عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2005, 05:59 PM   رقم المشاركة : 3
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



11 أيار 1905



حين يسير المرء في السوق يرى منظراً عجباً : الكرز الذي في أكشاك بيع الفاكهة مرتب في صفوف ,

القبعات التي في المتجر مجموعة بأناقة , الأزهار التي على الشرفات كرتبة في تناسق تام . لا فتات على أرض المخبز ,

لا حليب مسفوحاً على أرضية بيت المؤن . لا شئ خارج موضعه .

حين تنتهي حفلة مرحة في مطعم تصبح الطاولات أكثر ترتيباً مما كانت عليه . حين تهب ريح خفيفة عبر الشارع ,

يكنس الشارع . و يصبح نظيفاً و تنقل الأوساخ و الغبار إلى حافة البلدة . حين تتكسر أمواج على الشاطئ ,

يعيد الشاطئ بناء نفسه . حين تسقط الأوراق عن الأشجار , تصطف الأوراق كالطيور في تشكيل كحرف
v .
حين تشكل الغيوم وجوهاً , تبقى الوجوه . حين ينفث غليون الدخان في غرفة يندفع السخام نحو زاوية الغرفة

تاركاً جواً خالياً. تصبح الشرفات المطلية المعرضة للريح و المطر أكثر تألقاً مع مرور الزمن .

يجعل صوت الرعد أصيصاً مكسوراً يعيد تكوين نفسه ,

يجعل الشظايا المحطمة تقفز إلى أماكنها المحددة حيث تتلاءم و تلتحم .

يزداد الأريج الفواح لعربة قرفة عابرة و لا يتلاشى مع مرور الزمن .

هل تبدو هذه الحوادث غريبة؟

يسبب مرور الزمن في هذا العالم نظاماً متزايداً . النظام هو قانون الطبيعة , الميل العالمي, الجهة الكونية .

إذا كان الزمن سهماً, يشير السهم نحو النظام . المستقبل نموذج ,

منظمة , اتحاد , توتير, الماضي عشوائية , فوضى , تحلل , تلاشٍ.

يرى الفلاسفة أنه بدون اتجاه نحو النظام يفقد الزمن معناه . يصبح الزمن غير قابل للتمييز عن الماضي .

يصير تعاقب الأحداث مشاهد عشوائية من ألف رواية .

سيصبح التاريخ غير قابل للتمييز مثل الضباب الذي نجمعه ببطء قمم الأشجار في المساء.

في عالم كهذا يستلقي البشر الذين يعيشون في منازل غير مرتبة في أسرتهم

و ينتظرون أن تنفض قوى الطبيعة الغبار عن نوافذهم و ترتب الأحذية في خزائنهم .

البشر الذين يعيشون علاقات غير منظمة يمكن أن يقوموا بنزهات بينما تصبح تقاويمهم منظمة ,

مواعيدهم مرتبة و أرصدتهم متوازنة . يمكن أن توضع الفرشاة ,

و أحمر الشفاه و الرسائل في المحفظات بإهمال مع وجود قناعة أنها سترتب نفسها آلياً .

ولن تحتاج الحدائق إلى أن تشذب و الأعشاب إلى أن تستأصل . تصبح المكاتب أنيقة في نهاية اليوم .

الثياب التي على الأرض في المساء تتوضع على الكراسي في الصباح . الجرابات المفقودة تعاود الظهور .

إذا زار المرء مدينة في الربيع يرى منظراً عجباً آخر .

ذلك أن البشر يمرضون في الربيع من نظام حياتهم .يدمر البشر في الربيع منازلهم بغضب ,

يتحركون بين الأوساخ ,يحطمون الكراسي , يكسرون النوافذ .

في شارع أربر أو أية جادة سكنية يسمع المرء في الربيع أصوات الزجاج المحطم و الصراخ و العويل و الضحك .

في الربيع يلتقي البشر في أوقات غير منظمة , يحرقون كتب مواعيدهم , يقذفون ساعات يدهم بعيداً,

يشربون طوال الليل. يستمر هذا الوضع الهستيري إلى الصيف حين يستعيد البشر أحاسيسهم و يعودون إلى النظام .







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة