عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2005, 06:02 PM   رقم المشاركة : 14
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



14 أيار 1905



ثمة مكان يتوقف فيه الزمن . تتدلى قطرات المطر دون حراك في الجو . تتجمد رقاصات الساعات في منتصف التأرجح .

ترفع الكلاب خطومها في عواء صامت .

يتجمد العابرون في الشوارع الغبارية و أرجلهم مرفوعة نحو الأعلى كأنها مشدودة بخيوط .

تعلق روائح البلح و المانغا و الكزبرة و الكمون في الفضاء .

حين يقترب مسافر إلى هذا المكان من أيه جهة , يتحرك ببطء متزايد . يزداد تباعد دقات قلبه ,

يضعف نفسه , تنخفض حرارته , تبهت أفكاره إلى أن يصل إلى حالة الموت ويتوقف . ذلك أن هذا هو مركز الزمن .

من هذا المكان يتحرك الزمن نحو الخارج في دوائر متحدة , المركز يكون مستقراً في المركز ,

يجمع السرعة ببطء في أقطار دوائر أكبر . من الذي سيحج إلى مركز الزمن ؟ الآباء و الأمهات مع أولادهم و العشاق .

و هكذا , في المكان الذي يتوقف فيه الزمن ,

يرى المرء الآباء و الأمهات يتشبثون بأولادهم في عناق متجمد لن يتحرر أبداً.

لن تتوقف الإبنة الشابة الجميلة ذات العينين الزرقاوين و الشعر الأشقر عن تلك الابتسامة التي تبتسمها ,

لن تفقد توهج خديها القرنفلي الناعم , لن تنالها التجاعيد أو التعب , لن تصاب بالأذى , لن تنسى ما علمها والداها ,

لن تعرف الشر أبداً , لن تقول لوالديها أبداً إنها لا تحبهما , لن تغادر غرفتها المطلة على البحر ,

لن تتوقف أبداً عن لمس والديها كما تفعل الآن.

و في المكان الذي يتوقف فيه الزمن يشاهد المرء العشاق يتبادلون القبل في ظلال المباني في عناقات متجمدة لن تنفك أبداً.

لن يزيح المعشوق ذراعيه عن موقعهما لن يعيد سوار الذكريات , لن يسافر بعيداً عن معشوقته ,

لن يخاطر بنفسه في التضحية الذاتية , لن يفشل في إظهار حبه ,

لن يغادر أبداً, لن يقع في حب امرأة أخرى , لن يفقد أبداً هوى هذه اللحظة في الزمن .

يجب أن يلاحظ المرء أن تلك التماثيل مضاءة بأضعف لون أحمر لأن الضوء تلاشى في مركز الزمن

و تحولت ذبذباته إلى أصداء في الأودية الواسعة و صغر توتره حتى أصبح مثل التوهج الباهت للحباحب .

أولئك الذين ليسوا هادئين في مركز الزمن يتحركون فعلاً لكن بخطوات متجمدة .

يمكن أن يستغرق تمشيط الشعر عاماً , يمكن أن تستغرق قبلة ألف عام.

و في الوقت الذي تعاد فيه ابتسامة تمر الفصول في العالم الخارجي . و في الوقت الذي يضم فيه طفل تُبنى جسور.

و في الوقت الذي يقال فيه وداعاً تتفتت مدن و تُنسى .

و أولئك الذين يعودون إلى العالم الخارجي ..

ينمو الأطفال بسرعة , ينسون عناق آبائهم و أمهاتهم الذي استمر قروناً و الذي ,

بالنسبة إليهم , استمر بضع ثوان فقط . الأطفال الذين يصبحون راشدين ,

يعيشون بعيداً عن أمهاتهم و آبائهم في منازلهم الخاصة , يتعلمون طرقاً خاصة بهم , يعانون من الألم , يشيخون .

يلعن الأطفال آبائهم و أمهاتهم لأنهم يحاولون الاحتفاظ بهم إلى الأبد ,

يلعنون الزمن بسبب تجاعيد جلدهم و أصواتهم الأجشة .

هؤلاء الذين أصبحوا أطفالاً شائخين يريدون أن يوقفوا الزمن لكن في زمن آخر .

يريدون أن يجمدوا أبناءهم في مركز الزمن .

العشاق الذين يعودون يجدون أن أصدقاءهم رحلوا منذ وقت طويل . في النهاية , انتهت فترات الحيوات .

يتحركون في عالم لا يعرفون , العشاق الذين عادوا ما يزالون يتعانقون في ظلال الأبنية

إلا أن عناقاتهم تبدو الآن فارغة ووحيدة . حالاً ينسون الوعود التي عمرها قرون

و التي بالنسبة لهم استمرت بضع ثوان فقط , حتى بين الغرباء يتبادلون كلمات نابية , يفقدون الهوى ,

ينفصلون , يشيخون , و يصبحون وحيدين في عالمٍ لا يعرفونه .

يقول البعض من الأفضل عدم الاقتراب من مركز الزمن .

الحياة قارب حزن إلا أنه من النبل أن يعيش المرء الحياة و لكن بدون الزمن لا توجد حياة .

لا يوافق آخرون . سيفضلون أبدية من القناعة حتى و لو كانت متوقفة متجمدة , كفراشة حبيسة في علبة .







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة