![]() |
اقتباس:
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي تقبلي شكري تقديري واحترامي مع تحياتي قلب الزهور بباي |
اقتباس:
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي تقبلي شكري تقديري واحترامي مع تحياتي قلب الزهور بباي |
أخطـــــــر من إيران! بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تعصون ربي جهاراً--- فكيف ترجون نصراً(1) الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص عندما أرسله لفتح فارس: (أما بعد, فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال, فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك بأن تكونوا أشـــد احتراسـاً من المعاصي منكم مـن عدوكم). نواجه الآن مخاطر جمة وتربصاً ومكراً من كثير من الأعداء ممن يريدون الشر بالأمة سواء كانت إيران أو من يحركونها من اليهودية والصليبية العالمية, وكلهم خطر بلا شك, ولكن والله ثم تالله إن الخطر الأكبر علينا هو ذنوبنا لأنها أساس تحقيق مكر الأعداء وشرورهم وتغلبهم علينا, وإذا كنا صادقين مع الله محققين تقواه فلا يضرنا كيد الكائدين أياً ما كانوا , قال تعالى (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) "آل عمران-120". وفي أحايين كثيرة أستغرب من أننا وكأننا ننظر إلى أمور حياتنا -خاصة في أمور هامة تمس مستقبل الأمة- بنظرة مادية دنيوية بدون أن نربط ذلك بالأسس والسنن الربانية الإيمانية والخلفيات الشرعية التي هي الأساس في حدوث كل الأمور وفي الارتباطات والنتائج والمسببات في أحداث حياتنا. ألا وإن من أكثر صور المعاصي ومجاهرة الله سبحانه بما لا يرضاه في عصرنا الحاضر ما تقوم به الكثير من القنوات ووسائل الإعلام في بلاد المسلمين من جرأة على أوامر الله ومبارزة له سبحانه بما يغضبه جهاراً نهاراً وعلى رؤوس مئات الملايين من أفراد أمتنا. وأساس إثم هذا المنكر من ينشرونه ويشجعونه ويعلنون له من أبناء المسلمين, ولكن إثمه عن طريق النظر له ومتابعته يقع فيه مئات الملايين من أفراد أمتنا. هذا عدا ما يحدث عند البعض -خاصة الشباب والشابات- من تأثر سلبي كبير بما يعرض فيه, وحصول انحرافات وسلوكيات فاسدة شائنة بسببه. نعم هو ليس المنكر والتقصير الوحيد في أمتنا ولكنه من أكثرها انتشارا وإصرارا, ومن أعظمها من حيث المجاهرة الكبيرة الحاصلة فيه والإفساد المتعلق به والإلهاء القاتل للأمة عن واجباتها الحادث منه. ديننا لا يرضى أن تظهر المرأة للأجانب ولو بأقل درجات التبرج, وفي هذه القنوات- التي تعلن الصحف عنها!- يؤتى بالمرأة فيها كاسية عارية وفي صور مجون وعلاقات غرامية تفتن وتفسد, بل إنها دعوة إلى الزنا والعلاقات المحرمة بطريقة غير مباشرة هي أخطر في جوانب معينة من الدعوة المباشرة لذلك. بل إن بعض المشاهد – والتي تعرض حتى في أوقات الذروة!- لا يرضاها حتى بعض العقلاء من الكافرين, فضلاً عن أنها انتهاك صارخ لأوامر الله رب العالمين سبحانه. إضافةً إلى برامج غنائية ماجنة مخدرة ومضيعة للأمة وشبابها تنفق عليها مئات الملايين في الوقت الذي تعاني فيه الأمة من القتل والإبادة والتشرد والحاجة والفقر. ومما يؤسف له أيضاً بل هو مخيف جداً أنه حتى شركات الاتصال لدينا أصبحت تساهم في نشر وتشجيع هذا الحرام عن طريق خدمات تقدم عن طريق الشبكة العنكبوتية تسهل الوصول لهذه القنوات. ولا خلاف في أن المنكرات العقدية وكثير من الانحرافات السلوكية والبغي والظلم أعظم شأناَ, ولكن مما لا أشك فيه أن وسائل الإعلام والقنوات المُضيِّعة المُلهية في عصرنا كانت من أهم العوامل التي شغلت معظم الأمة وخدرتها عن الحماس وبذل الأوقات والجهود للدعوة لدينها وإصلاح الانحرافات والأخطاء الأخرى الموجودة فيها. فلو أنها ألهبت مشاعرنا للحماس للدعوة بدلا من أن تلهينا بالمحرمات لتغير وصلح حال الأمة في شتى الجوانب والأمور. وقد يقال من جانب آخر أن قنوات الكافرين بكل سوئها تملأ الفضاء, ولكن ما نأثم به وتحصل بسببه عقوبات على الأمة ما كان له علاقة بنا نحن المسلمين عن طريق أفرادٍ منا , وأيضا ما يتركه المسلمون في أرجاء بلادهم من هذا المنكرات وما يتعلق بها والتمكين لها والدعاية والتشجيع عليها. وبالطبع تأثم الأمة إن تابعت –أيضاً- ما يحرم في قنوات غير المسلمين. وحقيقة المأساة أن قنوات المسلمين نفسها هي التي أصبحت تُسهِّل على المسلمين المنكرات وتُميع عليهم أحكام وقيم الدين ومن ثم تجعل الأمة عُرضة لرؤية ما كان ربما أطم وأكثر إفساداً في قنوات الكافرين أو عبر وسائل أخرى مثل الشبكة العنكبوتية(2). - فلنخف يا كل العقلاء الكرام في مجتمعاتنا من أن يأتينا دمار وفتن وقلة رزق وابتلاءات شتى عقوبةً على هذه الطامات التي يجاهر العظيم رب العالمين بها. فضلاً عن الذل والهوان والعجز الرهيب عن إنقاذ إخواننا الذي أصبحنا نعيشه في عصرنا وهم يبادون أمام أعيننا. وما حصل هذا الهوان والعجز فينا إلا بسبب تقصيرنا في حق الله. - ولنخف من أن يُسلَّط علينا أو يهزمنا من يريدون الشر بنا حتى لو كانوا أضعف منا-فكيف وبعضهم أقوى منا بمراحل عديدة-, وقد هدمنا وكسرنا في أساس حفظنا الذي نحفظ به؛ تقوى الله والالتزام بأوامره. - ولنخف من غضب رب السماوات والأرض وهو الذي يغار أن يأتي الفرد والأمة ما لا يرضاه. - أأمنا مكر الله؟ قال تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ. أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) "الأعراف 97-99". قال العلامة ابن باز رحمه الله في كتابه "أسباب نصر الله للمؤمنين على أعدائهم": (فالواجب على أهل الإيمان في جهادهم وفي سائر شؤونهم أن يأخذوا بأسباب النصر, ويستمسكوا بها في كل مكان؛ في المسجد وفي البيت وفي الطريق وفي لقاء الأعداء وفي جميع الأحوال, فعلى المؤمنين أن يلتزموا بأمر الله, وأن ينصحوا لله ولعباده, وأن يحذروا المعاصي التي هي من أهم أسباب الخذلان,......وهكذا المعاصي كلها في كل وقت من أسباب الخذلان إذا ظهرت ولم تنكر تكون من أسباب الخذلان وتسليط الأعداء, وحصول الكثير من المصائب). وختاما نسأل الله أن يبصِّرَنا ويوفقنا جميعا شعوباً وحكاماً للتعاون والتآزر على كل ما يقربنا من الحفظ والسعادة الدائمة والفلاح في الدنيا والآخرة. والنصر في تقوى الإله--- فقاربــــــوا وتقربـــــــوا(3) |
- للشاعر أ محمد الوقداني رحمه الله. 2- لو تفكرنا بحقٍ لامتلأت قلوبنا غيظاً وغضباً على من ينشرون ويشجعون هذه المعاصي في الأمة –هداهم الله وأبعد شرهم وخلصنا منهم إن لم يتوبوا-. لأنهم كمن يطعننا من الخلف, وهم أيضا بمعنىً آخر يقدموننا قرابين ميسرة لأعداء الدين يوم أن أبعدونا عن أساس عزنا ونصرنا وحفظنا. خاصةً أنهم يضيعوننا في وقتٍ حساسٍ اجتمعت فيه الأخطار علينا من شتى الجهات وتكالب فيه الأعداء علينا من شتى الملل وأشهروا سيوفهم على المسلمين, وأمعنوا فيه القتل والتنكيل والتدمير بأمة الإسلام. بل إنهم أخطر من الأعداء لوضوح شر الأعداء وخفاء شرهم وخيانتهم وتضليلهم. لأنهم من أبناء أمتنا ونحسب أنهم معنا, وهم في الواقع ينفذون الجزء الثاني الأخطر من مكائد الأعداء ألا وهو قتل الأمة بالإلهاء والتضييع والإفساد. فهم يعينون الأعداءَ على حربنا وهزيمتنا والتمكن منا, شعروا بذلك أو لم يشعروا وقصدوا ذلك أو لم يقصدوا. 3- للشاعر اللواء علي زين العابدين رحمه الله |
هكذا فقدنا القمم .... عندما غابت القيم أيها الأفاضل نعلم وتعلمون أن شخصية الإنسان هي عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ وهذه القيم هي النافذة التي من خلالها ينظر الشخص للآخرين ويتعامل معهم ويؤثر فيهم ويحاورهم ، وهذه القيم هي المعيار الذي من خلاله ترتفع قيمة الشخص بناءً على ما يملكه من خير وإحسان ونفع للآخرين ، أو تهبط قيمة الشخص بناءً على ما يملكه من جوانب شر وحسد وظلم ... لذلك فإن الإيمان بالله وتعظيمه ومراقبته والخوف منه والالتزام بشرعه هي قيمٌ عظيمة يجب أن تتربى عليها النفوس العظيمة وكذلك فإن الصدق والعدل والحياء والأمانة وبذل المعروف وكف الأذى وحب الخير وأهله وكراهية الشر وأهله والإحسان إلى الآخرين ومساعدة الفقراء والمحتاجين كل هذه قيم بها يسعد الأفراد وتسعد الأسر و المجتمعات بل وتسعد الدول ، ولمّا ضعفت هذه القيم بل لربما فقدت رأينا تغير في واقع شباب الأمة الإسلامية .. رأينا ضعف الهمم والاهتمام بالأمور التافهه التي لا تخدم الدين ، ورأينا الوقوع في بحار المخدرات والتقليعات ومعصية فاطر الأرض والسماوات ورأينا كثرة القضايا السلوكية والأخلاقية والاجتماعية ورأينا التقليد الأعمى لطوائف الكفر والزندقة والبعد عن شرائع هذا الدين العظيم ، ورأينا التساهل في أمور الطاعة وتقديم المباحات على الطاعات في معظم المواقف وإلى الله المشتكي من هذا الواقع ... ولنا في رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فقد بقي ما يقارب العشرون عاماً يغرس القيم والمبادئ في نفوس أصحابة رضي الله عنهم حتى أتى الوقت المناسب لهدم الأصنام كما ورد في عام الفتح وأتى الوقت المناسب لتحريم الخمر وهكذا .. ويمر صلى الله عليه وسلم على جارية ويقول لها أين الله قالت : في السماء فقال صلى الله عليه وسلم (اعتقوها فإنها مؤمنة) نعم هذه الجارية وإن كانت جارية إلاّ أنها تحمل قيم عظيمة .. ومما ورد في سيرة عمر – رضي الله عن عمر وعن الصحابة عموماً – أنه بقي عاماً كاملاً لم يحكم في قضية بين المسلمين فذهب إلى خليفة المسلمين أبا بكر رضي الله عنه وقال : يا أمير المؤمنين أعفني من هذه الوظيفة وليس لي حق في هذا المال الذي آخذه من بيت مال المسلمين وأنا عام كامل لم أحكم في قضية . فقال له أبو بكر (كيف أتولى أمر المسلمين وتريدون أن تتخلوا عني والله لا أعفيكم ) الشاهد في هذا أنه عام كامل لم يحصل فيه خصومات أو منازعات لأن القيم عالية في نفوس أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم . وفي قصة عمر رضي الله عنه المشهورة لمّا خرج ذات ليلة يتفقد أحوال الرعية وبينما هو يسير في إحدى طرقات المدينة في آخر الليل وإذا به يسمع نلك المرأة التي تقول لابنتها (قومي فامزجي اللبن بالماء ) قالت هذه الفتاة التي امتلأ قلبها بتعظيم الله تعالى والخوف منه ومراقبته قالت : ألم تسمعي منادي عمر يقول (لا تمزجوا اللبن بالماء ) قالت الأم : إن عمر لا يرانا ، فقالت هذه الفتاة الصالحة هذه المقولة التي تكتب بماء الذهب بل تكتب بدموع العيون قالت (إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا) لا إله إلا الله ما عظم هذه الفتاة وما أعظم ما تحمله من قيم ... لنا أن نتساءل : هل هذه الأسرة غنية .. طبعاً لا ..فهي أسرة فقيرة من أفقر أسر المدينة .. هل هي غير محتاجة .. طبعا لا ..فهي في أشد الحاجة ... هل هذه الفتاة تتكلم والناس يسمعون فقالت هذا الكلام ... طبعاً لا ..فهي تراقب الملك العلام سبحانه وتعالى .. لذلك عمر بكى في تلك اللحظات وأمر خادمة أن يعرف هذا البيت ، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن زوجها ابنه عاصم فانجب ابنةً تزوجها عبد العزيز بن مروان فأنجب عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل المعروف .. وفي عام الرمادة أصاب المسلمين من الجوع والفقر والحاجة ما الله به عليم فأتت قافلة لعثمان بن عفان رضي الله عنه قوامها ألف بعير محمّلة بالتمر والزبيب والحبوب وغيرها ، فتلقاها تجار المدينة وقالوا لعثمان : نعطيك بكل درهم درهمين ، فقال لهم ( لقد أعطيت أكثر من هذا ) قالوا : نعطيك الدرهم بخمسة دراهم ، فقال (أعطيت أكثر من هذا ) قالوا: من اعطاك ونحن تجار المدينة وأعرف بمن فيها قال لهم : ألم تقرؤوا قول الله تعالى ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) أُشهدكم أني قد بعتها لله ورسوله ، ثم أنفقها على المسلمين لأنه يحمل قيم عظيمة في حب المسلمين وبذل المعروف وكف الأذى فلو كان رضي الله عنه يحمل الجشع والطمع لوجدها فرصة مع فقر وحاجة الصحابة في ذلك الزمن –وحاشاه رضي الله عنه - فهو ليس كتجار هذا الزمان الذين يتحكمون في الأسعار مما أدى بالمستهلكين إلى تحمل القروض والديون الكثيرة التي أثقلت كواهلهم .. أيها الأخوة : وهذا رجل سارق كان يقطع الطريق وفي يوم من الأيام يوقف هذا السارق غلام ويقول له : كم معك من النقود؟ فيقول ذلك الغلام الذي تربى على الصدق والقيم العظيمة ( عندي أربعين دينار ) فيقول السارق : تعلم أيها الغلام أن سأسرق ما معك وتخبرني بما معك !!! فقال الغلام (نعم أمي ربتني على أن لا أقول الصدق ) فقال ذلكم السارق : سبحان الله أمك علمتك أن تقول الصدق فتصدق وربي يقول لي لا تسرق فاسرق فأنا من هذه أُشهدكم أن تائب إلى الله تعالى ثم أمر بإرجاع كل ما سرق من أموال إلى أصحابها .. لا إله إلا الله كيف كان ذلك الشاب سببا في توبة هذا السارق عندما تربى على الصدق وعلى هذه القيمة العظيمة .. كم نحتاج وتحتاج الأمة إلى تربية الجيل على هذه القيم في هذا الزمن العجيب .. |
والأفراد والمجتمعات تتربى على هذا القيم من مصادر مختلفة وهي كما يلي : أولاً/ البيت والأهل والأسرة والوالدين فكما جاء عند مسلم والبخاري في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) لذلك فدور البيت دور عظيم في زرع هذه القيم في نفوس الأبناء والبنات من خلال الجلسات الأسرية والمواقف وسرد القصص حتى ينشئوا عليها وعندها يسعد البيت والمجتمع والأمة.. ثانياُ/ المسجد وهو المكان الذي كان ينطلق منه الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه والمسجد هو المكان الذي نؤدي فيه العبادة ونسمع فيه الأذان والخطب والمحاضرات والدروس وبهذا يجب أن نستغل المسجد في غرس القيم الصالحة التي يبنى عليها صلاح المجتمع والأمة . ثالثاً/ وسائل الإعلام –المسموعة والمقروءة والمرئية – وكذلك وسائل التقنية الحديثة والمطورة والتي أصبحت تشغل أوقات أبناءنا بشكل مخيف ، فنعدما نربي في أبناءنا وبناتنا مراقبة الله والخوف منه والحذر من مزالق هذه التقنية وكم من القصص سمعنا بها في انحراف الشباب خلقيا وسلوكيا ما يندى لها الجبين .. رابعاً/ المناهج والمقررات المدرسية التي تصدرها وزارة التربية والتعليم وهي بلا شك تغرس في نفوس البنين والبنات قيم كثره فإن حادت هذه المقررات عن طريق الصواب فسوف تخرج لنا جيلا هشاً ضعيفاً لا يحمل قيم ولا ينفع أمة ولا يبني حضارة . أحبتي في الله : إن القيم هي المؤشر الذي يحدد مسار الشخص وهي البوصلة التي ترسم اتجاه ملاحة الشخص في اليوم والليلة لذا يجب علينا أن نعيد النظر في أهمية غرس القيم في أبناءنا وبناتنا حتى نأخذ بأيديهم إلى بر الأمان ونبني بهم حضارة ونحيي بهم الأمة كما فعل أسلافنا في تربيتهم لأبنائهم .. والعجيب أن ماليزيا تفوقت على معظم دول العالم عندما وضعت عشر قيم مهمة لفترة عشر سنوات وفعلا حققت النجاح عندما حققت هذه القيم وقفزت من مصاف الدول المتأخرة إلى الدول المتقدمة على مستوى العالم .. اسأل الله تعالى أيها الأخوة أن يصلح أبناءنا وبناتنا وشباب المسلمين في كل مكان وأن يقيهم شر الفتن والشهوات والمغريات ونسأل الله تعالى أن ينصر دينه وكتابة وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ...... |
الهدف الوحيد - بين المثابرة والإغراءات (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ )[1] نظر إلى الناس ورأى الأغنياء منهم فجحظت عيناه ونكس رأسه وحزن كثيرا وقال في نفسه : إلى متى الفقر والحاجة , وإلى متى الفشل والاحباط , وإلى متى .... في الحقيقة هناك أشياء لابد أن تعرفها أخي القارئ وهذه الأشياء هي من فقه الراحة وقلّما نرى من يكون أستاذا في فن الاسترخاء والراحة . ( المال – المركز والشهرة – الصحة ) هذه الأشياء نفكر فيها كثيرا حتى نتعب ومن الناس من حصل عليها جميعا ومنهم من حصل على بعضها ومنهم من فقدها جميعا . ( الرضا – القناعة – الاهتمام – الجدية – الصبر ...) لقد أعطانا الله الكثير من النعم والكنوز والهدايا ومنها أننا نسمع ونبصر ونتكلم ونمشي ونفهم ومع هذه النعم العظيمة ما زلنا نقول فلان غني وفلان وفلان . لماذا ننظر إلى الناس ولدينا الهدايا والنعم العظيمة من الله تعالى . في الاية التي ذكرتها في بداية الموضوع لفتة طيبة جدا لمن يفهمها وهي قوله (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ) بعيدا عن الملك لقد قرأت في تفسير القرطبي (فَمَا أَعْطَانِي مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ خَيْرٌ مِمَّا أَعْطَاكُمْ )[2] في الحقيقة لايفرح بالدنيا إلا من فرح بها وامتلأ قلبه بحبها ولا يحب الفاني إلا من فقد الاحساس بالباقي . وقناعة النبي سليمان عليه السلام أن الهدف هو الاساس ولابد من إنجاز المهمة فهذه الشواغل التي تطرأ علينا في طريق الانجاز لابد أن ندرك ضررها علينا ولا نلتفت لها . فإذا صادفتك هذه الأمور وأنت في طريق التحقيق فإياك أن تنخدع بها : - التثبيط من قبل الناس وتذكر ان تغلق أذنيك فسماعهم لن يتيح لك النجاح . - والخوف من الفقر وجعله عقبة فالنجاح ليس بالغنى وإنما طريق النجاح الثبات والعزم وكما قيل ( من ثبت نبت ) فلو زرعت شجرة في حديقة منزلك وفي كل أسبوع تحفر تحتها وتنقلها إلى مكان جديد فلن تنبت لأنها لم تستقر في مكان واحد . وفي النهاية لابد أن نفهم أن تحقيق الهدف هو المراد من الحياة فنحن لم نخلق إلا لهدف ولهذا لابد أن نكون أصحاب أهداف . لا تقل أنا فقير لا أستطيع أو أنا مشغول ليس لدي طريقة أو فراغ , إنما الإنجاز بالمثابرة فجرّب ان تسعى فمتى سعيت بصدق هيّأ الله لك أسباب النجاح . وإذا رأيت طريقا مغلقا اتجه إلى طريق آخر فيما يرضاه الله تعالى ولا تجع النملة أحسن منك وقد ميّزك الله بالعقل فالنملة إذا وضعت يدك وسددت طريقها اتجهت فورا إلى طريق آخر ولو بقيت ليوم كامل تسد طريقها لن تجدها متعبة أو جالسة أو يائسة , إنه فن المثابرة |
سر الحزن وقانون العنكبوت الحب من الفراغ لا يثمر إلا فراغا , والضيق الذي تحمله في صدرك ولا تعرف ما سببه سأفسره لك الان فهل أنت مستعد لعلاج هذه الظاهرة ؟؟ لابد أن نربط بين الجسد والروح لأسباب عديدة ومنها :أن هذا الجسد بدون روح لا فائدة منه وإن كان سليما صحيحا وأن هذه الروح مع الغموض الذي يعتريها هي شيء مهمل من قبل البشر وبهذا الاهمال كانت المصيبة العظيمة فالجسد له غذاء ويحرص البشر على تغذيته حق التغذية وينسون غذاء الروح , لا تستغرب من كلامي لو قلت لك أن الملوك وهم ملوك قد اهملوا ارواحهم فباتت جائعة تنتظر من يغذيها . الماضي الكئيب : عندما اتذكر الماضي أشعر بالحزن والضيق لدرجة أني اكره نفسي وأتمنى الموت لي ولكل من كان سببا في حزني .. لا شك أن موقع العقل في القلب فبالقلب نعقل وهو الارتباط الأعظم ففي سور الحج (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) فدعاهم الله ان يسيروا في الأرض ويتفكرون بماضيها وحاضرها وما حوته من الأمم ودعاهم ليتفكروا في أخطاء الأمم السابقة وأسباب هلاكهم . ولاحظ أخي ( الحزين ) أنه لم يقل لهم ارجعوا للماضي وابكوا واضربوا رؤوسكم واحزنوا على ما فات بل حثهم على التفكر بأمم سابقة وما حدث لهم وما هي أسباب هلاكهم وحزنهم . ومنه فإني لا أقول لأحد انسَ الماضي ولا تذكره , بل لابد من تذكر الماضي ولكن ( للعبرة والعظة ) وليس ( للحزن والكآبة ) . إن الماضي إذا لم يتم تنظيفه بين الحين والآخر سيجلب لنا الأمراض وفي هذه الحياة :: • كم مرة عانيت من خيانة من تحبه .... • • كم مرة قال عنك الناس أنك فاشل لن تنجح أبدا ... • • كم مرة عانيت من الفقر والافلاس حتى تمنيت الغنى وبكيت بكاء الثكالى . • • هل نظرت إلى الإغنياء فقلت في نفسك لماذا هم أغنياء وانا فقير؟ • • كم مرة بكيت من ألم ما قد أصابك وأحسست أنك لو مت لكان خيرا لك ؟؟ هذه الهموم والأحزان لن تنقضي بمجرد البكاء أو النحيب فتخيل معي هذه القصة : قانون العنكبوت : أحد الأطفال وفي غرفته قد لعب حتى أصابه الملل فأراد أن يتسلى بشيء ما , نظر من حوله فلم يجد إلى عنكبوتا قد بنى بيته في إحدى الزوايا فابتسم الطفل ابتسامة الماكر وفكر في تخريب بيت العنكبوت , وبالفعل قد خرّبه وهرب العنكبوت , بعد أيام عاد العنكبوت ليبني بيته فجاء الطفل وخرّب بيته مرة أخرى , وما زال الطفل يخرّب بيت العنكبوت وكان بالمقابل أن العنكبوت لا يزال يبني بيته بحب وسعادة , في هذه القصة قانون عجيب من قوانين الحياة لا أظن أن رجلا له عقل عادي لم يفهم هذا القانون . إن قانون العنكبوت ( أستمر في بناء بيتي حتى لو هدموه ألف مرّة ) بل إن مزايا القانون أن يبني بيته بكل سعادة , لا تجد عنكبوتا بعد هدم بيته يجلس في إحدى الزوايا ويبكي ويقول أنا فاشل . أنا حظي سيئ كما يفعله بعض الناس اليوم . كن عنكبوتا في حياتك , لا تفكر بمن خانك ولا تكترث لآلام الحياة ذكرني هذا بأحد المحاضرين قد سمعته يقول لجمهوره : أتريد ان تنجز أعمالك وتنتهي منها ؟ عليك أن تعمل بدون توقف . كانت الاجابة جميلة جدا بل هي اجابة عنكبوتية تابعة لقانون العنكبوت . المعجزة تتحقق : ظن بعض الناس أن المعجزات قد انتهت , ألم يخترعوا المصباح والكهرباء والسيارات والطائرات والهواتف , إن هذه في الحقيقة معجزات لكنها في بداية الأمر هكذا كانت أما الان فقد ولد أناس بعد تلك الاختراعات فلم ننتبه على أنها معجزات , هذه الكلمات وأنت تقرأها لقد مرت بالكثير من المراحل فبعد أن جمعت الأفكار وكتبتها ونقلتها إلى الحاسوب وأرسلتها إلى المطابع فرتبوها ونسخوها وأخرجوها على الأوراق وهذه الأوراق فقد مرت بمراحل كثيرة من استخراج المادة وعجنها وصناعتها وقصها وقطعها حتى صارت أوراقا صالحة للكتابة عليها . قد تسألني ولماذا أذكر هذا ؟ كل ما أريد قوله أن الأفكار إذا صادفت عقلا لا ييأس صارت واقعا فهذا الذي اخترع المصباح كان يفكر بالمصباح كثيرا ورغم المحاولات الفاشلة لم يحزن أو ييأس . وأما سبب ذكري لعملية صنع الأوراق وطباعة الكتاب كان السبب فقط لأجل ان أحرك عقلك لتتفكر بكل جزء في الحياة وتسأل نفسك : كيف حصل هذا وكيف صنع هذا وكيف عمل هذا ؟ أخي الحزين سأناديك حزينا حتى تنتهي من قراءة كتابي هذا فإن زال عنك الحزن فعليك مسح كلمة حزين من هذا الكتاب . (( المعجزات تتحقق إذا صادفت عقلا يستمر بالعمل ولا ييأس )) |
دقائق مهدورة مع المثبطين ودقائق أخرى مع المتشبعين في المثل ( لا يضر السحاب نباح الكلاب ) قد عرفنا هذا المثل أنه ضرب فيمن يثبطون الأخيار ويفسدون في الديار ولابد أن نربط بين المثبط والمتشبع فدائما نرى المتشبع الذي يفاخر بما ليس لديه يثبط الاخرين ويقول لهم انتم لا تعلمون وانتم لا تفهمون وانتم .... وهؤلاء هم أصحاب الجهل المركّب علما ً أنك لو قلت عن شيء لا تعرفه أنا لا أعرفه كنت بذلك انسان متزن فالملائكة على قدرها وعبادتها قالوا ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) ولكن المصيبة أن يجهل الانسان شيئا وينادي على رؤوس الخلائق أني أعلم وأعظم مصيبة منه من يقول للقلم أنت مسطرة فركّب جهلا إلى جهل ... وكثير من هؤلاء المتشبعين بما لم يعطوا قد أخذتهم العزة بكبر الحال فلم يفرقوا بين الواقع والمحال وقد ذكرت لي قصة ذبابة : زعموا أن ذبابة نزلت على غصن شجرة فلما أرادت ان تطير قالت للشجرة : تجهّزي وخذي حذرك فأنا سوف أطير فقالت لها الشجرة : لم أشعر بك عندما نزلتي فكيف اشعر بك عندما تطيري ,,.. فهذه الذبابة ظنت جاهلة ان الكل يراها ويشعر بوجودها ... وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» [1] قوله: «المتشبّع»، أي: المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك، ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة، فتدَّعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده، تريد بذلك غيظ ضرتها. وكذلك هذا في الرجال. قال: وأما قوله: «كلابس ثوبيَ زور»، فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد، يوهم أنه منهم ويُظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه..[2] ومن سمت الناجح الحقيقي ان يعلم قدر نفسه ولا يتفاخر ومع هذا لا يستمع لكلام المثبطين أيضا بل يستمر في المضي في طريقه ويتحرى الحق ويجالس العلماء والفاهمين . |
التكفير الوظيفة النفسية للتكفير عند الخوارج قديما كانت «احتكار الألوهية»، كان المقصد في النهاية: «أنا فقط من يعبد الله»، وهي صيغة مُغرقة في اللا مباشُرة لمقولة: «أنا الله»، تلك الصيغة التي يدندن حولها الباطل عموما من زوايا متعددة ومتداخلة وبدرجات متفاوتة. ولذلك كانوا «كلاب أهل النار» لأنهم أنصاف يهود، اليهودي أيضا مراده دائما تأكيد امتيازه عند الله بدعوى البنوة، كالمسلم الذي يستمتع بأنه هو وقلة معه من يحققون عبادة الله. ولذلك كان الخوارج مسالمين لأهل الكتاب لأنهم لا ينازعونهم مسمى الإسلام، فالأمر بالنسبة لهم هو انتزاع واحتكار لأصل العلاقة مع الله لا أكثر. ونحن أكثر حرصا من أن نتورط في تناول التكفير المعاصر كامتداد للخوارج قديما أو الإرجاء المعاصر كامتداد للإرجاء قديما كما تفعل بعد الدراسات، ونعتقد بدلا من ذلك أن الجرثومة النفسية التي انشطرت عنها الفرق المبتدعة قديما، ومنها الخوارج، تختلف تماما عن نظيرتها التي انشطرت عنها الحركات الإسلامية حديثا، ومنها جماعات التكفير، وربما تواتينا الفرصة فيما بعد لنعرض نظرية متكاملة حول آلية انشطار الفرق الضالة قديما وكيف بدت على هذا النحو. غير أننا نود فقط الخلوص من موضوع الخوارج بحقيقة هامة نود استصحابها ونحن نقترب من مسألة التكفيريين حديثا، وهو الوصف الذي اشتهرت به مقولتهم، أي أنها: «حق يراد به باطلا». والفائدة من التذكير بهذا الوصف هو أن نؤكد أننا حين نتحدث عن (التكفيريين) في سطورنا تلك فنحن لا نعني بهم بالضرورة (المخطئون) في أحكام التكفير غلوّا، بل نعني بهم (المستمتعون) بممارسة التكفير حتى ولو كان أحكامهم صحيحة، الطبيعة النفسية للدراسة تفرض علينا تجاهل ما هو صواب وما هو خطأ، إن مناط حديثنا هو (الاستمتاع بالتكفير) لا أكثر، أما أحكام التكفير نفسها فمنها الحق ومنها الباطل. إذا كان التكفير الخوارجي قديما يستمد طبيعته (الممتعة) مما يتخلله من خيالات الألوهية، شأنه في ذلك شأن الفرق الضالة المتزامنة له، (وسنرجئ البرهنة على ذلك إلى مناسبة أخرى لو بإذن الله)، فالتكفير حديثا إنما يستمد تلك الطبيعة (الممتعة) أيضا من السياق المحيط به والحاكم للأنماط الإسلامية المتزامنة معه أيضا، فالتكفير المعاصر أقرب إلى الإرجاء المعاصر (من حيث الأساس النفسي) مثلا منه إلى التكفير قديما رغم تشابه كل منهما ظاهرا. الوظيفة النفسية للتكفير حديثا التكفير المعاصر جزء من الحركة الإسلامية المعاصرة كوحدة في الزمان، والعلة السببية لوجوده هي العلة السببية لكافة الأنماط الإسلامية الأخرى وهي: محاولة حل أزمة «الاغتراب عن المجتمع»، فإذا كان الإخوان يمثلون حلا لتلك الأزمة يعتمد على «محاكاة المجتمع»، وإذا كان السلفيون يمثلون حلا يعتمد على «الهروب من المجتمع»، فنحن الآن بصدد نمط «احتقار المجتمع»، حيث الممارسة التكفيرية وسيلة خيالية للظفر، إنه نوع من أنواع العدوان المتخيل والذي يتخذ من (القيمة) مسرحا له وجودا وعدما. التكفيري لا يريد تغيير المجتمع، بل يريد فقط الحصول من المجتمع على ما يحافظ به على وجوده وما يسد رمقه من أفراد، إنه يود الإبقاء على هذا المجتمع كما هو ليستمر كموضوع للاحتقار، الاحتقار في النهاية هو شكل من أشكال التخفف من عبء المواجهة، ودفاع ضد قلق الاغتراب: «ليس علي أن أنشغل بنظراتهم، من هم في النهاية، أليسوا مجموعة من القطيع الضال؟ يكفيني أني متفرد بالإيمان، وأي عزاء أبلغ من هذا!» العلة (النفسية/الاجتماعية) بدلا من العلة الاجتماعية. ولدينا ما يبرر حماستنا للعلة النفسية/الاجتماعية بدلا من العلة الاجتماعية التي لجأ إليها الشيخ أبو مصعب السوري لفهم التيار التكفيري، وإليكم نص ما قال: «من المهم جدا لفهم ظاهرة التكفير أن نفهم المعادلة المكونة له والتي اختصرناها بأنها:حاكم كافر ظالم + جلاد سفاح مجرم + عالم منافق للسلطان + صحوة عاجزة + عامة يغلب عليهم الفساد + شاب متحمس جاهل = ميلاد تيار التكفير.» الحقيقة أن العناصر الاجتماعية المذكورة (الواقع المكفهر والحماسة الزائدة) لا تمثل إلا البيئة المناسبة التي تستطيع فيها أزمة الاغتراب أن تتخفى في شكلها التكفيري، فالإنسان التكفيري ليس متحمسا ومهاجما وثائرا إلا على ما يبدو عند السطح، غير أنه على مستوى التخييل مجرد مدافع عن نفسه ضد قلق الاغتراب، متألم من ذلك القلق، لا يسعى بتكفيره إلى إحقاق الحق ورد المظالم، بل إلى إحلال الشعور بالتعالي على المجتمع محل الشعور بالاغتراب عنه، إنه كسول من الناحية الدعوية والجهادية لأنه قد استطاع أخيرا حل مشكلته بذلك الانتصار المتخيّل. إن بين (الواقع المكفهر والحماسة الزائدة) وبين فعل التكفير حلقات مفقودة، إذ أن الحماسة ليست مقصورة على التيار التكفيري فقط، فما من تيار إلا ويتأسس على حماسة مؤسسيه وأبنائه سواء كان تكفيريا أو سلفيا أو إخوانيا، ثم إن نظرية الحماسة تلك لا تفسير كيف أن الحماس الزائد ينعدم فجأة عند الإنسان التكفيري إذا تعلق الأمر بالجهاد أو بالدعوة إلى الله، ولا يبدو بعنفوانها إلاّ في فعل التكفير ذاته والاستعراض به. التكفيري ليس متحمس لتغيير المجتمع، بل مجرد شخص عاجز قام باختزال صراعه مع المجتمع في اجترار الشعور بالتعالي عليه. |
الفرق بين التعالي الإسلامي السوي والتعالي التكفيري المَرضي. ذكرنا قبل ذلك أن الظاهرة الإسلامية هي ظاهرة استعلاء إيماني على الحضارة الغربية بوصفها جاهلية، وذكرنا أيضا أن ظاهرة التكفير المنبثقة من الظاهرة الإسلامية كخلل هي ظاهرة استكبار تعويضي استخدم أحكام التكفير تبريرا له. فما هو الفارق بين الاستعلاء الواجب والضروري بالإيمان والذي هو أساس الظاهرة الإسلامية وبين الاستكبار الذي يتخذ من أحكام التكفير وسيلة له والذي هو أساس الظاهرة التكفيرية؟ الحقيقة أن أساس التمايز بينهما هو موضوع الشهود (أي الانتباه والاهتمام والنظر)، فإذا كان موضوع الشهود عند الإنسان هو ذاته، (أي كان متمحورا حول ذاته)، كان استكباره سابق على تدينه زمانا، وكان تدينه وسيلة لتبرير استكباره الكامن فيه أصلا، ويشعر بأن تدينه هو حق اكتسبه لنفسه لفضل فيه هو وليس نعمة وهبها الله له تفضلا منه هو سبحانه، قد يكون هذا الحق المتوهَّم هو قدرته الذاتية على التدين، أو ذكاء أو علم أو نسب، ولكنه غالبا ما يكون مجرد شعور غامض بالأفضلية لا يستطيع صاحبه البوح به، لكنه مع غموضه شعور قوي فعال. ويفرح كلما ظهر، كمؤمن، في قلة من الناس وسط كثرة كافرة، ويستبشر كلما سمع من أحدهم مقولة مكفرة، وقد يختبر من حوله أحيانا ليوقعهم في ذلك، ويشعر بالظفر حين يصل لمبتغاه، وذلك أن وجوده في نفر قليل من المؤمنين يؤكد ندرة معدنه وما ظنه في نفسه من فضل، وهو لذلك لا يغضب لوقوع أحدهم في الكفر، بل يبتسم بهدوء وقد أيقن أنه أفضل منه. أما الاستعلاء الواجب والضروري بالإيمان، فصاحبه يشعر بعلوه على الكفار بعد إيمانه وبسبب منه وليس العكس، أي علوه بسبب تدينه وليس تدينه بسبب علوه أصلا. وذلك أنه أصلا يشعر بينه وبين نفسه أنه غير مستحق لهذا الإيمان، بل يراه نعمة ممنوحة له من الله دون وجه استحقاق، وهو يشعر دائما بالامتنان تجاه الله لوجوده كمتدين، وعلى عكس المستكبر بتدينه، فالمؤمن يفرح بكثرة المؤمنين حوله وبقلة العصاة والكفار، وذلك أن في هذه الكثرة تأكيدا لمقام الله سبحانه وإنكارا لمقامه هو، ولذلك لا يختبر من حوله، ولا يفرح بوقوعهم في المعصية أو الكفر، بل يغضب لأن تلبسهم بذلك الكفر يستفز شعوره بعظمة الله سبحانه وعلو مقامه. إذا رأيت في نفسك أنك مستمتع بممارسة التكفير ولو بحق، وإذا لاحظت أنك حريص على أن يعلم الناس عنك أنك تكفيري، فاعلم أنك عالة على الحركة الإسلامية، فأنت واقع تحت سيطرة نمط «احتقار المجتمع»، وهو النمط الثالث الذي فرغنا للتو من إضافته إلى نمط «محاكاة المجتمع» الذي تمثله جماعة الإخوان، ونمط «الهروب من المجتمع» الذي تمثله الدعوة السلفية. |
نصوص منتخبة من ورقة (التنوير الإسلامي في المشهد السعودي) نصوص منتخبة من ورقة (التنوير الإسلامي في المشهد السعودي) أصوله الفكرية وموقفه من القضايا الشرعية، للأستاذ: عبد الوهاب بن عبد الله آل غظيف، إصدار مركز التأصيل للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى (1434ه-2013م). ١- خدعوا الناسَ بإسلامٍ مُحدَثٍ ليس هو الذي أنزله اللهُ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وليس هو الذي دانَ به المسلمون مِن بعده إلى ما قبل الثورة الفرنسية. ٢- لا يَضير المرء أن تلحقه هزيمة بالمعايير المادية، تمامًا كما لا ينجيه عند ربه أن ينتصر بهذه المعايير. ٣- إنَّ الهزيمة الحقيقية حينما يُهزم المرء في مبادئه، فيضلّ عن دين الله وينصرف عن اتباع الوحي، فيلحقه بذلك خسارة أبدية، لن تفلح في ترقيعها متع قرونٍ ضئيلةٍ من أزمة الدنيا المنتهية، هي في الميزان الأخروي اللانهائي لا تساوي شيئًا. ٤- خفتَ عند كثيرٍ من المسلمين حسّ الانتصار الحقيقي بالثبات على المبادئ في وجه الأعاصير الدنيويَّة الزائلة، وجهل كثير منهم في حمأةِ التدفُّقِ المادي أن وظيفته في الدنيا مؤقتة، تتكلَّل بالنجاح والنصر حينما يُحقِّق فيها مراد الله، وسواء أكان هذا العبد في موقع الريادة والتمكين أم في موقع البلاء والمصابرة. ٥- جربت الأمة مسلك نبذ الدين كحلٍّ نهضويٍّ في ساسَتها، فكانت واحدة من أشأَمِ الحقب في تاريخها وأشدها طغيانًا ودموية، لم تزد على أن كرَّستْ التراجع والتخلف، وكشفت زيف أعداء الإسلام. ٦- لا تكاد تجد منكرًا من منكرات الجاهلية المعاصرة إلا وثمّة أطروحة تبرره يلهج بها (تنويري إسلامي). ٧- حينما يكون الدين صنعًا بشريًّا قاصرًا لا يناسب كل زمان ومكان -كما هو واقع الدين المحرَّف- فإن العصرانية أداة للتغلب على قصوره بمواصلة التحريف فيه، ومواصلة الصناعة البشرية له. ٨- لا وجود حقيقي لتعارض العقل والنقل؛ لأن مصدرهما واحد، فخالق العقل هو منزل الوحي. ٩- مفهوم العبودية في الإسلام لازم للمرء لا ينفك عنه، فتحريره من عبودية غير الله لا يتم إلا بتعبيده لله، بالتالي لا يمكن أن يتصور العقل الإسلامي تحريرًا مجردًا من المعبودات. ١٠- لخَّص رِبْعيُّ بن عامرٍ الرسالة الإسلامية في الجهاد بكلمته المُشِعَّة باليقين حينما قال: "جئنا لنخرج العباد مِن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد". ١١- الحرية التي تسبق التوحيد لا تؤدي إلا إليه. ١٢- حينما تغدو عقيدتنا مجرد رأيٍ قابلٍ للبحث؛ فالنتيجة أن تصبح حرية الرأي عقيدة! ١٣- كل رأي مُذاع في المجتمع الإسلامي يخالف دين الله -عز وجل- وينافيه فهو مشمولٌ بوصف (المنكر) قطعًا، وهذا الوصف له ترتبات شرعية، أجلاها: فريضة إنكار المنكر، والتي تكون بمراتبها الثلاث (اليد، اللسان، القلب)، ويجري الإنكار بهذه الطرق الثلاث وفق ضابط الاستطاعة، فلا يسوغ في مجتمع مسلم بقاء المنكر فيه دون تغيير باليد إلا والقدرة الإسلامية منتفية. ١٤- إن الموقف من حرية الرأي (بين الإسلام والفكر الغربي) لا يحتمل تلفيقًا، إما أن نؤمن بالإسلام دون ارتيابٍ وشك، بالتالي نؤمن بثنائية الحق والباطل، وبأنَّ تقرير الباطل، وترويجه بين المسلمين يندرجُ ضمن (المنكرات والمعاصي)؛ وإما أن نؤمن بنسبيّة الحقيقة، ولا نقطع بإسلامٍ ولا بغيره، ولا نرى في الآراء منكراتٍ ومعاصي، فعندها نستطيع أن نقول بحريةٍ وفق التصور التنويري. ومن يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويقطع بأن الإسلام حقٌّ وأن مخالفته باطل فإنه سيكون مضطربًا إلى درجة العبث حينما يعتقد الحريةَ للباطل والكفر والمنكر والعصيان من الآراء، فماذا يفعل بالأوامر الصريحةِ الموجبة لإنكار المنكر وتغييره في المجتمع الإسلامي؟ أم كيف يشيِّدُ حصانة وحماية لما هو في كتاب الله وشرعه باطل ومنكر وإثم؟ ١٥- (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) عدَّ اللهُ -عز وجل- الطعنَ في الدين تصرفًا يستوجب القتال ويساوي إعلان الحرب العسكرية. ١٦- لا عبرة بمُقدَّساتٍ باطلةٍ تستمدُّ قُدسيَّتها من أهواء الناس ووضعياتهم الكاذبة، بل إن التقديس الوضعي باطل ومنكر، يُمتهن ويُبطل، لا أنه يُعترف به ويُحترم، فضلاً عن أن يُساوى بما هو مُقدَّسٌ شرعًا كالذات الإلهية أو جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم . ١٧- الفكر الفاسد كما يواجه بتفكيكه فكريًا يواجه أيضًا بمنع انتشاره ورواجه، ولا منافاة بين الإقناع بالحق وبين منع الباطل، فالإقناع يستهدف هداية المبطل، والمنع يستهدف حماية المجتمع من باطله، وحفظ مقام الحق من تجريحاته. ١٨- مَن ظنَّ أنَّ كل خلافٍ حادثٍ يؤثر في صحة ما أُجمع عليه، فما أحوجه لمراجعة دينه وصيانة إيمانه. ١٩- وجود الخلاف الفقهي داعم لحقيقة القطع والجلاء والجزم بأحكام الشريعة وليس مُلبِسًا عليها، فهو خلافٌ باعتبارٍ ضيِّقٍ، وقطعٌ باعتبار المعاني والكليات التي تحكم هذا الخلاف. ٢٠- حكمة الله من وقوع الخلاف: أراد الله من الناس الاجتهاد في طلب الحقيقة ومن ثم الثبات عليها مع كثرة المعارضين، وهذا سر العبادة التي خلقنا الله لأجلها. ٢١- قد تواتر واستفاض في الكتاب والسنة والإجماع وهدي الخلفاء الراشدين وبقية السلف ما يناقض التصور الديمقراطي وينافيه، مما يفيد سيادة الشريعة وكونها ملزمة في ذاتها دون توقف على رضا الناس واختيارهم. ٢٢- الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وتصرف أولياء الله والمؤمنين به في الأرض من مقتضى هذه العقيدة، وأما أهل الكفر والعناد فلا اعتبار لهم ولا لرضاهم، ومن هنا شرع الله لقوم موسى -المؤمنين- أن يدخلوا الأرض المقدسة ويطردوا منها أهلها الكافرين، وعند هذا التصور تتبخر أوهام التنوير وديمقراطيته، الذين يزعمون حقًا ثابتًا للكافر في معارضة الشريعة وفي المطالبة بتنحيتها، وفي مزاحمتها في الحكم! ٢٣- المسلمون لا يعرفون حرية مكفولة لمن يخالف الشريعة. ٢٤- إن الحقوق والحريات المشروعة تستمد مما قررته الشريعة وأذنت به. ٢٥- الحل العسكري في حماية المشروعية الإسلامية ومنع الخروج عليها حل معتبر شرعًا، وهو من الجهاد في سبيل الله -عز وجل- بإجماع المسلمين، وهو ما امتثله خير الخلق بعد الأنبياء وخير جيل من أجيال هذه الأمة، أبو بكر والصحابة معه -رضوان الله عليهم جميعًا- في حروب الردة. ٢٦- الإصلاح ينبغي أن يكون منطلقًا من قاعدة شرعية عدلية تناسب هوية الأمة ودينها. ٢٧- كان موقف الإسلاميين في الإفادة من النظم والمنجزات الغربية هو الاستفصال، فيأخذون النافع ويتركون الضار، ويقبلون ما لا يعارض دينهم ويطرحون ما يعارض الدين، أما غيرهم فقد رفضوا هذا الموقف الذي يقتضيه الشرع والعقل، وأخذوا بموقف التبعية الكاملة في الخير والشر. ٢٨- أيقاتَل سُرَّاق الأموال ومن يحجز عن الناس أمن الطرقات ولا يُقاتَل سُرَّاق العقائد والأديان ومن يحجز عن الناس أمن العقول والضمائر ويحجزهم عن سبيل الهداية والفلاح الأبدي؟ ٢٩- كل ما لم يُعن على عبودية الله ولم يؤد إلى هذا الغرض فهو دائر بين مرتبتين لا ثالث لهما: إما مُحرَّم يجب الكف عنه، وإما فضول يُشرع الزهد فيه. ٣٠- كما توهم قوم من نصوص الصفات أن فيها تشبيهًا فأنكروها، توهم الموقف التنويري من نصوص السمع والطاعة أن فيها ذلًّا وسكوتًا عن المنكرات ثم أنكروها، والسِّمة الجامعة بين الفريقين والتي في ضوئها تكون مثل هذه المعضلة: قلة العناية بالسنن والآثار، وقلة التفقه فيها، وهو ما كان مع المشتغلين بعلم الكلام في عهدٍ مضى، والمشتغلين بعلوم الغرب ومفاهيمهم في العصر الحاضر. ٣١- الصبر الوارد في نصوص السمع والطاعة هو صبر عن مقاتلة أئمة الجور كما هو واضح في سياقها وفهم السلف لها، وليس صبرًا عن الاحتساب عليهم والإنكار والنصيحة. ٣٢- الحفاظ على دين الله عز وجل -كما كان بفهم السلف الصالح- هو الإجماع بأعلى مراتبه وأجلاها، الذي هو حجة قاطعة بدلالة المعقول والمنقول، إذ ليس له معنى يزيد على تلقي هذا الدين من مصادره الأصلية، ومحاذرة بدع المتأخرين وإحداثاتهم. ٣٣- مخالفة السلف لا تكون إلا بإحداث. ٣٤- مخالفة ما كان عليه السلف الصالح دليلًا قاطعًا عند علماء الإسلام على الخطأ، حتى تواردوا في إبطال الأقوال بوصمها بأن أحدًا من السلف لم يقلها ونحو ذلك. ٣٥- كثير من الأفكار التي تلقفها التنويريون عن المذاهب الغربية والتي هي نتاج عملية التلفيق بين الإسلام والحضارة الغربية تنطوي على (محدثات) تقوم على أنقاض إجماعات المسلمين، لا في مدة السلف فحسب بل في تاريخ الإسلام كله قبل الحضارة الغربية. ٣٦- التجديد الديني الصحيح ليس بإحداث دين لم يأذن به الله، فهذا خروج عن دين الله وتمرُّد عليه، وإنما هو بإعادة الناس إلى الدين الصحيح وتنقية ما أحدثوه وبَعث ما نسوه وجهلوه. ٣٧- إنَّ العدسة الغربية التي يطالع من خلالها التنويري تراث الأمة وتاريخها -في المجال السياسي خاصة- كفيلة بإحداث انفصام بينه وبين هذا التراث والتاريخ. ٣٨- القضية الأهم في الفكر التنويري ليست شرع الله، وإنما في حرية الناس، ولذا كفلوا لهذه الحرية تنحية الشرع، ورفضوا الشرع الذي لا يكفل هذه الحرية. ٣٩- معيار الأصول والقطعيات وفرزها عن غيرها من الاجتهاديات والظنيات يتعلق بدرجة وضوح وظهور الدليل الشرعي، كتابًا وسُنَّة وإجماعًا. وكما أن الدليل الشرعي معيار لفرز القطعي من الظني، فإنه معيار لفرز القطعيات بعضها عن بعض، واختلاف درجاتها، فمنها ما يرتقي لدرجة يصبح معها التردد فيه داخلاً في حيِّز الكفر، ومنها ما يعتبر التردد فيه ضلالاً لا يبلغ هذه الدركة وإن قاربها. ٤٠- كثير من التنويريين متناقضون، فلا هم الذين انطلقوا من النسبية ليساووا بين الحق والباطل، ولا هم الذين انطلقوا من الشرع ففرقوا بينهما. ٤١- الاتجاهات العلمانية والحداثية لما شرطت للنهضة نبذ الشريعة الإسلامية لم تحظ دعواتهم بقبولٍ وانتشارٍ في المجتمعات الإسلامية، فلجأت إلى صياغةٍ لهذا النبذ من داخل الشريعة نفسها. ٤٢- لم تختلف كلمة المسلمين على أن الدولة الإسلامية مهمتها حفظ الدين وسياسة الدنيا به وأن هذا مقتضى الإسلامية في وصفها. ٤٣- الأحكام لا يضرها فهم الخاطئين لها. ٤٤- شرارة التحريف للأديان والرسالات والعدول عنها، من أقوى ما يذكيها موافقتها لحاجة الناس، وتوهمهم أنها تحل مشكلة صادفتهم. |
45- يُنكَر التوظيف بحسبه، ولا يؤدي إنكاره إلى إنكار المبادئ، فما من مبدأ ولا فكرة إلا ويمكن توظيفها. ٤٦- يراد بالتغريب: ذلك التوجه الذي يصبغ الحياة في المجتمعات الإسلامية بصبغة الغرب بما يُقلِّص الفارق والتميز بين أمة الإسلام وسواها، وبما يعود على مفاهيم الإسلام وخصائص المسلمين بالتمييع والتذويب، ويحقق تبعية كاملة للغرب وارتماء في أحضانه وتعويلٌ عليه وعلى منتجاته، على حساب التعويل على هوية الأمة وتراثها الإسلامي. ٤٧- لا يدخل في التغريب المحذور الإفادة من المشترك الإنساني، والمنتجات الدنيوية التي تخدم المسلمين في معاشهم، ولا تمس قيمهم وهويتهم، ولا تسرب إليهم مضامين فكرية تخالف الشرع. 48- إن للفكرة التنويرية ثمرة مُرَّة في تشكيل الشخصية الإسلامية وتضييع معالم الدين واحكامه. |
يعطيك ربي ألف عافيه
طرح رآئع وتواجد مميز ننتظر مزيد من العطاء ودي وتقديري |
يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح القيم
مجهود مميز عساج ع القوه ننتظر المزيد دوماا |
اقتباس:
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي تقبلي شكري تقديري واحترامي مع تحياتي قلب الزهور بباي |
اقتباس:
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي تقبلي شكري تقديري واحترامي مع تحياتي قلب الزهور بباي |
بين ديدن القلب و العقل موجة طمأنينة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في هدوء قلب ينبض نبضات التقى على وتر الخوف من الله...بداخل فكر عقل فيه وجدان باطن يفكر في الأحسن و الأجمل و الأنفع و الأدوم، لست أرى في وجدان العقل ما يدعو للسؤال إن كان للعقل وجدان؟..نعم له وجدان يطرب له القلب ،بين ديدن أني ابحث و أريد ودا لامتداد بصري فيما تخفيه حقيقة الوجود من صعب و سهل ، من خير و شر ، من حق و باطل ، من ألم و فرحة...بالمرة لم تكن منغصات بقدر ما كانت أثوابا نرتديها عن قناعة في أن الحياة هكذا ،هي امتداد لسيرورة كون واسع بمجرات لا متناهية..لم تكن مكرهة أو مؤلمة بالتصور الذي نرسم به طريقنا،لأن الطريق أصلا مرسوم،لكن التردد فينا و الخوف متأصل ،ربما لم نتدرب بعد أن طعم النجاح يأتي بذوق المرار،ثم لم ندرك بعد أن حياة العباقرة محزنة و مميزة،لأن العبقرية تفرز الحلول في كل مكان و تسهل الصعب في لمحة بصر،لكنها تجلب المتاعب و المطاردات حبا في امتلاك عبقرية الضمير قبل عبقرية العقل،لكني أرى في عبقرية العباقرة رسالة موحدة، أن ديدن العقل لا يرضى بغير ديدن القلب مرافقا...لماذا؟ لا لشيء سوى انسجام النبض و الفكر في أن يكونا على سياق التوحيد في فكر الوجودية بربانية الضمير أن لا شيء يسمو فوق الآخر. ....هو المنان،هو الرحمان،سيد الأكوان..هو الله ...هو الصادق،النعمة المهداة،السراج المنير..هو الرسول عليه الصلاة و السلام. لا اله إلا الله .. محمد رسول الله .. خلاصة و زبدة ديدن القلب و العقل لتكون موجة طمأنينة على صدى مسامع البركة و الرضى و الخشوع .. لكن هل بلغ بنا الديدن أن نفهم حقيقة الوجود. هل بسبابة الشهادة و التوحيد عددنا نعم الله علينا؟ هل ببصيرة الحقيقة استخلصنا اللغز من بواطن عقد الإنسانية على مر سنوات بل قرون الغموض ، تتساءلون أي غموض ؟.. أعني به غموض التيه و الضياع في ما نريد .و هل حققنا ما نطمح له؟ أم هو مجرد أحلام بقيعة على مشارب من كؤوس الظمأ الغير منتهي..ظمأ العقيدة و اليقين. ما أحلاها من موجة طمأنينة لما يكون القرار بأيدينا..ما أحلاها من لذة عيش لما يكون اليقين من ينبوع في عهد الوفاء في أن الأمانة مصانة و الكرامة مستور و متستر عليها برداء العزة في أن لا شيء يضعف لغة الحق، و لا شيء يعلو فوق صوت الحق فقط سأترك لديدن القلب أن يشارك ديدن العقل و على موجة الطمأنينة أن الله حق يحب الحق. ارفع بصرك عاليــــــا --- هل من صدى لعقم الروح حول آذانك في كل مكان --- هل لروحانية القلب أذى في الجسد اترك لديدن القلب متسع --- فلديدن العقل حق في المتسع و على موجة الطمأنينة --- طفت كلمة الحق في سكينة |
مقالات في مآثر معالي الشيخ صالح الحصين رحمه الله تعالى ت : 24-6-1434هـ فإن الحديث عن الكبار من أهل العلم والفكر ينقطع به صرير الأقلام وتنفد به مداد المحابر، وما ذاك إلا لسمو القدر، وعمق الحكمة، ورصد المواقف والمعارف. والعطاء العلمي والمتابعة الفكريَّة لمثل هؤلاء يحتاج لهمّة تستوعب تلك المواقف وتعيش معها وتستلهم الدروس من فصولها، كما تبرز الواقع والظروف التي عاشوا فيها، وكشف أدواتهم التي صنعوا بها أمجادهم. ومعالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين -رحمه الله وأنزله عالي الجنّان- جبل أشم وطود شامخ، عرفه عارفوه قائمًا بقيم، وزاهدًا بعلم، ومفكرًا بنضج، وموازنًا بشجاعة، عمله يسبق قوله. وسلوكه يتقدم توجيهه. تعلّق به وسم المعالي منذ نعومة أظفاره فكانت المعالي ترقبه وما رقبها، أتته وهي راغمة لم يخط سوداء في بيضاء ليسود، ولم يشرئب للغرب ليُسوّد في الشرق، وظف حرفه بِحِرْفَة من غير انحراف، أخذ بخطام دنياه يقودها لا تقوده، أحبَّ المعرفة وزفها لواقعه بقيم دينه ومقاصد شرع ربه. لن أتكلم عن سيرته الذاتية في علمه وفضله وورعه وزهده منقطع النظير، فقد كتب في ذلك إخوة أفاضل وأحسنوا، وبعضهم كتب عن مواقفه الشخصيَّة معه -رحمه الله- وهي مواقف كريمة فيها العبر والدروس والشهادة وهي مادة ثرية. ولكني رأيت ألا يكون الكتابة عن رجل في مثل قامة معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين -رحمه الله- قصصًا وأحداثًا، ورصدًا للسيرة والمسيرة وأن كان هذا جميلاً وممتعًا ومفيدًا وثريًّا، بل حاولت أن تكون كلمات تنشر وعيًا وتبث أملاً للأجيال وصنَّاع التاريخ، فَيُشْرِق من الحدث حديثًا، ومن القصَّة درسًا وعبرةً، لأن في حياة هذا الرَّجل وفي سيرته من الثَّراء والعطاء ما تقوم به الحجة على الأجيال وناشدي الخبرات والمجربين. معالي الشيخ -رحمه الله- خطا خَطْوهَ في العلم وتحصيله في محاضن علميَّة مُتعدِّدة وفي بلاد متنوّعة، فاخذ العلم نهمًا لا همًا، وسعى إلى التنوّع في المعرفة التي قادها وقيّدها بأصول الشرع وكلِّياته، فتعلم الشريعة ودرسها، ونظر في القانون وحصَّله فاجتمع لديه أصل ووسيلة، فحكم الوسيلة بالغاية، ولم يجعل الوسيلة تعود على الغاية بالابطال أو الإخلال، لقناعته بسيادة الشرع وعلّوه، علمًا وعملاً، وهذا بدوره رسخ عنده -رحمه الله- ثقة عالية بكلِّيات الشريعة وأصولها فأدرك مقاصدها في كثير من الجوانب في الاقتصاد والفلسفة الماليَّة وفصول السياسة الشرعيَّة وتأمَّل التاريخ وسنن الله فيه، فبهذا وذاك أسس بنيانه العقلي والعاطفي والمنطقي على قواعد متينة تصنَّع النجاح وتوظفه من خلال مهام عمله الحكومي، ومشاركته الأهلية، وبذله التطوعي، وتفسيره للظواهر السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. ومجامع الحكمة والحنكة لا تكون إلا بتوفيق من الله للعبد بأن يستعمله في طاعته لينشر شرعه وينفع خلقه. تواصل معاليه -رحمه الله- مع الغرب فكرًا وحضارةً تواصلاً مشهودًا معدودًا في رواق الإيمان العميق والوسطية في التعاطي التي تعتز بالثوابت وتزاوج بين المُتغيِّرات وفق مقاصد ربانية تؤمن بالعدل وتنتج الاعتدال. يدرك ذلك من سبر سيرته وتأمَّل مكتوبه وملفوظه عندما يتكلَّم عن الغرب ونظرته للحياة وكيف يتعامل -رحمه الله- مع نظريات الغرب وممارساته من صناعة الأحداث أو توظيفها، فلا غرابة في هذا النَّظر الثاقب والعزَّة الشامخة؛ فهو لم يسبقه انبهار وانجذاب بظاهر حياتهم الدُّنْيَا ولا بمظاهر تقدمهم، فقد كان يتحرَّك في تلك الحضارة بعينين: عين القدر المشفقة وعين الشرع الموازنة بوضع الأمور في نصابها، ومن نظر في مقالات معاليه تبيّن له ذلك بجلاء بمثل: (تجربتي في الحوار مع الآخر)، وكتابه الماتع: (التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب) وطرحه المتميز: (جهود الغرب في تحجيم البذل التطوعي الإسلامي لماذا؟) و(العلاقات الدوليَّة بين منهج الإسلام ومنهج الحضارة المعاصرة). كان معالي الشيخ -رحمه الله- من أوائل من وطئت قدماه أرض أوروبا في حقبة كانت محط النَّظر ومقام الإعجاب من بعض أبناء العرب والمسلمين، ولكن معالي الشيخ -رحمه الله- كان ينظر إليها بِكلِّ ثقة، ينتقي النافع، ويكمِّل الناقص، ويكشف القصور بإحلال القيم والمبادئ الشرعيَّة في الحقِّوق والواجبات ليرسم للغربي والمستغرب عالميَّة الشريعة وشمولها وقيادتها لإصلاح الزَّمَان وإعمار المكان لما فيها من نصوص حاكمة، وكلِّيات ضابطة، واجتهادات محكمة، تعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، وفق مناطاتها وأنماطها ووسائلها ومقاصدها. وحينما يضعف بعض الكتَّاب والمفكِّرين أمام هجمة الغرب على الإسلام والمسلمين لاتهامهم بالعنف والأصولية والعدوانية والتعصب والإرهاب، وحينما يستسلم بعض أبناء العرب والمسلمين أمام هذه الهجمات أو يقف بعضهم مدافعين بضعف أو مبررين بيد مرتعشة وناظرين بفكر مهتز وبصر زائغ يقف هذا الجبل الشامخ والمفكر العميق وقبل ذلك وبعده المتدين الصلب والمؤمن القوي -أحسبه كذلك والله حسيبه- يقف ليتكلَّم بالبرهان وبلغة العلم وبلسان الحجة ويسعدني غاية السعادة أن تكون هذه الكلمة نقولات ومقتبسات من يراعه الشامخ وكلماته السامقة. |
ولبيان عمق فكره وقوة حجته: -رحمه الله- فإليك مختصر بعض نظراته في أمور ثلاثة: أولاً: حول الأصولية والتعصب والعدوانية: يقول أحسن الله إليه: إن الكتّاب الغربيين والسياسيين والقائمين على وسائل الإعلام في الغرب يصرون على تثبيت صورة الإسلام على أنَّه ثقافة عدوانية تجعل من المسلمين مصدرًا للعنف والإرهاب. ولإيضاح تصور الإسلام في قضية التسامح والعدوانية يشير -رحمه الله- إلى أنَّه لم يكن هناك مفر من المقارنة بالقافة المعاصرة وبالذات الثَّقافة الغربيَّة، موضحًا أنَّه حيث تجري هذه المقارنة فلا بد من الفصل بين الإسلام كما في حقيقته وبين المسلمين على اختلاف عصورهم وأقطارهم، ليس ذلك فقط لأن الإسلام واحد وتصورات وسلوكيات المسلمين مختلفة مُتعدِّدة بل لأنَّه لا أحد يدَّعي أن حياة المسلمين في الوقت الحاضر تجري مطابقة للاسم تصوُّرًا ومنهجًا للحياة. لا يوجد كتاب دين أو تربية في أيِّ ثقافة غير الإسلام يعطي مساحة للمعاني المذكورة حول التسامح مثلما أعطاها الإسلام.. فالتسامح بمعنى عدم العدوان قيمة مطلقة فريضة على كلٍّ مسلم إِذْ يعني ذلك العدل، والعدل مطلوب من كل واحد لِكُلِّ أحد في كلِّ حال. اليونسكو في تحديدها للتسامح حدَّدته بِشَكلٍّ قريبٍ من التصور الإسلامي ولذلك فإنَّ فكرة الإسلام عن التسامح كانت واضحة للمنصفين من مفكري الغرب مستشهدًا في ذلك -رفع الله مقامه -بما ذهبت إليه المستشرقة الإيطالية لاورا فيشيا فاجلييري من أنَّه ليس من المبالغة التأكيد على أن الإسلام لم يكتف بالدعوة إلى التسامح الديني بل جعل ذلك جزءًا من قانونه الممارس دائمًا. إن سماحة الإسلام ويسره اقترنت بحكم ما تقتضيه طبيعة الأمور بسمته العامَّة الوسطية والاعتدال والبعد عن الغلوّ والتطرف والتشدُّد والإسراف ولذلك لم يكن غريبًا أن يتكرَّر في القرآن الثناء على الوسطية والاعتدال والنعي على تجاوز الحدّ وما يَتولَّد عنه من تعصب وبغي وعدوان وأن يتكرَّر ذلك في أكثر من ثمانين موضعًا يعبّر فيها عن تجاوز الحدّ والخروج عن الوسطية والاعتدال بألفاظ الغلوّ والإسراف والطُّغيان والاعتداء. التسامح طبع سلوك المسلمين بقدر التزامهم لمنهج الإسلام في كلِّ العصور وفي كلِّ الأقطار هو ما يفسر أن انحراف بعض المسلمين عن منهج الاعتدال والتوازن شكّل أول إخفاق للمسلمين في تاريخ الإسلام وكان عاملاً مهمًا في خلق ما واجهه المسلمون من مشكلات فيما بعد وعلى مدى الزمن. من مؤشرات التسامح في الإسلام إلغاء الطبقية والتمييز العنصري، والتاريخ يكشف في مختلف العصور ومختلف الأماكن عن وجود ظاهرتين في العالم الإسلامي وهما إلغاء الطبقية في المجتمع ومنح الأديان واتباعها الحُرِّية في الاعتقاد والعبادة والتمتع بالحقوق المدنية بصورة لا تمنحها أيّ دولة حديثة للأقليات الموجودة بها. وقد انتبه عدد من كتاب الغرب لهذه القيمة الإِنسانيَّة «التسامح» من قيم الإسلام وأشادوا بها ومن ذلك ما ذهب به المستشرق البريطاني جيب من أن لدى الإسلام تقليدًا رائعًا من التعاون والتَّفاهم بين مختلف الأعراق ولا يوجد مجتمع آخر كالإسلام كان له مثل سجله في النجاح في أن يوجد المساواة في المركز الاجتماعي والفرص في العمل والنجاح بين مثل هذا العدد والتنوّع من الأجناس البشرية. في الدَّوْلة الحديثة تسود فكرة مبدأ السيادة ولذا فليس من الممكن أن تمنح الدَّوْلة الحديثة الأقليات فيها ما منحه الإسلام في عصوره المختلفة من حريات وحقوق للأقليات الخاضعة لسلطان المسلمين التي تعتنق أديانًا وثقافات مخالفة وإن كان ذلك لا يعني القول: إن مثل هذه الدول تعادي التعدُّدية غير أن قبول الإسلام ديانة وتاريخًا منح الأقليات الإثنية التي تكون تحت سلطان تلك الحريات والحقوق إنما يعد دليلاً منطقيًا على طبيعة الإسلام في صلته بالتسامح أو التعصب ومدى قابليَّته للتعددية ومدى قدرته على التَّعايش مع الأفكار والثّقافات المخالفة. قد تمتعت الأقليات في ظلِّ سلطان الإسلام بالحرِّية الكاملة في ممارسة دينها وعباداتها وفي استمرارها في استخدام لغتها وعاداتها وطرق تربية أبنائها كما بقيت لها الحُرِّية في الاستقلال بقوانينها وقضائها واستثنت من القانون الجنائي العام الإسلامي. وعلى صعيد العلاقات الدوليَّة: إن المبدأ الذي يرتكز عليه منهج الحضارة الغربيَّة في العلاقات الدوليَّة لا يختلف عن المبدأ الذي يحكم سلوك قاطع الطَّريق أو عصابات الجريمة المنظمة، بل سلوك الحيوانات في الغابة، مؤكِّدًا أن منهج الإسلام في العلاقات الدوليَّة يختلف عن منهج الحضارة المعاصرة اختلافًا كليًّا، إِذْ يرفض الإسلام من البداية أن تبنَّى العلاقات الدوليَّة على المصلحة الوطنيَّة أو القُوَّة ويفرض أن تبنَّى على العدل والقُوَّة الإلزامية للاتفاقية في ضوء ما هو معروف أن الاتفاقات بين الدول هي المصدر الرئيس للقانون الدولي. ثانيًا: العمل التطوعي: وفي موقفه من العمل التطوعي وإفرازات أحداث الحادي عشر من سبتمبر تراه بعينه الباصرة ورؤيته الثاقبة يقرر أن من أهم آثار «أن يكون البذل التطوعي مكوِّنًا مهمًا من مكوِّنات شخصيَّة المسلم» أن الحضارة الإسلامية قامت على أساس «البذل التطوعي» وقد أكْسَبَها ذلك خصائصها التي انفردت بها عن الحضارات الأخرى ومن أهمها: أ- أنّها حضارة شعبية بمعنى أنّها ليست كغيرها من الحضارات من صنع الأباطرة والملوك أو القوى العسكريَّة والسياسيَّة وإنما كانت تقوم كلية -تقريبًا- على «البذل التطوعي» من جمهور المسلمين. ب- أنّها حضارة إِنسانيَّة لأن الدافع لمنجزاتها دائمًا قصد البر والتَّقوى سواء في مواجهة الإِنسان أو الحيوان أو البيئة. ج- أنّها نتيجة للأمرين كانت دائمًا تستعصي على الظروف المتغيّرة من أن تكون عاملاً لانهيارها، فالتقلُّبات السياسيَّة، والحروب واكتساح الغزاة للعالم الإسلامي من الصليبين والتتار، هذه العوامل لم يترتَّب عليها انهيار الحضارة، بل ظلَّت باقية مستمرة العطاء. في عقيدة المسلم، أن أيّ جهد يبذل للنفع العام مع الإخلاص هو في سبيل الله، وأن الصد عن سبيل الله بأيِّ وجه يستحقُّ ما وصفه الله به في القرآن، وتوعد عليه، ففي سورتي الفجر والماعون نعى على من لا يحض ّ على طعام المسكين فكيف بمن يعوق إطعامه، لقد أوضح القرآن الكريم أن منع الإِنسان من العبادة الخاصَّة النَّفع به من أشنع الظلم، فكيف بمنع العبادة التي يتعدى نفعها إلى الغير. وعندما يغفل أهل البلد عن هذا الجانب فلا يقدر قدره، فقد يغفلون أيضًا عن آثار هذا الوضع المدمر على أمن المجتمع واستقراره وسلامته، ليس الأمر قاصرًا على تعويق مواجهة الحاجات الأساسيَّة للبشر من طعام وغذاء وإيواء وتعليم وتهيئة للعيش الكريم، بل حرمان النَّاس -ولا سيما شبابهم- الذين تملأ قلوبهم ومخيلاتهم الأشواق إلى المثل العليا والإرضاء النفسي بالبذل للغير، حرمانهم من المجالات النَّافعة السَّلِيمَة فيدفعهم الإحساس بالفراغ Existential Vacuum والحرمان من البذل للغير والحاجة النفسية الملحة لمثله إلى مجالات قد لا تكون نافعة ولا سليمة. مغزى ما تقدم أن البذل التطوعي في سبيل النَّفع العام في جانب الإِنسان المسلم ليس فقط وسيلة للإرضاء النفسي ومِنْ ثمَّ تلبية لحاجة طبيعيَّة للإِنسان السوي، بل هو عبادة وشوق على رضا الله وتلبية لنداء ملح من الضَّمير والوجدان. هذا يعني أن أيّ تحديد لفرصة الإِنسان المسلم في ممارسة البذل التطوعي للنفع العام لن يكون فقط مُجرَّد انتهاك للحرِّية الشخصيَّة والمدنية، بل انتهاك لحق الإِنسان في حرية العبادة وحرية الضمير. المقصود من إيراد ما سبق هو التقييم الصحيح لجهود الغرب الجادة في تحجيم البذل التطوعي في العالم الإسلامي ومن أبرز مظاهر ذلك جهوده في تحجيم النَّشاط الخيري لبلدان الخليج في الخارج، ونشاط الغرب الدعائي المحموم في هذا المجال: أ- فور غياب «الشيوعية» عدو الرأسماليَّة «الأحمر» رشح الغرب «الإسلام» عدوًا بديلاً وسماه العدو الأخضر (كان أول تصريح معلن بذلك الترشيح قد صدر عن الأمين العام لحلف الأطلسي) ومنذ ذلك الوقت بدأت التهيئة لحرب باردة بديلة «الرأسماليَّة الغربيَّة» في مواجهة «الإسلام» وبرز من وقت مبكر من مظاهر هذه الحرب قرن الإسلام بـ»الأصولية» و»العنف» ففي النصف الأول من العقد الأخير للقرن المنصرم كانت أوروبا كلّّها تشاهد فيلم «الإرهاب في سبيل الله» وكانت أمريكا تشاهد الفيلم الوثائقي «الجهاد في أمريكا». ب- ومن الحقائق أن التَّخْطِيط الغربي الذي كانت إجراءاته تنشط على قدم وساق لتنصير مجتمعات إسلاميَّة معينة، قد واجه معوقًا جديًّا لانتشار التنصير من قبل بعض المؤسسات الخيريَّة الخليجيَّة، فكان من الطّبيعي أن تتصدى القوى الامبريالية لإضعاف هذا المعوق أو إزالته. |
ثالثًا: احتفاؤه بأقوال المنصفين: ويعجبه -رحمه الله- أن يستشهد بكلام من منصفي الغرب وعقلائهم وفلاسفتهم ومفكريهم قصدًا منه أن يخاطبهم أو يخاطب من يسير في ركابهم بما يكون أقرب للإقناع لِمَنْ يريد الحق وينشد الحقيقة. وهذه قبسات من بعض استشهاداته حول اعتراف هؤلاء المفكِّرين بالحاجة إلى الإسلام وقيمه مهما بهرت الإنجازات الحضارية والمكتسبات والمخترعات الجديدة. فمما نقله واستشهد به قول محمد أسد: «ولا تظهر إشارة إلى أن البشرية في حالتها الحاضرة قد تجاوزت الإسلام، فلم تتمكن من إنتاج نظام أخلاقي خير مما تضَّمنه الإسلام، ولم تتمكن من وضع فكرة الاخوة البشرية على أساس عمليّ كما فعل الإسلام في معنى الأمة.. ولم تتمكن من إعلاء كرامة الإِنسان وشعوره بالأمن ورجائه الأخرويّ -أخيرًا وليس آخرًا- سعادته». «في كلِّ هذه الأشياء فإن الإنجازات الحديثة للبشرية أقصر بوضوح عمَّا حقَّقه الإسلام فأين المسوّغ -إذًا -لمقولة: إن الإسلام قد انتهى زمنه؟». « لدينا كل الأسباب لنعتقد أن الإسلام قد دلت عليه كلّ إنجازات البشرية الصحيحة أنّه قررها وأشار إلى صحتها قبل تحقيقها بزمن طويل، ومساويًّا لذلك فقد دلّت عليه أيضًا النواقص والأخطاء والعقبات التي صاحبت التطوّر البشريّ؛ لأنّه حذّر منها بقوة ووضوح قبل أن يتبيّن البشر هذه الأخطاء بزمن طويل». «ولو صرفنا النَّظر عن الاعتقاد الديني للفرد فإن في وجهة النَّظر الفكريَّة حافزًا لاتباع هداية الإسلام العملية بِكلِّ ثقة». انتهى. ولقد كتب ريتشارد نيكسون، الرئيس الأسبق للولايات الأمريكيَّة، في آخر مؤلفاته المعنون Beyond Peace ما يأتي: «أصولية الإسلام عقيدة قوية... إنّها تستجيب لحاجات الرُّوح وليس لحاجات الجسد (فقط) والقيم العلمانية في الغرب لا تستطيع أن تغالبها، وكذلك لا تستطيع ذلك العلمانية في العالم الإسلامي». خاتمة: وأختم هذه الكلمة بهذه الواقعة التي تعكس شخصيته في تواضعه وفلسفته منذ كان يافعًا: حينما كان شابًا في أول عمله موظّفًا في وزارة الماليَّة كلف مع زميل له في مهمة عمل لفرنسا وحينما دخلا أحد المطاعم، والفرنسيون لا يتكلمون الإنجليزية ويصرون على الحديث بلغتهم وزميله دارس في أمريكا ويجيد الإنجليزية وكان يحاول جهده ما استطاع أن يحدثهم باللُّغة الإنجليزية ولم يفلح أن يتوصل إلى شيء وطال الجدال وضاقت الأنفس، فما كان من الشيخ صالح وهو الذي يجيد الفرنسية والعليم بها إلا أن نطق بكلمات يسيرة أنقذت الموقف وانقضى بها الغرض، فالتفت إليه صاحبه قائلاً: أما كان هذا مبكرًا حتَّى نسلم من هذا التوتر؟ فقال الشيخ بصوته الهادئ الهامس الواثق: أتكلم باللُّغة الأجنبية إلا من أجل الحاجة وبقدر الحاجة. نعم إنّه الدرس البليغ من هذه الشخصيَّة العزيزة المؤمنة فعند الشيخ أن اللُّغة الأجنبية والرطانة ليست محل فخر ولا اعتزاز ولكنَّها حاجة فقط. ناهيكم بمن يراها رمز التقدم، بل لا يَرَى تقدمًا إلا على حساب لغته ووطنه، فيلوك لسانه بالرطانة وكأنّه قد حاز المجد في برديه وهو لا في العير ولا في النُغيِّر فالله المستعان. وبعد هذه الكلمات المختصرة عن جميل سيرة وصدق سريرة، فإني أوصي بدراسة شخصيَّة هذا العالم دراسة تكشف مكوِّنات فكره وطبيعة تعامله مع المعرفة وتحليله للنظريات والظواهر. كما أوصي بعمل مؤسسي يعني نظريات معالي الشيخ -رحمه الله- واعتبارها في منظومة الأعمال التطوعية والماليَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. سائلاً المولى عزَّ شأنه أن يرحم معالي الشيخ رحمة واسعة وأن يبارك في ذريته وعلمه وما بذل من أعمال. وأن يرفع درجاته في عليين وألا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده إنه سميع مجيب. |
كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 1-6 أبو مهند القمري كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! (سلسلة حلقات أهدي فيها تجاربي لأبنائي زوار هذا الموقع الطيب) . . الحلقة الأولى . . كنت أظن . . أن جدية الالتزام لابد أن تكون هي السائدة على مظهري الخارجي كإنسان ملتزم، حتى لو ذهبت الابتسامة لا إرادياً من وجهي،وصار عبوساً!! فالمهم أن يراني الله جاداً حازماً في تصرفاتي وأقوالي، وليس المهم أن يرضى الناس عني، فرضى الناس غاية لا تدرك!! ولكني اكتشفت. . ان الابتسامة وبشاشة الوجه هما أسرع طريق لكسب القلوب!! وأن معظمنا كملتزمين قد شوهنا صورتنا بهذا العبوس القاتم الذي توهم بعضنا أنه دليل على جدية وحزم الالتزام، وفاتنا أن نعلم أن الجدية رفيقة النية تماماً كظلها (ومحلهما القلب)!! فمن كان جاداً في التزامه، صادقاً في توجهه إلى الله، راغباً فيما عند الله؛ فليُري الله من نفسه خيراً؛ بجديته سراً في حفاظه في قيام الليل، وجهراً بإدراكه تكبيرة الإحرام في الجماعة، وبذل المعروف للناس، وكف الأذى، والتفاني في صنائع الخير للآخرين، حيث لن يكون الدافع الحقيقي بالفعل وراء القيام بذلك كله؛ سوى المصداقية العالية، والإخلاص الحقيقي، والجدية الفعلية في التوجه إلى الله والدار الآخرة، وما أجمل أن يكلل الشاب الملتزم - الذي أظهر لله مصداقيته وجديته في القيام بهذا كله – نجاحه بأن يرسم الابتسامة على شفتيه، حيث لا تعارض بينها وبين الجدية البتة!! وإنما هي والله في وجه أخيك (صدقة) ويرسم البشاشة على ملامح وجهه، فهي والله في وجه الناس (دعوة)!! فقررت. . أن أجعل الابتسامة وبشاشة الوجه لي عنواناً كمسلم ملتزم؛ حتى آخذ بقلوب الخلق إلى الله، وأغير الصورة المشوهة عن الملتزمين في أذهان عباد الله، وأحبب الناس في أهل دين الله - لا لشيء - سوى لأنهم تجار آخرة، ليس لهم بضاعة سوى هداية الناس إلى الله، فكيف يبغضهم الناس إلا بسببٍ دسيس وغريب على تصرفاتهم، ولا يتوقع أبداً أن يصدر من أمثالهم ألا وهو - العبوس والتنفير – الذي ما عرفه وجه النبي صلى الله عليه وسلم قط، إلا تمعراً حال انتهاك حرمات الله، أما دون ذلك، فقد كان ذا الوجه الأنور . . البشوش الأجمل (صلى الله عليه وسلم). تابعوا معي . . الحلقات القادمة والدكم المحب أبو مهند القمري كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! . . الحلقة الثانية . . كنت أظن . . أن كل ما يتلفظ به من سمتهم الالتزام أمر لا يقبل النقاش أو التدقيق أو التمحيص، حيث أنهم أهل الدين الحريصون على نشر تعاليمه، ومن المستحيل أن يتلفظوا بشيء وهم على غير دراية به!! ولكني اكتشفت. . أن السمت الظاهري وإن كان أمراً هاماً للملتزم، يعينه على الاستقامة باتباعه لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن نسبةً ليست بالقليلة ممن سمتهم الالتزام تعتبر من العوام الذين التحقوا بأهل الدين لإصلاح أنفسهم، كما أن الأغلبية من هؤلاء الملتزمين هم من طلبة العلم الذين لا يزالون يجتهدون في السير على الطريق، ولكنهم ليسوا بعلماء، أي أنهم لم يرتقوا بعد إلى المرتبة التي تؤهلهم للتصدي للفتوى أو إصدار الأحكام ، لذا تجد الكثير من عوامهم يتناقلون أحكاماً أو أحاديث لم يتوثقوا من مصدرها من أهل العلم الثقات، فيتناقلونها بين الناس، فيعتقد الناس صحتها؛ لأنها صدرت عمن ظاهر سمتهم الالتزام، فينشرون الجهل وليس العلم بين الناس، ويفقدونهم الثقة في أهل الدين!! فقررت. . ألا آخذ العلم إلا من أهله المشهود لهم بالعلم والثقة، وهم والحمد لله كثير في الأمة، وذلك عملاً بقوله تعالى : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقوله تعالى : (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم . . الآية) كما قررت أن أوضح للناس صحة الأحاديث التي أنقلها لهم؛ حتى أعطيهم نموذجاً عملياً في تعظيم شعائر الله، وأنه لا ينبغي لأحد أن يقول في دين الله إلا بعلم، لأنه الوحي المنزل من عند الله، ويجب علينا تعظيمه، فيحجم الناس عن القول عن الله وروسوله (صلى الله عليه وسلم) بغير علم، فينتشر العلم وينحسر الجهل بإذن الله. تابعوا . . محبكم أبو مهند القمري كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! . . الحلقة الثالثة . . (الأسرة) كنت أظن . . أول التزامي أنه يجب علي إزالة جميع المنكرات التي في منزلنا وعلى الفور!! فلا تلفاز . . ولا صور . . ولا أصوات موسيقى . . ولا تهاون في خروج شقيقتي دون حجاب، حتى ولو أدى ذلك إلى حرمانها من التعليم، بل ولا يمكن لها القيام بالرد على الهاتف، ولا . . ولا . . ولا . . !! وسوف أصر على تنفيذ كل قناعاتي؛حتى ولو وقف جميع أفراد أسرتي في وجهي بما فيهم أبي وأمي!! وحتى لو أصابني من البلاء ما أصابني، فهو جهاد في سبيل الله، ولكم أوذي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في سبيل الله، فصبروا لأن أمر الله فوق كل شيء ولابد أن ينفذ!! فأقمتها ثورة على كل ما في البيت من منكرات، كانت حصيلتها تخريب 3 أجهزة تلفاز، وتمزيق كافة الصور المعلقة في الحجرات، وتقطيع ملفات أخي الأكبر - مؤلف المسرحيات الشهير - حيث كان يدونها فقط بخط اليد، إذ لم يكن هناك وقتها حاسوب آلي لحفظ الملفات الخاصة بفصول تلك المسرحيات!! فأتربص بباب غرفته حين ينساه مفتوحاً ويخرج؛ فأقوم بالدخول خلسة لتمزيقها عن آخرها؛ قبل موعد تسليمها للمنتج!! هذا بالإضافة (لعمل فيلم رعب على سلم المنزل؛ لتطفيش القسيس الذي كان يزور جيراننا النصارى بالدور السفلي، حيث خططت مراراً؛ لكي أسمعه صوت قفاه أيضاً على السلم، ولكني لم أتمكن)!! وفي مقابل كل هذه التصرفات والأعمال تلقيت عدداً لا بأس به من العلقات الساخنة من والدي وإخواني الكبار، فلم تزدني والله إلا إصراراً على تنفيذ مخططاتي أو أهلك دونها!! أليست جهاداً في سبيل الله؟! ولكني اكتشفت. . أنني أفسدت كثيراً وما أصلحت!! بل وأقمت بيني وبين أفراد أسرتي ألف حاجز وعائق نفسي!! جعل البعض منهم يظنون تحت ثورة حماسي الهائج والمفاجئ؛ أنني قد فقدت عقلي، أو أصبت بشيء من مس الجن أو السحر!! أو على أقل تقدير وقعت تحت تأثير بعض الجماعات المشوهة فكرياً؛ فقامت بعمل غسيل مخ لي كما يقال!! وبدلاً من أن تكون أمامي مهمة واحدة سهلة وميسرة - تتمثل في أقناعهم بالحسنى وبالأسلوب الطيب بما استقر لدي من قناعات جميلة، ومدعومة بالأدلة القاطعة من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم - ومن المأمول فيهم كمسلمين قبولها؛ لاسيما إذا ما صاحبها الأسلوب المقنع، والحكمة في الحديث، أصبحت أمامي مهمتان أحدهما كالجبال في ثقلها، وهي إزالة هذه الحواجز النفسية الغريبة التي أقمتها بتصرفاتي الهوجائية، والتي جعلتهم يتشككون في قدراتي العقلية، ويطلقون عليَّ حكماً إجمالياً بأنني لست على ما يرام، وأن عليهم معالجتي أولاً مما أصابني؛ حتى أعود إلى طبيعتي!! وبالطبع فهم لا يدرون كم سيستغرق ذلك!! حتى يقتنعوا تماماً أنني عدت لرشدي، ويمكنهم سماع مقولتي، ولكن المصيبة تكمن في أنني أقرنت حالة الطيشان تلك بقال الله وقال رسوله (صلى الله عليه وسلم) وبالتالي كلما هدَّأت معهم الأجواء، وعدت لأحدثهم بما أريد، ثم عرفوا أن مضمون كلامي يحوي مجدداً قال الله وقال رسوله (صلى الله عليه وسلم) ظنوا أنني لا زلت أعاني من حالتي النفسية السابقة، فأيقنت بالفعل أنني قد أحدثت كارثة بسوء تصرفاتي، وأقمت حاجزاً فولاذياً أمام سماعهم لنصائحي!! فقررت. . أن أصدق في تطبيق الإسلام على نفسي أولاً – ظاهراً وباطناً - وأن أخلص لله في نيتي لدعوتهم، بحيث تكون نابعة بالفعل من واقع حبي لأسرتي، ورحمتي بها، وحرصي وخوفي عليها من عذاب الله تعالى يوم القيامة!! فجعلت لسان حالي يغني عن لسان مقالي، بما كان من حسن الخلق، وجميل التصرفات، وإكرامهم بالهدايا والعطيات، وتقديم العون والمساعدة لهم على اختلاف أنواعها، وكانت حاجة أبي وأمي بالطبع مقدمةً على غيرها، وصار دخولي المطبخ لمساعدة الوالدة حال تغيب الخادمة، مجال تسابق بيني وبين إخوتي، ، لعل أي منا ينال من دعواتها ما يشرح صدره؛ بعدما كنت أدخله سابقاً بالضرب مرغماً على تنظيفه!! |
فصبرت وصبرت ثم صابرت على ذلك كثيراً، حتى كان هذا السلوك وحده أكبر عامل جذب لهم لمعرفة السر الكامن وراء هذا التغيير إلى الأفضل!! ففتح الله مسامع القلوب لذكره وأوامره!! وصدع صوت القرآن في أرجاء منزلنا بديلاً عن مزامير الشيطان وملاعنه!! وعشعش العنكبوت على تلفاز منزلنا زهداً في مشاهدة مفاسده!! بعدما تعلقت قلوبهم بالحكايات والقصص التي كنت أتعلمها وأحكيها!! وصار النقاب، وليس الحجاب فحسب؛ سمتاً لجميع بنات عائلتي (حتى بنات الأعمام والعمات) بعدما كان مجرد حجاب شقيقتي أسمى أمنياتي ومنتهى أحلامي!! ليصدِّق الواقع على قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : (إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شأنه). وفي حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق) وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير). فالإنسان الأخرق هو الذي فيه حماقة، وفيه تهور، وفيه اندفاع، وفيه طيش، وفيه عنف!! هذه تجربتي بين أيديكم إخواني، فهلا كان لكم فيها من الموعظة ما يكفي ؟! تابعوا . . محبكم أبو مهند القمري كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! . . الحلقة الرابعة . . (واقعية الفهم) كنت أظن . . أن الهموم والقضايا التي تحيط بالمسلم، ابتداءً بما يحمله من هموم آخرته، وما فيها من أهوال وشدائد، ومروراً بهموم دنياه وما يواجهه فيها من فتن ومصاعب، ووصولاً إلى هموم أمته، وما نزل بها من نكبات ومصائب؛ كفيل بألا يجعل إلى قلب المسلم سبيلاًللترويح والمزاح!! وبالتالي فحياة الملتزم غالباً ما يسيطر عليها الهم والحزن!! ولكني اكتشفت. . أن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نزل عليه الوحي بثقله، وحمَّله أعظم الهموم وأجلها، متمثلة في تأدية أمانة تبليغ الرسالة التي كلفه الله بها، ناهيك عن كونه قد رأي الجنة ونعيمها!! والنار بأهوالها رأي العين!! وهذا وحده كفيل بأن يذهب بعقل أي واحدٍ منَّا!! غير أنه على الرغم من ذلك؛ كان يعلمنا كيف نتعامل مع بشريتنا بواقعية متميزة، بل ونهانا عن توهم إمكانية العيش كملائكة، وذلك من خلال عتابه للصحابي الجليل حنظلة الأسيدي رضي الله عنه، حينما اتهم نفسه بالنفاق؛ لمجرد أنه كان إذا انصرف من عند النبي صلى الله عليه وسلم داعب الأهل والأولاد!! فعاتبه (صلى الله عليه وسلم) قائلاً: (يا حنظلة ساعة وساعة) وكررها ثلاثاً!! كما أنه كثيراً ما كان يداعب صحابته للترويح عن نفوسهم (البشرية) حتى قالوا له فيما رواه الترمذي : يارسول الله إنك لتداعبنا!! فقال : "إني لا أقول إلاحقاً" فها هو (صلى الله عليه وسلم) يمازح بلالاً حين أراد أن يضحي بكبش، فلم يجد إلا ديكاً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يجزئ عنه، فقال له صلى الله عليه وسلم : (أيضحي مؤذن بمؤذن)؟! وهذه امرأة تسأله أن يعطيها بعيراً لتركبه فقال لها : "أحملكعلى ولد الناقة" فتعجبت!! ما تصنع بولد الناقة، قال لها : "وهل تلد الإبلَ إلاالنوقُ؟!" وسأل امرأة ذات مرة : أزوجك الذي في عينه بياض؟! فقالت : عقرى أي (يا ويلي) فقال لها (صلىالله عليه وسلم) : "وهل من عين إلا وفيها بياض"؟! بل وتصفه حبيبته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن حاله إذا خلا في بيته (صلى الله عليه وسلم) فقالت: "كان ألين الناس وكان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكا بساما" هذه الأمثلة وغيرها، تؤكد على إدراك النبي صلى الله عليه وسلم التام لطبيعة النفس البشرية، وتعطي نماذج عملية، بل ومثالية في كيفية التعامل معها، ففي النفس بواعث الفرح والحزن، والضحك والبكاء، والحب والبغض، والرضا والغضب، والحماسة والخوف، فكان من البديهي أن يتيح لها منهج الله الشامل الوافي نصيبها المقسوم من التفاعل الطبيعي مع كل ذلك (كنفس بشرية) ولكن في إطار توجيهات وسطية دونما إفراط أو تفريط، وكل من يتوهم عكس ذلك فهو واهم، أو إن شئت فقل، لم يبلغ وعيه القدر الكافي بشمولية هذا الدين!! فقررت. . أن أعيش بدين الله كما أراده الله لي (كنفس بشرية) منسجماً بهذا التوازنٍ التام بين ما أملك من الصفات البشرية، متفاعلاُ بمتطلباتها في حدود من الأطر الشرعية، وبين ما أواجهه من الأحداث الدنيوية، متفاعلاً معها بقلب المسلم (القدوة) الذي يرشد الناس (بأفعاله) لا بمجرد أقواله فحسب إلى التصرف الصحيح في كل موقف، وكذا بين ما أرجوه من التطلعات الأخروية، بإخلاص القلب لله، وتحويل كل عمل دنيوي بالنية الصادقة إلى عبادة أخروية!! فأخالط الناس مبتسماً ضحوكاً، وأكون بحكمتي قريباً منهم، وفي كل مواقفي وأطروحاتي مؤثراً لا متأثراً، وأتفاعل مع قضايا الأمة، ولكن دون إتاحة الفرصة للهموم لكي تهزمني، وإنما أبعث بها مع أول تنهيدة عبر الأمال العريضة إلى آفاق الوعد المحتوم بنصر الله تعالى لهذا الدين، دونما تقاعس عن بذل كل ما في مقدوري من النصرة، ولو بالدعاء بظهر الغيب لإخواني. وهكذا لو تفاعل المسلم مع كل ما يعترضه من أحدث من خلال هذا المنظور الواقعي للتفاعل الإيجابي بمنهج هذا الدين، سواءً مع نفسه أو مع البيئة المحيطة به، فلن يعرف البؤس إلى حياته طريقاً!! بل سوف يشعر بسعادة بالغة تغمر حياته، هذا إلم يفاجأ يوماً من الأيام بأنه قد صار بحكمته وسعة صدره؛ مصدر السعادة للكثيرين من حوله!! إن تصويب المسلم بصره نحو آخرته، وثبات أقدامه على طريق رضوان ربه، وتذليل الصعاب أمام مسيرته بما كان من هدي نبيه، لهو المنهج الشامل الذي يجعل المسلم يحترف كيف يتفاعل بهذا الدين، روحاً وقلباً، جسداً ونفساً، مشاعراً وعقلاً، عزلة واختلاطاً، فرحاً وحزناً، يسراً وعسراً، ليجعل من مسيرته كلها، أفضل رحلة إلى الله والدار الآخرة!! تماماً كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم تابعوا . . محبكم أبو مهند القمري كنت أظن . . ولكنياكتشفت. . فقررت!! . . الحلقةالخامسة . . (الحيُّ لا تُؤمن عليه الفتنة!!) كنت أظن . . أن الشيوخ والدعاة الذين كنت أستمع إلى خطبهم، وأتابع دروسهم متأثراً بمواعظهم الروحانية التي كانت تخترق بروعتها مسامع القلوب، وتلامس أعماق النفوس؛ لما فيها من معاني الصدق والإخلاص، حيث لا يواجه أحدنا كثير عناء؛ كي يستشعر بالفعل أنها قد خرجت من القلب إلى القلب . . هم فوق مستوى الزلل أو الوقوع في أي مخالفة شرعية!! وأن رأيهم دائماً هو الصواب الذي لا يحتمل بإذنالله الخطأ!! إذ كيف يمكن لأمثالهم ممن يُلقون تلك المواعظ المؤثرة، والخطب المجلجلة، أن يزل أو يخطئ، وهو الذي يعظ الناس ويرشدهم؟! وبالتالي كنت من أشد الناس حماساً في الدفاع عن آراء مشايخي الفقهية، ووجهة نظرهم الفكرية، وهكذا كان الحال مع أقراني!! حيث كان كل منهم يتعصب لشيخه، ولا يقبل عليه نقضاً؛ حتى كاد بعضهم أن يقول (ما صحَّ عن شيخي فهو مذهبي!!) وهكذا كان النقاش يشتد ويحتدم بيننا، كلٌ ينتصر لرأي شيخه، حتى وقع في مسجدنا النزاع، وتفرقت القلوب، وعمَّ الفشل ساحتنا الدعوية!! ولكني اكتشفت . . أن المنطق يقتضي بأن جميع الدعاة على اختلاف مدارسهم ومناهجهم، وتفاوت علمهم وفضلهم لا يعدون كونهم بشراً غير معصومين، بل إنهم يصيبون ويخطئون، شأنهم في ذلك شأن كافة البشر، وأن الجميع بمن فيهم صفوة السلف الصالح رضوان الله عليهم، والأئمة الأعلام (يؤخذ منهم ويرد) ولا معصوم إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا لا يتنافى أبداً مع فضل العلماء ومنزلتهم، أو يقلل عياذاً بالله من شأنهم، حيث أنه من البديهي توقير أهل العلم الصحيح عامة، ورفعهم المكانة اللائقة بشرف ما يحملونه من العلم؛ وهذا أيضاً لا يتنافى مع كونهم متفاوتون في سبقهم للعلم والفضل، كلٌ بحسب ما رزقه الله، وفتح عليه من فيض علمه وحكمته، وما آتاه من الفقه والبصيرة. إلا أن حماسة حديثي العهدٍ بالالتزام، تفقدهم كثيراً من الحكمة والروية في تقييمهم للأمور!! حيث سرعان ما تنزلق بهم الأقدام بسبب العاطفة الزائدة في منزلق (الحب للشيء يعمي ويصم!!) فيطلقون سيل اتهاماتهم على مخالفيهم، تارة بالجهل وأخرى بالتبديع وثالثة بالتفسيق!! |
وكل هذا ظناً منهم أن مرجعيتهم في إصدار هذه الاحكام التي أصدروها، هم مشايخهم الذين تعلموا منهم، وبالتالي فهم على الحق المبين!! ولعمري لو رجعوا إلى هؤلاء المشايخ؛ وسألوهم عن تلك الأحكام الجائرة التي أصدروها نيابة عنهم في حق إخوانهم المسلمين؛ لتبرأوا منها على الفور، وهذا في أغلب الظن!! حيث أن حسن ظننا في علمائنا ودعاتنا أنهم ولله الحمد دعاة توحيدٍ ولم شملٍ للأمة، وليسوا دعاة تفريق . . ودعاة إنصاف، وليسوا بدعاة قذف وتجريح . . ودعاة تقديم حسن للظن بالمسلمين، وليسوا دعاة رجم بالغيب وسوء ظنٍ بالمسلمين!! أما من خالف هذا المنهج الذي ربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وجعل من نفسه حكماً على بواطن غيره من الدعاة، وقدح في عقيدتهم دون دليل أو برهان، وأوغر صدور المسلمين بعضهم على بعض، وأشاع في الساحة مناهج التفريق والتشرذم؛ تحت مطية نبذ البدعة، ومخالفة أهل الزيغ والضلال، وكل هذه العبارات التي يستخدمونها كمفرقعات في وجه كل من خالفهم، أو لم يوافقهم على هذه المهزلة التي ذاع صيتها في الساحة وللأسف الشديد، حتى جعلت المسيرة السلفية موضع شماتة حتى من حسالة العلمانيين والليبراليين!! . . فقد حاد عن الجادة!! والمصيبة أن سياط ألسنتهم لم تكتف بأقرانهم من المعاصرين فحسب؛ بل تعدتها بالقدح في عدد كبير من علماء أهل السنة والجماعة السابقين، ممن هم مشهودٌ لهم بالعلم والفضل، حتى وصل الحال بسلاطة ألسنتهم إلى القدح في بعض أهل العلم من السلف الصالح، والتشكيك في نسبة مؤلفاتهم من أمهات الكتب إليهم، واتهامهم بالتدليس والكذب!! لذا فقد قررت. . أن أعرف الرجال بالحق، وليس الحق بالرجال، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، وذلك لأن التجارب التي مرت عليَّ طوال ثلاثين عاماً من العمل الدعوي، كانت كفيلة بأن تظهر لي نماذج غريبة، ما كنت لأتصور وجودها على أرض الواقع، لولا أني عاينتها بنفسي، وللأسف ألقت بتبعاتها (سلباً) على الدعاة والدعوة، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : 1 - رأيت من الدعاة من يبدأ مسيرته باعتدال ووسطية، فإذا ما رأى من كثرة الاتباع والأشياع، تسرب إلى (نفسه البشرية) في لحظة ضعف أو تدني إيماني أو غفلة شعوراً لا إرادياً بالتميز والسبق، فينعكس ذلك على منهجه الفكري، فيطرحه في الساحة بأسلوب يضمن له عدم انصراف الاتباع لغيره، حيث يجعل فيه من الحواجز النفسية ما يمثل (حقن تطعيم) لأتباعه، حتى لا يسهل عليهم الانفلات منها، وقبول غيرها من المناهج!! ولا يفوته أن يحيط ذلك المنهج بهالة من الترهيب النفسي الغير مباشر!! كأن يختم تعليقه على تقييم منهجه ببعض العبارات الرنانة، مثل : (وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فمن خالف ذلك المنهج فهو إلى البدعة أقرب!!) ثم تفاجأ مع مرور الأيام، وتغير موازين الأحداث في الساحة، أنه كان أول المخالفين لمنهجه، حيث هبت رياح لا يستطيع مجارتها بفكره المتحجر؛ نظراً لاصطدامه الرهيب بالواقع، فيلين مع الموجة ولسان حاله يقول : (يارب سترك بألا يتذكروا ما كان من سابق قولي!!) 2 - ورأيت دعاة قامت لهم الدنيا ولم تقعد، والتفت حولهم جموع غفيرة من الناس، ليس من المتدينين فحسب، بل حتى من عوام الناس!! فإذا بهم ينقلبون ما بين عشية وضحاها رأساً على عقب!! وبزاوية (180 درجة) فإذا بالأمر يتضح أن أمن الدولة هو من كان يقف وراء هذا اللعبة القذرة، حيث كان يرمي من خلالها لربط فكرة أو ظاهرة (الالتزام) بأشخاص بعينهم، ثم يقوم بإسقاطهم على حين غرة، لتسقط معهم تلقائياً الفكرة أو الظاهرة!! وبالفعل فقد فتن بهذا الدمية خلق كثير، وقطاع عريض، وبالأخص من عوام الناس!! 3 - ورأيت أيضاً من الدعاة شيخاً كبيراً كان يتهم كل معارضيه بأن لديهم ميولاً تكفيرية!! حتى اجتمع عليه جمع كبير من الشباب، وصار موضع إشارات البنان!! فلما ظهر شيوخ السلفية بتأصيلهم الرائع، وعلمهم المرجعي، وشعر بكساد تجارته، حيث لم يكن لديه من العلم الشرعي ما يجاريهم به، وهم من أمثال الشيخ / أبو إسحاق الحويني، والشيخ / محمد إسماعيل حفظهما الله تعالى، انقلب على رأسه كذلك بزاوية (180 درجة) وصار صاحب أكبر مدرسة تدعو للفكر التكفيري جهاراً نهاراً، فقط لكي يشبع لدى نفسه الشعور بأنه شيخ كبير، وله جمع من الاتباع كثير، ممن استهوتهم ميوله التكفيرية!! والحمد لله، فلم يلبث الأمر يسيراً حتى اندثر فلم يعد له ذكراً؛ حيث أنه ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل!! هذه التجارب وغيرها الكثير، تجعلني أهدي نصيحتي لإخواني وأبنائي، بقلب ملؤه اليقين والسكينة والطمأنينة، أن تعلقوا بمنهج الله الحق وحده، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، وليكن تعظيمنا لعلمائنا ودعاتنا بقدر تمسكهم بهذا الحق، فها هو صديق الأمة يؤصل لها قاعدة ذهبية عبر التاريخ قائلاً : (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم!!) ولم يشترط عليهم أن يكونوا طلبة علم أو مقلدين أو عوام، إذ أن الحق يخاطب الفطر السليمة، دونما أي موانع أو حواجز، ولطالما بذل أهل الباطل من محاولات لطمسه، فهل أفلحوا؟! وذلك لأن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون!! وتذكروا دائماً أننا نتقرب إلى الله بحب الحق وأهله، وفي مقدمتهم علمائنا ومشايخنا الأفاضل (حفظهم الله تعالى) لأنهم من علمونا قواعد اتباع هذا الحق، وهم جميعاً إخوة متحابين في الله - ولله الحمد والمنة - ولكن نظراً لأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، كان لابد من هذا التذكير الذي يجلي عن النفوس تعصباتها العاطفية، ويجردها للحق والحق وحده . . حيث أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! . . الحلقة السادسة . . (غير المسلمين بين الدنيا والدين) كنت أظن . . أن التوصيف الحقيقي لغير المسلمين من كافة الملل والنحل، لا يخرج عن كونهم (أنعامٌ بَل هُم أَضَل) ولا غرو في ذلك، حيث أنه الوصف الذي نعتهم به الله عزَّ وجلَّ في كتابه، وبالتالي فكل ما يأتينا منهم؛ لا يمكن أن يكون موضع اعتبار، ولا تقييم، ولا تدقيق، ولا تمحيص، وليس فيه مظنة الاستفادة ، ولا يستحق النظر إليه، أو التفكير فيه، فضلاً عن توصيف الجيد من اختراعاتهم وسلوكياتهم بالجيد، ولا الشيء الممتاز بالممتاز، لأن خلاصة أمرهم أنهم أنعااااااااااااااااااام وانتهى البيان!! ولكني اكتشفت. . أنه حين عرض القرآن الحديث عن أهل الشرك والكفر، وصف عقيدتهم الفاسدة بالضلال، وبالتالي فالإنسان الذي أعطاه الله كل وسائل التفكير والإدراك، ولم يتعرف على خالقه، ومعبوده الحق، فهو بالفعل في منزلة أحط من الأنعام!! أما حين يعامل الله الخلق بعدله، ويعطيهم نتائج أخذهم بالأسباب – مسلمين كانوا أم غير مسلمين – فإنه لا ينبغي لنا كمسلمين أن نكون دائماً في المؤخرة، متخلفين عن غيرنا في الأخذ بأسباب عمار هذه الحياة التي أوجدنا الله على ظهرها؛ ليبلونا أينا أحسن عملاً بحجة أنهم ضالين وكالأنعام!! وعمار الدنيا هنا (أعني به جميع مجالات الحياة، وليس مجال التعبد فحسب) فإزالة الأذى عن الطريق صدقة، وغرسك للنخلة صدقة، والارتقاء بمرافق الحياة كلها يمكن أن يكون من خير العبادات لو صلحت النية في ذلك لله!! حيث يعلم جميعنا علم اليقين أن الإسلام دينٌ شاملٌ لكل مناحي الحياة، ولكننا وللأسف إذا ما نظرنا إلى واقع أمتنا المرير؛ وجدنا انفسنا دائماً في مؤخرة الركب!! حيث أعاقنا عن تبوأ المقدمة سوء فهمنا لديننا!! وأكبر دليل على ذلك، أنه كلما واجهنا سؤال عن السبب وراء تأخرنا وتقدمهم علينا في كافة الجوانب العلمية والبحثية، بادرناه باستدلال في غير موضعه، إنهم كالأنعام، وأنهم لا يعلمون سوى ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون!! وفاتنا العلم بأن سلف أمتنا وعلماءها، كانوا هم والله قادة العالم في الدنيا وفي الدين!! ودعني هنا أبعثها إليكم اليوم عاصفةً مدويةً، أنني أتحدى، وبعد بحث وتدقيق كبير، قام به خبراء على أعلى مستوى (بل ورصدوه في مراجع هامة) أن يكون الغرب صادقاً في نسبته لأي اختراع من الاختراعات التي ادعى في السابق أنهم من اخترعها أو من قاموا باكتشافها!! حيث كان المخترعون الأصليون لها هم المسلمين!! حتى اكتشاف أمريكا التي أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، مدعين بأن المنصر الحاقد كولومبوس هو الذي اكتشفها، ثبت علمياً من خلال الدراسات والأبحاث الدقيقة، أن مسلمي الأندلس هم من أرشدوه إليها، حيث اعتادوا الإبحار إليها جيئة وذهاباً منذ زمن بعيد!! لذا تجد أن حرصهم كان شديداً على سرقة المكتبات عند أول وهلة لغزوهم أي بلد من بلاد المسلمين؛ وذلك لأنهم وجدوا فيها موائد عليمة جاهزة من الأبحاث والخبرات والتجارب، بذل فيها علماؤنا مهجتهم، في الوقت الذي كانوا هم فيه يرزخون وسط ظلمات الجهل والضلالة، فإذا بتلك الاختراعات تقع بين أيديهم سهلةً ميسرةً، لتثمر على مدار الزمان الكثير والكثير من الاختراعات، ثم يتمادون في بجاحتهم بتدريسنا مناهج مغلوطة؛ تدعي نسبة تلك الاختراعات والاكتشافات إليهم ظلماً وعدواناً!! من أجل ذلك قررت. . أن أسلط الضوء لإخواني وأبنائي على أن فهمنا للدين يجب أن يكون أكثر شمولية من مجرد النظرة العامة والسطحية التي تسود أفهام الكثيرين منَّا!! فدين الله شامل للدنيا وللدين، والنية الموافقة للشرع مناط الأمر كله!! فمن ابتكر شيئاً من أمور الدنيا؛ يسر به على الناس أمور حياتهم بنية صالحة، فإنه بإذن الله مأجور في الدنيا وفي الآخرة، وعليه فنحن بهذه النظرية الشمولية الجامعة الوافية أولى الناس بعمار الدنيا بالدين!! كما أنه ينبغي علينا التفريق بين إنكارنا لكفر الكافرين، وبغضهم على ما هم عليه من الشرك والكفر بالله، مع تجديد الولاء لله ولأوليائه، والعداء لأعدائه في كل وقت وحين؛ لأنه أصل من أصول الدين، وبين استفادتنا من خبرتهم من أجل خدمة الدين!! هذا فضلاً عن كوننا لو بحثنا لوجدنا أن كل ما يدعونه من أخلاق حميدة؛ كانت سبباً في ارتقاء مجتمعاتهم؛ كالنظام، والوفاء بالوعود، والدقة في المواعيد، وإتمام العمل على خير وجه مع التدقيق، هي أصلاً من صميم أخلاقيات ديننا، فكيف يسبقوننا إليها ونحن أهلها؟! ثم ألا ترون أنه من العار بل ومن الخزي والبوار؛ أن ينعكس علمنا بأمور الدين إلى خبرة منكوسة حولت البعض منَّا إلى محترفين في تعليق الكسل والإهمال، بل والتواكل، وعدم الدقة في أداء العمل على استدلالات خاطئة، زعموا بسوء فهمهم أنها من الشرع والدين؟! لتكون المحصلة أن يمتلك أعداؤنا اليهود القنبلة النووية، ونحن لا زلنا في سباتنا راقدين!! عيشوا أبناء الإسلام للإسلام بالإسلام، تسودوا والله الأنام!! تابعوا . . |
كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 7-9 أبو مهند القمري السابق : كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 1-6 كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! . . الحلقة السابعة . . (غير المسلمين بين الدنيا والدين) كنت أظن . . أن التوصيف الحقيقي لغير المسلمين من كافة الملل والنحل، لا يخرج عن كونهم (أنعامٌ بَل هُم أَضَل) ولا غرو في ذلك، حيث أنه الوصف الذي نعتهم به الله عزَّ وجلَّ في كتابه، وبالتالي فكل ما يأتينا منهم؛ لا يمكن أن يكون موضع اعتبار، ولا تقييم، ولا تدقيق، ولا تمحيص، وليس فيه مظنة الاستفادة ، ولا يستحق النظر إليه، أو التفكير فيه، فضلاً عن توصيف الجيد من اختراعاتهم وسلوكياتهم بالجيد، ولا الشيء الممتاز بالممتاز، لأن خلاصة أمرهم أنهم أنعااااااااااااااااااام وانتهى البيان!! ولكني اكتشفت. . أنه حين عرض القرآن الحديث عن أهل الشرك والكفر، وصف عقيدتهم الفاسدة بالضلال، وبالتالي فالإنسان الذي أعطاه الله كل وسائل التفكير والإدراك، ولم يتعرف على خالقه، ومعبوده الحق، فهو بالفعل في منزلة أحط من الأنعام!! أما حين يعامل الله الخلق بعدله، ويعطيهم نتائج أخذهم بالأسباب – مسلمين كانوا أم غير مسلمين – فإنه لا ينبغي لنا كمسلمين أن نكون دائماً في المؤخرة، متخلفين عن غيرنا في الأخذ بأسباب عمار هذه الحياة التي أوجدنا الله على ظهرها؛ ليبلونا أينا أحسن عملاً بحجة أنهم ضالين وكالأنعام!! وعمار الدنيا هنا (أعني به جميع مجالات الحياة، وليس مجال التعبد فحسب) فإزالة الأذى عن الطريق صدقة، وغرسك للنخلة صدقة، والارتقاء بمرافق الحياة كلها يمكن أن يكون من خير العبادات لو صلحت النية في ذلك لله!! حيث يعلم جميعنا علم اليقين أن الإسلام دينٌ شاملٌ لكل مناحي الحياة، ولكننا وللأسف إذا ما نظرنا إلى واقع أمتنا المرير؛ وجدنا انفسنا دائماً في مؤخرة الركب!! حيث أعاقنا عن تبوأ المقدمة سوء فهمنا لديننا!! وأكبر دليل على ذلك، أنه كلما واجهنا سؤال عن السبب وراء تأخرنا وتقدمهم علينا في كافة الجوانب العلمية والبحثية، بادرناه باستدلال في غير موضعه، إنهم كالأنعام، وأنهم لا يعلمون سوى ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون!! وفاتنا العلم بأن سلف أمتنا وعلماءها، كانوا هم والله قادة العالم في الدنيا وفي الدين!! ودعني هنا أبعثها إليكم اليوم عاصفةً مدويةً، أنني أتحدى، وبعد بحث وتدقيق كبير، قام به خبراء على أعلى مستوى (بل ورصدوه في مراجع هامة) أن يكون الغرب صادقاً في نسبته لأي اختراع من الاختراعات التي ادعى في السابق أنهم من اخترعها أو من قاموا باكتشافها!! حيث كان المخترعون الأصليون لها هم المسلمين!! حتى اكتشاف أمريكا التي أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، مدعين بأن المنصر الحاقد كولومبوس هو الذي اكتشفها، ثبت علمياً من خلال الدراسات والأبحاث الدقيقة، أن مسلمي الأندلس هم من أرشدوه إليها، حيث اعتادوا الإبحار إليها جيئة وذهاباً منذ زمن بعيد!! لذا تجد أن حرصهم كان شديداً على سرقة المكتبات عند أول وهلة لغزوهم أي بلد من بلاد المسلمين؛ وذلك لأنهم وجدوا فيها موائد عليمة جاهزة من الأبحاث والخبرات والتجارب، بذل فيها علماؤنا مهجتهم، في الوقت الذي كانوا هم فيه يرزخون وسط ظلمات الجهل والضلالة، فإذا بتلك الاختراعات تقع بين أيديهم سهلةً ميسرةً، لتثمر على مدار الزمان الكثير والكثير من الاختراعات، ثم يتمادون في بجاحتهم بتدريسنا مناهج مغلوطة؛ تدعي نسبة تلك الاختراعات والاكتشافات إليهم ظلماً وعدواناً!! من أجل ذلك قررت. . أن أسلط الضوء لإخواني وأبنائي على أن فهمنا للدين يجب أن يكون أكثر شمولية من مجرد النظرة العامة والسطحية التي تسود أفهام الكثيرين منَّا!! فدين الله شامل للدنيا وللدين، والنية الموافقة للشرع مناط الأمر كله!! فمن ابتكر شيئاً من أمور الدنيا؛ يسر به على الناس أمور حياتهم بنية صالحة، فإنه بإذن الله مأجور في الدنيا وفي الآخرة، وعليه فنحن بهذه النظرية الشمولية الجامعة الوافية أولى الناس بعمار الدنيا بالدين!! كما أنه ينبغي علينا التفريق بين إنكارنا لكفر الكافرين، وبغضهم على ما هم عليه من الشرك والكفر بالله، مع تجديد الولاء لله ولأوليائه، والعداء لأعدائه في كل وقت وحين؛ لأنه أصل من أصول الدين، وبين استفادتنا من خبرتهم من أجل خدمة الدين!! هذا فضلاً عن كوننا لو بحثنا لوجدنا أن كل ما يدعونه من أخلاق حميدة؛ كانت سبباً في ارتقاء مجتمعاتهم؛ كالنظام، والوفاء بالوعود، والدقة في المواعيد، وإتمام العمل على خير وجه مع التدقيق، هي أصلاً من صميم أخلاقيات ديننا، فكيف يسبقوننا إليها ونحن أهلها؟! ثم ألا ترون أنه من العار بل ومن الخزي والبوار؛ أن ينعكس علمنا بأمور الدين إلى خبرة منكوسة حولت البعض منَّا إلى محترفين في تعليق الكسل والإهمال، بل والتواكل، وعدم الدقة في أداء العمل على استدلالات خاطئة، زعموا بسوء فهمهم أنها من الشرع والدين؟! لتكون المحصلة أن يمتلك أعداؤنا اليهود القنبلة النووية، ونحن لا زلنا في سباتنا راقدين!! عيشوا أبناء الإسلام للإسلام بالإسلام، تسودوا والله الأنام!! كنت أظن . . ولكنياكتشفت . . فقررت!! الحلقةالثامنة (الــنــــصر) كنت أظن : أنهبمجرد التزامنا دينياً، وزيادة أعداد المصلين بالمساجد، وانتشار اللباس الشرعي بينالنساء، وشيوع استخدام الألفاظ الشرعية، وزيادة الثقافة الدينية لدى عوام الناس؛كفيل بتحقيق حلم الدولة الإسلامية التي تحكم بشريعة الله، وتمهد الطريق أمامالخلافة الإسلامية التي ستعم العالم بإذن الله، وأن النصر حليفنا لا محالة،وكيفلا؟والله قد قطع علىنفسه وعداً بنصرة من ينصر دينه من المؤمنين الصادقين، وخذلان من يخذل دينه منالمنافقين والكافرين، وأن الأمر لا يعدو أبسط ما يكون!! ولكني اكتشفت . . أن الطريق الذي رسمه الله لعباده؛ لتحقيق النصر الموعود، لابد أن يمر بمرحلتي(التنقية والتصفية)تماماً كما حدث في قصة طالوت وجالوت!! فحين عرضطالوت على عامة الناس الانضمام للجيش؛ للقتال في سبيل الله، والذي كان بناءً علىرغبتهم في الأساس؛ التحق منهم خلقٌ كثيرٌ!! ولكن حين مرَّ بالنهر، ونهاهم عن الشرب منه(إِلا مَنِاغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ)تراجع معظم ذلك الجيش!!فكانت مرحلة التنقية!! وأخيراًحين وجدوا أنفسهم قلةًقليلة في مواجهة جيش جرار!! تراجعالبقية، ولم يتبق إلا قليل من قليل؛ هم من وثقوا بنصر الله ووعده؛ فكانت مرحلة التصفية!! ولقدرأيتُنا داخل السجون؛ يكاد بعضنا أن يحمد الله على أنه لم يشوه صورة الإسلام بتم كنيه لنا؛ ونحنعلى هذه الحالالمخزية من النقص والعوار الذي بدا واضحاً جلياً على تصرفات الكثير منَّا!!حيث لم يتميز بنقاء معدنه، وحسن مخبره وتزكية نفسه منَّا إلا قليلالقليل!! عرفتبأن الطريق ليس بهذه السهولة التي تصورتها!! وأنه لا يزال بينناوبينه الكثير من مراحل التنقية والتصفية!! فقررت.. ألا أغتر في مسيرتي للدعوة إلى الله لا بأعداد ولا بأقوال!! وأنأصوبنظريفقط نحوالأمل المنشوددوماً؛ بأن أكون من تلك الطائفة المنصورة، التي تميزت بنقائها وصفائها، وصدق اتباعها لمنهج ربها، وحسن التصاقها بجناب وليها، وهي فئةٌ قليلةٌ من صفوة قليلةٍ!! ولن يكونذلك إلا بسلوك الطريق المؤدية إلى اكتساب صفاتها مؤهلاتها، والتي لن تكون أبداً إلافي ساحات الثلث الأخيرمن الليل؛ لإمعان التذلل رجاءً فيالقبول!! وفي الخلوة مع النفس؛ لتزكيتها، وإزالة الخبث عنهاوالشرور!! وفي حلقات الذكر؛ طلباً للعلم المقرب إلىالله، وليس بغرض المباهاة والغرور!! ثم فيالتطبيق العملي لما كان من ثمارالقيام والتزكية وطلب العلم، في الدعوة إلىالله بالحكمة والموعظة الحسنة، إنقاذاً للخلق من عذابالثبور. حيينهافقط نكون قد وضعنا أقدامنا على طريق النصر، آملين في عفوالرحمن والقبول!! كنت أظن . . ولكني اكتشفت. . فقررت!! . . الحلقة التاسعة . . (قصور الفهم!!) كنت أظن . . أنه يجب عليَّ كملتزم أن يكون أسلوب تفكيري مصاغاً حسب وجهة نظر المدرسة الفكرية التي أنتمي إليها، والتي إرتأيت في منهجها موافقةَ لمنهج الله (سبحانه وتعالى) الذي ارتضاه لعباده؛ وعليه . . * فإن كنت سلفياً وجب عليَّ الاهتمام فقط بالعلم والتعلم، والبعد تماماً عن كل ما يتعلق بشؤون السياسية!! * أما إن كنت إخوانياً ف وجب عليَّ أن أكون مسلماً معاصراً، وأبرز ملامح ذلك هو الاهتمام بالسياسة والفعاليات الاجتماعية، حتى وإن قصَّر ذلك بي في تناول العلوم الشرعي، فلا بأس أن تأتي لاحقاً!! * أما إن كنت جهادياً فحل جميع المشاكل بالسيف والسنان، والخلاص بقطع رأس الأفعي؛ المتسبب في كل هذا التردي والهوان، والبعد عن دين الله، وعلينا الاستمرار في درب الجهاد؛ حتى يدركنا نصر الله؛ وتقام الخلافة الإسلامية الراشدة من جديد !! * وإن كنت تبليغياً، فبتزكية النفس والخروج في سبيل الله؛ لإصلاح النفوس والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، أما التفرغ للعلم وحلقات العلماء، فسوف يأتي بعد التزكية والتنقيةبإذن الله!! ولكني اكتشفت . . أن هذا التفكير ناتج عن قصور تام في الفهم لدين الله عز وجل!! حيث أنه دين شامل للعلم والتعلم، والسياسة والدعوة، والجهاد وتزكية النفس، وأن المنهج الذي ينبغي أن يسود أبناء الحركة الإسلامية كافة؛ هو نفس منهج سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، الذي كان شمولياً في جميع نظرياته وأفعاله!! فقد كان صلى الله عليه وسلم معلماً ومربياً، وعالماً ومجاهداً، وسياساً حاذقاً، وداعياً إلى الله، وزاكي النفس طاهراً، لذا فقد تفاعل مع كل حدث بما يناسبه، وقاد الأمة خير قيادةٍ؛ حتى وصل بها إلى بر الأمان، وها هو الإسلام ينتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وسوف يواصل الانتشار حتى قيام الساعة، وهذا أكبر دليل على شمولية هذا الدين!! أما أن يحكر البعض أسلوب تفكيره في بعض جوانب الدين دون غيرها، فقد ضيَّق والله واسعاً، سيجعله لا محالة يصطدم برفض الواقع له!! بل قد يسفر عن ظهور نتاج شاذ؛ ينعكس سلباً على الدعوة والدعاة!! |
تماماً كما رأينا من يدعي السلفية زوراً وبهتاناً، وهو يعتبر التجسس على مخالفيه من سائر الحركات الإسلامية الأخرى قربى إلى الله؛ باعتبار اعتقاده في حكام العار السابقين أنهم أولياء أمور المسلمين!! فأخرج لنا هذا الفكر المنحرف مخبرين بأثواب قصيرة ولحى!! وكانت بداية الزيغ تتمثل في تلك التربية المبتورة التي أصلت فيهم البعد التام عن الوعي السياسي الذي يميز لهم عدوهم من وليهم؛ حتى ولو لبس ألف ثوب وثوب للتنكر، فهذا الوعي من تمام فهم شمولية هذا الدين!! أو كما رأينا من يدعي نسبته للإخوان، وظاهر تصرفاته لا تمت إلى الالتزام بصلة!! ولكنه يتحدث عن أجندته الإسلامية!! وإذا ما سألته عن ذلك، نظر إليك شذراً، متهماً إياك بالتخلف والرجعية في فهم معاصرة هذا الدين للوقت الحاضر، وعدم فطنتك للمناورات السياسية!! وكما رأينا أيضاً من دفعهم حماسهم الشديد للجهاد إلى القيام بأعمال في غير موضعها، كما أنها تفتقر إلى المرجعية الشرعية، والوعي السياسي؛ فأصابوا مسيرة العمل الدعوي في مقتل!! كقيام بعضهم في السابق بحرق أندية الفيديو والخمارات والأضرحة، مما أثار عوام الناس غضباً علينا، وتسبب في تأخر المسيرة عقوداً من الزمن!! وكذلك ما رأينا من قيام بعض أهل التبليغ بالدعوة إلى الله بغير علم، فنشروا كثيراً من الأحاديث المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم!! وعلى الرغم من يقيننا بحسن نيتهم، إلا أن دين الله لا تفترق فيه النية الطيبة عن الموافقة للشرع أبداً؛ حتى يكون العمل عند الله مقبولاً!! لذا فقد قررت. . أن أفهم ديني بشموليته، كما أمرني بذلك الله عز وجل، ونبيه صلى الله عليه وسلم!! قال تعالى : (اليومَ أكملتُ لكمْ دِينَكمْ وَأتتمّتُ عليكمْ نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ ديناً) المائدة وقال صلى الله عليه وسلم : (تركت فيكم ما إن تمسكتم به؛ لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) الحديث فأعرف للعلم أهميته وأحرص عليه؛ باعتباره دليلي الوحيد إلى الله والدار الآخرة!! وأعرف عن السياسة فنونها، بل وأصيغها بصياغتي كمسلم؛ حسب الصياغة التي تفرضها عليَّ مبادئي، ويلزمني بها منهج ربي وشريعتي، لا أن أكون متأثراً بما فيها من ألوان الكذب والدجل والخيانة!! بل مؤصلاً لمبادئ الصدق والأمانة والديانة!! وأن أكون بما استحضرته من نية الجهاد والاستشهاد في سبيل الله كالأسد الضرغام الذي يتضور جوعاً ليفتك بمن حاربوا دين الله؛ وهتكوا أعراض إماء الله، ليس شوقاً للدماء أو حباً في إزهاقها (حاشا لله) وإنما إعلاءً لدين الله، وإزالة الحواجز أمام الشعوب المضللة، لإدخالها في دين الله، فلقد علمني ديني المرحمة، وكما أن دعوة المسلم لدين الله مرحمة، فقتاله في سبيل الله أيضاً مرحمة؛ كي تبصر الأمم المحرومة نور هذا الدين!! وأن أجعل ساحات الثلث الأخير من الليل، سلواي في تزكية نفسي، وأعمالي وسائر تصرفاتي طوال النهار دعوة لربي!! وحيينها فقط سأكون متعبداً لله؛ بالمنهج الشمولي الذي ارتضاه الله عز وجل!! تابعوا . . |
كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 10-12 السابق : كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 1-6 كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 7-9 كنت أظن . . ولكني اكتشفت. . فقررت!! . . الحلقة العاشرة . . (أدب الخلاف!!) كنت أظن . . أن إخلاصي كملتزم لما أعتقده من حق في أي مسألة، لا يجرم أبداً حماسي المطلق له؛ بل يبرره، ولو تعدى أسلوب الحوار حدود النقاش الموضوعي، ووصل إلى حدّ الاحتدام بيني وبين من يخالفني الرأي، أو حتى تمادى ليصل إلى حد القطيعة والمخاصمةبيننا!! فالحق أحق أن يُتبع، ولا أسف مطلقاً على من يخالف الحق!! ولكني اكتشفت . . أن هذا الحماس؛ وإن كان يمثل لدى صاحبه في الظاهر مظهراً من مظاهر التمسك بالحق والدفاع عنه - وهو مظهر نبيل - إلا أن الشيطان قد جعل منه وسيلة الخير التي أوقعه بها في مستنقع الشر!! لاسيما إذا كانت أطراف النقاش ممن يظن في ظاهرهم الخير والالتزام، والحرص على تحري الحق، والحرص عليه ابتغاء وجه الله تعالى!! إذ من المفترض يكون النقاش بينهم من أسمى ما يكون؛ باعتباره وسيلةً لإثراء العلم الشرعي، وإهداء النصائح المتبادلة بقصد النفع والفائدة؛ حيث أنهم جميعاً ينطلقون من أصول ثابتة، ومتفق عليها بينهم، تتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ فكيف وصل بهم الخلاف إلى هذه المرحلة من احتدام النقاش؟! بل وإلى هذا المستوى المتدني من إلقاء التهم، وسوء الظن المتبادل، والذي وصل إلى حد التشكيك في المنهج والاعتقاد؟! إلا إذا كان الشيطان قد نجح بالفعل في الانحدار بهم إلى منعطف خطير!! اندثرت معه النوايا الطيبة في نصرة الحق أو نشر العلم!! وانحصرت فقط في الحرص على الانتصار للرأي، واستعراض كل طرف لما لديه من العلم، وإبراز جهل الطرف الآخر!! وهذا هو مستنقع الشر بعينه!! لما فيه من شرور الخصومة، وسوء الظن، والتشهير، والتألي على الله في بعض الأحيان!! وإلباس الحق بالباطل على عوام الناس، حين يظهر لهم هذه الحزمة البشعة من التصرفات المشينة على أنها نصرة الدين وإظهار الحق!! ناهيك عن أن السلف الصالح رضوان الله عليهم - والذين يتمسح فيهم معظم من يقومون بتلك التصرفات – لم يكن من هديهم أبداً مثل هذه الخصومات!! بل قد وسعهم الخلاف فيما هو أعظم من تلك المسائل الفرعية التي يتشدق بها هؤلاء، ويقيمون الدنيا بسببها ولا يقعدونها!! فكيف يسع السلف - مع عظيم علمهم - الخلاف مع أقرانهم ممن بلغوا من درجات العلم مبلغه؛ ولا يسع أمثالنا ممن بلغ مدراك الجهل أرذله؟! لذا فقد قررت. . أن اتق الله في دين الله!! وأن أتعلم أدب الخلاف كما علمه لنا سلف الأمة الصالح(رضوان الله عليهم)!! وأن لا أسوِّأ سمعة الملتزمين بدس كافة أنواع سوء الخلق وقلة الأدب وسوءالظن، تحت عباءة نصرة الحق والدفاع عنه!! وأن أكون مخلصاً في نيتي لتعلم العلم الشرعي الذي يرشدني إلى رضوان ربي، وأن أحرص على ذلك ابتغاء وجه الله وحده (فلا رياءً ولا سمعةً)!! وأن أكون بإخواني رفيقاً، مستمعاً أكثر مني متكلماً، لأفهم وأعي ما يقال لي، فلعل الحق مع من ينصحني ويوجهني. وأن أنأى بنفسي عن الخلافات مع إخواني، مرجعاً مسائل الخلاف لمن هم بالعلم أولى مني، مع الحرص على التوجيه بالنصح من طرف خفي، سالكاً أفضل أساليب الحكمة في توصيل ما أراه من حق لمن خالفني (حرصاً عليه وحباً فيه) أولاً . . لا حرصاً على إبراز جهله وعلمي، أو الانتصار لرأيي أمام إخواني!! هذا هو هدي سلفنا الذين نعتز بالانتساب إليهم دوماً، فهل من حريص على اتباع منهج السلف من إخواني؟! قال تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُوْلُوا التِي هِيَ أَحْسَنْ، إِنَّ الشَيّطَانَ يَنْزَغُ بَيْهَمْ، إِنَّ الشَيّطَانَ كَانَ للإنسانِ عَدواً مُبِيْناً) الإسراء كنتأظن . . ولكني اكتشفت. . فقررت!! الحلقة (11) (آلية معالجة القضايا!!) كنت أظن . . أن كافة القضاياوالمواقف التي تواجهني في حياتي اليومية كملتزم؛ لابد أن تكون محسومة لدي تماماً،ولا تحتمل التفاوض أو المهادنة!! (يا أبيض ياأسود)!!وكيف لاوأنا صاحب حق أدعو إليه، وأتبنى مبادئه في كل شؤون حياتي!! ولا بأسبأن يتهمني الناس بالتشدد أو التطرف إلى غير ذلك من الأوصاف، فالإعلام لم يقصرأصلاً في تشويه صورتنا بمافيه الكفاية كمل تزمين،وبالتالي فكما يقول القائل : )ضربوا الأعورعلى عينه؛ فقال خربانة خربانة)!! ولكني اكتشفت . . أنه ليس منالضرورة أن تحتمل كل القضايا التي تطرح المستوى المبالغ فيه من التشنجوالانفعال، سواء أكانفي أسلوبالتفكيرأوردة الفعل فيالتصرفات أوالأقوال!! لاسيما وأنمعظم من نخاطبهم من الناس، هم بحاجة فعلية إلى من يوضح لهم الأمورببساطة ويسر؛ ليزيلعنهم أي لبس يمكن وقوعهم فيه؛ لتكون المحصلة أن نحبب إليهم الخير والحق بالمعروف والمعرفة،وأن ننفرهم من الشر والباطل بالحسنىوالإحسان،فيجعلهم يتبنون لا إرادياً وجهة نظرنابرحابةٍ وسعة صدر!! ولا يفترضأن كل قضيةٍ تطرح للنقاش، تعتبر قضيةً مصيريةً،يضحى في سبيلها بالأوصروالعلاقات، وتنشب بسببها الخلافات!! ولا نعنيبذلك تقليلاً من أي مسألة شرعية(عياذاً بالله) فكل ما يتعلق بأمر الدين، فهو بلا شك أمر هام(صغيراً كان أمكبيراً(لأنه دين الله،ولا شيء أعظم أبداً من أمر الله، قالتعالى : (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)الآية ولكن مانعنيه هنا، هو أسلوب الطرح، وكيفية النقاش!! حيث أنه من المفترض أن يكونطرحالدعاة وأسلوب نقاشهم قريباً جداً من قلوب الناس،وبسيطاً بل وغاية فيالبساطة؛ كي يصل إلى عقولهم، حتى يجد القبول اللازم لديهم، لاسيما وأن الأغلبية منهم أناس علىالفطرة، ومن اليسير على الداعيةالحكيم أني كسبهم في صفه بأسلوبه الطيب، بل ويجعلهم أول من يدافعون عنه في مواجهة دعاوى وسائلالإعلام الكاذبة!! لا أنيكتفي بمجرد الصراخ والتشنجات والانفعالات التي يظنها البعض من موجبات نصرة الحق!!حيث تصدرمنه لا إرادياً، فتظهر على وجهه عبوساً،وعلى لسانه غلظة بل وتقذف صخوراً،وحبذا لو تنفل العقل الباطني عند البعض فيقوم بإنتاج فيلم درامي عن تاريخ الصراع بين الحقوالباطل!! فيتوهم أنهيناصر الحق في وجه أباطرةالباطل!! وعليه فيقوم بتوزيع أدوار كفار قريش على من حوله من الناس!! ليكون دورأبوجهل من نصيبالبقال!!وأبولهب من نصيب الجزار!!وعبد الله بن أبي بن سلول حتماً من نصيب الحلاق المسكين!! ومن ثم تزدادالفجوة بيننا وبين عوام الناس يوماً بعد يوم!! حتى يكاد البعض منهم يتصور أننا قادمون من كواكب أخرى!!وبالتالي يسهل على الإعلام العلماني المشبوه؛ تضخيم الحواجز النفسيةبينالدعاة إلىالله؛ وسائر أفرادالمجتمع!! ليبقى سوءتصرفنا من حيث لا ندري؛ هو السبب الرئيس وراء ذلك كله!! |
لذا فقد قررت. . أن أبتكركداعية ناجح، آليات مثمرة لمعالجة كافة القضايا، تتمثل في العديد من وسائل الحكمة والتلطف في الحديث؛لإزالة الحواجر النفسية أولاًبينيوبين من أحاوره؛ كي تجد كلماتي القبول لديه؛ فأنجح في الحصول على المفتاح الذهبي لمسامع قلبه، ليصبح الطريقأمامي ممهداً؛لتأصيل ما أرجوه له من مبادئ الخير والحق!! فما أروعأن نكون الصدر الواسعوالرحبلمن لم يعرفواالطريق إلى الله بعد؛ حتى نأخذ بأيديهم إليه؛ فنكون للناس سفن نجاة لهم في خضم هذاالبحرالهائجمنالفتن!! ألم نكنمثلهم يوماً ما؟!ألم نكنغارقين في الشهوات والغفلات، ولكن الله سبب لنا من يأخذ بأيدينا إليه؛ فكتبت لناالنجاة؟! أترون لوقوب لنا بالشدة والصدود والعبوس،فهل كانت قلوبنا ستقبل على الله؟! ثم من قالأنه لابد من الشدةوالغلظةفي الدعوة إليهسبحانه؟! ألم يمسح النبي صلى الله عليه وسلم على صدر ذلك الشاب الذي تجرأ، وسأله - وهو النبي الذي ينزل عليه وحي السماء – قائلاً : (ءإذن لي في الزنى يا رسولالله)!! فهلعنَّفهالرسول صلى الله عليه وسلم أوصرخفي وجههأو أمربقطعرأسه؟!! حاشا واللهوكلا!!وإنمااحتواه بحنان الأبوة، وخاطبه برحمة النبوة (صلى الله عليه وسلم) حتى يروي الشاب فيقول، فوالله لا أزال أستشعر برديديه (صلى الله عليهوسلم) على صدري، وقدأذهب الله عني ما كنت أجد من أثر الشهوة!! وكم ترويقصص الدعاة الحكماء ألواناً من النجاحات في الأخذ بقلوب الخلق إلىالله؟! يقول أحدهم : أتعمددوماُ التبسط مع الناس في الحوار، حتى لو كانوا من أشد مخالفيني، عسى أن أزيلالحواجر النفسية بيني وبينهم في الحديث؛ فجمعني في المعتقل يوماً لقاء بيني وبين أشد رجال الأمنبغضاً للمتدينين! حيث كان لايمكنه مطلقاً إخفاء مشاعرالكراهية حين ينظر إلينا!! فأتى عليَّالدور؛ ليقوم بتفتيش محتويات الزيارة الغذائية التي أحضرتها لي أسرتي؛ فانتهزت فرصةخلونا معاً، ولم أدر ما الذي أنطق لساني بهذه الكلمات التي وقعت عليه وقعالسحر!!حيث لمأزد عن قولي : (مهماعملت في حياتك . . إياك أن تيأس من رحمة الله)!! فواللهالذي لا إله غيره، توقففجأة عن تفتيش حقائبي!!ونظرإليَّ وهول المفاجأة يملأ عينيه، وسرعان ما تحولت ملامح وجهه من تلك الشراسةالقاتلة إلىبراءةعجيبة!! وفوجئتواللهبالدموع تنحدرغزيرة من عينيه؛ وكأنيقد نكأت لهجرحاً غائراً!! ولم يلبثأن أخذ يردد عبارة واحدة فقط!!يكررهاوالدموع تنحدر على وجنتيه : حتى كدتوالله أشفق عليه مما رأيت!!ورفض بشدة إكمال عملية التفتيش!! والعجيب أننا لم نره فيالمعتقل بعد ذلك أبداً!! وأرجو منالله أن يكون قد أكرمه بالهداية، ولكني أيقنت مما حدث؛ أن الكلمة الطيبة مع حكمةالموقف، تصنع الكثير!! فكونواعباد الله مواطن رحمات الله على قلوب خلقه، تحظوابحب الله وحب الخلق معاً في الدنيا،وتفوزوابنعيم جنة الله يوم القيامة، فلقد خطلكم هذا الطريق، وسبقكم إليه، حبيبكم وحبيب رب العالمين، نبيكمالأمين(صلى الله عليه وسلم)!! كنت أظن . . ولكني اكتشفت. . فقررت!! . . الحلقة(12) . . (الزهد في الدنيا!!) كنت أظن . . أنه طالما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزهد في الدنيا؛ فإنه يجب علي كراغب في بلوغ منزلة الزهد؛ أن أترك كل شيء!! فلا أهتم بملبسي، ولا مظهري، ولا بنوعية الطعام التي أتناولها، ولا بالفراش الذي أنام عليه، وإن اضطررت لشراء سيارة، وقدرني الله علي تدبير ثمنها؛ فلتكن من أقدم السيارات زمناً، وأن أسير بين الناس منكسراً، وأن يكون شعاري في الحياة برمتها (مشي حالك، فما أقرب ساعة الموت)!! ولكني اكتشفت . . أن الزهد عمل قلبي محض!! ومقتضاه أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك!! وإلا فما جدوى أن أبدو أمام الناس متقشفاً في الظاهر، ولكني أحمل بين جنبي أبشع القلوب جشعاً، وأحرصها على جمع متاع الدنيا الرخيص!! وإذا تعاملت بالدرهم والدينار، اكتشف الناس أنهم أمام غول شرس، ووحش كاسر، لا يبقي ولا يذر، ويريد أن يأكل الأخضر واليابس!! فتكون صدمتهم في أهل الدين أفظع مما يتصوره العقل!! لذا فقد قررت. . أن أكون العابد الزاهد، ولكن على النحو الذي رسمه لنا النبي صلى الله عليه وسلم بفهم الإسلام الشامل!! فأكون في غنى عثمان بن عفان رضي الله عنه إن استطعت، ولكن إذا دعت الحاجة (جهزت جيش العسرة)!! وأن أملك تجارة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لو تمكنت، ولكن إذا دعت الحاجة (تركت لأهلي الله ورسوله)!! وأملك قصواء النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أفخم المراكب ثمناً، ولكن (أعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً)!! |
وأن أتزوج أجمل الناس وأحرصها ديناً إن تمكنت، ولكن إذا دعا الداعي: (يا خيل الله اركبي وإلى الله ارغبي) كنت ك الصحابي الجليل جليبيب رضي الله عنه، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم، حينما رآه بين الشهداء، وقد تركه يتجهز للعرس قبل ساعة (اذهبوا لصاحبكم (أي والد العروس) فقولوا له زوج ابنتك، فإن الله استبدلها له من الحور العين)!! وأن ألبس أجمل الثياب شكلاً، ولكن بجسدى لا بقلبي (لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)!! وأن أسكن أفضل المنازل سعةً من المال الحلال؛ بنية التوسعة على أهلي (لأن سعة الدار من سعة الرزق) ولأن (أعظمها أجراً درهماً تنفقه على أهلك)!! وأن أسعى لكسب المال الحلال من التجارة إن استطعت؛ لأوسع على إخواني المسلمين، فأقيل عثراتهم وأفرج كرباتهم؛ لأن (نعم المال الصالح للرجل الصالح)!! وأن آكل من أطيب الطعام وألذه؛ وأنام على أصح الفراش وألينها، إذا تمكنت لأن (لجسدك عليك حقاً)!! وهذا هو المعنى الحقيقي للزهد، أن تملك الدنيا بأسرها إن استطعت، ولكن لا تسمح لها أبداً باحتلال ولو جزء بسيط من قلبك!! وإلا فكيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم على ما كان يعانيه من شظف العيش وشدته، أن يزهد في جبال مكة ذهباً!! وهو الذي يعلم يقيناً أن الله نافذ وعده؛ إذا أشار بالإيجاب؟! أليس لأنه لم يجعل للدنيا في قلبه أدنى نصيب؟! وهذا هو عين الزهد ومقصده، فليس الزهد في تصرفات ظاهرية، لا توافقها قناعات باطنية؛ نجحت بالفعل في تطهير القلب من روث الدنيا، وجعلت يقينه فيما عند الله من الرزق أشد من يقينه فيما عند الناس، فزهد الزهد الحقيقي في الدنيا!! حين ملك منها ما ملك بيده، ولكنها لم تملك ولو جزءً بسيطاً من قلبه!! تابعوا . . |
يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح والمجهود
ننتظر جديدج القادم |
يعطيك ربي ألف عافيه
طرح رآئع وتواجد مميز ننتظر مزيد من العطاء ودي وتقديري |
اقتباس:
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي تقبلي شكري تقديري واحترامي مع تحياتي قلب الزهور بباي |
اقتباس:
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي تقبلي شكري تقديري واحترامي مع تحياتي قلب الزهور بباي |
كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 16 بسم الله الرحمن الرحيم كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! . . الحلقة (16) . . حظ النفس كنت أظن . . أن لدي الحق كملتزم في الاستخفاف برأي من ابتعد بسلوكه من المسلمين عن الدين، وتكلم بهواه في أي مسألة، وصار يبرر لنفسه ما يرتكب من أخطاء، بحكم أنه إنسان ضائع ولا يعول على أمثاله ممن سلموا قياد نفوسهم للشيطان والهوى، وعليه فلا إثم عليَّ مطلقاً في الاستخفاف برأيه، بل و التحقير منه، حتى ولو وصل بي الأمر لجرح مشاعره!! ولكني اكتشفت. . أن من يتكلم باسم الدين؛ يجب أن يكون له معايير خاصة في الاستعلاء على حظوظ النفس، لاسيما إذا تعلق الأمر بمسألة الدعوة!! حيث ينبغي أن يكون لديه الحرص الشديد على إصلاح الآخرين؛ مهما كانت درجة ابتعادهم عن الدين!! فلا يمكن بحال أن يبرر لنفسه جرح مشاعر الآخرين باسم الدين!! أو أن يتخذ من نصرة الدين مطية لتشويه صورة أهل الدين من حيث لا يدري!! فمثل صاحب الدين كمثل الطبيب تماماً، لا يمكنه بحال تبرير قتل مريضه؛ بسبب ما يعانيه من المرض!! أو الإهمال فيه؛ بسبب ما يعتقد من أن مرضه لا يرجى شفاؤه!! وإنما عليه بذل أقصى الجهد في إيجاد الدواء المناسب لهذا المريض، أو إذا لزم الأمر؛ قام بإجراء العملية الجراحية الملائمة لبرئهوشفائه!! لذا فقد قررت. . أن استعلي بديني كداعية عن حظوظ النفس!! وألا أعرض دين الله للتشويه!! أو أضع الملامة بسوء قولي أو فعلي على من ينتسبون إليه!! فأفكر ألف مرة في عاقبة أي قول أو فعل قبلما يصدر مني تجاه الآخرين، وأن أجعل من نفسي مرشداً للخير لكل الناس، حتى لمن خالفني!! فإن قبل نصيحتي استبشرت خيراً، وحمدت الله له على ما أنعم به عليه من نعمة الهداية، أما إن خالف وعاند ولم يبال بنصيحتي وإرشادي، أنكرت المنكر، وأظهرت الحق في المسألة دون جرحٍ لمشاعر الآخرين!! ولكن في المقابل حملت في قلبي من الأحزان على حال من خالفني، لا لشيء سوى لأنني ارتضيت هذا الدين الذي أنزله الله رحمة للعالمين أن يملأ قلبي برحمته!! ما يجعلني أتمنى له الهداية من خالص قلبي، بل وأدعو له بظهر الغيب أن يشرح الله صدره، ويهدي قلبه، فمن يدري لعل الله أن يصلحه، ويصلح به أضعاف من جعلني الله سبباً في إصلاحهم!! هذا هو المنظار الذي أمرنا الله كمصلحين أن ننظر من خلاله!! ألسنا نمثل دين الله الذي أنزله الله لخلقه بهذه العظمة والرحمة الشاملة للعالمين؟! ألسنا أتباع سيد المرسلين، الذي أرسله ربه رحمة للعالمين؟! إن هذا الدين بما فيه من رحمة واسعة، يجعل من قلوب المسلمين مواطن الرحمات على ظهر هذه الأرض لعباده، فلا والله لا تطيب نفوسهم برؤية هلاك الناس من حولهم، وإنما تطيب وتنشرح صدروهم بنجاة الناس وهدايتهم!! ألا فاستعلوا يا حملة هذا الدين عن حظوظ نفوسكم . . وكونوا للناس الصدور الدافئة برحماتكم وحنانكم . . تنالوا جنة ربكم . . وتكونوا سبباً في هداية العالمين من حولكم!! |
كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! (17-18) كنت أظن . . ولكني اكتشفت. . فقررت!! . . الحلقة(17) . . (خبرات الحياة!!) كنت أظن . . أنه يجب عليَّ كملتزم عدم الأخذ بأي توجيهات أو نصائح إلا من خلال الشيوخ الذين يتكلمون بقال الله (سبحانه وتعالى) وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعليه فخبرات الناس في هذه الحياة لا قيمة لها عندي، وليس لها أي وزن ولا اعتبار!! طلما أنها لم تخرج من ألسنة هؤلاء الشيوخ الذين أثق فيهم!! ولكني اكتشفت . . أن بلوغ فهمنا وفهم مشايخنا معاً لما قاله الله (سبحانه وتعالى) في كتابه، وما قاله رسوله (صلى الله عليه وسلم) في أحاديثه، لن تتعمق معانيه إلا بتطبيقه على ما تزخر به حياة الناس من تجارب!! حيث أن ما واجههم فيها من أحداث ومواقف مختلفة، كفيل بأن يلقي لنا الضوء على جوانب متعددة من خبرات هذه الحياة، كي نتمكن - إذا كنَّا حقاً دعاةً شموليين لهذا الدين الشامل – من إيجاد الحلول لمشاكل الناس على ضوء الكتاب والسنة، ولن يتحقق لنا ذلك إلا أن كنَّا بالفعل مستمعين جيدين لخبرات الناس وما واجههم من مختلف المشاكل في هذه الحياة، حيث سيمكننا تنمية خبراتنا الحياتية من جهة، وكذلك تفسير مختلف ما يقع لهم من أحداث، على ضوء توجيهات هذا الدين الشامل من جهة أخرى، فنؤصل ضمناً كل معاني الخير التي يشتمل عليها هذا الدين في نفوسهم؛ من خلال ما نطرحه عليهم من حلولٍ لمشاكلهم، ونجعلهم يعيشون حياتهم في إطار أعمق لفهم هذا الدين، الذي بوسعه أن ينير لهم الطريق وسط تلك الظلمات الحالكة في دروب حياتهم!! لذا فقد قررت. . أن أفتح قلبي للناس، وأستمع لهم بكل حرص واهتمام، كي أجعل من مشاكلهم وما واجهوه من خبراتٍ في هذه الحياة، حقلاً عملياً لفهم شمولية هذا الدين، وأبرز بما فتح الله عليَّ من بصيرةٍ، قدرته على التجاوب العملي في حل مشاكل الناس، فأعيش بالدين مع الناس، وأجعلهم يعيشون به!! حيينها فقط، سوف نكون نبض القلوب ومهوى أفئدة الحائرين، كي ندلهم برفق وبصيرة على الله والدار الآخرة!! |
كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! . . الحلقة (18) . . (حُسن الخطاب) كنت أظن . . أنه حين تتاح لي الفرصة لدعوة أحد العصاة أو المذنبين؛ فإنه ينبغي عليَّ أن أفرغ كل ما في جعبتي من الآيات والأحاديث والعبر والقصص المؤثرة؛ حتى أستشعر أنه لم يتبق لدي شيء منها لم أذكره له!! رغبة مني في هدايته من جهة، وإشباعاً لشعوري الذاتي بأنني لم أكتم علماً من جهة أخرى، وأخيراً لإقامة الحجة عليه من جهة ثالثة؛ حتى أكون قد أعذرت إلى الله فيه!! ولكني اكتشفت. . أن ذلك العاصي، إنما يقبع بمعاصيه في أعماق تلك المستنقعات السفلية التي استدرجه الشيطان إليها بالمعاصي!! وعليه فمن غير المنطقي أن أكتفي بمجرد إخباره - وهو في مثل هذه الحالة المتردية من المعاناة - عن أحوال ساكنى القصور الإيمانية، وأفرد له من الأمثلة عن السلف الصالح، ممن كانوا يقومون الليل كله ولا ينامون، أو يصومون النهار جل دهرهم ولا يفطرون، حيث سينعكس هذا الحديث سلباً على نفسيته من حيث لا أدري!! بل قد يتحول إلى عنصر هدمٍ، يزيد من الطينة بلة!! حيث أن أقل شعور يمكنه أن ينعكس على نفسيته من جراء هذا الخطاب، هو استشعاره بأن البون شاسعٌ وكبير جداً بينه وبين أهل الصلاح؛ ولا مجال لبلوغ تلك المنزلة العالية؛ إلا بمشقة لا يحتملها أمثاله (من أصحاب النفوس الضعيفة المهلهلة) وعليه فإن الأولى في حقه هو الاستمرار في المزيد من الإمعان في الانغماس فيما هو واقعٌ فيه أصلاً من تلك الموبقات!! بعدما جعلته يستشعر من سوء تقدير خطابي أن الأبواب مغلقة تماماً أمامه!! في حين كنت أزهو بالمقابل في أوهامي خيلاءً بنفسي أنني أقمت عليه الحجة التي لا عذر لجاحدها!! وعليه فقد قررت. . أن آخذ بقلوب الخلق من أقرب نقطة توصلهم إلى رحمة اللهتعالى، وأبذل وسعي لإشعارهم بأن الطريق من أيسر ما يكون سهولةً ويسراً!! قال تعالى : (الرحمن . . علم القرآن . . خلق الإنسان . . علمه البيان) أفيفتتح خالق هذا الكون بعظمته الطريق إلى العلم باسمه الرحمن، وما يتضمنه من معاني سعة الرحمة!! ونحرم نحن الناس منها بسوء خطابنا؛ حين نشق عليهم في تعليمنا إياهم الطريق لهذا الدين؟! ونتوهم أننا بذلك قد أحسنا صنعاً؟!!!!!!! إن العاصي إذا كان قد أغرق نفسه بألوان الموبقات، فإن أقرب نقطة تأخذ بيديه منها هي أصل التوحيد، الذي لو صح لكان أفضل عند الله من الراكع الساجد الذي شاب توحيده بشوائب البدع والشركيات!! وعليه فلو بدأنا حديثنا مع العصاة بأمور التوحيد، وأشعرناهم من خلال ما أقروه من أصول التوحيد الثابتة، أنهم على خير، وان رحمة الله واسعة لمغفرة الذنوب، وأنه لم يبق أمامهم فقط إلا دخول المسجد؛ لتنمية الخير الذي في نفوسهم، فإن قافلة المسجد كفيلة وقتذاك باصطحابهم معها في رحلة الطريق إلى الله، فيكمل كل واحدٍ منهم مسيرته إلى ربه بعيداً عن الذنوب والموبقات، وبالتالي، نكون قد أحسنَّا الخطاب، ومهدنا لهم الطريق إلى الله تعالى!! قال تعالى : (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حوالك . . الآية) |
ولطالما.. روّى الهوى شفتيَّ من شفتيها..! حدَّث سهم بن كنانة قال : ثارت عليَّ أشجاني، وعناني منها ما عناني، فقررت الخروج من الديارْ، وزيارة الرسوم والآثارْ، فلما أشرفتُ على طللْ، تولى عني المللْ، وطفقتُ أتفكرُ في مصائر الأممْ، وكيف جرى بهلاكها القلمْ، كم من مصرٍّ على ذنبه، مات ولم يتبْ إلى ربه، وكم من دولةٍ انهارتْ، وامبراطورية توراتْ، وكم من شديدٍ كَلْ، ومن عزيزٍ ذلْ، ومن مستبدٍّ هوى، ومن عاشقٍ برّح به النوى، وكم من ناظمٍ قصائدَ الغزلْ، في بدرٍ غاب أو نجمٍ أفلْ. قال سهم بن كنانة: وبينا أنا سارحٌ بأفكاري، مستشرفاً ما سيرى الناس من آثاري، إذ أقبل عليَّ رجلٌ مهيبُ الخلقة، ذو ملامحَ طلْقة، كأنه شيخٌ في حلْقة، فوقف إلى جانبي وأخذ يحدّق ببصره، فدفعني الفضول إلى استقصاء خبره، وقد هالني ما هو عليه من حسن السمْتْ، وطول الصمتْ، لا ترى فيه من عوجٍ ولا أمْتْ. ولم يطل انتظاري، إذ أخرج من جيبه لفافة تبغ، فدهسها بقدميه وهو يقول: ذلك ما كنا نبغ! فسألته عن القصة، فقال: بل هي الغصة، ولكنها مليئة بالعبرْ، والعقبى والله لمن صبرْ. قلت: قد أسلمتك قيادي، وأصغى إليك فؤادي، والسعيد من تدارك الغفلة، واتعظ بمن قبله. قال سهم بن كنانة: وتنهد الرجل تنهد الثكلى، وقال: هذه الدنيا من دون التدخين أحلى، لو تعلم كيف امتُحنتُ به في شبابي، فأتلف مالي وثيابي، بل مزق عقلي وإهابي، حتى عافني أهلي وأصحابي .قلت: كيف أفسدتْ بالك، سيجارةٌ لا أبا لك؟ قال: ابتُليتُ بقومٍ ذوي جهلْ، قاطعين للرحم والأهلْ، لا يعرفون للدين حدودا، ولا للمودة عهودا، يقضون اليوم في اللهو، ويحيون الليل باللغو، ويتعاطون أثناء ذلك مئات «السجائرْ»، ويقدمونها لكل زائرْ، حتى إذا بقيَ ثُلُثُ الليل الآخرْ، وورمت الشفاهُ والمناخر، نادوا بـ «الشيَشِ» والمباخرْ، وهم بين ضاحكٍ وساخرْ، وأمسوا يعبّون دخانَها، وينفثون أنتانَها، ولو أنك اطلعتَ عليهم في ذلك المكانْ، الذي أثَّرتْ فيه سُحُبُ الدخانْ، وشممتَ تلك الرائحة، وأبصرت تلك الوجوهَ الكالحة، لرأيتَ منظراً تَحاُر فيه العينْ، ويطربُ له غرابُ البينْ .قلت: كيف استوحلتَ في هذا الوحلْ، واستعضتَ عن الشهدِ بإبَرِ النحلْ؟ قال: الرفقة يابن أخي..الرفقة. لقد كنت أعجب من أهل السجائرْ، وأراهم عُميَ البصائرْ، حتى أغراني قوم بالسيجارة الأولى، فأصبحت بحبِّ الدخانِ مشغولا، وكنتُ كلما جادلتُهم في أمرِه، ساعياً إلى كشفِ سترِه، صاحوا بي: إنه سمْتُ العباقرة، ودأبُ الأباطرة، وبريدُ الإنجازْ، ودليلُ الإعجازْ، وكلما حدثتُهم عن أسقامِه، مؤكداً أسباب اتهامِه، هتفوا بي: بل هو سُّر الرشاقة، وسحرُ الأناقة، وإكسيرُ الرجولة، ووَقودُ الفحولة، وهكذا غدت السيجارة خير جليسْ، والفضل في ذلك لجنود إبليسْ. قال سهم بن كنانة: وشعرت أن الرجلَ صالحُ النشأة، لكنه انغمس في تلك الحمأة، ورُبَّ صالحٍ زلَّتْ به القدمْ، ومذنبٍ بادر إلى التوبةِ والندمْ، فقلت له: ألم تحاول إنقاذ نفسِك، والتحرر من قيودِ حبسِك؟ قال: لو فعلتُ لأصبحتُ بين أصدقائي كالغريبْ، ونظروا إليَّ نظر المستريبْ، وربما سمَّوني «المطوّعَ» و»الأديبْ»، فعاد أمري إلى الذلة، وطواني كهفُ العزلة، لقد نالني من أذى القومْ، فصرت أدخن أربعين سيجارة في اليومْ، تنقص ولا تزيدْ، وتشتعلُ حتى تبيدْ، وكنت كلما نابني خطبْ، أو مسَّني كربْ، فزعتُ إلى السيجارة، ولثمتها بحرارة، ثم عصرت في صدري تبغها «العريقْ»، وأنا أنتفض انتفاض الغريقْ، فإذا فرغت من التمتع برحيقها، والتلذذ بحريقها، اطفأتها أو دهستها، ولسان حالي يردد قول ديك الجن : روّيتُ من دمِها الثرى ولطالما.. روّى الهوى شفتيَّ من شفتيها! تباً لي! كيف استمرأت ذلك العبثْ، واستسغت ذلك الخَبَثْ، لقد كنت أعجب من عبادة الأصنامْ، والانقياد للخزعبلاتِ والأوهامْ، حتى رأيت صاحبَ الدخانْ، يقدسُ لفافة أنتانْ، يالله وللنهى، وسبحان من له المنتهى، كيف يُهلك المرء نفسَه، ويحفر بيديه رَمْسَه، كيف يتهافت على البوارْ، تهافتَ الفراشِ على النارْ، كيف يدمي رئتيه، ويشوي شفتيه، ويلوث أسنانه، وينفّر أقرانه، فيصبح كنافخ الكيرْ، لا حامل المسك والعبيرْ؟ أما نظرت إلى إهابه، ومراتب سيارته وثيابه، أتت عليها الخروقْ، وانتشرت فيها الحروقْ، أما نظرت إلى حيائه كيف قلْ، ووقاره كيف اختلْ، وهو يرمي أعقاب السجائر أينما حلْ؟ لقد استبدت بي الغفلة، فكنت كمن فقد عقله، أنفق في التدخين حُرَّ مالي، وأمثل أسوأ قدوةٍ لعيالي، ووصل بي الإدمان إلى انتفاض يدَيْ، واصطكاك ساقَيْ، وضمور وجنتَيْ، وكان بعض الفضلاء يفرُّ مني، أو تؤذيه رائحتي فيصد عني، وشعرتُ أني في ضياعْ، وصرت كالبضاعة التي لا تباعْ، بل تحولت إلى حرف امتناعْ، وضعفت قدرتي على الجماعْ، وكدت أختفي من نحولْ، ولم يبق مني إلا طلولْ . |
قال سهم بن كنانة: فلما بلغ صاحبي هذا الحد، لم أتمالك نفسي فهتفت: آمنت إيماناً لا تخامره الظنون، وأيقنت كما أيقن العارفون، أن من يشرح للدخان صدرَه، فقد سلم للشيطان أمرَه، بل هو فسلٌ لا يساوي بعرة، ثم تنبهت إلى سوء عبارتي فاستدركت قائلاً: رحم الله والديكْ، لا يصدق هذا الوصف عليكْ .صاح الرجل :لله أبوكْ، بل الصوابُ ما نطق به فوكْ، لكن الله سلمني من هذه الورطة، التي لا تنقذ منها دولة ولا شرطة، وعدت إلى الحياة بعد احتمال الهلكة، كما عادت إلى ماء البحر السمكة. قلت: كيف؟ قال: حاولت ترك الدخان فما استطعتْ، واجتهدت في تقليل تعاطيه فأخفقتْ، فنمت ليلة فرأيت شيخاً سيء الريحْ، ذا منظرٍ قبيحْ، لحيتُه كثة، وملابسُه رثة، لا يبدو عليه الوقارْ، وله أنيابٌ وأظفارْ، فكأنه من أهل النارْ، وإذا به يباغتني كالإعصارْ، ويمطرني بوابل من أحجارْ، فحاولت الفرارْ، لكنه تبعني بإصرارْ، ورشق أولادي الصغارْ، وبدا لي أنه غولٌ يريد قتلي، والتهامَ أبنائي وأهلي، وكنت ضعيفاً أمام بأسه، كعصفور يترنح في حبسه، واستيقظت من النوم فزعاً وأنا أغمغم :هو التدخين لا غيرْ، ومتى ظفر المدخنُ بخيرْ؟ قلت: وماذا بعد؟ قال: عدت إلى النوم، فرأيت أني في يوم عيدْ، والاحتفالات تملأ الحضر والبيدْ، وكنت لابساً ثوباً جديدا، ومعتمراً شماغاً فريدا، ولما حمدت الله على اللباسْ، وهممت بالخروج إلى الناسْ، شعرت أن في جيبي ورقة، كأنها لصِغَرِها علقة، ففتحتها فإذا مسطورٌ فيها هذه الأبيات : هيَ يا صاحبي ضياعُ الأمانِ --- واستعارُ الجوى وموتُ الأماني واصفرارُ الذبول يغشى المحيّا --- واختلاطُ الأشباهِ والألوانِ تقتلُ الطيبَ: طيبَ علمٍ وفضلٍ --- ثم طيبَ الشذى ورَوْحَ الجِنانِ هيَ يا صاحبي المصائبُ تترى --- من بلاءٍ ولوعةٍ وافتتانِ ثم تبقى مكبلاً وحسيراً --- وأسيراً لحزمة من دخان لا تجيدُ الحديثَ إلا سعالاً --- يتهادى على رفاتِ البيان يا صديقي فلتسمعِ اليوم نصحي --- أو ستردى في هوّةِ الإدمان ارمِها تائباً وأطفِ لظاها --- وأبدْها لفائفَ الشيطان استعنْ بالدعاءِ ما ضلَّ ساعٍ --- مخبتٌ في عبادةِ الرحمن أنت بالله أمةٌ من عطاءٍ --- أنت بالله واحةٌ من أمان انتفضْ يا أخي بعزمة حرٍّ --- هيَ أو أنت في غمارِ الطعان قلت: وماذا حدث بعد ذلك؟ قال: تركت هذا البلاء، بلا تدرج ولا دواء، واشتغلت بالصلاة والذكر، ورياضة البدن والفكر، وصاحبت ثلة من ذوي الألباب، والكرم اللباب، والدعاء المستجاب، فنالني منهم عبير الورد، وأريج الند، واكتشفت كذب «العراقة»، وزيف الدعاوى البراقة، وعادت إليّ «الطاقة»، وعوفيت من الحماقة، وكنت «مُعسِرَ بن مسحوقْ»، فأصبحت «مُوسِرَ بن مرزوقْ»، وعزمت على مناصحة المبتلى بهذه السموم، فإن ارعوى وإلا هجرته هجر المجذوم. قال سهم بن كنانة: هلا أخبرتني من تكونْ، فإنني بك اليوم مفتونْ، قال: أنسيت من صحبك صغيرا، وحفظ ودك كبيرا؟ قلت: العزاز أبو نصرْ؟ فصاح: نعم والذي فلق العصر، فاستلمت عمامته، وطفقت أقبل هامته، ثم شكرت فضل ربي، وأنا أردد قول المتنبي: على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ .. وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ.. وتعظُمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها .. وتصغُرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ. |
بين ديدن القلب و العقل موجة طمأنينة في هدوء قلب ينبض نبضات التقى على وتر الخوف من الله...بداخل فكر عقل فيه وجدان باطن يفكر في الأحسن و الأجمل و الأنفع و الأدوم، لست أرى في وجدان العقل ما يدعو للسؤال إن كان للعقل وجدان؟..نعم له وجدان يطرب له القلب ،بين ديدن أني ابحث و أريد ودا لامتداد بصري فيما تخفيه حقيقة الوجود من صعب و سهل ، من خير و شر ، من حق و باطل ، من ألم و فرحة...بالمرة لم تكن منغصات بقدر ما كانت أثوابا نرتديها عن قناعة في أن الحياة هكذا ،هي امتداد لسيرورة كون واسع بمجرات لا متناهية..لم تكن مكرهة أو مؤلمة بالتصور الذي نرسم به طريقنا،لأن الطريق أصلا مرسوم،لكن التردد فينا و الخوف متأصل ،ربما لم نتدرب بعد أن طعم النجاح يأتي بذوق المرار،ثم لم ندرك بعد أن حياة العباقرة محزنة و مميزة،لأن العبقرية تفرز الحلول في كل مكان و تسهل الصعب في لمحة بصر،لكنها تجلب المتاعب و المطاردات حبا في امتلاك عبقرية الضمير قبل عبقرية العقل،لكني أرى في عبقرية العباقرة رسالة موحدة، أن ديدن العقل لا يرضى بغير ديدن القلب مرافقا...لماذا؟ لا لشيء سوى انسجام النبض و الفكر في أن يكونا على سياق التوحيد في فكر الوجودية بربانية الضمير أن لا شيء يسمو فوق الآخر. ....هو المنان،هو الرحمان،سيد الأكوان..هو الله ...هو الصادق،النعمة المهداة،السراج المنير..هو الرسول عليه الصلاة و السلام. لا اله إلا الله .. محمد رسول الله .. خلاصة و زبدة ديدن القلب و العقل لتكون موجة طمأنينة على صدى مسامع البركة و الرضى و الخشوع .. لكن هل بلغ بنا الديدن أن نفهم حقيقة الوجود. هل بسبابة الشهادة و التوحيد عددنا نعم الله علينا؟ هل ببصيرة الحقيقة استخلصنا اللغز من بواطن عقد الإنسانية على مر سنوات بل قرون الغموض ، تتساءلون أي غموض ؟.. أعني به غموض التيه و الضياع في ما نريد .و هل حققنا ما نطمح له؟ أم هو مجرد أحلام بقيعة على مشارب من كؤوس الظمأ الغير منتهي..ظمأ العقيدة و اليقين. ما أحلاها من موجة طمأنينة لما يكون القرار بأيدينا..ما أحلاها من لذة عيش لما يكون اليقين من ينبوع في عهد الوفاء في أن الأمانة مصانة و الكرامة مستور و متستر عليها برداء العزة في أن لا شيء يضعف لغة الحق، و لا شيء يعلو فوق صوت الحق فقط سأترك لديدن القلب أن يشارك ديدن العقل و على موجة الطمأنينة أن الله حق يحب الحق. ارفع بصرك عاليــــــا --- هل من صدى لعقم الروح حول آذانك في كل مكان --- هل لروحانية القلب أذى في الجسد اترك لديدن القلب متسع --- فلديدن العقل حق في المتسع و على موجة الطمأنينة --- طفت كلمة الحق في سكينة |
مقالات في مآثر معالي الشيخ صالح الحصين رحمه الله تعالى ت : 24-6-1434هـ معالي الشيخ صالح الحصين رحمه الله الرجل الذي عظم الشريعة ولم يبهره بريق الحضارة والمتابعة الفكريَّة لمثل هؤلاء يحتاج لهمّة تستوعب تلك المواقف وتعيش معها وتستلهم الدروس من فصولها، كما تبرز الواقع والظروف التي عاشوا فيها، وكشف أدواتهم التي صنعوا بها أمجادهم. ومعالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين -رحمه الله وأنزله عالي الجنّان- جبل أشم وطود شامخ، عرفه عارفوه قائمًا بقيم، وزاهدًا بعلم، ومفكرًا بنضج، وموازنًا بشجاعة، عمله يسبق قوله. وسلوكه يتقدم توجيهه. تعلّق به وسم المعالي منذ نعومة أظفاره فكانت المعالي ترقبه وما رقبها، أتته وهي راغمة لم يخط سوداء في بيضاء ليسود، ولم يشرئب للغرب ليُسوّد في الشرق، وظف حرفه بِحِرْفَة من غير انحراف، أخذ بخطام دنياه يقودها لا تقوده، أحبَّ المعرفة وزفها لواقعه بقيم دينه ومقاصد شرع ربه. لن أتكلم عن سيرته الذاتية في علمه وفضله وورعه وزهده منقطع النظير، فقد كتب في ذلك إخوة أفاضل وأحسنوا، وبعضهم كتب عن مواقفه الشخصيَّة معه -رحمه الله- وهي مواقف كريمة فيها العبر والدروس والشهادة وهي مادة ثرية. ولكني رأيت ألا يكون الكتابة عن رجل في مثل قامة معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين -رحمه الله- قصصًا وأحداثًا، ورصدًا للسيرة والمسيرة وأن كان هذا جميلاً وممتعًا ومفيدًا وثريًّا، بل حاولت أن تكون كلمات تنشر وعيًا وتبث أملاً للأجيال وصنَّاع التاريخ، فَيُشْرِق من الحدث حديثًا، ومن القصَّة درسًا وعبرةً، لأن في حياة هذا الرَّجل وفي سيرته من الثَّراء والعطاء ما تقوم به الحجة على الأجيال وناشدي الخبرات والمجربين. معالي الشيخ -رحمه الله- خطا خَطْوهَ في العلم وتحصيله في محاضن علميَّة مُتعدِّدة وفي بلاد متنوّعة، فاخذ العلم نهمًا لا همًا، وسعى إلى التنوّع في المعرفة التي قادها وقيّدها بأصول الشرع وكلِّياته، فتعلم الشريعة ودرسها، ونظر في القانون وحصَّله فاجتمع لديه أصل ووسيلة، فحكم الوسيلة بالغاية، ولم يجعل الوسيلة تعود على الغاية بالابطال أو الإخلال، لقناعته بسيادة الشرع وعلّوه، علمًا وعملاً، وهذا بدوره رسخ عنده -رحمه الله- ثقة عالية بكلِّيات الشريعة وأصولها فأدرك مقاصدها في كثير من الجوانب في الاقتصاد والفلسفة الماليَّة وفصول السياسة الشرعيَّة وتأمَّل التاريخ وسنن الله فيه، فبهذا وذاك أسس بنيانه العقلي والعاطفي والمنطقي على قواعد متينة تصنَّع النجاح وتوظفه من خلال مهام عمله الحكومي، ومشاركته الأهلية، وبذله التطوعي، وتفسيره للظواهر السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. ومجامع الحكمة والحنكة لا تكون إلا بتوفيق من الله للعبد بأن يستعمله في طاعته لينشر شرعه وينفع خلقه. تواصل معاليه -رحمه الله- مع الغرب فكرًا وحضارةً تواصلاً مشهودًا معدودًا في رواق الإيمان العميق والوسطية في التعاطي التي تعتز بالثوابت وتزاوج بين المُتغيِّرات وفق مقاصد ربانية تؤمن بالعدل وتنتج الاعتدال. يدرك ذلك من سبر سيرته وتأمَّل مكتوبه وملفوظه عندما يتكلَّم عن الغرب ونظرته للحياة وكيف يتعامل -رحمه الله- مع نظريات الغرب وممارساته من صناعة الأحداث أو توظيفها، فلا غرابة في هذا النَّظر الثاقب والعزَّة الشامخة؛ فهو لم يسبقه انبهار وانجذاب بظاهر حياتهم الدُّنْيَا ولا بمظاهر تقدمهم، فقد كان يتحرَّك في تلك الحضارة بعينين: عين القدر المشفقة وعين الشرع الموازنة بوضع الأمور في نصابها، ومن نظر في مقالات معاليه تبيّن له ذلك بجلاء بمثل: (تجربتي في الحوار مع الآخر)، وكتابه الماتع: (التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب) وطرحه المتميز: (جهود الغرب في تحجيم البذل التطوعي الإسلامي لماذا؟) و(العلاقات الدوليَّة بين منهج الإسلام ومنهج الحضارة المعاصرة). كان معالي الشيخ -رحمه الله- من أوائل من وطئت قدماه أرض أوروبا في حقبة كانت محط النَّظر ومقام الإعجاب من بعض أبناء العرب والمسلمين، ولكن معالي الشيخ -رحمه الله- كان ينظر إليها بِكلِّ ثقة، ينتقي النافع، ويكمِّل الناقص، ويكشف القصور بإحلال القيم والمبادئ الشرعيَّة في الحقِّوق والواجبات ليرسم للغربي والمستغرب عالميَّة الشريعة وشمولها وقيادتها لإصلاح الزَّمَان وإعمار المكان لما فيها من نصوص حاكمة، وكلِّيات ضابطة، واجتهادات محكمة، تعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، وفق مناطاتها وأنماطها ووسائلها ومقاصدها. وحينما يضعف بعض الكتَّاب والمفكِّرين أمام هجمة الغرب على الإسلام والمسلمين لاتهامهم بالعنف والأصولية والعدوانية والتعصب والإرهاب، وحينما يستسلم بعض أبناء العرب والمسلمين أمام هذه الهجمات أو يقف بعضهم مدافعين بضعف أو مبررين بيد مرتعشة وناظرين بفكر مهتز وبصر زائغ يقف هذا الجبل الشامخ والمفكر العميق وقبل ذلك وبعده المتدين الصلب والمؤمن القوي -أحسبه كذلك والله حسيبه- يقف ليتكلَّم بالبرهان وبلغة العلم وبلسان الحجة ويسعدني غاية السعادة أن تكون هذه الكلمة نقولات ومقتبسات من يراعه الشامخ وكلماته السامقة. |
الساعة الآن 02:20 PM. |