فضل عشر ذي الحجة
( 1 ) في فضل عشر ذي الحجة
* من فضائل عشر ذي الحجة أن الله تعالى أقسم بها جملة ، وببعضها
خصوصا ً . قال الله تعالى { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ }. وإنما أقسم
الله تعالى بمخلوقاتها لأنها تدل على بارئها ، وللإشارة إلى فضيلتها ومنفعتها
؛ ليعتبر الناس بها .. وقد ذهب المفسرون إلى أن الفجر أريد به فجر أول يوم من
عشر ذي الحجة . وقيل : بل أريد به فجر آخر يوم منه ، وهو يوم النحر . وعلى
جميع الأقوال ، فالعشر يشتمل على الفجر الذي أقسم الله به . وأما " الليالي
العشر " فهي عشر ذي الحجة ، وهو ما عليه جمهور المفسرين من السلف
وغيرهم ، وهو الصحيح عن ابن عباس . قال الحافظ ابن حجر في الفتح [ وأخرج
النسائي من حديث جابر رفعه قال : " العشر عشر الأضحى ، والشفع يوم
الأضحى ، والوتر يوم عرفة " ] وقال أيضا [ وللحاكم من حديث ابن عباس
قال : .." وليال عشر " .. عشر الأضحى ] .
* ومن فضائل هذه الأيام : أنها الأيام العشر التي أتمها الله تعالى لموسى عليه
الصلاة والسلام ، والتي كلم الله تعالى موسى في تمامها ، والتي كانت مرحلة
إعداد وتهيئة لمرحلة جديدة في تبليغ رسالة الله ودعوته ، وذلك في قول الله
تعالى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً } .
ـ قال ابن كثير " فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة ، والعشر هي ذي
الحجة ، قاله مجاهد ومسروق وابن جريج وروي عن ابن عباس وغيره . "
ـ يقول الأستاذ سيد : " لقد انتهت المرحلة الأولى من مهمة موسى التي أرسل
لها . انتهت مرحلة تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والهوان والنكال والتعذيب
بين فرعون وملئه ، وإنقاذهم من أرض الذل والقهر إلى الصحراء الطليقة !؟ ،
ولكن القوم لم يكونوا بعد على استعداد لهذه المهمة الكبيرة . مهمة الخلافة في
الأرض بدين الله ..... وكانت هذه المواعدة إعداداً لموسى فسه ، كي يتهيأ في
هذه الليالي للموقف الهائل العظيم ، ويستعد لتلقيه ، وكانت فترة الإعداد ثلاثين
ليلة ، أضيفت إليها عشر ، فبلغت أربعين ليلة ، يروض موسى فيها نفسه على
اللقاء الموعود ، وينعزل فيها عن شواغل الأرض ليغرق في هواتف السماء ،
ويعتكف فيها عن الخلق ليستغرق فيها في الخالق الجليل ، وتصفو روحه وتشف
وتستضيء ، وتتقوى عزيمته على مواجهة الموقف المرتقب وحمل الرسالة
الموعودة .... " .
ـ وكأن المعني بهذا الكلام كل داعية يبتغي إعادة الرسالة إلى الأرض ، وكل
مسلم ينشد تهيئة روحه لما هو آت ، والله أعلم بما هو آت !! ، . وكأن الخوف من
تقلبات النفس التي تمثلت في بني إسرائيل ، كأنها خطر داهم يحرص على
تفاديه كل من أراد النجاة من عقبات اليوم الآخر وعقوباته .
ـ ولا يكون العيش مع النصوص القرآنية بمعزل عن الواقع ، فلا يقف فهم النص
على بيئة بني إسرائيل التي خرجوا منها وفروا من فرعون وجنده ، ولا على
مصر فرعون أو فرعون مصر ، ولا على صحراء سيناء .....؛ وإنما النص القرآني
يهيمن على كل بيئة مشابهة ، وحال مقارب ، وظرف مماثل ، ونفس أمّارة بالسؤ
، ومحبة للدعوة والراحة ، غير سالمة من آفات البيئة القديمة ، وما فيها من معان
سلبية بالية ، ولو على مستوى النظر والاعتبار ، وإذا كان الله سبحانه قد أنزل
على بني إسرائيل المن والسلوى إذ هم في الصحراء ، فإن صحراء القلوب
لتحتاج إلى مِنة من الله تعالى أن ينزل عليها اليقين والصبر والثبات والصدق في
جميع الأمر ، فيغتنم المؤمن أوقاتاً كانت لإعداد غيره ، عله يناله منها بعض
إعداد ... وهو فضل الله يؤتيه من يشاء .. والله واسع عليم .
* و " عشر ذي الحجة " هي ذات الأيام التي أكمل الله الدين لمحمد عليه الصلاة
والسلام ، وذلك في قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ } . وهي أكبر النعم ، وقعت يوم عرفة من
هذه الأيام المباركة ، نعمة أكمال الدين ، فلا يحتاج زيادة أبداً ، وقد أتمه الله
فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا ، وإنما مدار الأمر على مدى
تمسك المسلم بهذا الدين ، وإن تبدلت به الأحوال وتغيرت عليه الأوطان .
ـ ذكر ابن كثير في تفسيره : ـ لَمَّا نَزَلَتْ " الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ" وَذَلِكَ يَوْم
الْحَجّ الْأَكْبَر بَكَى عُمَر فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ :
أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَة مِنْ دِيننَا فَأَمَّا إِذَا أُكْمِلَ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْمَل شَيْء إِلَّا نَقَصَ
فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقْت . وَيَشْهَد لِهَذَا الْمَعْنَى الْحَدِيث الثَّابِت " إِنَّ
الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" .
ـ وهذا سيد يبدع من جديد ، ويحثنا على أن نقف مع هذه الحادثة بوقفات ثلاث :
فيقول : " إن المؤمن يقف أولا : أمام إكمال هذا الدين ، ويستعرض موكب الإيمان
، وموكب الرسالات ، وموكب الرسل ، منذ فجر البشرية فما يرى ؟.. يرى هذا
الموكب المتطاول المتواصل ، موكب الهدى والنور ، ويرى معالم الطريق على
طول الطريق ... ويقف المؤمن ثانياً : أمام إتمام نعمة الله على المؤمنين ، بإكمال
هذا الدين ، وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة التي تمثل ( مولد الإنسان ) في
الحقيقة ... ويقف المؤمن ثالثاً : أما ارتضاء الله الإسلام ديناً للذين آمنوا .. يقف
أمام رعاية الله سبحانه وعنايته بهذه الأمة ، حتى ليختار لها ديناً ويرتضيه ..
وهو تعبير يشي بحب الله لهذه الأمة ورضاه عنها ، حتى ليختار لها منهج
حياتها ، إن ارتضاء الله الإسلامَ ديناً لهذه الأمة ، ليقتضي منها ابتداء أن تدرك
قيمة هذا الاختيار ، ثم تحرص على الاستقامة على هذا الدين ، جهد ما في
الطاقة من وسع واقتدار ... " .
ـ يوم يعيش المرء لأمته تلمس هذه الكلمات جوانح نفسه وتدفعه دفعاً إلى أن
يكون صاحب اهتمام كبير ... ويوم يعيش المرء بعيداً عن الأمة جسداً يبعد عنها
روحا ً ، وما ثمة غير انشغال بدفع ضِر أو جلب خير حفاظاً على دين من مساس ،
وهي الذكرى تنفع المؤمنين ، فتعيد كلماتي هذه بعض أحوال عاشها المرء منا
، يوم أن كان يحمل هم أمته ، أيام عشر ذي الحجة هي خير تذكار ووقت
للتزود .
* ومن فضائل " عشر ذي الحجة " أنها خاتمة أشهر الحج ، وفيها تقع مناسك
الحج ، الحج الذي يغفر الذنوب ، ويجرد المرء من خطاياه كيوم ولدته أمه ، قال
ابن رجب : " لما كان الله تعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة
بيته الحرام ، وليس كل أحد قادراً على مشاهدته في كل عام ، فرض الله تعالى
على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره ، وجعل موسم العشر مشتركاً بين
السائرين والقاعدين ، فمن عجز عن الحج في عام قَدَرَ على عمل ِ يعمله في
بيته ، فيكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج . " .
تذكر .... ما قدمه لك الإمام البخاري :
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي
هَذِهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ
يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) .
ـ لـيال العـشـر أوقـات الإجـابة ـــــــ فـبادر رغبـة تـلحـق ثـوابـه
ألا لا وقـت للــعـمـــــال فــيـه ــــــــ ثواب الخير أقرب للإصابة
من أوقات الليالي العشر حقاً ــــــــ فـشمـر واطـلبن فيها الإنابة