عرض مشاركة واحدة
قديم 29-08-2005, 01:39 PM   رقم المشاركة : 5
تعال وناظر جروحي
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية تعال وناظر جروحي
 





تعال وناظر جروحي غير متصل



19 نيسان 1905



إنه صباح بارد من صباحات تشرين الثاني . سقطت الثلوج الأولى .

يقف رجل يرتدي معطفاً جلدياً على شرفة طابقه الرابع

في شارع كرام المطلة على نافورة " تسيرغنا" وعلى الشارع الأبيض

في الأسفل . يستطيع المرء أن يرى في جهة الشرق الأبيض في الأسفل .

يستطيع المرء أن يرى في جهة الشرق الصومعة الهشة

لكاتدرائية القديس فنسنت , و في جهة الغرب سقف برج " تسوتغلوكاتورم"

لكن الرجل لا ينظر شرقاً أو غرباً , بل يحدق نحو الأسفل

إلى قبعة حمراء صغيرة متروكة في الثلج و يفكر: أعليه أن يذهب إلى منزل

المرأة في " فرايبورغ" ؟ تمسك يداه الدرابزون المعدني

وتفلتانه ثم تمسكانه ثانية ؟ هل يجب أن يزورها ؟ أيجب أن يزورها؟

يقرر ألا يشاهدها مرة أخرى . إنها لعوب و ظنون و بوسعها

أن تجعل حياته بائسة . ربما لن تكون مهتمة به على أية حال .

و هكذا يقرر ألا يراها ثانية و ينصرف إلى مصادقة الرجال .

يعمل بجد في مجال الأدوية حيث نادرا ما يلاحظ وجود مساعدة المدير.

يذهب إلى صالة احتساء البيرة في شارع خوكر في أوقات المساء

مع أصدقائه و يشرب البيرة , يتعلم صنع الفونديو*,

ثم يلتقي بعد ثلاثة سنوات بامرأة أخرى في محل لبيع الألبسة في نيوشاتل .

إنها ظريفة . تمارس معه الحب ببطء شديد طوال شهور.

بعد عام تأتي لتعيش معه في " بيرن". يعيشان حياة هادئة ,

يتنزهان على طول نهر " آري " يصادقان بعضهما , يشيخان راضيين .

في العالم الثاني يقرر الرجل الذي يرتدي معطفاً جلدياً أنه يجب

أن يشاهد امرأة " فرايبورغ" مرة أخرى . لايكاد يعرفها ,

يمكن أن تكون لعوب و متقلبة . لكن تلك الطريقة التي يصبح

فيها وجهها ناعماً حين تبتسم , تلك الضحكة ,ذلك الاستخدام الذكي للكلمات ,

نعم , يجب أن يشاهدها مرة ثانية .يذهب إلى منزلها في فرايبورغ ,

يجلس معها على الأريكة ,يشعر بعد لحظات أن قلبه يخفق ,

يضعف من مشهد بياض ذراعيها. يمارسان الحب بصخب و شوق .

تقنعه بالانتقال إلى فرايبورغ . يترك علمه في " بيرن"

و يوظف في مكتب فرايبورغ البريدي. يشتعل حباً بها .

يجيئ إلى المنزل ظهراٌ كل يوم .يأكلان , يمارسان الحب, يتجادلان ,

تشكو أنها تريد مزيداً من النقود , يتوسل إليها , تقذفه بالآنية ,

يمارسان الجنس مرة أخرى ,يعود إلى مكتب البريد .

تهدد بأنها ستتركه لكنها لاتفعل ذلك . يعيش من أجلها و هو سعيد بكمده.

في العالم الثالث يقرر أيضاً أنه يجب أن يشاهدها مرة أخرى .

لايكاد يعرفها , يمكن أن تكون لعوب و متقلبة . لكن تلك الابتسامة ,

تلك الضحكة , ذلك الذكاء في في استخدام الكلمات . نعم ,

يجب أن يشاهدها مرة ثانية . يذهب إلى منزلها في " فرايبورغ" ,

يلتقي بها عند الباب , يتناول معها الشاي حول طاولة المطبخ .

يتحدثان عن عملها في المكتبة و عن عمله في مجال الأدوية .

تقول بعد ساعة إنها يجب أن تغادر لتساعد صديقا , تودعه , يتصافحان .

يسافر قاطعاً مسافة الثلاثين كليومتراً إلى بيرن, يشعر بالفراغ

أثناء ركوب القطار إلى منزله , يصعد إلى شقته في الطابق الرابع

ويحدق نحو الأسفل , إلى القبعة الحمراء المتروكة في الثلج.

إن سلاسل الأحداث الثلاثة هذه تحدث بالفعل متزامنة .

ذلك أن الزمن يمتلك ثلاثة أبعاد في هذا العالم مثل المكان .

تماماً كما يمكن أن يتحرك شيء في ثلاث جهات عمودية تتواشج

مع الأفقي و العمودي و الطولي و هكذا يمكن أن يشارك الشيء

في ثلاثة مستقبلات عمودية . يتحرك كل مستقبل في جهة مختلفة من الزمن ,

و كل من هذه المستقبلات حقيقي . و حين يصل الرجل إلى حافة

أي قرار لزيارة المرأة التي في فرايبورغ أو لشراء معطف جديد ,

ينقسم العالم إلى ثلاثة عوالم كل منها يحتوي البشر نفسهم

و لكن بأقدار مختلفة لأولئك البشر .

مع مرور الزمن ثمة عدد لانهائي من العوالم.

يستخف البعض بالقرارات مجادلين أن جميع القرارات الممكنة ستُتخذ .

في عالم كهذا , كيف يستطيع المرء أن يكون مسؤولاً عن أفعاله ؟

يعتقد آخرون أن كل قرار يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار

و يُلتزم به و أنه بدون التزام يحل العماء .

إن بشراً كهؤلاء يرضون أن يعيشوا في عوالم متناقضة

طالما أنهم يعرفون سبب كل منها .


__________________________

* الفونديو fondue :لون من الطعام السويسري يصنع من الجبن الذائب

في النبيذ الأبيض و ينقع فيه فتات الخبز - المغني الأكبر






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة