تابع لما قبله
ويشمل العدل كل مجال من عقائد وشرائع وتعامل مع الناس بامتثال الحق وترك الظلم والإنصاف من النفس وإعطاء الحقوق . قال الله تعالى : {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ }الأعراف29 والعدل هنا هو أدني مراتب الوسطية ، وأما أعلاها فهو الإحسان الذي يشمل العدل ويزيد عليه ، إذ العدل أن تأخذ المرأة المسلمة المعاصرة ما لها وتعطي أكثر مما عليها ، والعدل يكون في الأحكام ، والإحسان يكون في المكارم . وكلا الأمرين مأمورة به المرأة المسلمة المعاصرة كما قال تعالى :{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ }النحل90. هذا وإن للإحسان معان باعتبار السياق الذي يرد فيه في الكتاب والسنة وتلك المعاني هي كالأتي :
المعني الأول : أن يقترن بشيء من حقوق الله تعالى وما يجب له من العبادة , فيكون المراد به ما عرفه به النبي صلى الله علية وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال : (( أن تعبد الله كأنك تراه )) والمعنى عبادة المسلمة ربها في الدنيا على وجه الحضور والخشوع , والمراقبة , والإتقان , وهي على حالة من الإخلاص والمتابعة حتى يغلب عليها وكأنها تشاهد الله تعالى بقلبها لا بعيني رأسها , فإذا حصل لها ذلك فإنها لا تدع شيئاً مما تقدر عليه إلا فعلته دون تكلف ودون روية . ففي الصحيح عن النبي صلى الله علية وسلم : (( اعبد الله كأنك تراه )) .
المعنى الثاني : أن لا يقترن لفظ الإحسان في الكتاب والسنة بشيء من حقوق الله تعالى أو ما يجب له من الطاعة مطلقاً , فيكون المراد به : فعل ما ينبغي فعله من الإنعام على الغير , وما تصير به الفاعلة حسنةً في نفسها وعملها .
وهنا تجد الباحثة المدققة من أخواتي المسلمات المعاصرات أن النصوص الكريمة الواردة في الإحسان والعدل تشكل علاقة المسلمة المعاصرة بربها جل وعلا ، وأنها علاقة عبودية له دون غيره بكمال الطاعة وإتقانها وإخلاصها له تعالى على أكمل وجه تقدر عليه في جمال الظاهر والباطن وكأنها تراه جل وعلا بقلبها قال تعالى : {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }الإسراء7 .
كما تشكل علاقتها بقرابتها الأدنيين وهم الوالدان , والزوج , والأولاد , كما قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى }البقرة83.
وتشكل علاقتها بقرابتها الأبعد وهم الإخوان والأخوات , والأعمام والعمات , والأخوال والخالات وأبناؤهم وبقية الأنساب والأصهار والآية الأولى تصلح دليلا على ذلك .
وتشمل الإحسان إلى من سوى أولئك من المسلمين الجيران والأخوات في الله تعالى وبقية أفراد المجتمع الذي تعيش فيه لا سيما الفقراء واليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل والمماليك قال الله تعالى : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36 . كل ذلك تفعله المؤمنة تواضعاً دون اختيال أو تكبر . ابتغاء مرضات الله تعالى لا لعوض من الدنيا .
وتشكل العلاقة مع غير المسلمين ممن لم يحمل السلاح على الإسلام والمسلمين كما قال تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8
وتشمل المرأة المسلمة المعاصرة بعدلها وإحسانها غير الإنسان كالملائكة الكرام عليهم السلام ، فلا تكشف شيئاً من عورتها ، ولا يشم كريهاً من رائحتها ، ولا تقيم على معصية لله تعالى , وكذا تشمل بالإحسان النباتات والحيوانات والجمادات وغيرها , كما قال تعالى : {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }الأعراف56 .
إن المرأة المسلمة المعاصرة إذا استطاعت تحقيق سمة الوسطية في الباطن بالإيمان بالله تعالى , والإخلاص له , واتباع الكتاب والسنة الصحيحة , بعد العلم بهما , ومراقبة الله تعالى , والصبر بجميع أنواعه , والتأمل والتفكير والتدبر في آيات الله المنظورة والمقروءة , والخوف من عذاب الله تعالى , والخشية له , وعلو الهمة والعزم فيما يقرب إلية سبحانه , والتوكل عليه , والتواضع للمؤمنين والزهد فيها يؤخرها عن الدار الآخرة , ومحبة الله تعالى ومحبة ما يحبه , والرجاء فيما عنده , والتقوى مما يسخطه , والخشوع بين يديه , وتعظم شعائره وأمره ونهيه , وحسن الظن به , والفرح بفضله ورحمته , وموالاة أولياءه ومعاداة أعدائه , واليقين بما أخبر به وأعده لمن أطاعه وعصاه , والإحسان إلى النفس بدوام تزكيتها وشدة محاسبتها ثم أعقبت ذلك بسمات الوسطية في الظاهر بكثرة تلاوة القرآن , وذكر الله تعالى , وحمده وشكره , ودعائه , والصدق في الحديث , والاستقامة على الأمر والنهي , والطاعة المطلقة لله ورسوله , وعمل الصالحات , والمسارعة والمسابقة والمنافسة في الخيرات , وتطهرت من النجاسات , وإقامة الصلوات , وأطالت القنوت , وآتت الزكاة وتصدقت وأنفقت في سبيل الله , وصامت الفرض واتبعته بالنوافل , وحجت البيت واعتمرت , وهجرت السوء , وأحسنت إلى نفسها بالطيبات من المأكل والمراكب والمساكن والمناكح , وكانت شجاعة في قول الحق لا تخاف في الله لومه لائم , قائمة بالعدل , تدعوا إلى الله تعالى , وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر , ناصحة توصي بالخير , ساعية بالإصلاح بين الناس , محسنة إلى والديها وزوجها وأقاربها والضعفه من المسلمين , حسنة الخلق والمعاملة والمعاشرة لكل أحد , تكظم الغيظ , تعفو وتصفح عن المسيء , متحلية بالحلم , والرحمة والأمانة , عفيفة حيية , سمحة , تستأذن فيما يستأذن فيه .
إن المرأة المسلمة إذا فعلت ذلك كله ابتغاء مرضات الله تعالى وكأنها ترى الله تعالى بقلبها حين فعله فقد استكملت الوسطية بحذافيرها وهي القدوة في عبادتها لربها .
ـ السمة الثانية : ( الشمولية والتوازن ) :
إن المرأة المسلمة المعاصرة شمولية متوازنة في تعاطيها مع الحياة والتكاليف جميعاً ، ترى صورة الحياة كاملة ، بكل ما تحويه من تنوع وألوان ، تضرب بسهم وافر في كل فضيلة ، لا تلهيها طاعة عن طاعة ، ولا فضيلة عن فضيلة ، تأخذ بكتاب ربها جميعاً ، كما قال تعالى :{ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ }البقرة85 .
وهي متوازنة لا تظخم جانباً من حياتها على الآخر ، تزن الأمور بموازين الشريعة ، فلا تقدم النوافل على الفرائض ، ولا المباح على النوافل ، تأخذ بحضها من العبادة والترويح المباح ، لا توغل في زينة الظاهر دون الباطن ، بل تجمع بين صلاح الباطن والظاهر .
ـ السمة الثالثة : ( الواقعية ) :
إن المرأة المسلمة المعاصرة واقعية في تصوراتها وقدراتها لنفسها والآخرين , فهي لا تنزع إلى المثالية التي لا يمكن تطبيقها في واقع الحياة ، لعلمها أن تلك الواقعية حماية لها من الوقوع في براثن الأمراض النفسية والجسدية , ولما تراه في النساء اللواتي جنحن إلى الخيال المفرط فأرهقن أنفسهم وأجسادهن ، وحملن المحيط الأسرى من حولهن أعباء جسيمة ، كانت سبباً في الشقاء وتقطع أواصر المودة ، كل ذلك قد تجره نظرات إلى من فاقها قدره مالية أو خلقية ، ناسية أن الله تعالى يبتلى عبادة بالخير والشر ، وأنه قسم بين الناس معايشهم وأرزاقهم , فعلى المرأة المسلمة المعاصرة أن ترضى عن الله تعالى بالصورة التي خلقها عليها ، وبالزوج الذي قدره لها ، وبالأولاد الذين هم نصيبها من الدنيا ، ولا تنظر إلى من فوقها حتى لا تزدري نعمة الله عليها .
وهي كذلك واقعة في طروحاتها للآخرين تراهم بشراً يخطئون ويصيبون , تأهب خطأ الناس لصوابهم ، تخالطهم وتصبر على أذاهم ، تقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ، بعبارة لطيفة، متفائلة بخير لمستقبلها ولمستقبل مجتمعها بعامة .
ـ السمة الرابعة : ( الإيجابية ) :
إن المرأة المسلمة المعاصرة ايجابية مبادرة لا تنتظر الأوامر من أحد ما دام أن ذلك فضيلة ، تصنع الظروف المناسبة لتفوقها ، كما قال يوسف علية السلام كما حكي الله عنه : {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }يوسف55 . لا يمنعها إن تعثرت مرات في الأداء ، بل تجعل الإخفاق سبيلا إلى النجاح في التغيير والإصلاح المحمود ، ولعلة من المناسب أن أطرح على أختي الفاضلة سؤالاً : أين ايجابيتك ومبادرتك الاجتماعية بالمشاركة الفاعلة في محاضن التربية والتعليم والعمل الاجتماعي في محيطك الجغرافي ؟ وكم فكرة ايجابية بادرتي بتسجيلها لنفسك في جمعيات البر الخيرية , ودور التحفيظ واللجان الاجتماعية ؟ .