن تشريع الأنظمة والقوانين، وعن تنصيب الحكام وإمدادهم بالسلطة،
كان لا بد للشعب أن يختار نظامه بنفسه،
وأن يضع أنظمته وقوانينه،
وأن يقيم الحكام،
الذين يحكمونه بهذه الأنظمة والقوانين،
والذين يستمدون سلطتهم من الإرادة العامة لجماهير الشعب.
ومن هنا انبثق النظام الديمقراطي، فكانت فكرة فصل الدين عن الحياة هي عقيدته التي انبثق عنها، وقاعدته الفكرية التي بنى عليها جميع الأفكار الديمقراطية.
والديمقراطية تقوم على أساس فكرتي :
أ- السيادة للشعب.
ب – والشعب مصدر السلطات.
وهما الفكرتان اللتان جاء بهما الفلاسفة والمفكرون في أوروبا، أثناء صراعهم مع الأباطرة والملوك للقضاء على فكرة الحق الإلهي، التي كانت سائدة في أوروبا آنذاك، والتي بموجبها كان الملوك يعتبرون أن لهم حقاً إلهيا على الشعب،
وأنهم وحدهم الذين يملكون التشريع،
ويملكون الحكم والقضاء، وأنهم هم الدولة،
وان الشعب رعية لهم،
وانه لا حق له في التشريع، ولا في السلطة، ولا في القضاء، ولا في أي شيء، فهو بمقام العبد لا رأي له، ولا إرادة، وإنما عليه الطاعة والتنفيذ.
فجاءت هاتان الفكرتان لإلغاء فكرة الحق الإلهي إلغاءا تاما، وجعل التشريع والسلطة للشعب.
ذلك أن الشعب هو السيد، وانه ليس عبداً للملوك، فهو سيد نفسه، ولا سيادة لأحد عليه، فيجب أن يكون مالكاً لإرادته ، ويجب أن يكون مسيراً لإرادته ، وإلا لكان عبداً، لأن العبودية تعني أن يسير بإرادة غيره فإذا لم يسير إرادته بنفسه يظل عبداً، فلتحرير الشعب من العبودية لا بد أن يكون له وحده حق تسيير إرادته ، فيكون له حق تشريع الشرع الذي يريده وإلغاء وإبطال الشرع الذي لا يريده، فهو صاحب السيادة المطلقة، وهو الذي له حق تنفيذ التشريع الذي يشرعه، فيختار الحاكم الذي يريده، والقاضي الذي يريده لتطبيق التشريع الذي يريده، فهو مصدر السلطات كلها، والحكام يستمدون سلطتهم منه.
وبنجاح الثورات ضد الأباطرة والملوك، وسقوط فكرة الحق الإلهي وضعت فكرتا : السيادة للشعب، والشعب مصدر السلطات موضوع التطبيق والتنفيذ.
وكانتا الأساس الذي قام عليه النظام الديمقراطي.
وصار الشعب هو المشرع باعتباره صاحب السيادة، وصار هو المنفذ باعتباره مصدر السلطات.
والديمقراطية هي حكم الأكثرية.
فأعضاء الهيئات التشريعية يختارون بأكثرية أصوات المقترعين من الشعب، وسن الأنظمة والقوانين، ومنح الثقة للحكومات، ونزعها منهم في المجالس النيابية تتخذ بالأكثرية، وجميع القرارات التي تصدر في المجالس النيابية، وفي مجلس الوزراء، وفي جميع المجالس والمؤسسات والهيئات تتخذ بالأكثرية.
وانتخاب الحكام من الشعب مباشرة أو بواسطة نوابه يكون بأكثرية أصوات المقترعين من أفراد الشعب.
ولهذا كانت الأكثرية هي السمة البارزة في النظام الديمقراطي، وكان رأي الأكثرية هو المعيار الحقيقي المعبر عن رأي الشعب حسب وجهة نظر النظام الديمقراطي.
هذا بيان موجز للديمقراطية ومعناها، ومصدرها، وكيفية نشوئها، والعقيدة التي انبثقت عنها، والأسس التي بنيت عليها، والأمور التي أوجبت توفرها لتمكين الشعب من تنفيذها.
ومن هذا البيان الموجز يتبين ما يلي :
1- إن الديمقراطية هي من وضع عقول البشر، وليست من الله، وهي لا تستند إلى وحي السماء، ولا تمت بصلة لأي دين من الأديان التي انزلها الله على رسله.
2- إنها انبثقت عن عقيدة فصل الدين عن الحياة، وبالتالي فصل الدين عن الدولة.
3- إنها قامت على أساس فكرتي :
أ- السيادة للشعب.
ب- والشعب مصدر السلطات.
4- إنها حكم الأكثرية وان اختيار الحكام وأعضاء المجالس النيابية تتم بأكثرية أصوات المقترعين. وان جميع القرارات فيها تتخذ بأكثرية الآراء.
5- إنها تقول بالحريات التي هي :
أ- حرية العقيدة
ب- حرية الرأي.
ج- حرية التملك.
د- الحرية الشخصية.
وتوجب توفرها لكل فرد من أفراد الرعية ليتمكن من ممارسة سيادته، وتسييرها بنفسه، وليتمكن من القيام بحقه في المشاركة باختيار الحكام، وأعضاء المجالس النيابية، بمنتهى الحرية دون ضغط أو إكراه .
ومن ملاحظة البند رقم 1 يتبين إن الديمقراطية من أنظمة الكفر، وأنها ليست من الإسلام، ولا تمت له بأية صلة.
وقبل أن نبين مناقضتها للإسلام، وحكم الشرع في أخذها نود أن نبين إن هذه الديمقراطية لم تطبق في أعرق الدول الديمقراطية، وإنها كلها مبنية على الكذب والتضليل، ونبين فسادها ونتنها، وما جرت على العالم من مصائب وويلات، ومدى فساد المجتمعات التي طبقت فيها.
فالديمقراطية بمعناها الحقيقي هي فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق، فلم توجد أبدا، ولن توجد، فان اجتماع الشعب كله في مكان واحد وعلى الدوام، للنظر في الشؤون العامة مستحيل، وان يتولى الشعب كله الحكم والإدارة مستحيل أيضا.
لذلك احتالوا على الديمقراطية وأولوها، وأوجدوا لها ما يسمى برئيس الدولة، وبالحكومة، وبالمجلس النيابي.
يتبع بإذن الله