((( حوار بين النبي صلى الله عليه وسلم , وبين إبليس اللعين )))

نقلا عن كتاب (( شجرة الكون )) للشيخ الأكبر مـحـي الدين بن العربي
رضي الله عنـه


عن معاذ بن جبل رضي الله , عن ابن عباس رضي الله عنهما:-

قال : كنا مع رسول الله عله وسلم في بيت رجل من الأنصار في
جماعة, فنادى منادي:

يا أهل المنزل أتأذنون لي بالدخول, ولكم إلى حاجة....؟

قال رسول الله عليه وسلم : أتعلمون من المنادى...؟

فقالوا :الله ورسوله أعلم...؟

فقال رسول الله عليه وسلم : هذا إبليس اللعين – لعنة الله وتعالى -
.

فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : أتأذن لي يا رسول اله
أن أقتله ..

فقال النبي صلى الله تعالى وسلم : مهلا يا عمر , أما عملت أنه من
المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم , ولكن افتحوا له الباب ,
فانه مأمور , فافهموا عنه ما يقول , وأسمعوا منه ما
يجيئكم........

قال ابن عباس رضي الله عنهما : ففتح له الباب فدخل علينا , فإذا
به شيخ أعور , وفي لحيته سبع شعرات كشعر الفرو , وعيناه
مشقوقتان بالطول ورأسه كرأس الفيل الكبير , وأنيابه كأنياب
الخنزير , وشفتاه كشفتي الثور , فقال السلام عليك يا محمد ,
والسلام عليكم يا جماعة المسلمين...

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : السلام لله يا لعين , قد سمعت
حاجتك ما هي...؟

فقال له إبليس : يا محمد ما جئتك اختيارا.. ولكن جئتك
اضطرارا...

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما الذي اضطرك يا لعين ....؟

فقال : أتاني ملك من عند رب العزة , فقال إن الله تعالى يأمرك
أن تأتي لمحمد صلى الله عليه وسلم , وأنت ذليل متواضع وتخبره
كيف مكرك ببني آدم , وكيف إغوائك لهم , وتصدقه في أي شيء
يسألك , فواعزتي وجلالي لأن كذبـّـته بكذبة واحدة ولم تصدقه
لأجعلنك رمادا تذروه الرياح ولأشمتنّ بك الأعداء.... وقد جئتك يا
محمد كما أمرت , فاسأل عما شئت فإذا لم أصدقك فيما سألتني عنه
شمت بي الأعداء وما شيء أصعب من شماتة الأعداء.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت صادقا.. فأخبرني من
أبغض الناس إليك...؟

قال : أنت يا محمد؛ أبغض خلق الله إليّ, ومن هو على مثلك
..!!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ماذا تبغض أيضا..؟

قال : شاب تقي وهب نفسه لله تعالى..

قال صلى الله عليه وسلم : ثم مـــــــن..؟

قال : عالم ورع عرفت أنه صبور..

قال صلى الله عليه وسلم : ثم مــــن..؟

قال : من يدوم على طهارة..

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ثم مــــــن..؟

قال : فقير صبور , إذا لم يصف فقره لأحد , ولم يشك ضره..

قال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنه صبور..؟

قال : يا محمد إذا شكى ضره لمخلوق مثله ثلاثة أيام لم يكتب الله
له عمل الصابرين.

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ثم مــــن..؟

قال : غني شكور..

قال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنه شكور..؟

قال: إذا رأيته يأخذ من حله ويضعه في محله..

قال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يكون حالك إذا قامت أمتي
إلى الصلاة..؟

قال : يا محمد تلحقني الحمى والرعدة..

قال صلى الله عليه وسلم : ولمــا يا لعين..؟

قال : إن العبد إذا سجد لله رفعه درجة..

قال صلى الله عليه وسلم : فإذا صاموا..؟

قال : أكون مقيدا حتى يفطروا..

قال صلى الله عليه وسلم : فإذا حجوا..؟

قال : أكون مجنونا..

قال صلى الله عليه وسلم : وإذا قرأوا القرآن..؟

قال : أذوب كما يذوب الرصاص على النار..

قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا تصدقوا..؟

قال : فكأنما يأخذ المتصدق المنشار فيجعلني قطعتين..

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ولم ذلك يا أبــا مـــرة..؟

قال : فان في الصدقة أربع خصال وهي, إن الله تعالى ينزل في ماله
البركة ويحسبه على خلقه ويجعل صدقته حجابا بينه وبين النار,
ويدفع عنه العاهات والبلايا..

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : فما تقول في أبي بكر....؟.

قال : يا محمد لم يطيعني في الجاهلية , فكيف يطيعني في
الإسلام...؟.

قال صلى الله عليه وسلم : فما تقول في عمر بن الخطاب...؟.

قال : والله ما لقيته إلا وهربت منه...

قال صلى الله عليه وسلم : فما تقول في عثمان بن عفان...؟.

قال : أستحي ممن استحت منه ملائكة الرحمن..

قال صلى الله عليه وسلم : فمال تقول في علي بن أبي طالب...؟.

قال : ليتني سلمت منه رأس برأس, ويتركني وأتركه, ولكنه لم
يفعل ذلك قط..

قال صلى الله عليه وسلم: الحمد الله الذي أسعد أمتي وأشقاك إلى
يوم معلوم...

فقال له إبليس اللعين: هيهات.. هيهات.. وأين سعادة أمتك, وأنا
حي لا أموت إلى يوم معلوم, وكيف تفرح أمتك وأنا أدخل عليهم في
مجاري الدم واللحم وهم لا يروني..؟ فهو الذي خلقني وأنظرني إلى
يوم يبعثون لأغوينهم أجمعين.. جاهلهم وعالمهم.. وأمّــهم..
وقارئهم.. وفاجرهم... وعابدهم.. إلا عباد الله المخلصين..

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ومن المخلصين عندك..؟

قال : أما علمت يا محمد أن من أحب الدرهم والدنيا ليس بمخلص لله
تعالى..؟ وإذا رأيت الرجل لا يحب الدرهم والدينار ولا يحب المدح
والثناء..
علمت انه مخلص لله تعالى فتركته...وان العبد ما دام
يحب المال والثناء وقلبه معلق بشهوات الدنيا فانه أطوع ممن
أصف لكم.. أما علمت أن حب المال من أكبر الكبائر...؟

يا محمد أما علمت أن حب الربا من أكبر الكبائر.. وأن التكبر من أكبر
الكبائر.. يا محمد أما علمت أن لي سبعين ألف ولد, ولكل منهم
سبعون لألف شيطان, فمنهم من قد وكلته بالعلماء, ومنهم من قد
وكلته بالشباب, ومنهم من قد وكلته بالمشايخ, ومنهم من قد
وكلته بالعجائز... أما الشباب فليس بيننا وبينهم خلاف, وأما
الصبيان فيلعبون بهم كيف شاءوا , ومنهم قد وكلته بالعبـّـاد,
ومنهم قد وكلته بالزهــّـاد فيدخلون عليهم , فيخرجون من حال
إلى حال , ومن باب إلى باب حتى يسببوهم بسبب من الأسباب , فأخذ
منهم الإخلاص وهم يعبدون الله تعالى بغير إخلاص وما يشعرون.. أما
علمت يا محمد أن برصيصا الراهب أخلص لله تعالى سبعين سنة حتى
كان يعافي بدعوته من كان سقيما , فلم أتركه حتى زنا وكفر وقتل
وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله تعالى " كمثل
الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما... قال إني بريء منك إني
أخاف رب العالمين".

أما علمت يا محمد أن الكذب مني وأنا أول من كذب , ومن كذب فهو
صديقي , ومن حلف بالله كاذبا فهو حبيبي ..

أما علمت يا محمد إني حلفت لآدم وحواء بالله أني لكما من الناصحين , فاليمين الكاذبة سرور قلبي , والغيبة والنميمة فاكهتي وفرحتي , وشهادة الزور
قرة عيني ورفائي , ومن حلف بالطلاق يوشك أن يأثم ولو كان مرة
واحدة ولو كان صادقا .. ومن عود لسانه بالطلاق حرمت عليه زوجته
ثم لا يزالون يتناسلون إلى يوم القيامة فيكونون كلهم أولاد زنا
فيدخلون النار من أجل كلمة ..

يا محمد أم من أمتك من يؤخر الصلاة ساعة فساعة كلما يريد أن يقوم الصلاة لزمته فأوسوس له وأقول له الوقت باقي وأنت في شغل حتى يؤخرها ويصليها في غير
وقتها , فيضرب بها في وجهه , فان هو غابني , أرسلت إليه واحدا
واحدا من الإنس يشغله عن وقتها , فان غلبني في ذلك تركته حتى
إذا كان في الصلاة قلت له أنظر يمينا وشمالا , فينظر فعند ذلك
أمسح بيدي وجهه وأقبل ما بين عينيه وأقول له قد أتيت مالا يصلح
أبدا وأنت تعلم يا محمد من أكثر الالتفات في الصلاة يضرب بها الله
وجهه , فان غلبني في الصلاة وصلى وحده , أمرته بالعجلة فينقرها
كما ينقر الديك الحبة , ويبادر بها , فان غلبني وصلى في جماعة
ألجمته بلجام , ثم أرفع رأسه قبل الإمام وأنت تعلم أن من فعل
ذلك بطلت صلاته ويمسخ الله رأسه رأس حمار يوم القيامة , فان
غلبني في ذلك أمرته أن يفرقع أصابعه في الصلاة حتى يكون من
المسبحين لي وهو في الصلاة , فان غلبني في ذلك نفخت في أنفه
حتى يتثاءب وهو في الصلاة , فان لم يضع يده في فمه دخل الشيطان
في جوفه فيزداد بذلك حرصا في الدنيا وحبا لها ويكون سميعا
مطيعا لنا فأي سعادة لأمتك وأنا آمر المسكين أن يدع الصلاة
وأقول له ليست عليه صلاة , إنما هي على الذي أنعم الله عليه
بالعافية لأن الله تعالى يقول " ولا على المريض حرج" وإذ فقت صليت
ما عليك حتى يموت كافرا , فإذا مات تاركا الصلاة وهو في مرضه
لقي الله تعالى وهو غضبان عليه ,

يا محمد وان كنت كذبت أو زليت فاسأل الله تعالى أن يجعلني رمادا ,

يا محمد أتفرح بأمتك وأنا أخرج سدس أمتك من الإسلام .......؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا لعين من جليسك ..؟
قال : آكل الربـا ..

قال صلى الله عليه وسلم : فمن صديقك ..؟

قال : الزانـي ..

قال صلى الله عليه وسلم : فمن صحبتك ..؟

قال : السكـــــران ..

قال صلى الله عليه وسلم : فمن ضيفك ..؟

قال : الســارق
..
قال صلى الله عليه وسلم : فما قرة عينك ..؟

قال : الحلف بالطــلاق ..

قال صلى الله عليه وسلم : فمن حبيبيك ..؟

قال : تارك صــلاة الجمعــة ..

قال صلى الله عليه وسلم : يا لعين فما يكسر ظهرك ..؟

قال : صهيل الخيل في سبيل الله ..

قال صلى الله عليه وسلم : فما يذيب جسمك ..؟

قال : توبــة التــائب ..

قل صلى الله عليه وسلم : فما ينضج كبدك ..؟

قال : كثرة الاستغفار لله تعالى بالليل والنهار
..

قال صلى الله عليه وسلم : فما يخزي وجهك ..؟

قال : صدقــة الســـر ..


قال صلى الله عليه وسلم : فما يطمس عينك ..؟
قال : صــلاة السحــر ..

قال صلى الله عليه وسلم : فما يقمع رأســك ..؟

قال : كثرة الصـــلاة فــي الجماعــة ..

قال صلى الله عليه وسلم : فمن أسعد الناس عندك ..؟

قال : تارك الصــلاة عمــدا ..

قال صلى الله عليه وسلم : فأي الناس أشقى عندك ..؟

قال : البخـــــلاء ..

قال صلى الله عليه وسلم : فما يشغلك عن عملك ..؟

قال : مجـــلس العلمـــاء
..
قال صلى الله عليه وسلم : فكيف تأكـــل ..؟

قال : بشمالي وبإصبعي ..

قال صلى الله عليه وسلم : فأين تستظل أولادك في وقت الحرور
والسموم ..؟

قال : تحت أظفار الإنسان ..

قال صلى الله عليه وسلم : فكم سألت من ربك حاجة
..
قال : عشرة أشيــاء ..

قال صلى الله عليه وسلم : فمــا هــي يـا لعيــن ..؟

قال : سألته أن يشركني في بني آدم في عالمهم وولدهم فأشركني
فيهم , وذلك قوله تعالى " وشاركهم في الأموال والأولاد وما يعدهم
الشيطان إلا غرورا " , وكل مال لا يزكى فإني آكل منه , وآكل من
كل طعام خالطه الربا والحرام , وكل ما لا تعوذ عليه من الشيطان
الرجيم , وكل من لا يتعوذ عند الجماع , وإذا جامع زوجته فإن
الشيطان يجامع معه فيأتي الولد سامعا مطيعا , ومن ركب دابة
تسير عليها في غير طلب حلال فإني رفيقه لقوله تعالى " وأجلب
عليهم بخيلك ورجلك" وسألته أن يجعل لي بيتا فكان الحمام ,
وسألته أن يجعل لي مسجدا , فكان الأسواق ,
وسألته أن يجعل لي قرآنا فكان الشعر , وسألته أن يجعل لي آذانا فكان المزامير , وسألته أن يجعل لي صديقا فكان السكران , وسألته أن يجعل لي
أعوانا فكان القدرية , وسألته أن يجعل لي إخوانا فقال : الذين
ينفقون أموالهم في المعصية ثم تلى قوله تعالى " إن المبذرين
كانوا إخوان الشياطين " ..

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا أتيتني بتصديق كل قول بآية
من كتاب الله تعالى ما صدقتك ....

قال : يا محمد سألت الله تعالى أن أرى بني آدم وهم لا يروني
فأجراني على عروقهم مجرى الدم أجول بنفسي كيف شئت في ساعة
واحدة .. فقال الله تعالى لك ما سألت , وأنا أفتخر بذلك إلى يوم
القيامة وان من معي معك وأكثر ذرية آدم معي إلى يوم القيامة ,
وأن لي ولدا قد سميته (عتمه) يبول في أذن العبد إذا نام عن
صلاة العتمة , ولولا ذلك ما وجد الناس نوما حتى يؤدوا الصلاة ,
وأن لي ولدا سميته (المتتا) حتى إذا عمل العبد طاعة سرا وأراد
أن يكتمها لا يزال يتقاضى به بين الناس حتى يخبر بها الناس
فيمحوا الله تعالى تسعة وتسعين ثوابا من مائة ثواب فيبقى له
ثواب واحد لأن لكل عمل يعمله سرا مائة ثواب , وأن لي ولدا
سميته (كحيلا) وهو الذي يكحل عيون الناس في مجالس العلماء وعند
خطبة الخطيب حتى ينام عند سماع كلام العلماء فلا يكتب له ثواب
أبدا , وما امرأة إلا قعد الشيطان عند مؤخرتها وشيطان يقعد في
حجرها يزينها للناظرين ويقولان اخرجي يدك فتخرج يدها ثم تبرز
للرجال فتهتك , ثم قال : يا محمد ليس لي من الإضلال شيئا , إنما
أنا موسوس ومزين , ولو كان الإضلال بيدي ما تركت أحدا على وجه
الأرض يقول "لا اله إلا الله محمد رسول الله " ولا صائما ولا مصليا ,
كما أنه ليس لك من الهداية شيء بل أنت رسول ومبلغ ولو كانت
الهداية بيدك ما تركت على وجه الأرض كافرا , وإنما أنت حجة الله
على خلقه وأنا سبب من سبقت له الشقاوة , والسعيد من أسعده الله
في بطن أمه , والشقي من أشقاه الله تعالى في بطن أمه ...
فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى " ولا يزالون
مختلفين الا من رحم ربك " ثم قرأ قوله تعالى " وكان أمر الله
قدرا مقدورا " ..

ثم قال صلى الله عليه وسلم : يا أبا مرة هل لك أن تتوب وترجع
إلى الله تعالى وأنا أضمن لك الجنة ؟...

فقال : يا رسول الله قد قضي الأمر , وجف القلم بما هو كائن إلى
يوم القيامة , فسبحان من جعلك سيد الأنبياء وخطيب أهل الجنة
فيها , وخصك واصطفاك , وجعلني سيد الأشقياء وخطيب أهل النار ,
وأنا شقي مطرود , وهذا آخر ما أخبرنك عنه وقد صدقت فيه .


.................................................. .....
أسأل الله الرضا والمغفرة لي ولكم