عرض مشاركة واحدة
قديم 20-01-2007, 12:25 AM   رقم المشاركة : 4
الهدار
مشرف المنتدى الثقافي
 
الصورة الرمزية الهدار

‏إنها أشد بقع المقبرة سواداً ، وكأنها تناديني .. ‏ مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ ؟

أمشي محاذراً بين القبور .. ‏ وكلما تجاوزت قبراً تساءلت: ‏أشقي أم سعيد ؟ ..
‏شقي بسبب ماذا .. ‏أضيّع الصلاة ؟. ... ‏أم كان من أهل الغناء والطرب .. ‏أم كان من أهل الزنى .. ‏
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة .. ‏ وأن شبابه لن يفنى .. ‏ وأنه لن يموت كمن مات قبله ...‏أم أنه كان يقول : ما زال في العمر بقية ...
‏سبحان من قهر الخلق بالموت ....

أبصرت الممر ... ‏حتى إذا وصلت إليه ووضعت قدمي عليه أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري .. ‏وأنا ارفع نظري إلى الناحية الشرقية ..
‏ثم بدأت .. أولى خطواتي .. ‏ بدت وكأنها دهر .. ‏أين سرعة قدمي .. ‏ما أثقلهما الآن ..
‏تمنيت أن تطول المسافة ولا تـنـتهي ابداً .. ‏ لأنني أعلم ما ينـتظرني هناك .. ‏
اعلم ... ‏ فقد رأيت القبر كثيرا .. ‏ ولكن هذه المرة مختلفة تماماً ...
أفكار عجيبة .. ‏ أكاد أسمع همهمة خلف أذني .. ‏ نعم ... ‏أسمع همهمة جلـيّـة ....
‏وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني .. ‏ خفت أن أنظر خلفي .. ‏ خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد .. .. ‏ خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت ...
‏بالتأكيد أنها وسوسة من الشيطان .. لا يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعه ..

أخيراً ... أبصرت القبور المفتوحة .. ‏ أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها سواداً ..
‏كيف أتـتـني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟
‏بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟
‏وأي شئ ينـتظرني في الأسفل ؟
‏فكرت بالإكتفاء بالوقوف و أن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي ..
‏ولكن لا .. ‏لن أصل إلى هنا ثم أقف .. ‏يجب أن أكمل ..
‏ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة .... ‏بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي ....
ما أشد ظلمته .. ‏وما أشد ضيقه .... ‏
كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة .. ‏سبحان الله .. ‏

يبدو ‏أن الجو قد إزداد برودة .. ‏أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر...
‏هل هذا صوت الريح ؟! ‏ليس ريحاً .... ‏لا أرى ذرة غبار في الهواء !!! ...‏ هل هي وسوسة أخرى ؟؟؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ... ‏ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب ...

إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً ..
‏سبحان الله .. ‏نسعى لكي نحصل على كل شئ ... ‏وهذه هي النهاية : لاشئ ...
كم تنازعنا في الدنيا ؟.. ‏ اغتبنا .. ‏ تركنا الصلاة .. ‏ آثرنا الغناء على القرآن .. ‏
والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا .. ‏ وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل .. ‏

أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت ... ‏ وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم :
يا أهل القبور .. ‏ مالكم ؟ .. ‏ أين أصواتكم ؟ .. ‏أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟.. ‏
أين أموالكم .. ؟ ‏أين وأين .. ‏ كيف هو الحساب ؟ .. ‏
أخبروني عن ضمة القبر .. ‏ أتكسر الأضلاع ؟
أخبروني عن منكر و نكير .. ‏أخبروني عن حالكم مع الدود .. ‏
سبحان الله .. ‏ نستاء إذا قـدم لنا أهلنا طعام بارد أو لا يوافق شهيتـنا .. ‏واليوم .. نحن الطعام ..


يتبع