04-09-2005, 06:11 PM
|
رقم المشاركة : 16
|
( ود نشِـط )
|
 |
|
 |
|
إن نظرة إلى الأكشاك المزدحمة في " شارع شبيتال" تروي القصة .
يسير البقالون بتردد من كشك إلى آخر ليكتشفوا مااذا يبيع كل كشك . هنا يوجد تبغ , لكن أين بذور الخردل ؟
هنا يوجد شوندر سكري لكن أين سمك البقلاي ؟ هنا حليب الماعز لكن أين الساسفراس ؟
ليس هؤلاء سواحاً في زيارتهم الأولى لبرن . إنهم مواطنو " بيرن " .
لا أحد يتذكر أنه اشترى منذ يومين شوكولاته من حانوت يدعى " فرديناندز " أو لحم بقر من محل " هوف "
للمواد الغذائية . يجب أن يعثر على كل حانوت و ما يختص به من جديد .
يسير كثيرون وفق الخرائط التي ترشدهم من رواق مقنطر إلى آخر في المدينة التي عاشوا فيها طوال حياتهم ,
في الشارع الذي تنقلوا فيه طوال أعوام . يسير كثيرون حاملين الدفاتر ليسجلوا ما تعلموه بينما يمكث لوهلة في رؤوسهم .
ذلك أن البشر في هذا العالم بلا ذاكرات .
حين يحين وقت العودة إلى المنزل في نهاية اليوم يستشير كل شخص كتاب عناوينه ليعرف أين يعيش .
يكتشف اللحام الذي قام بتقطيع غير جيد في اليوم الأول من عمله أن منزله يقع في شارع نيغال.
السمسار الذي أنتجت ذاكرته المحدودة عن السوق استثمارات ممتازة , يقرأ أنه يسكن في شارع بندس .
حين يصل كل رجل إلى منزله يجد امرأة و أطفالاً ينتظرون عند الباب , يعرف عن نفسه ,
يساعد في تحضير وجبة العشاء , يقرأ قصصاً لأطفاله . كذلك كل امرأة تعود من عملها تقابل زوجاً و أطفالاً
و خوانات و مصابيح و ورق جدران و نماذج من الآنية . في وقت متأخر من الليل لا يبقى الزوج و الزوجة
حول الطاولة ليناقشا أعمال اليوم , مدرسة أولادهما , رصيد البنك , بدلاً من ذلك , يبتسمان لبعضهما ,
يشعران بالدم الدافئ و بالألم بين الساقين كما كان يفعلان حين التقيا للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً.
يعثران على غرفة نومهما , يتعثران و هما يعبران, صوراً عائلية لا يتعرفان عليها و يمضيان الليل في الشبق .
ذلك أن العادة والذاكرة تبلدان الهوى الجسدي . بدون ذاكرة , كل ليلة هي الليلة الأولى ,
كل صباح هو الصباح الأول , كل قبلة و لمسة تحدثان لأول مرة .
إن عالماً بدون ذاكرة هو عالم الحاضر . ينحصر وجود الماضي في الكتب و السجلات .
يحمل كل شخص كتاب الحياة الخاص به من أجل أن يعرف نفسه و هذا الكتاب مليء بتاريخ حياته .
يستطيع أن يتعرف على هوية والديه أو فيما إذا ولد غنياً أو فقيراً أو إذا كان جيداً أو سيئاً في المدرسة
أو إذا أنجز أي شيء في حياته , حين يقرأ صفحات الكتاب كل يوم . بدون كتاب الحياة ,
يصبح المرء صورة عابرة , صورة ببعدين , شبحاً . في المقاهي التي تقع تحت الأشجار المورقة في برونغاسهالدي
يسمع المرء صراخا أليماً لرجل قرأ لتوه أن قتل مرة رجلاً آخر و تنهيدة امرأة اكتشفت لتوها أن أميراً خطبها ,
تباهياً مفاجئاً من امرأة عرفت أنها حصلت على تشريفات عليا من جامعتها منذ عشرة أعوام .
يمضي البعض ساعات الغسق حول طاولاتهم و هم يقرؤون في كتب الحياة ,
آخرون يملأون بعصبية صفحاتها الإضافية بحوادث اليوم .
مع مرور الزمن تزداد سماكة كتاب الحياة الخاص بكل شخص بحيث لا تمكن قراءاته كله .
عندئذ يأتي خيار : الرجال و النساء الكبار في السن يمكن أن يقرأوا الصفحات الأولى ليتعرفون على أنفسهم كشباب ,
أو يمكن أن يقرأوا النهاية ليتعرفوا على أنفسهم في سنوات لاحقة .
توقف البعض عن القراءة . تخلوا عن الماضي . قرروا أنه لا يهم إذا كانوا أغنياء أم فقراء في الماضي ,
متعلمين أم جهلة , متكبرين أم متواضعين , عاشقين أم فارغي القلوب –
و لايهمهم أيضاً كيف تدخل الريح الخفيفة في شعرهم . ينطر بشر كهؤلاء إلى عينيك بشكل مباشر و يمسكون يدك بشدة .
يسير بشر كهؤلاء بالخطوة الواسعة الرشيقة لشبابهم . تعلم بشر كهؤلاء كيف يعيشون في عالم بلا ذاكرة .
|
|
 |
|
 |
|
|
|