عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2005, 06:11 PM   رقم المشاركة : 16
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل


20 أيار 1905



إن نظرة إلى الأكشاك المزدحمة في " شارع شبيتال" تروي القصة .

يسير البقالون بتردد من كشك إلى آخر ليكتشفوا مااذا يبيع كل كشك . هنا يوجد تبغ , لكن أين بذور الخردل ؟

هنا يوجد شوندر سكري لكن أين سمك البقلاي ؟ هنا حليب الماعز لكن أين الساسفراس ؟

ليس هؤلاء سواحاً في زيارتهم الأولى لبرن . إنهم مواطنو " بيرن " .

لا أحد يتذكر أنه اشترى منذ يومين شوكولاته من حانوت يدعى " فرديناندز " أو لحم بقر من محل " هوف "

للمواد الغذائية . يجب أن يعثر على كل حانوت و ما يختص به من جديد .

يسير كثيرون وفق الخرائط التي ترشدهم من رواق مقنطر إلى آخر في المدينة التي عاشوا فيها طوال حياتهم ,

في الشارع الذي تنقلوا فيه طوال أعوام . يسير كثيرون حاملين الدفاتر ليسجلوا ما تعلموه بينما يمكث لوهلة في رؤوسهم .

ذلك أن البشر في هذا العالم بلا ذاكرات .

حين يحين وقت العودة إلى المنزل في نهاية اليوم يستشير كل شخص كتاب عناوينه ليعرف أين يعيش .

يكتشف اللحام الذي قام بتقطيع غير جيد في اليوم الأول من عمله أن منزله يقع في شارع نيغال.

السمسار الذي أنتجت ذاكرته المحدودة عن السوق استثمارات ممتازة , يقرأ أنه يسكن في شارع بندس .

حين يصل كل رجل إلى منزله يجد امرأة و أطفالاً ينتظرون عند الباب , يعرف عن نفسه ,

يساعد في تحضير وجبة العشاء , يقرأ قصصاً لأطفاله . كذلك كل امرأة تعود من عملها تقابل زوجاً و أطفالاً

و خوانات و مصابيح و ورق جدران و نماذج من الآنية . في وقت متأخر من الليل لا يبقى الزوج و الزوجة

حول الطاولة ليناقشا أعمال اليوم , مدرسة أولادهما , رصيد البنك , بدلاً من ذلك , يبتسمان لبعضهما ,

يشعران بالدم الدافئ و بالألم بين الساقين كما كان يفعلان حين التقيا للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً.

يعثران على غرفة نومهما , يتعثران و هما يعبران, صوراً عائلية لا يتعرفان عليها و يمضيان الليل في الشبق .

ذلك أن العادة والذاكرة تبلدان الهوى الجسدي . بدون ذاكرة , كل ليلة هي الليلة الأولى ,

كل صباح هو الصباح الأول , كل قبلة و لمسة تحدثان لأول مرة .

إن عالماً بدون ذاكرة هو عالم الحاضر . ينحصر وجود الماضي في الكتب و السجلات .

يحمل كل شخص كتاب الحياة الخاص به من أجل أن يعرف نفسه و هذا الكتاب مليء بتاريخ حياته .

يستطيع أن يتعرف على هوية والديه أو فيما إذا ولد غنياً أو فقيراً أو إذا كان جيداً أو سيئاً في المدرسة

أو إذا أنجز أي شيء في حياته , حين يقرأ صفحات الكتاب كل يوم . بدون كتاب الحياة ,

يصبح المرء صورة عابرة , صورة ببعدين , شبحاً . في المقاهي التي تقع تحت الأشجار المورقة في برونغاسهالدي

يسمع المرء صراخا أليماً لرجل قرأ لتوه أن قتل مرة رجلاً آخر و تنهيدة امرأة اكتشفت لتوها أن أميراً خطبها ,

تباهياً مفاجئاً من امرأة عرفت أنها حصلت على تشريفات عليا من جامعتها منذ عشرة أعوام .

يمضي البعض ساعات الغسق حول طاولاتهم و هم يقرؤون في كتب الحياة ,

آخرون يملأون بعصبية صفحاتها الإضافية بحوادث اليوم .

مع مرور الزمن تزداد سماكة كتاب الحياة الخاص بكل شخص بحيث لا تمكن قراءاته كله .

عندئذ يأتي خيار : الرجال و النساء الكبار في السن يمكن أن يقرأوا الصفحات الأولى ليتعرفون على أنفسهم كشباب ,

أو يمكن أن يقرأوا النهاية ليتعرفوا على أنفسهم في سنوات لاحقة .

توقف البعض عن القراءة . تخلوا عن الماضي . قرروا أنه لا يهم إذا كانوا أغنياء أم فقراء في الماضي ,

متعلمين أم جهلة , متكبرين أم متواضعين , عاشقين أم فارغي القلوب –

و لايهمهم أيضاً كيف تدخل الريح الخفيفة في شعرهم . ينطر بشر كهؤلاء إلى عينيك بشكل مباشر و يمسكون يدك بشدة .

يسير بشر كهؤلاء بالخطوة الواسعة الرشيقة لشبابهم . تعلم بشر كهؤلاء كيف يعيشون في عالم بلا ذاكرة .







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة