21. صدر قرار بعقوبة من سب الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة ، ومن يعرف كيف كان سب الله في العراق شائعاً من قبل ، خصوصاً عند الغضب لأتفه الأسباب ، فإنه يستطيع أن يقدر قيمة هذا القرار ، والذي بسببه أساساً وبسبب الصحوة لم يعد العراقيون يستمعون إلى ذلك الأمر العظيم .
22. مصادرة أملاك كل من يدعي كذباً نسبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك للحد من الابتزاز الذي تقوم به طائفة معينة لأتباعها ، وأعطى الجميع فترة ستة أشهر لإثبات ذلك ، ومصادرة الأموال هنا مناسبة لابتزاز ذلك الكاذب الأموال بهذا النسب والسبب .
23. في إطار محاربته لليهود ككيان مزروع في بلاد المسلمين أصدر صدام قراراً يلزم كل شركة تتعامل مع العراق أن توقع على شرط يمنعها من التعامل مع الكيان العبري ، ورغم حاجة العراق للتعاقد مع شركات كبرى من أجل أن يمارس ضغوطاً على واشنطن من خلالها حتى يخف عنه الحصار الاقتصادي إلا أنه ألزمها بما لا تستطيعه وهو مقاطعة إسرائيل ، وكل ذلك في إطار سعيه لمحاربة الصهيونية .
- ونحن عندما نقرأ في إعلامنا ترى كيف يستخف بعقولنا فهو يكرر مقولة : إن صدام عميل للصهيونية ، وأنها زرعته في المنطقة من أجل إحداث القلاقل . نحن لانشك أن صدام أخطأ في جملة من الأحداث ولكنا نقطع أنه لم يكن يوماً عميلاً لليهودية، وواعجباً كيف يجعل هذا عميلاً للصهيونية بينما من يدعو لإقامة علاقات مشروعة معهم يعتبر مخلصاً ومصلحاً ؟!!! نعم إنه الإعلام العربي الذي عجن العجين كيف شاء فبدل الحقائق وزوّر الثوابت .
24. بعد فشو السحر في منطقة ' هيت ' تجرأ سحرة تلك المنطقة فأخذوا بوضع المصاحف في الحمامات وذلك تقرباً للشياطين كما هو معروف من عادة السحرة ، فأمر الرئيس بالقبض على كل ساحر وساحـرة ، ولا يعرف مصيرهم حتى الآن ، ويقال أنهم قتلوا جميعاً .
25. وأمر الرئيس بتشكيل لجنة لمنع الربا من البنوك ، وقد كلف الدكتور عبد اللطيف هميم بذلك ، وهو صاحب البنك الإسلامي العراقي ، وطُلِب من اللجنة بيان كيفية تحويل البنوك الموجودة من النظام الربوي إلى النظام الإسلامي ، ونلاحظ أن اللجنة ستقوم بإصدار أوامر منع وليست مجرد توصيات فقط ، لأن التوصيات في الغالب جرى التعامل بها على أنها من باب دغدغة مشاعر الجماهير المسلمة . ولم تتمكن هذه اللجنة من إتمام عملها بسبب الحرب الأخيرة
26. وآخر القرارات كان بتاريخ 27 من ذي الحجة 1423للموافق 28 -2 -2003 والذي نص على أن كل عضو في حزب البعث يلعب القمار يطرد من الحزب ، أيا كانت رتبته ، ويسجن ثلاث سنوات .
- ولنقف مع أنفسنا وقفة صادقة ، ولنسأل أنفسنا أسئلة واضحة وجريئة .. كم من عضو في حزب حاكم نهب الأموال فما قيل له شيء ؟!!! وكم من عضو في حزب حاكم تعدى على حرمات المسلمات فما قيل له شيء ؟!!! وكم من عضو في حزب حاكم استخدم صلاحياته فعذب وآذى عدداً من المسلمين فما قيل له شيء ؟!!!
27. فتح صدام للناس الحق في بناء المساجد، فلم يعد هناك تضييقاً على مثل هذا العمل ، بل إنك تعجب عندما تتوجه إلى العراق تريد بناء مسجد فإن الوضع سيكون أمامك أسهل من أي بلد آخر ، فيكفي أن تختار أي مكان لبناء المسجد حتى تحصل الموافقة المباشرة بشرط خلو هذه الأرض من الحق الخاص ، وأما الإجراءات فهي حسب علمنا أنها أسرع من إجراءات مثيلاتها من البلدان العربية.
28.ثم صدر قرار لا نظن أن أي بلد قد طبقه وهو أن أي شخص يريد أن يبني مسجداً فإن الدولة تعطيه جميع مواد البناء بنصف سعر السوق ، ويستلم من يريد البناء هذه المـواد بعد أيام قلائل فقـط ، وعليك أن تتصور أخي القارئ عدد المساجد التي بنيت حديثاً أو التي كانت ستبنى كم كانت تكلف الدولة ، ثم تجد بعد هذا كله من يقول إن صدام يغلق المساجد و يحارب المصلين ويعتقلهم .
29.اهتم صدام بالعلماء والمهندسين وغيرهم اهتماماً كبيراً فقل أن تشاهده إلا وحوله عدد منهم حتى في اجتماعات وزرائه ، فهذا عالم في الفيزياء النووية وذلك عالم في التصنيع ، وهكذا من شاهدهم عرف أنه يعدّهم كجواهر ترصع تاج حكمه ، وهناك كلمة مشهودة له قالها لأحد كبراء الخليج قبل ضرب العراق حيث قال : لو هدمت أمريكا العراق فعندي من يبنيه ... عندي أكثر من سبعين ألف عالم ..! فهؤلاء هم محيطه ومجتمعه وحُق له أن يفتخر ويتباهى بهم ، فهم كنز المسلمين الذي يجب أن يحافظ عليه .
- وعندما تتلمس السؤال عن خاصة الغير لوجدتها على غير هذا النحو ، بل هي عالم آخر لا يمكن تصوره إلا في الأحـلام، وبهذا تعرف فرق الأماني وتعرف لماذا حرص العدو عليه دون غيره .
30. وهذه نادية محمود عضوة حزب العمال الشيوعي العراقي تتحدث في لقاء مع قناة الجزيرة عن مستقبل المرأة العراقية حيث تكلمت عن ظلمه للمرأة العراقية فقالت : إنه كان يحرم المرأة العراقية من وظيفة التدريس إذا كانت غير محجبة ويضيق عليها في الوظائف الأخرى . فبالله عليكم أيها القرّاء الكرام هل يصلح أن نطلق على رجل مثل هذا أنه كان يسعى لنشر الرذيلة بين الشباب والشابات كما كنا نسمع من دعاتنا ؟!!!
31. أمر بفتح محطة إذاعية للقرآن الكريم بحيث يستطيع أهل بغداد الاستماع إليها ، وقد كان لها قبول عظيم لدى عامة العراقيين .
- وعلى النقيض من هذا تجد أن دولاً لديها محطات إذاعية لها برامجها المتميزة وبعد أحداث سبتمبر تغلق جميع برامجها وتكتفي بالقرآن من أجل ذر الرماد على العيون .
- وهناك دول لديها أكثر من خمس محطات إذاعية وقنوات فضائية وليس فيها محطة واحدة للقرآن .
32. لنا أخٌ في الله كان مخصص من قبل الأوقاف للذهاب إلى مدارس البنات لإلقاء المواعظ عليهن، وبعد المحاضرة يوزع عليهن النافع من الأشرطة والكتيبات عليهن، وكان زيه الجبة والعمامة ... وكانت تقف أمام كل مدرسة بنات سيارة شرطة في نهاية الدوام، وتقف أيضاً أمام كل سكن داخلي لطالبات الكليات سيارات شرطة طوال الليل أيضاً، ولكن ماذا حصل بعد صدام ؟! .. فقبل خمسة أيام تقريباً ذهب عشرة من الشباب إلى مدرسة بنات في منطقة ' البياع ' في بغداد وطلبوا من المديرة عشرة بنات، فقالت المديرة : إن شاء الله ... ثم دخلت وأغلقت الباب الداخلي، ثم هيجت أهل المنطقة، فجاءوا واعتقلوا بعض هؤلاء الشباب. وقد ازدادت ظاهرة اختطاف البنات الآن في بغداد . ومن شدة الحرص على الفتيات ومنعهن من كل ما قد يسهل عليهن جريمة الفاحشة فقد منع بيع أقراص منع الحمل في الصيدليات
33 . شدد صدام على أهل بيته كثيراً في مجال الأخلاق، فكان ولده عدي عندما كان صحيحاً يقيم حفلات صاخبة وغير شريفة، وكان له جواسيس يتعقبون قدوم والده صدام حتى لا يعرف بهذا الأمر، وقد صرحت خادمته الخاصة لقناة العربية [وهي قناة تنتهج نهج الحكومة الكويتية في معاداة صدام بما هو أشد من القنوات اليهودية والأمريكية لكون الكويت مالكة نصف أسهمها] ليلة أمس ـ ليلة السادس عشر من شهر ربيع ثان ـ بأن عدي كان إذا علم أن والده صدام سيحضر إلى قصره قبل أسبوع قام بتنظيف البيت من الخمر وغيره من أدوات اللهو حتى لا يغضب والده، بل أشارت إلى أن صدام قد حاول قتل عدي بسبب سوء سلوكه وانحراف خلقه غير أن الشخص الذي وُكل بقتل عدي لم ينجح في مهمته، وقد حاولت قناة ' العربية ' إساءة سمعة عدي من خلال برنامج عرض عن انحرافاته - بناء على توجهها العام المعادي لعائلة صدام - غير أن الله قد أوقعها في خطأ كبير غفلت عنه حيث كان هذا البرنامج أعظم تزكية لصدام حسين من جهة محاربته للفجور حتى في قصر أولاده وكيف أن له شخصية قوية في محاربة الفساد، كما يتضح من هذا أنها محاولة رائعة من أب يريد أن يحفظ ولده من كبائر الذنوب .
وهناك الكثير من القرارات التي لم نضعها لحرصنا أن لا نضع إلا مايبين وجهة الرجل وتوجهه في عقده الأخير.
لقاء الصحفي دان راذر مع صدام حسين
قال دان راذر ... بعد لقائه الشهير مع صدام ، حينما سألته مجلة نيوزويك بتاريخ 11 مارس 2003 .عن الجديد الذي رآه في صدام ، فكان ما قاله إجابة على السؤال الآتي :-
هل تعلمت أي شيء جديد من هذه المقابلة مقارنة بتلك التي أجراها راذر معه عام 1990 ؟ هل من استبصار عن التطور النفسي لصدام ؟
لقد فاجأني كم كان رابط الجأش وثابت العزم ، ليس هذا الرجل مجنوناً بأي حال من الأحوال . لقد أشار إلي أنه لن يشعل النار في حقوله النفطية ، لكنني لست متأكداً من ذلك ، فإذا ما هزم فإنه قد يتخذ خطوة الغضب النرجسي الأخيرة : ' علي وعلى أعدائي ' . وإذا ما استطعت مقارنة هذه المقابلة بمقابلة عام 1990 ، فإن هناك الكثير من المفردات الإسلامية الآن ، يكثر من استخدام المصطلحات الإسلامية ، لقد أعاد أسلمة العراق ، وهو الآن يصلي خمس مرات في اليوم بشكل متفاخر ، ويقول إن القرآن يسري في عروقه .
إنها أربعة أمور محددة ينبه لها هذا الرجل المتخصص الذي هو أشبه برجل متخصص في هذا الشأن وفي الاستخبارات ، فضلاً عن مهنته كصحفي ... والكلام هنا للمحلل المتخصص الذي استشارته مجلة نيوزويك ...
الأمر الأول : يستخدم المصطلحات الإسلامية .
الأمر الثاني :- عمل أسلمة للعراق .
الأمر الثالث :- يصلي بتفاخر .
الأمر الرابع :- يقول أن القرآن يسري في عروقي .
ومن باب إتمام البحث تاريخياً فلا نجد بُداً من أن نقارن تغييراته هذه في ظرف مرحلته ، وما جاوره أو عاصره من بلاد أخرى ولو بالإشارة فنتساءل ...هل الصحوة في بلد كالشام أو مصر أو الخليج عدا السعودية ، كما هي في العراق ... ؟ نعم من حق من لم يخرج من العراق أن ينكر هذا ، لكن من شاهد وعايش عرف ما للعراق من فضل وتقدم في هذا المجال اليوم وتعجبنا كلمة الشيخ سفر الحوالي حفظه الله لمدير موقع ' مفكرة الإسلام ' في زيارة خلال موسم حج عام 1423هـ حيث قال الشيخ : إن العراق يعيش صحوة كبيرة لاينكرها إلا جاحد .
وهل حِلقَ العلم المنهجي في بلاد المسلمين عموماً كما هي في العراق ؟وهل مناهج التعليم في الخليج وغيره والتي لا يدرس الطالب في بعضها إلا حصتين دراسيتين للتربية الإسلامية أحسن من مناهج العراق التي يقرر فيها على الطالب كل يوم حصة تربية إسلامية .
وبعد هذا فسوف يتساءل البعض ، ما السر في هذه التغيرات ، وهو نظام بعثي ، والبعث معروف الجذور والأهداف ، ونجيب عن هذا بسؤال آخر ... هل البعث العراقي هو البعث الأول أو هو كالبعث السوري اليوم؟!
وللجواب على هذا السؤال نود أن نُذَكِّر بحقيقة مهمة وهي أن الكثير من المسلمين اليوم ... وهم يستمعون إلى البيانات العسكرية العراقية وفيها لفظ حزب البعث ، ومقاتلي حزب البعث ونحو ذلك من ألفاظ تشمل على لفظ ' حزب البعث ' يتشاءمون ويتساءلون عن الحزب فيقال لهم أن هذا الحزب علماني ، و... و... و... ، أما صدام فحدث ولا حرج ! .
ولكن من أجل أن تكتمل الصورة لا بد من إيضاح عدة أمور :-
أولاً : من المعلوم لدى من كان في العراق أنه في أوائل التسعينات عقدت اجتماعات هامة في قيادات الحزب في العراق ، وكان على الحزبيين أن يقرروا عندها خطاً واحداً من خطين لمنهجية حزب البعث : إما الخط العلماني وإما الخط الإيماني ، وانتهى الأمر إلى اختيار الخط الإيماني ، وذلك بعد إصرار الرئيس صدام على هذه الاختيار ، رغم المعارضة السرية لدى أعضاء في حزب البعث على مثل هذا التوجه ، وبعد هذه الاجتماعات دشَّن صدام حسين حملة سماها الحملة الإيمانية كما هو معروف لكل عراقي اليوم ولذلك فإن دراستنا هذه تأتي للعقد الأخير من حياة صدام ، بناءً على هذا التغيير .. حتى صدام نفسه في خطابه سنة 2002 في ذكرى انتصار العراق على إيران ، قال بعدما ذكر ابتداء الحزب ومراحل تطوره إلى أن وصل المرحلة الأخيرة ... قال : وأرجو أن لا تحاسبونا أو تقيسونا منذ سبع سنين على ما سبق ، فإن ثمة اختلافاً جذرياً في إيماننا .
ولم يكن هذا التوجه تمثيلياً أو صورياً ، بل كان توجهاً استراتيجياً حقيقياً ، بل عقدياً وقد وجد استنكاراً من أساطين الحزب القدماء ... حتى أنه في تاريخ 29/ 3 / 2003 صرح أحد قادة حزب البعث السوري لقناة الجزيرة قائلاً : إننا وإن وقفنا مع العراق في هذه الحرب بناءً على مظلة الحزب التي تجمعنا والتي تشملنا ، إلا أنه أصبح بيننا وبين حزب البعث العراقي خلافات عقدية عميقة .
نعم بقي الاسم كما هو إلا أن حقيقة البعث الأولى وعقيدة البعث الأولى التي كان عليها الحزب آنذاك لا تكاد توجد على لسان أصغر حزبي فضلاً عن أكبر حزبي في العراق
ولقد قال الدكتور محمد الدوري وهو ممثل العراق في الأمم المتحدة في لقاء مع قناة العربية والذي بث يوم 28 / 4 / 2003 م : ' بأن تعليمات حزب البعث في العراق وضعت على الرف !! فلا يؤخذ ولا يعمل بها .. ' إنه يقول هذا بعد ذهاب النظام أي أنه ينقل حقيقته على وجه الخصوص فليس صدام بين يديه يرهبه أو يخوفه ، وكل عراقي يعرف منذ ذلك اليوم رجالاً هم رؤوس في جهاز الأمن الخاص ، وبعثيين من كبار الرفاق ، وقادة عسكريين كبارا صار فيهم تدين وأصبحوا محافظين على صلاة الفجر في جماعة المسجد وهي علامة المنافق عن غيره ، ملازمين لقراءة القرآن ، حريصين على الذهاب بأبنائهم إلى حلقات العلم ... ولولا الخوف على مثل هؤلاء من الضرر لذكرنا الآن أعداداً من أسماء هؤلاء من وزراء وما دونهم ... بينما كان هذا الأمر في البعثيين العراقيين في السبعينات والثمانينات منكراً ، وكان الاستهزاء بأمور الدين ، واحتقار أهله هو الأمر الشائع ، وما كنت تجد لحية ولا حجاباً ولا حلقة ولا حفظة ... ولا يستطيع أن ينكر هذا التحول منصفاً كان أم غير منصف، وكثير من الضباط المتدينين يعتقدون معتقد السلف، وهذا يعرفه كل من يعرفهم .
وليست صدفة أبداً أن يجد المتابع تحول الخطاب السياسي للرئيس نفسه ... من خطاب قومي صرف ، علماني محض إلى خطاب إيماني يقيد العروبة بالإسلام ، ويفاخر بإسلامه أمام الكافرين قبل المسلمين وينص على ذكر المعاني الإيمانية بكل وضوح وتفاخر .
وكان صدام حسين يديم قطع اجتماعاته وإنهاءها علانية إذا حضر وقت الصلاة حتى مع الأجانب كما ذكر ذلك الصحفي الأمريكي ' راذر ' فقال : دام اللقاء معه ثلاث ساعات ، لم يقطعه إلا للصلاة ، وهكذا كان الأمر مع مسؤولين كبار عرب نعرفهم معرفة شخصية لم تنشر اجتماعاتهم به ، ولا نريد إحراجهم هنا ، فحين حضرت وقت الصلاة قال لهم قوموا نصلي .
إن هذه التغيرات التي شملت حتى الفكر القومي عند صدام خاصة ، فمن يقرأ أو يستمع إلى فكر صدام القومي في السبعينيات والثمانينيات وفكره القومي بعد ذلك يجد فارقاً جذرياً ، حيث يجد أنه يربطه ربطاً منطقياً بالإسلام ، فهو يؤكد على أن الإسلام عام للبشرية . ولكن مادته هم العرب ، وحمله إلى الآفاق هم العرب ، وهذا من فضل الله عليهم ، ولا يبنى على ذلك ما يبينه القوميون من جعل القومية دينا أو معبودا أو بديلا عن الدين .
إنا لا نشك أن كل ذلك التغيير الإسلامي الذي ذكرناه في العراق كان مرصوداً ومحسوباً ومراقباً على المستوى الشعبي والرسمي من قِبَل الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا ، وأن تقديرهم أن أمر العراق إذا ترك سنين قليلة فسوف يشب عن الطوق ... حتى تصورات صدام الذي تنكب فيها لحقيقة البعث كعقيدة ومبادئ ، وأقبل زاحفاً قولاً وعملاً شيئاً فشيئاً نحو الإسلام مرصودة ، وأن لها أثراً مخيفاً بالنسبة لهم ، فمن يدري فلعله يطبق ما أشار له في لقائه مع وزرائه بأنه يريد دولة إسلامية حقيقية لا كالدول المجاورة ، بل على منهاج خلافة أبي بكر وعمر وعلي وعثمان ، هكذا قالها بالحرف ، في لقائه كما رأيناه وسمعناه بأنفسنا قبل الحرب الأخيرة بعام ونصف تقريباً، وكررها في لقاء آخر وهي مسجلة عندنا .
إن من يعتقد بأن ذلك لم يكن في حسبان أمريكا وهي تهاجم العراق كسبب من أهم أسباب الاحتلال فإنه رجل قد انطلت عليه الحيلة الأمريكية ... فهل يعقل أن أمريكا ترصد مقتل أميرة ، وإقامة الحد على آحاد الناس ، وبريطانيا تحتج على الإمارات في قضية زواج وطلاق واحدة ، وأمريكا ترعى مرتداً واحداً في الكويت ، ولأجل سلمان رشدي يقوم العالم ولا يقعد ، وأن أمريكا تتابع بعض الولايات الأفريقية التي تعداد سكانها سبعة آلاف نسمة فقط لأنها تريد تطبيق الحدود ثم هي لا تعرف كل ما يحدث في العراق من التوجه الإسلامي الرسمي والشعبي أنه لأمر عجيب ! إنها تحتج على آيات تقال عن اليهود في بعض المناهج ، فكيف بتغيير المناهج كلها ، كيف بحملة إيمانية شملت مختلف جوانب الحياة العملية في العراق ؟!!
ومما يؤيد ذلك أنه في لقاء صدام بالوزراء ، والذي عرض اللقاء في التلفزيون العراقي ، وكان اللقاء قبل كتابة هذا البحث بحوالي سنة ـ وهو موجود عندنا ـ قال لهم : ' إن تقارير المستوى الشرعي للوزير والتزامه بالمنهج المقرر ضمن الحملة الإيمانية الخاصة بهم سوف يكون ضمن تقرير الوزير العام ، وينبني عليه مستواه وتأهيله لما هو أعلى أو أدنى أو بقاؤه .. فهو جعل الحملة الإيمانية سيفاً مسلطاً حتى على أقرب الناس إليه من وزرائه وأعوانه وذلك رغبة في تنظيف الجيوب وتصحيح التوجهات ، وقال مرة وهو يتحدث عن الأمانة : ' أنا أقول ذلك وسوف أحاسب عليه ' وقال :' أنتم تعرفون جيداً صدام حسين إذا أراد أن يحاسب ' ! ... فعمّ المجلس وجوم عجيب ..! لكنه عقب وقال: ' ولكنني لا أتهم أحداً فيكم أبداً ... إنما هذا أمر ضروري ويجب التنبيه عليه، وخرج برنامج حواري في محطة فرنسية ، وقد حضر أحد الزعماء الفرنسيين فقال : إن من المناطق الإرهابية الكبرى في العالم هي في منطقة في العراق تسمى ' الفلوجة ' . ونحن نعلم ماذا تعني كلمة إرهاب في قاموس الغرب إنه الإسلام ، وتحزن عندما ترى غربياً يقر بمثل هذه التغيرات في مدينة قريبة من بغداد ومثقفونا لا يعترفون بمثل هذه الحقائق .
ولعل صدام نفسه كان يدرك خطورة حملته الإيمانية ، وأن انكشافها يعني ذهاب حكمه وهلاك نفسه ، ولذلك فإن جدول الحملة الإيمانية ومنهجها لم ينشر في الفضائية ولم يركز عليه كما يركز عادة على إنجازات الرئيس ..
ومع هذا فإن ذلك لا يفوت على أمريكا التي تعاملت مع العراق بدقة متناهية حتى لكأنها قسمت استخباراتها قسمين : قسم على العالم وقسم على العراق ـ فيما يظهرـ ثم إن أمريكا نفسها كانت تصنف خطابات صدام بأنها خطابات دينية ... وهي تعرف ماذا تعني كلمة دينية في الإسلام!
وهناك سؤال آخر يلجلج في قلب كل مسلم غيور : ألا نتوقع أن تكون هذه خدعة من صدام ثم ينقلب بعد ذلك...؟!
فنقول لمن جال في خاطره مثل هذا السؤال : لقد شهد الإسلاميون في العراق على جميع التغييرات التي مضت حين فتح صدام للدعوة مساحة من الحرية ، وذلك عندما أطلق الحملة الإيمانية وترأسها بنفسه ، وجد الدعاة الفارق هائلاً نسبة لما كان عليه الوضع من قبل ، فوجدوا اختلافاً جذرياً منذ ذلك الوقت إلى قبل سقوط صدام في كل شيء ،نعم وجدنا الفارق في كل شيء ـ والواقع خير شاهد ـ وجدناه فيما يقوله الخطيب على المنبر ، وجدناه في الدورات الصيفية لحفظ القرآن الكريم ، وجدناه في انتشار الكتب الإسلامية الحديثة والتي كان تداولها ـ من قبل ـ جريمة ، وجدناه في الملصقات على لوحات في المساجد ، وجدناه في انتشار الأشرطة الإسلامية المثيرة والمميزة ، وأشرطة أفاضل المشايخ ، في سيارات الأجرة وفي كل مكان ، وجدناه في انتشار المكتبات الإسلامية صوتية وكتبية ، وجدناه في شيوع المعاهد الإسلامية والكليات ....وجدناه في تحول العراق إلى أطهر بلد من المخدرات ... وجدناه في فحص كل عراقي يعود إلى العراق ـ بعد الخروج منه ـ فحصاً مختبرياً من أمراض الجنس ... وجدناه في الشارع العراقي المحتشم تقريباً ... ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا ، لم ينسف صدام ما بناه ولم يرجع في قراره ، بل الأمر في مزيد ، والحمد لله رب العالمين ...... أليس هذا الأمر دليلا كافيا على الوفاء بالعهد ، وأن المسألة ما كانت تمثيلاً ولا تمريراً ... إنها ليست مسألة قرار نظري ، ولا خطاب ناري ، ولا أشهر معدودات ، إنها عشر سنوات عمل على أرض الواقع ، مثبتة بقرارات رئاسية مدعومة بحملة إيمانية يرأسها الرئيس نفسه ... شاهدها المساجد الممتلئة ، والشوارع المحتشمة ، والخير في تصاعد ... بحمد الله ...بل لقد وجدنا التغيرات حتى في الاعتقالات التي حدثت ... فكل أخ اعتقل في هذه الفترة ليشهد أن أسلوب الاعتقال وصورة المعاملة التي وجدها في المعتقل في الفترات الأخيرة كانت مثيرة للاستغراب من حيث التهاون والتساهل نسبة لما كان يسمعه من غيره ، أو لما وجده إن كان قد دخل من قبل هذه المرة ، وعندنا من الشواهد الكثير ، ابتداء من اعتقاله وانتهاء بإطلاقه ، بل عندنا شواهد كثيرة من المشايخ الذين كانوا مطلوبين من قبل ولربما مطلوبة رؤوسهم وأرواحهم ففروا من العراق إلى خارجه ... أصبح الأمن العراقي يستدعي بعض أهليهم ... لماذا؟ليرجوهم أن يعودوا إلى بلدهم معززين مكرمين ... ليس عليهم أي خوف ولا تهمة .. ونحن نعرف بعض هؤلاء الذين رجعوا وما أصابهم أي ضرر ))انتهى الاقتباس من موقع "مفكرة الإسلام".