عرض مشاركة واحدة
قديم 29-08-2005, 01:51 PM   رقم المشاركة : 8
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



28 نيســــــــان 1905



ليس بوسع المرء أن يتنزه في جادة أو يتحدث مع صديق أو يدخل بناء أو يتجول تحت أقواس رواق مقنطر قديم

مصنوعة من الحجر الرملي دون أن يلتقي بأداة زمنية. الزمن مرئي في جميع الأمكنة . أبراج الساعات الكبيرة ,

ساعات اليد و أجراس الكنائس تقسم الأعوام إلى شهور والشهور إلى أيام و الأيام إلى ساعات و الساعات إلى ثوان

وكل زيادة في الوقت تتقدم بعد الأخرى في تعاقب تام . ووراء أية ساعة كبيرة معينة

ثمة منصة زمنية شاسعة ترسي قانون الزمن للجميع على السواء.

في هذا العالم الثانية هي ثانية هي ثانية . يخطو الزمن إلى الأمام بانتظام مضبوط

وبالسرعة المنتظمة ذاتها في كل زاوية من المكان .

الزمن حاكم لانهائي . الزمن مطلق .

يجتمع كل بعد ظهر سكان بلدة بيرن في الطرف الغربي لشارع كرام .

هناك في الثالثة إلا ربعاً يدفع برج "تسوتغلوكاتورم" الجزية للزمن .

عالياً على البرج يرقص المهرجون , تصيح الديكة , تعزف الدببة على الناي وتقرع الطبل ,

يوقت الأصوات والحركات دوران المسننات ,

التي بدورها يلهمها اكتمال الزمن . في الساعة الثالثة تماماً يدق جرس ضخم ثلاث مرات , يتفحص البشر ساعاتهم ,

ثم يعودون إلى مكاتبهم في " شارع شبايشا" و حوانيتهم في " السوق"

و مزارعهم التي تقع وراء الجسور التي على نهر " آري".

الذين يمتلكون إيماناً دينياً يعتبرون الزمن دليلاً على وجود الله . ذلك أنه من المؤكد أن لا شيء يخلق تماماً دون خالق,

لا شيء يمكن أن يكون كونياً دون أن يكون مقدساً . و جميع المطلقات هي جزء من المطلق الواحد .

و أينما وجدت المطلقات يوجد الزمن . وضع فلاسفة الأخلاق الزمن في مركز إيمانهم .

الزمن هو المرجع الذي يحكم من خلاله على جميع الأفعال . الزمن هو الوضوح لرؤية الصواب و الخطأ.

في حانوت لبيع الكتان في " شارع أمتهاوس " تتحدث امرأة مع صديقتها . فقدت وظيفتها للتو .

اشتغلت عشرين عاماً موظفة في " مجلس الشعب" تسجل المجادلات . ساعدت أسرتها .

و سرحت الآن وهي تعيل فتاة ماتزال في المدرسة و تعيش مع زوج يمضي كل صباح

ساعتين في المرحاض. دخلت مديرتها في صباح ما ,

وهي سيدة غريبة الأطوار , مزيتة بإفراط , و طلبت منها أن تخلي مكتبها في اليوم التالي .

تصغي الصديقة التي في الحانوت بهدوء

و تطوي بأناقة غطاء الطاولة الذي اشترته , تنزع نسالة الكتان عن كنزة المرأة التي فقدت وظيفتها .

تتفق الصديقتان على اللقاء لتناول الشاي في الساعة العاشرة من اليوم التالي . الساعة العاشرة ,

بعد سبع عشرة ساعة و خمس و ثلاثين دقيقة من هذه اللحظة تبتسم المرأة

التي فقدت وظيفتها للمرة الأولى طوال اليوم ,

تتخيل في ذهنها الساعة التي على حائط مطبخها تحدد كل ثانية بين الآن والساعة العاشرة غداً,

دون انقطاع , دون استشارة.

و ثمة ساعة مشابهم في منزل صديقتها متزامنة معها . غداً في العاشرة إلا ثلثاً ,

سترتدي المرأة لفاعها و قفازيها و معطفها

و تسير في " شيفلاوبي" عابرة جسر " نيديك" متوجهة إلى " المقهى"

في شارع بوست . في العاشرة إلا ربعاً ,

ستغادر صديقتها منزلها في شارع تسويغاهوس و تشق طريقها إلى المكان نفسه .

ستتقابلان في الساعة العاشرة . ستتلقيان في العاشرة .

إن عالماً يكون فيه الزمن مطلقاً هو عالم عزاء . ذلك أنه بينما تكون حركات البشر غير قابلة للرصد ,

تكون حركة الزمن قابلة لذلك . وبينما يمكن أن يُشك بالبشر , لايمكن الشك بالزمن .

و بينما يشرد البشر ينزلق الزمن إلى الأمام دون أن ينظر إلى الخلف . في المقاهي , في الأبنية الحكومية ,

في القوارب التي في بحيرة جنيف , ينظر البشر إلى ساعاتهم اليدوية و يلوذون بالزمن .

تعرف كل امرأة أنه في مكان ما تكون مسجلة لحظة ولادتها و اللحظة التي قامت فيها بالخطوة الأولى ,

ولحظة هواها الأول و اللحظة التي ودعت فيها والديه






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة