اللسان
 

(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ... فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ - أي لسان نفسه - وقَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟. فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ , وَهَلْ يَكُبُّ ـ أي يُلقي ـ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ )) رواه الترمذي وإبن ماجة .
أي ما تنطق به ألسنتهم , فالشرك إنما يكون باللسان , وكذلك الكفر والنفاق والكذب والإستغابة والنميمة والقذف وشهادة الزور والحلف بغير الله , وغيرها من المعاصي كاللعن والشتم .. وكلها لا تكون إلا باللسان .
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في عدة أحاديث نبوية الشريفة :
= (( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ـ أي يصون لسانه ـ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ـ أي يحفظ فرجه ـ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ )) رواه البخاري .
= (( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ :سألَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ ؟. قَالَ : أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ )) رواه أحمد .
= (( عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلاً يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ . فَقَالَ : كُفَّ لِسَانَكَ إِلاّ مِنَ الْخَيْرِ )) رواه أحمد .
= (( عن عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ . فَقُلْتُ : كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ ؟. قَالَ : الْزَمْ بَيْتَكَ , وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ... )) رواه أبو داوود وأحمد .
= (( عَنْ مُسْلِمٍ إبْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ يَكُونُ الْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرًا مِنَ الْجَالِسِ , وَالْجَالِسُ خَيْرًا مِنَ الْقَائِمِ , وَالْقَائِمُ خَيْرًا مِنَ الْمَاشِي , وَالْمَاشِي خَيْرًا مِنَ السَّاعِي . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ الزَّمَانُ ؟. قَالَ : تَكُفُّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ )) رواه أبو داوود .
ومن أشر الناس من يجامله الآخرون خوفاً من بذاءة لسانه .. (( عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ انْبَسَطَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي إستقبله بوجه بشوش - وَكَلَّمَهُ . فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا اسْتَأْذَنَ قُلْتَ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ , فَلَمَّا دَخَلَ انْبَسَطْتَ إِلَيْهِ . فَقَالَ :يَا عَائِشَةُ إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ أَلْسِنَتِهِمْ )) رواه أبو داوود .
وجاء في الحديث القدسي (( عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : لَقَدْ خَلَقْتُ خَلْقًا أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ )) رواه الترمذي .. وأولئك - والله أعلم - هم المنافقون الذين قال سبحانه وتعالى عنهم (( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ))
وأفضل ما يستعمل الإنسان لسانه به هو ذِكر الله عز وجل .. (( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ , فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ . قَالَ : لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ )) رواه الترمذي وأبن ماجة .
والخالق جلّت حكمته قد جعل اللسان في الفم خلف حاجزين : الأسنان والشفتين !. وما ذلك إلا لكي يلجمه الإنسان عن سفاسف الكلام !. وتقول العامّة : لسانك حصانك , إذا صنتو صانك !. أي إذا صنته من اللغو في الكلام صانك من الوقوع في الزلل !
وقال الإمام الشافعي :
لسانُكَ لا تذكرْ به عورةَ إمرءٍ - فكلكَ عوراتٌ وللناسِ ألسُنُ
وينبغي على العاقل ألا ينخدع بالإنسان الذي يكون لسانه أحلى من العسل - كما قال عليه الصلاة والسلام - فربما يكون يخفي وراء حلاوة لسانه عداوةً شديدة !. وقد قال الله في كتابه الحكيم (( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )) صدق الله العظيم .

ولــــه،،،