30 يوماً بين احتفالات الفوز.. وبكاء الهزيمة
نجح المونديال في السيطرة على كل شيء.. وفشل العرب (كالعادة) في فرض حضورهم!
كتب - فياض الشمري:
عاش الرياضيون طوال ال 30 يوماً الماضية مشاعر متناقضة بين الانتصار والهزيمة والفرح والحزن والكبرياء والانكسار والاشادة والمدح.. كل ذلك بسبب المستديرة التي تضحكهم تارة وتجعلهم يذرفون الدموع تارة أخرى.
٭ لم تعترف بتاريخ البرازيل ولا عراقة إنجلترا وصلابة الألمان والمهارة الأرجنتينية وسرعة هولندا وحيوية البرتغال وطموح المكسيك وتطلع الدول النامية، اعترفت فقط بشيء واحد.. الإصرار وروح التحدي وسلامة التخطيط والإرادة القوية.
٭ الجميع أسقتهم كأس العلقم ومرارة السقوط لم تقدر مكانة كبير وتوسل صغير.. قذفت ب 31 فريقاً خارج مسرح (البهجة) ووضعت كامل زينتها وجمالها أمام فريق واحد اختارته لأن يكون حبيبها لأربع سنوات مقبلة وقد تستمر معه إلى ما بعد مونديال 2010 ما لم تنفصل عنه قسراً وتعجب بخطيب آخر.
٭ 30 يوماً كانت مليئة بالمتعة والإثارة.. لم تقتصر متابعة المباريات على الرئيس والوزير والكبير والغني ولكنها فرضت على الصغير والفقير.. المثقف وغير المثقف.. والمتعلم والأمي.. التعلق بها والتنقل عبر الشاشة في مختلف الملاعب الألمانية لمدة شهر كامل.
٭ 30 يوماً.. لا حديث للرياضيين ومعظم الناس إلا كرة القدم ونجوم السامبا وعمالقة الأرجنتين وسقوط العرب وخيبة الإنجليز ورحيل الأسبان ووداع بقية الفرق.. اللغات كانت مختلفة والطموحات متفاوتة وروح المنافسة تكبر من دولة إلى أخرى ومن مدرب ولاعب إلى آخرين أما الهدف فهو واحد وهو الاستمتاع بدحرجة المستديرة والفرجة على مهارة زيدان ونجومية ميسي وهدوء بالاك وأناقة بكيهام وانطلاقات رونالدو وأهداف هنري وثقة فيغو وقد تحقق هذا الشيء قبل أن ينفض السامر ويتوج البطل ويتسلم (الأفارقة) شعار تنظيم الدورة المقبلة.
٭ مونديال المانيا 2006 لم يكن مجرد تظاهرة كروية فرضتتها التقاليد ينتهي اثرها مع صافرة نهاية المباراة الأخيرة ولكنه كان أنموذجاً رائعاً في التنظيم.. الانضباط.. احترام الوقت.. تبادل الثقافات.. انه عبارة عن دورة (تعليمية) شاملة وليس كرة قدم يعدها بعضهم مجالاً للتسلية وضياع الوقت فقط من دون الادراك بأهميتها ودورها في تنمية الاقتصاد وتقارب الشعوب وجذب السياح والتعريف بالبلدان، وما يحز في النفس انه مع كل تقدم تسجله معظم البلدان وخصوصاً في أوروبا نجد أنفسنا وقد استدرنا باتجاه الخط المعاكس من دون أن نتعلم ونضع في حساباتنا أهمية مثل هذه الأحداث ودورها في إكسابنا الخبرات المتنوعة.
٭ الأوروبيون والأفارقة وحتى من هم في قارة أمريكا الجنوبية وأستراليا يذهبون للمونديال من أجل المنافسة وتطوير قدراتهم وعلاج النواقص الفنية والإدارية والتنظيمية لديهم أما العرب وأصحاب تأجيل مواعيد اليوم إلى الغد فإنهم يذهبون إلى هناك على أنهم ضيوف يقتصر دورهم وجهدهم فقط في الحضور والفرجة والسياحة وكذلك لا نستغرب أن يمر 18 مونديالاً حتى الآن من دون أن يتميزوا من خلاله بشيء اللهم إلا الهزائم بنتائج ثقيلة ومستويات مضحكة.
٭ مع الاسف نجد من يتحدث (نظرياً) عن خطط المدربين وطريق قلبهم النتائج وتحويلهم الهزيمة إلى فوز والتعادل إلى انتصار كبير والانتقال مباشرة من الدفاع إلى الهجوم ومن البرود إلى الإثارة التي لا تنتهي إلا مع صافرة النهاية.
أيضاً هناك من يتحدث عن الجانب الإعلامي وطريقة تغطية وكالات الأنباء ووسائل الإعلام (الأجنبية) المختلفة للتظاهرة الكروية الكبيرة بسرعة تسبق البرق بفضل الاعتماد على التكنولوجيا والخلفية الرياضية (المملوءة) بالمعلومات وتوثيق الأحداث إلى جانب التمكن في اللغة والتحليل المنطقي لكل صغيرة وكبيرة.. أيضاً انشغل كثير هنا بالطرح حول النواحي التنظيمية وبراعة الألمان في ضبط كل شيء سواء في توقيت المباريات أو تنظيم تدريبات الفرق والسكن الخاص بهم والتعامل مع الوفود الزائرة بأسلوب (دعائي) لألمانيا ولشعبها ورقيه في استقبال الآخرين أيضاً وما نقله لنا بعض الزملاء للكلام باسهاب عن تعامل المواصلات (التاكسي) وتلك الشاشة الصغيرة المرمية فوق (طبلون) السيارة وطريقة تحديدها للأماكن التي يريد الوافد الذهاب لها مع توافر (الرادار) لكشف الطريق إن كان مزدحماً أو خالياً من السيارات.. أما بعضهم الآخر فاخذ يصف لنا دقة الاتحاد الدولي في الاعتماد على المعلومات وطريقة اختياره لأفضل لاعب في جميع المباريات وكيفية تنظيم (المقاعد) منذ وقت مبكر وقبل بداية المونديال، وطريقة استثمار الألمان لهذه المناسبة إعلامياً واقتصادياً الأمر الذي جعلهم يربحون مليارات الدولارات، كل هذه الأشياء التي اكتفينا بنقلها نظرياً من دون (ممارستها) بصورة فعلية تجعلنا نتسأل بصورة مستمرة ماذا استفادت الوفود الرسمية بالنسبة إلينا وهل لديها القدرة على التعايش والتفاعل (مستقبلاً) مع هذا التميز ونقله إلى رياضتنا وبطولاتنا من حيث ضبط المواعيد وبرمجة المسابقات وتجنب الأخطاء وتفادي العشوائية. قد يقول قائل إن المسألة تحتاج إلى وقت حتى نفهم طريقة ما ينفذ من عمل على صعيد دورات كأس العالم وبدوري أرد عليه.. كيف نفكر (على الأقل) أن ندرب أنفسنا على ما هو جديد ومتميز في تطبيق النظام وحتى طريقة التعامل مع صاحب (التاكسي) الذي بضغطة (زر) بدلاً من (اللفلفة) في الشوارع والبحث عن المكان يوصلك الى حيث تريد.. لماذا لا نقاتل حتى نتعلم ونكون واجهة مشرفة في كل شيء فما نشاهده ونحضره من بطولات لاشك أنها (تجارب) ثرية ولا يمكن لنا تقويمها وتحليلها من مختلف (الجوانب) ولكن على الأقل لماذا لا ندرب أنفسنا عليها عل وعسى؟!.
عدة إخفاقات وليس إخفاقاً واحداً
الشارع الرياضي لم تستفزه فقط الاخفاقات أمام تونس وأوكرانيا وأسبانيا في كأس العالم 2006 انما استفزته ردة الفعل الضعيفة لدى من كان ينتظر منهم الاقناع وتوضيح الأسباب التي جعلت الكرة السعودية تكرر فشل مونديال 2002 بدلا من لفت الأنظار بقرارات أكثر ما يقال عنها إنها تتناقض وما كان يأمله ويتطلع إليه المشجع الرياضي الذي تقطعت حبال صوته من دون أن يجد الجواب الشافي والتبرير المقنع والوصفة الناجعة.. إخفاق بحجم ما حدث في كأس العالم يمر وكأن شيئاً لم يكن.. لاشك أن ذلك أمر محير إلا إذا كان هناك من يظن أن (تكميم) الأفواه وتلميع الصورة الوسيلة الوحيدة لدمدمة العيوب واخفاء السلبيات وتجميل الشكل فتلك مشكلة ستقود الرياضة السعودية الى مشكلات كثيرة قد لا تجدي معها خطة فترات طويلة وليس سنوات معدودة.
٭ مع الأسف حتى الآن ردة الفعل كانت أقل من عادية وكأن ما حدث لا يمس مكانة الكرة لدينا وهيبتها.
٭ في أنجولا قدم سبعة من أعضاء اتحاد الكرة استقالاتهم عندما شعروا بعدم القدرة على خدمة الرياضة في بلادهم وكنا ننتظر أن يفعل بعض أعضاء اتحاد الكرة لدينا ولجنة المنتخبات الشيء نفسه وإذا بهم يصرون على التمسك بالمناصب بصورة أكثر من أي وقت مضى.. ماذا قدم هؤلاء في الماضي حتى ننتظر منهم المفيد في المستقبل..؟! نحن نقدر إخلاصهم وتضحياتهم في فترات مضت ولكن الأمر يحتاج إلى التجديد في كل شيء.. هذا إذا أردنا المنافسة وصناعة رياضة حديثة تعتمد على العلم والمعرفة وحسن الادارة ومهارة التدريب وسرعة الاستيعاب وقبول الرأي والإيمان بحرية الكلمة الصادقة.
٭ بعض أعضاء لجنة المنتخبات هم الآخرون يحتاجون إلى (غربلة) حتى تكون أفكار الأعضاء على الأقل مفيدة وعاملاً مساعداً على تحقيق ما ينتظره ويأمله الرئيس من أجل تنفيذ العمل بالطريقة التي تضمن النجاح وتقدم الجديد.. العملية ليست ترشيح عدة أسماء أغلبهم يعمل في وسائل الإعلام.. يهمهم المنصب أكثر من أن ينتقدوا بصدق ويتحدثوا بإخلاص ويناقشوا باطلاع، لذلك أصبحت اعادة النظر في تشكيل اللجنة ضرورة ملحة وخطوة مهمة في سبيل تقديم العمل المفيد.
٭ عودوا إلى الوراء وخصوصاً منذ تاريخ تشكيل اللجنة الحالية.. هل قرأتم نقداً هادفاً وآراء بناءة قدمها بعض هؤلاء عبر صحفهم.. حتماً ستكون الإجابة (لا).. لماذا؟.. لأنهم يتوجسون خيفة من غضب المسؤول فيخشون الإبعاد عن المنصب في وقت قبل ذلك كانوا (ينتقدون) ويعلنون شجاعتهم بتقديم الحلول.. أما عندما قيدوا في المناصب.. فخف بريقهم وأصبح دورهم يقتصر على حضور الاجتماعات وربما الموافقة على كل شيء من دون ابداء وجهة النظر التي تثري النقاش وتساعد المسؤول وفتح طريق أمامه للعلاج.
٭ بعض أعضاء اللجنة وبخاصة الذين يتعاطون مع وسائل الإعلام، ككتاب يعتقدون أن التركيز على إيجابيات مضت وتجاهل سلبيات موجودة (يدعم) موقفهم للبقاء في اللجنة لذلك فهم تحولوا إلى (مدافعين) في كل وقت من دون أن يقدموا للوسط الرياضي ما يقنعه على سلامة النهج الذي تسير عليه منتخباتنا.. المهم لديهم أن يستمروا في العضوية مع إيماننا التام بأن خروجهم (مستقبلاً) منها سيغير آراءهم 180 وربما شاهدناهم عبر كل وسيلة مقروءة وشاشة مرئية ينتقدون هذا ويهاجمون ذاك أما الآن فقيود المنصب تفرض عليهم التزام الصمت وهز الرأس مع ترديد عبارة (موافقون).
٭ ترى ما الفائدة من مثل هذه النوعية لماذا يخافون.. أليس مستقبل منتخبات وطن بأكمله مرتبطاً بعملهم ويعتمد عليهم بالدرجة الأولى.. لماذا لا يكون لديهم الشجاعة الكاملة والاعتذار عن المهمة التي أصبحت فوق طاقتهم وأكبر من امكاناتهم؟!
٭ بعد ألمانيا لم يكن الإخفاق محصوراً في النتائج والأداء الهزيل الذي قدمه المنتخب في المونديال ولكنه شمل بعض القرارات وبالذات من لجنة المنتخبات التي انتظر منها الشارع الرياضي الإعلان بكل شجاعة عن الطرف الرئيس والمتسبب الأول في الإخفاق ولكنها مع الأسف عمدت إلى اتخاذ قرارات تهدف إلى إبعاد الأنظار عن فشل المنتخب فكان رفع الإيقاف عن محمد نور وتقديم الشكر للجابر والإشادة بانضباط اللاعبين.
٭ الجميع كان ينتظر أن تتم إزالة الضبابية عن أسباب ما حدث في ألمانيا بعيداً عن المجاملات وإذ بالقرارات تأتي أكثر استفزازاً للشارع الرياضي رغم أن رفع الإيقاف حسب اللوائح الدولية كان من اختصاص لجنة الانضباط بينما دور لجنة المنتخبات محصور فقط في وضع البرامج ودراسات الخطوات المستقبلية لمنتخبات الوطن الغالي.
٭ في الوقت الذي تراجعت فيه رياضتنا خلال السنوات السبع الماضية فنحن من أكثر الدول التي تصدر قرارات الإيقاف وخلال فترة قصيرة يتم التراجع عنها بحجج غير مقنعة وتبريرات أكثر غرابة حتى أصبحت هذه العقوبات بلا قيمة (تربوية) لذلك لا تستغربوا (مستقبلاً) تكرار الاعتداءات وكثرة الأخطاء فنحن نعاقب اليوم ونناقض أنفسنا غداً برفع الإيقاف.. إذن كيف نتطور ونخلق للوائحنا هيبة وقراراتنا احتراماً.. اليوم سيخطئ اللاعب وغداً سيتكرر نفس الخطأ من زميله وهكذا تزداد المشكلة والسبب التهاون في تطبيق العقوبة الصارمة.. إذاً كان الإيقاف خطأ واللاعب لا يستحق العقوبة.. لماذا نحرج أنفسنا من البداية.. أين التأني في دراسة القرارات واتخاذها.. كم من لاعب أوقف مع التأكيد بعدم شموله بأي عفو وفجأة يرفع عنه العقاب؟!
٭ تعودنا أن لا يتم رفع الإيقاف إلا في مناسبات الفرح حتى تكون سعادة الجميع (مكتملة) وبالتالي يشعر المخطئ بقيمة العفو والخجل من تكرار ذلك مستقبلاً أما بعد ما حدث في ألمانيا من (فشل) على مختلف الأصعدة فالأمر عند (المذنب) سيان بل إن ذلك وأعني تكرار رفع الإيقافات بات مشجعاً على تحويل ملاعب كرة القدم الى فوضى ومن يدري فربما ينقلب العقاب إلى ثواب وصاحب التصرف السيء إلى بطل..!
٭ إنني أتساءل كغيور على رياضة الوطن التي يغدق عليها ملك القلوب بدعمه وسلطان الخير باهتمامه ودون التشكيك بمؤهلات بعض أعضاء لجنة المنتخبات ومس مكانتهم واخلاصهم.. ما الخلفية الرياضية وبالذات فيما يتعلق بتقويم الجوانب الفنية.. ما مؤهلاتهم في علم الإدارة والتدريب..؟ وهل كل من امتدح أو جامل يتم ضمه إلى أحد الاتحادات أو اللجان..؟ الأمر ليس مرتبطاً بالإعداد لبطولة معينة أو مناسبة مؤقتة ولكن يتعلق بمستقبل الكرة السعودية وصناعتها.. صناعة حديثة وليس تخطيطاً هشاً ونظرة قصيرة وهدفاً معيناً وبرامج محدودة ومن هنا يحق لنا التساؤل .. أين الخبراء؟.
٭ دعم ملك القلوب وسلطان الخير للرياضة السعودية لابد أن يستثمر من خلال استقدام الخبرات الأجنبية المؤهلة مع وضع الخطط بعيدة الأمد والمشاركة في الدورات الدولية المهمة خاصة أن الاحتكاك آسيوياً وعربياً أثبت أن فائدته محدودة ولا يخدم اللاعب السعودي بل يكرّس في ذهنه سلبيات كثيرة أما فيما يتعلق بالجهاز الفني والإداري فأثبتت المعطيات أن لديه الرغبة بالاستمرار بغض النظر عن كونه أخطأ أم أصاب بدليل تصريحات بعض أعضائه التي تؤكد تحمّل هذين الجهازين لمسؤولية الإخفاق في المونديال وذلك من أجل كسب قناعة صاحب القرار..