عرض مشاركة واحدة
قديم 18-05-2006, 06:58 PM   رقم المشاركة : 3
&& أميرالحب &&
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية && أميرالحب &&
 





&& أميرالحب && غير متصل

مأزقهم الأخلاقي .. ومأزقنا السياسي


صرف الانظار عن قضية كبرى الى موضوعات صغيرة وثانوية يسمى تحويلا. والتحويل حالة مرضية تصيب الدول الاستعمارية والديكتاتوريات والطغاة على اختلاف تلاوينهم. ما يحدث عندنا على يد دولة الاحتلال الاسرائيلي يعتبر نموذجا سافرا للتحويل. وبلغة المنطق فان مشكلة المشاكل التي نعاني من تداعياتها هي الاحتلال العسكري الاستيطاني الذي يسيطر على تلابيب حياة شعب باكمله. دائما وابدا ترحل هذه المشكلة الى الآخر بمسميات تبدأ بالدفاع عن أمن المحتلين وتنتهي بخطر الارهاب. المشكلة المدوية نابعة من اجراءات الفصل العنصري ونظام "الابارتهايد"، كبناء سور الفصل العنصري الذي يرّسم حدود البانتوستونات، وإقامة بوابات الاغلاق الالكترونية ــ الحديدية، ونشر397 حاجزا عسكريا، ووضع شعب باكمله في نطاق نظام السيطرة والتحكم المدعم بعمليات الاعدام الميداني والتطهير العرقي والاعتقالات والعقوبات الجماعية. المشكلة الحقيقية هي استكمال فصول ابشع جريمة فصل عنصري على مرأى ومسمع دول وشعوب العالم، ووسط لامبالاة واستهتار عالمي واقليمي وعربي قل نظيره.

قبل الانتخابات التشريعية عشنا فصولا من "الابارتهايد" التي قوبلت بالصمت واللغو الفارغ عن خارطة الطريق "ودولتين" لشعبين، احداهما دولة عظمى والاخرى قيد الترسيم كبانتوستونات! بعد الانتخابات، تواصلت فصول "الابارتهايد" وسط صمت رهيب، ودشنت فصول من الضغط والعقوبات والتهديدات التي احتلت المشهد الفلسطيني برمته. وتحولت المشكلة في يوم وليلة من مشكلة احتلال و"ابارتهايد" الى مشكلة الاخذ بسلة الاشتراطات الدولية والاسرائيلية.انه التحويل "المرضي" للمشكلة السياسية المتفجرة. الآن طفى على السطح منظومة الشروط والضغوط والعقوبات الموجهة للشعب الفلسطيني رداً على التزامه بالديمقراطية واستبدال السلطة بطريقة سلمية. الآن كشف النقاب عن الديمقراطية المطلوبة، وعن الوجه اللا أخلاقي للدول الضاغطة. والجديد في الأمر ليس عدم احترام خيار الشعوب، فقد اعتادت الدول الاستعمارية على التنكر لحق الشعوب في تقرير مصيرها، الجديد هو اشتراك عدد إضافي من دول العالم في ممارسة العقوبات الجماعية ضد شعب مارس الديمقراطية بحرية. هناك فارق جوهري بين مطالبة أية دولة لحركة حماس بالتزام قرارات الشرعية واحترام الاتفاقات المبرمة فهذا مطلب طبيعي، لكن إقران المطالبة بعقوبات ضد الشعب الفلسطيني فهذا موقف غير طبيعي وغير أخلاقي في آن، لا سيما وأن هذه الدول لا تمارس أي نوع من الضغوط والعقوبات ضد إسرائيل المنتهكة دوماً للهواء الذي نتنفسه. قالوا لنا إن الشعوب العربية لا تمتلك ديناميات تغيير ديمقراطي من داخلها. وعندما يبرهن شعب عربي بامتلاك ديناميات التغيير الداخلي، فإنهم سرعان ما يحاولون إخمادها باستخدام ديناميات تدخل خارجي غير ديمقراطي جملة وتفصيلاً. ماذا يريدون إذاً؟ ديمقراطية بالإملاء وخاصة تلك التي تجلب على ظهر دبابة! أم ديمقراطية عن بعد وبشرط أن تكون على مقاس مصالحهم وأطماعهم.

بالأمس قدمت إسرائيل وجبة العقوبات الاولى ضد الشعب الفلسطيني وسلطته. وقد تساءل داعية حقوق الانسان الاسرائيلي جدعون ليفي، "من أين نستمد الحق في التنكيل بشعب آخر؟" ويجيب "فقط من القوة الهائلة والموقف الاميركي الذي يسمح لنا بالتصرف الاهوج كما يحلو لنا". وتغنى وزراء في حكومة اولمرت لحصولهم على تأييد دولي واقليمي غير مسبوق. السؤال الذي يطرح نفسه بعد همروجة الضغوط والتهديدات والعقوبات، هل يريدون افشال "حماس" من الخارج؟ يستطيع التدخل الخارجي افشال "حماس"، لكن هذا النوع من الافشال سيوجه ضربة قاتلة للديمقراطية والاستقرار الفلسطيني. ولن يكون هناك اي معنى واي مضمون لديمقراطية لاحقة تتحكم فيها العوامل الخارجية. صحيح ان الضغوط الخارجية والعقوبات لن تغير الاستقطاب في الوضع الفلسطيني كما يرغب الضاغطون، بل ستعمقه في الوجهة الأخرى وفي وجهة الفوضى والفلتان. غير ان التدخل السافر الذي نشهده اليوم يشكل خطرا على الديمقراطية والعقلانية والاستقرار في فلسطين.

واذا كان من المنطقي ان يتوحد الشعب الفلسطيني ضد الضغوط والعقوبات والحصار، فان التوحد الاهم هو في مواجهة فرض نظام الفصل العنصري. ان معركتنا الكبرى هي معركة مقاومة وافشال "الابارتهايد" في كل حلقاته. ومن الطبيعي ان يصبح مقياس الوطنية بمستوى الفعالية والتأثير الذي تمارسه القوى الوطنية والاسلامية ضد "الابارتهايد". النجاح في هذه المعركة يبدأ بإفشال المسعى الاسرائيلي لتحويل كل الجهود الى قبول او رفض الشرعية الدولية وإبقاء الكرة في الملعب الفلسطيني. الشرعية الدولية اهم سلاح يمكن ان نستخدمه في هذه المعركة. واسرائيل هي التي ترفض وتقاوم وتعادي قرارات الشرعية. ان وجودنا على الخارطة السياسية يستند الى الشرعية الدولية. ولا يمكن ان نستقوي بالعامل العربي والاقليمي والاسلامي والدولي في معركتنا ضد "الابارتهايد" بدون الشرعية الدولية. لقد كان الالتزام الفلسطيني بالشرعية الدولية أحد اهم مظاهر تطور الفكر السياسي الفلسطيني، ولا يمكن لحركة حماس ان تقفز عنه وتعود القهقرى الى قرون خلت. ولا يمكن الحديث عن الوحدة الوطنية وبرنامج الحد الادنى الوطني المشترك اذا تنكرت "حماس" للتراث السياسي والوطني، وللشرعية التي تمثلها منظمة التحرير وقرارات مجالسها الوطنية. "حماس" جزء اساسي ومهم من الحركة الوطنية وجزء من القرار السياسي وليست كل الحركة الوطنية وكل القرار.

كانت "حماس" امام خيارين، الاول خيار المقاومة لانهاء الاحتلال بدون قيد او شرط واقامة سلطة على اية منطقة يجلو عنها الاحتلال بدون قيد او شرط. وقد جربت "حماس" هذا الخيار ومن المفترض انها اكتشفت الحاجة الملحة لحماية يوفرها توازن اقليمي وعالمي لا تستطيع لا هي ولا حزب الله ولا غيرهما ان يقيموا اي نوع من السلطة القابلة للحياة والتطور بدونه. ودول اقليمية كالعراق لم تصمد طويلا، ودول مثل ايران وسورية تتعرضان لشتى الضغوط وتعيشان في عزلة خانقة لانهما لا تستجيبان لشروط الدولة العظمى. يقول محمد عابد الجابري: لا يستطيع العمال ان يطرحوا في برنامجهم السيطرة الكاملة على المصانع او نقل جزء من ملكيتها لهم لانهم سيتعرضون للاقصاء الكامل من اصحابها الرأسماليين، لكن العمال يستطيعون المطالبة برفع الاجور وتقليل ساعات العمل وتحقيق مكاسب اخرى من خلال الاضراب والعرائض والاحتجاجات. ان وضعنا في ظل الاحادية القطبية شبيه بنضال العمال. لا نستطيع خوض معركة فاصلة لاننا سنسحق، لكننا نستطيع النضال من داخل النظام، ونرفض شروط التبعية، ونحقق انجازات. "حماس" دخلت الانتخابات على قاعدة وجودنا الشرعي المتفق عليه بشروط جائرة. هل تستطيع تغيير الشروط؟ الجواب، ميزان القوى هو الذي يقرر. الميزان الذي دفع "حماس" لقبول هدنة لعشر سنوات في ظل "الابارتهايد" هو الميزان الذي نحتاج الى سلاح الشرعية كي نخفف من وطأته.

يعطيك العافية

تحياتي

الزرد







التوقيع :
~*¤ô§ô¤*~*¤ô§ô¤*~أميرالحب~*¤ô§ô¤*~*¤ô§ô¤*~