منتديات  الـــود

منتديات الـــود (http://vb.al-wed.com/index.php)
-   المنتدى الثقافي (http://vb.al-wed.com/forumdisplay.php?f=78)
-   -   ۩۞۩ ◄ مختارات من صيد الفوائد ► ۩۞۩ (http://vb.al-wed.com/showthread.php?t=305339)

قلب الزهـــور 27-02-2013 05:29 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
 

(( الهــوى آفــةُ النفـــس )) :.
الهوى
قال الإمام ابن القيم في روضة المحبين :
الهوى ميل النفس إلى ما يلائمها ، وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه ، فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح ما أكل ولا شرب ولا نكح . فالهوى ساحب له لما يريده ، كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذيه ، فلا ينبغي ذم الهوى مطلقا ولا مدحه مطلقا ، وإنما يذم المفرط من النوعين وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار
وقيل في تعريف مشابه : هو ميل النفس إلى الشىء يقال:هذا هوى فلان وفلانة هواه رأى مهويته ومحبوبته وأكثر ما يستعمل في الحب المذموم كما قال تعالى :
( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) النازعات (40-41) ويقال إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه. فالهوى إذاً ميل الطبع إلى ما يلائمه كما قال ابن الجوزى وابن القيم
, وهو أيضاً ميل النفس إلى الشهوة.
قال تعالى :
( فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135
وقال سبحانه :
( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }ص26
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى " .
وقال علي-رضي الله عنه-
: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل،أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة
وقال بعض السلف: إذا أشكل عليك أمر أن لا تدري أيهما أرشد فخالف أقربهما من هواك ، فإن أقرب ما يكون الخطأ في متابعة الهوى .
وقال بشرالحافي رحمه الله ورضي عنه :
البلاء كله في هواك . والشفاء كله في مخالفتك إياه . .
وقد قيل للحسن البصري رحمه الله :
يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال جهادك هواك.
قال الإمام المحقق ابن القيم: وسمعت شيخنا يعني شيخ الإسلام ابن تيمية
قدس الله روحه يقول : جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين ، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولا حتى يخرج إليهم ، فمن قهر هواه عز وساد ، ومن قهره هواه ذل وهان وهلك وباد
وقال ابن المبارك:
ومن البلاء وللبلاء علامة
أن لا يُرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها
والحر يشبع تارة ويجوع

فيا أيها الأحبة
ما تقدم من آيات وأحاديث وأقوال للسلف الصالح هـي في ذم الهـوى وما ينتج عنه من صد عن الحق و اتباع للباطل
فمن أبتلي بهذا الداء الدفين والمرض العضـال فإنه لا يـرى الحق إلا فيمـا أُشرب هواه , فكل أمـرٍ أُشرب هواه هو الحق والصواب , وإن أتيته بكل آية ما تبع قـولك …
فما أقبح الهـوى
, وما أشد ما يفتك بصاحبه , حتى يصده عن الحق وإن كان واضحاً وضوح الشمس أبلجاً ,, وليس ذاك إلا لأن الهوى يورث الكبر ـ في القلب ـ عن قبول الحق , فترى من أبتلي بذلك الداء لا يقبل الحق وإن أوضحت له الحق بالآيات البينات والأحاديث النبوية , فلا يلبث أن يؤلها على هواه , ثم تأتيه بعد ذلك بأقوال أهل العلم الثقات لعلها تكون واعظاً لقلبه وشفاء له من سقمه , فلا يلبث أن يردها وهو من هو حتى يرد على أولئك الأفذاذ ,,, لكنه الكبر عن قبول الحق واتباع الهوى …
وليت الأمر يقتصر على ذلك ,, ولكن كما يقول المثل : أحشف وسوء كيل ( وهو يطلق على من يجمع بين صفتين قبيحة )
ياليت أهل الأهواء اكتفوا بأنفسهم ولكن الهـوى آفة ليس بعدها آفة
فلا تلبث أن تراهم يفتنوا الناس بأهوائهم ,, فتراهم يتصدرون المجالس وساحات المنتديات والحوار ليقنعوا الناس ـ بما أُتوه من منطق ـ بأهوائهم وصدق الحق سبحانه وتعالى حينما قال :
(وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ }الأنعام119 وقال تعالى : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }المائدة49
ولن أنسى تلك الأخت التي من المحزن جداً أن تكون من طلاب العلم فتفتن الناس بما تملكه من قواعد فقهيه حتى تقنع الناس وتزين الباطل بدعوى الحق وما هو من الحق بقريب
لن أنسى ذلك المقال الذي كتبته عن الإحتفال بأعياد الميلاد والزواج وغيرها من الأعياد التي حرم أهل العلم الثقات الإحتفال بها , فإذا هي تتكلم في مقالها عن جواز الإحتفال بأمثال هذه الأعياد مجملة ذلك بمعسول الكلام حتى تزيف الحق ,, وحتى ينقاد الناس لقولها ذكرت أنها تحتفل بتلك الأعياد وتساعد في إقامة تلك الحفلات ,,,
فما تظنون من العوام حينما يرون من يدعي أنه طالب علم يفعل ذلك الفعل ؟؟
بالطبع سيتبادر إلى أذهانهم أنه الحق إلا من أوتي علماً يدفع به الشبهات
فإذا برواد تلك المدونة الذي جلهم من العوام كما يظهر , فإذا بهم يفرحون بذلك المقال أيما فرح ليس لشئ !! إلا لأنه أُشرب هواهم وأتـى ممن يتكلم باسم الدين ولعمر الله إنها لبلية ليس بعدها بلية ,, وما علموا أن ذمتهم لا تبرأ عند الله إلا بسؤال أهل العلم الثقات الذين قال الله فيهم
( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }الأنبياء7

قلب الزهـــور 27-02-2013 05:31 PM

تااااااابع
 


فأرسلت لأحد العلماء رابط ذلك المقال لعله يرد عليها , فاستاء مما كتبت تلك الأخت وما أعقب ذلك المقال من ردود ,,, فرد عليها مشكوراً مأجوراً وبين لها بالأحاديث القاطعة تحريم هذه الأعياد والإحتفال بها ,, ولكنها أبت وتكبرت عن قبول الحق ممن هو أعلم منها وأخذت تجادله , قلت في نفسي : ما فعلت ذلك إلا لأن ذلك الأمر أُشرب هواها
ولن أنسى جملة قالها الشيخ لها ـ لعلها تكون لها واعظاً ـ قال ـ حفظه الله ـ
إن المـرء إذا فعل المعصية بينه وبين نفسه فهو أهون بمرات ومرات من أن ينشر ذلك على شاشة يُطالعها الملايين ـ أو كما قال حفظه الله ـ

و ما أظن أن أمة الإسلام بُليت ببلية مثل بليتها بأصحاب الأهواء الذين يتصدرون المجالس وساحات المنتديات والحوار ليقنعوا الناس بأهوائهم ,,, فلا يغرنكم هؤلاء ….
فيا أيها الأحبة
إن الإخلاص كل الإخلاص أن يطلب المرء وينشد الحق ولا يتكبر عن قبوله ممن كان ,, فمن كان كذلك فحري أن يطرح الله له القبول في الأرض …
ودائماً ما نسمع الشيخ ابن عثيمين عليه رحمة الله يردد في أشرطته يعلم تلاميذه فيقول :
( الرجال يعرفون بالدين وليس الدين يعرف بالرجال )
وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم
فيا أيها الأحبة
لا يغرنكم أهل الأهواء , وتحروا أخذ العلم الشرعي والأحكام الفقهية من مصادرها من علماء ربانيون هم معذورن بالإجتهاد إن أخطأ أحدهم ,,, أما العوام فلا يجوز ولا يحق لهم الإجتهاد من تلقاء أنفسهم وقد
قال صلى الله عليه وسلم : ( من أُفتي بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه )
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
كان السلف ينكرون أشد الإنكار على من اقتحم حمى الفتوى ولم يتأهل لها، ويعتبرون ذلك ثلمة في الإسلام، ومنكرا عظيما يجب أن يمنع
ألا فليتب إلى الله أولئك القوم , وليعلموا أنهم واردون على الله عز وجل في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
قال تعالى : {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ }النحل25

ولن تجد علاجاً لأصحاب الأهواء ولو أتيتهم بكل آية مالم يكن لهم من أنفسهم واعظـــاً يخوفهم بالله ويذكرهم الآخرة
فالأمر خطير جد خطير
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن , ونعوذ بك اللهم أن نضل غيرنا بعلم أو بغير علم
والله نسأل أن يجعل عواقب أمورنـا إلى خيـر , وأن يختم بالصالحات أعمالنا وأعمارنا
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل

قلب الزهـــور 27-02-2013 05:41 PM


كيف تختار صاحبك؟
إذا قال قائل: إنني وجدت منهم عدداً، فأيهم الذي أصاحب؟
والجواب:
نرجع إلى ما قاله السلف ، فإنهم كانوا يفاضلون بين الأشخاص بأي شيء؟ بالعلم، والسنة، والعبادة، وخدمة الدين، والخلق.
ولذلك فإن الإنسان لا يعْدِم مِن الموازنةِ التي تقوده إلى صاحبه الذي يخالطه، ويتابعه، ويعاشره، ويأوي إليه. فانظر فيهم: مَن أزكى علماً، وأشد اتباعاً للسنة، وأحسن خلقاً، وأكثر حرصاً على خدمة الدين والدعوة إلى الله؟ فعند ذلك تعرف من تخالط.

ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله:
"فالعجب ممن يترخص في المخالطة وهو يعلم أن الطبع يسرق، وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل ليُستفاد منه، فأما مخالطة الدون فإنها تؤذي، إلا إذا كانت للتذكير والتأديب" وهذه كلمةٌ عظيمة. إن كنت أنت الذي تدعوه وهو دونك فنَعَم، وتعلمه وهو دونك فنَعَم، وإلا فإن الإنسان يحرص دائماً على صحبة الأرفع والأعلى والأكثر فائدة.
( الصاحب ساحب )
عناصر الموضوع :
1. الأمر بصحبة الأخيار
2. مميزات الجليس الصالح
3. فوائد صحبة الصالحين
4. اختيار الصاحب
5. صحبة الأشرار وأضرارها

الصاحب ساحب:
لقد جاءت الآيات والأحاديث الدالة على الأمر بصحبة الأخيار والصالحين الذين يعينون على الخير ويحثون عليه. فمن أراد صحبة الصالحين فليبحث عنهم في المساجد، فهي أكثر الأماكن التي يتواجدون فيها، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يفاضلون بين الأشخاص بالعلم والسنة وخدمة الدين والخلق، وأما صحبة الأشرار فأقل ما فيها ضياع الأوقات وإهدارها فيما لا نفع فيه.
الأمر بصحبة الأخيار:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * < يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .
أما بعــد: فإن الله سبحانه وتعالى أوصانا بوصايا، وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم حثنا على أمور، ولا يأمر الرب بشيء ولا نبيه صلى الله عليه وسلم إلا وفيه مصلحة عظيمة لنا، وهذا الفرق بين أوامر الرب ورسوله وبين أوامر البشر. ومِن أوامر الرب وأوامر رسوله: الأمر بصحبة الأخيار: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] فأمر بصحبة الأخيار وملازمتهم، ونهى عن صحبة الأشرار: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا [الكهف:28] . وهذه مسألة عظيمة من مسائل هذه الحياة؛ فإن الإنسان لا بد له من صديق وصاحب، ولا بد له من قوم يأوي إليهم، ويكون معهم. ولعل هذا الوقت (في بداية العام الدراسي) بل وعودة كثير من العمال والموظفين إلى أعمالهم، يكون وقتاً مناسباً للتذكير بهذا الموضوع (إنشاء العلاقات الجديدة) وتنقية العلاقات القديمة وتمحيصها. قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب إلا مؤمناً) .
وقال: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع مَن أَحَب) .
قال بعض السلف : لقد عظُمت منزلة الصَدِيق عند أهل النار، قال الله تعالى: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * < وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101] .
وقال بعضهم في قوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله) : انظروا إلى فرعون مع هامان، أضل هذا بهذا، وأخذ هذا من عزة هذا، وأعان بعضهم بعضاً على الكفر واستعباد البشر. وجليس الخير مفيد دائماً وأبداً، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح كمثل العَطَّار، إن لم يعطِك من عطره أصابك من ريحه)وهذا هو الفرق بينه وبين نافخ الكير، الذي يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحاً سيئة.
مميزات الجليس الصالح:
جليسك الصالح: يأمرك بالخير، وينهاك عن الشر، ويُسمِعك العلم النافع، والقول الصادق، والحكمة البليغة، ويبصِّرك آلاء الله، ويعرِّفك عيوب نفسك، ويشغلك عما لا يعنيك. وإن كان قادراً: سَدَّ خَلَّتك، وقضى حاجتك، ثم لا تحتاج بعد الله إلى سواه، إن ذكَّرته بالله طمع في ثوابه، وإن خوَّفته من عذاب الله ترك الإساءة، يُجْهِد نفسه في تعليمك وإصلاحك إذا غفلتَ عن ذكر الله، وإذا أهملت بشَّرك وأنذرك، يعتني بك حاضراً وغائباً.
وإن كان مثلك أو دونك فهو: يسُدُّ خَلَّتك، ويغفِرُ زَلَّتك، ويُقيل عثرتك، ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثك عليه، وكان لك عوناً عليه، وإذا عملت سوء أو توجهت إلى سوء حال بينك وبين ما تريد، وقال: أعرض عن هذا، واستغفر لذنبك إنك كنت من الخاطئين.
وصالح إخوانك: لا يمل قُرْبَك، ولا ينساك على البعد، تُسَر بحديثه إذا حضر، إنه يشهد بك مجالس العلم، وحِلَق الذكر، وبيوت العبادة، ويزين لك الطاعة، ويقبح لك المعصية، ولا يزال ينفعك حتى يكون كبائع المسك وأنت المشتري. ولِصَلاحِه: لا يبيع عليك إلا طيباً، ولا يغشك، ولا يعطيك إلا جيداً، وإن أبيت الشراء فلا تمر بشارعٍ إلا وجدت منه ريح الطيب الذي يملأ المعاطس والأنوف؛ أولئك القوم لا يشقى بهم جليسهم تنزل عليهم الرحمة، فيشاركهم فيها، ويهم بالسوء فلا يقوله ولا يستطيع فعله، إذا لم يكن مخافةً من الله فحياءً من عباد الله الصالحين.

أوصى بعض الصالحين ولده لما حضرته الوفاة، فقال: يا بني! إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، واصحب من إذا مددت يدك للخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن رأى منك سيئة سدَّها.
وقال بعض السلف : عليكم بإخوان الصدق، فإنهم زينة في الرخاء، وعصمة في البلاء. فالأخيار الأبرار الأتقياء إذا وُجدوا في مجتمع جذبوا أشباههم أو انجذبوا إليهم وسرى تيار المحبة بينهم. والصاحب ساحب.
لو أن مؤمناً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة منافق ومؤمنٌ واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقاً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة مؤمن ومنافقٌ واحد لا زال يمشي حتى يجلس إليه، وإن أجناس الناس كأجناس الطير، ولا يتفق نوعان في الطيران إلا وبينهما مناسبة.
أيها الإخوة: ينبغي على الواحد منا أن يفتش نفسه. اعلم يا عبد الله! أن قلبك إن نفر من أهل الدين فأنت مريضٌ، فداو نفسك حتى تميل إلى أهل الخير، وإذا رأيت نفسك تميل إلى أهل الشر والفجور فاتهم نفسك واستدرك عمرك قبل الفوت.
وإذا رأيت نفسك تميل إلى الأخيار، وتحب مُجالستهم مع علمك بسوء سيرتك، واعوجاج طريقتك، وقبح ما تُخفي وأنت بينهم؛ فاعلم أن فيك بقية خير، فاجتهد في اقتلاع الشر من نفسك لتكون مثلهم، وإذا رأيت نفسك تحب الذهاب مع المجرمين، وأنت من أهل الخير، ففيك شعبة من النفاق.
إن الإخوان الصالحين نعمة عظيمة من الله.
وقد روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: [لو لا ثلاثٌ ما أحببت البقاء ساعة: ظمأ الهواجر -الصيام في النهار الحار- والسجود في الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر] .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى:لولا القيام بالأسحار، وصحبة الأخيار؛ ما اخترت البقاء في هذه الدار. وكانوا إذا فقدوا أخاً عزيزاً عرف ذلك فيهم

. قال أيوب السختياني رحمه الله: [إذا بلغني موت أخٍ لي فكأنما سقط عضوٌ مني] .
أخاك أخاك فإن من لا أخاً له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح ولذلك كان التفريط في الصالحين وتضييع الأخ الصالح من أعظم البؤس، وأشد البأس على النفس، وأعجز الناس من فرط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع مَن ظَفَر به منهم، فربما يلقاهم ثم يضيعهم؛ فهذا أعجز مِن الذي فرط في ملاقاتهم والتعرف عليهم أصلاً؛ لأنه عرف النعمة ثم كفرها، فهم يعرفون نعمة الله ثم يجحدونها ويتخلون عنها. والرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال والشمال بلا يمين.
وقال الأصمعي رحمه الله: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى إخوانه، وتشوُّقه إليهم.

قلب الزهـــور 27-02-2013 05:50 PM


فوائد صحبة الصالحين:
أيها الإخوة: إن مصاحبة الصالحين فيها فوائد كثيرة:
1- النجاة يوم القيامة :
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) .
2- النجاة من فزع ذلك اليوم : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:67-68] .
فإذا كان معهم في الدنيا نَجَى مِن الفزعِ، ولعْنِ بعضِ الناس بعضاً يوم القيامة.
3- الانتفاع بدعائهم بظهر الغيب.
4- الانتفاع بمحبة الله لمحبتهم : لأن الله قال: (وجبت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فِيَّ، والمتزاورين فِيَّ، والمتباذلين فِيَّ)
كما جاء في الحديث الصحيح القدسي.
5- بركة المجالس والخير الذي يعم : (فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول الله للملائكة: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)
لا يحرم من الفضل وإن جاء لحاجة، ما دام جلس مع الأخيار فلا بد أن يناله نصيب.
قومٌ يذكرون الله فيناديهم المنادي من السماء: (قوموا مغفوراً لكم)
فما أعظم النعمة بالجلوس معهم إذا كانوا سيقومون وقد غُفِر لهم؟!
6- جلساء الخير يعرفونك على إخوان الخير فتزداد المعرفة؛ فصاحب الخير يدلك على صاحب الخير، وهكذا تزيد الاستفادة.
7- التشبه بهم ثمرة من ثمرات مصاحبتهم : وإذا كانوا على خيرٍ صرت على خير.
8- يحفظون الوقت والعمر من الإهدار.
9- ذكر الله تعالى :
قال عليه الصلاة والسلام: (أولياء الله تعالى الذين إذا رُؤُوا ذُكر الله عز وجل) .
وكان القعنبي رحمه الله إذا خرج على الناس قالوا: لا إله إلا الله. وكان من أهل الحديث.
10- هم الزينة في الرخاء، والعدة في البلاء : هذه العدة التي يحتاجها الإنسان.
11- وخير معينٍ على تخفيف الهموم والغموم : وكم في حياتنا هذه من غموم وهموم؟! وكم فيها من شدائد يحتاج الواحد إلى شخص يستمع إلى شكواه فلا يجد، ولو كان لا يريد منه شيئاً إلا مجرد السماع؛ لأن في بث الشكوى راحة، فبعض الناس من النعم التي حرموها أنهم لا يجدون أحداً يسمع شكواهم؛ لفَقْد صديق الخير، وصاحب الخير، لو ما سمع إلا الشكوى لكان في ذلك تنفيس وراحة، فكيف إذا كان سيعين ويساعد بعقله ومشورته، أو بماله وجاهه ومساعدته؟! خرج ابن مسعود مرةً على أصحابه فقال: [أنتم جلاء أحزاني]. وهكذا فعلاً يكون الإخوان تسليةً وتسريةً، يكون لقاء الأحبة مُصَفِّياً ومُنَقِّياً، ويكون طارداً للهم والغم.
12- وكذلك فإن من أعظم النعم بمصاحبة الصالحين إن أُحْسِن الاختيار: تعلم العلم الشرعي.
13- الإقبال على الدين.
14- تكميل الشخصية.
15- العون على العبادة.
16- الحماس للطاعة.
17- النصرة في الحق.
18- الإعانة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
19- السمو فوق عالم المادة.
20- النجاة من اليأس.
21- الرأي السديد.
22- التخلص من العادات السيئة.
23- البركة
: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البركة في ثلاث: الجماعة، والثريد، والسحور) . فإن قال قائل: أين أجد الصالحين؟ فنقول: من مظان وجود الصالحين، أعظم المظان على الإطلاق بيوت الله تعالى. عن الحسن بن علي قال: [من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثمان خصال: آية مُحكمة، وأخاً مُستفاداً، وعلماً مُستطرَفاً، ورحمةً منتظَره، وكلمةً تدله على هدى، أو تردعه عن ردى، وترك الذنوب حياءً، أو خشية] . المنطَلََق من المسجد، وهكذا يعرف الإنسان الإخوان وينتقيهم.

اختيار الصاحب:
إذا قال قائل: إنني وجدت منهم عدداً، فأيهم الذي أصاحب؟
والجواب: نرجع إلى ما قاله السلف ، فإنهم كانوا يفاضلون بين الأشخاص بأي شيء؟ بالعلم، والسنة، والعبادة، وخدمة الدين، والخلق.
ولذلك فإن الإنسان لا يعْدِم مِن الموازنةِ التي تقوده إلى صاحبه الذي يخالطه، ويتابعه، ويعاشره، ويأوي إليه. فانظر فيهم: مَن أزكى علماً، وأشد اتباعاً للسنة، وأحسن خلقاً، وأكثر حرصاً على خدمة الدين والدعوة إلى الله؟ فعند ذلك تعرف من تخالط.
ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله: "فالعجب ممن يترخص في المخالطة وهو يعلم أن الطبع يسرق، وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل ليُستفاد منه، فأما مخالطة الدون فإنها تؤذي، إلا إذا كانت للتذكير والتأديب" وهذه كلمةٌ عظيمة. إن كنت أنت الذي تدعوه وهو دونك فنَعَم، وتعلمه وهو دونك فنَعَم، وإلا فإن الإنسان يحرص دائماً على صحبة الأرفع والأعلى والأكثر فائدة. وتأمل في علاقة الإمام أحمد رحمه الله بـمحمد بن نوح كيف كانت متبادلة من الأعلى إلى الأدنى ومن الأدنى إلى الأعلى.
قال الإمام أحمد رحمه الله عن محمد بن نوح الشاب: ما رأيت أحداً على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح ، إني لأرجو أن يكون قد خُتِم له بخير. وذلك لأنه لما أخذا معاً إلى المأمون في فتنة خلق القرآن مقيدَين فمات محمد بن نوح في الطريق، فغسله الإمام أحمد رحمه الله وكفنه وصلى عليه، وقال هذا الكلام في شأنه: إني لأرجو أن يكون قد خُتم له بخير.
قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله ! الله.. الله.. إنك لست مثلي! أنت رجلٌ يُقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك لِمَا يكون منك، فاتقِ الله، واثبت لأمر الله. قال: فمات، وفُكَّ قيدُه، وصليت عليه، ودفنته يرحمه الله. اللهم ارحم موتانا، اللهم إنا نسألك صحبة الأخيار، وعيشة السعداء، وميتة الشهداء، وحياة الأتقياء، ومرافقة الأنبياء، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
صحبة الأشرار وأضرارها:
الحمد لله، وسبحان الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ الرحمة المهداة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: إن الله تعالى حذَّّرنا من أهل السوء، قال : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] .
يا من تُعاشِر صاحب سوء وأهل السوء! فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]
لا تقعد بعد الذكرى مع أهل السوء؛ فإن الله نهاك عن ذلك: فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68] هؤلاء الذين يتبرأ بعضُهم من بعض، ويقول الواحد منهم يوم القيامة: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] . ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ في دعائه من صاحب السوء كما قال: (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة) لأنه ملازم؛ فإذا كان صاحب سوء فكيف يسلم من شره. (أعوذ بالله من صاحب السوء) قرين السوء الذي لا يمكن أن تأمنه على شيء؛ لا على عرض، ولا على مال، ولا على سر، لا يعينك على خير، ويزين المعصية، ويحث على الخبث. لا خير في صحبة من إذا حدثك كذبك، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك، وإذا أنعمت عليه كفَرك، وإذا أنعم عليك مَنَّ عليك. ينبغي أن يُخْتَبَر الناسُ قبل مؤاخاتهم وذلك عند الهوى إذا هوى، وعند الغضب إذا غضِب، وعند الطمع إذا طمِع، ليُنْظر ما حاله في هذه المواقف الثلاثة! قال شيخ الإسلام رحمه الله: الناس كأسراب القَطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض. ولا تقل: إنه لا يضرني، فالصاحب ساحب، والتشبه حاصل.
واختر قرينك واصطفيه تفاخراً فكلُّ قرين بالمقارَن يَقتدي
مَن الذي علم أصحاب المخدرات المخدرات؟! ومَن الذي جر الفحش إلى كثير من أهل الفحش؟! ومَن الذي أعطى القصص الخليعة وروايات السوء إلى من تأثر بها؟! َمَن الذي جلب إليهم الأفلام؟! مَن الذي سافر معهم إلى بلدان الشر والفساد؟! مَن الذي ضيعهم عن أهليهم؟! مَن الذي جعلهم يضيعون أماناتهم، وزوجاتهم، وأولادهم؟! إنهم قرناء السوء، أثرهم واضح في الواقع، يضيِّعون العمر، إنهم مَرَضٌ وهَمٌّ، وغَمٌّ وعجز. أيها المسلم! يا عبد الله! قد تكون أنت من أهل الخير، ولكن في نفسك شيء من الهوى إلى الجلوس إلى بعض أهل السوء، فإياك.. إياك.. أن يأخذك إلى أي مكان؟! إن صاحب الخير يأخذك إلى مسجد، أو حلقة علم، أو زيارة نافعة، أو عبادة وطاعة، أو قربة، أو يصحبك في حجٍ أو عمرة. أما ذلك فيأخذك إلى مكان دمَّر حياةَ كثير من الناس! فهل من توبة؟! وهل من عودة؟! وأقل ما في صحبتهم: ضياعُ الأوقات. حدثني واحدٌ قال: ذهبنا ووقفنا على أرجلنا إلى الساعة الواحدة ليلاً، ننتظر عملية القمار والميسر، ماذا ستكون نتيجتُها؟! ومَن الذي سيفوز بالسحب؟! ضاع الوقت، وضاع العمر، ومشاهدة المعصية، وهكذا الفكر الخالي، والعقل الخالي، والقلب الخالي؛ يسهُل جَرُّ صاحبِه. والناس إذا كانوا أصحاب تفاهات لو قيل لهم: إن في فَتِّ البعر سراً لأقبلوا على فَتِّه؛ لأن كثيراً منهم ليسوا بأصحاب عقولٍ راجحة، فيسهل الضحك عليهم، ويسهل خداعهم، وهذا حال كثير من الناس. فإذا لم يُوَفَّق الإنسان بصاحب عقلٍ راجح فكيف يكون العيش؟! وإذا كان الإنسان في مكان لم يجد فيه قريناً صالحاً، قد يعيش في مَجْمَع سكني، أو مكانٍ ناءٍ لا يجد فيه صحبة صالحة، يُبْتلى العامل بعمال حوله من النصارى والهندوس، أو غير ذلك ممن يكونون معه، فربما لا يجد أحداً من أهل الخير، فماذا يفعل عند ذلك؟ قال العلماء: فالأَولى للرجل في هذه الحالة ألا يزور إلا المقابر، ولا يفاوض إلا الكتب، وليستعن بالله على التوفيق، ويجعل خلوته أنساً بالله تعالى. إذا لم تجد أصحاباً فخالط كتب العلماء، وإذا لم تجد صالحاً تزوره فزر القبور. أيها الإخوة: كثيرٌ من الناس لا يغيرون العلاقات السيئة؛ لِقِدَم العهد وجريان العادة، فهو لَمَّا تعود على هذه الشلة لا يريد أن يفارقها؛ إن هناك جاذبيةً، إن سريان الوقت قد جعله متعلقاً بهم، فانتشال النفس من بينهم يحتاج إلى دينٍ، ومجاهدة، وإرادة قوية لا يُرْزَقُها إلا من أخلص النية لله من أجل الخلاص. يا أيها الأب: ساهم في توجيه ولدك إلى أهل الخير في الوقت المبكر؛ فإن الولد إذا كَبُر فَبَنَى علاقاته بنفسه، فإنه يصعب عليك جداً أن تغيرها أنت، اختَر له قبل أن يختار هو، فإذا رأيته مال إلى أهل الخير فشجِّعه، وأيِّده، وانصره، ووافقه على ما مال إليه؛ لأنه فيه صلاح دينه ودنياه. وبعضهم يقول للأخيار: أدفع لكم نقوداً وخذوا ابني. وبعضهم اعتَبَر بضياع الولد الأول، فلا يريد أن يضيع الثاني، والذي رأى تجارب غيره لا يحتاج أن يجربها. وهذه من مسئوليات الآباء في اختيار الأولاد الصالحين لمرافقة أبنائهم منذ السن المبكرة، وأن يتعاون الجميع على أن يوجدوا بيئات صالحة؛ وإيجاد البيئات الصالحة مسئولية عظيمة، وصدقة جارية، والله إن الذي يوجِد مجموعةً صالحة يعيش فيها ولده وولد غيره وولد جاره صدقةً جارية، تكون له في كل علم اكتسبوه، وخلق انتفعوا به. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين ينشغلون بذكرك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم اجعلنا ممن يصاحب الأخيار يا رب العالمين! اللهم لا تجعلنا من النادمين، اللهم لا تجعلنا من النادمين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين. اللهم انصرنا على أعداء الدين، اللهم عجِّل فرج المسلمين. اللهم إنا نسألك أن تهلك الكفرة الذين يعادون رسلك ويكذبون وحيك يا رب العالمين! اللهم أنزل بهم بأسك وعذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ونجنا برحمتك يا أرحم الراحمين! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين..

قلب الزهـــور 27-02-2013 05:54 PM


أمي..أول كلمة نطقناها ، وأحلى كلمة رددناها ..
لكن اسمحوا لي قبل أن أنطلق أنا وإياكم أن أقدم كلمات شكر وعرفان إلى ..
أمي ..
كلمات عرفان إلى أمي التي أدين لها بالفضل بعد الله تبارك وتعالى ..
فمهما قلت ، ومهما عملت فلن أوفيك أجرك
يا أمي ..
لن أنسى صدرك الحنون ..
ولن أنسى سهر الليالي وتعب الأيام ..
لن أنسى حين كنا نجتمع على مائدة الطعام وتقدمينا وتؤثرينا على نفسك بما لذَّ وطاب ..
حتى بعد أن كبرنا كنت تضعين اللقيمات في أفواهنا ..
كم أتعبتك أماه حين كنت أتأخر بالسهر فينام أهل البيت وتبقين أنت ساهرة بالانتظار ..
كنت تخافين علينا من البحر يوم أن كنا نسكن قريباً منه ..
أذكر مرة أنك ضربتيني ضرباً مبرحاً ، لأني اقتربت من البحر ؛ وخضت في شواطيه ..كنت صغيراً ..لم أعرف السبب .. لما كبرت عرفت !!..
لقد كان خوفك علي هو الدافع ..
لم أنسى أني حين كبرت وسافرت للدراسة أنك أنت التي كنت تجمعين من هنا وهناك مصاريف دراستي حتى لا أحتاج إلى أحد في غربتي ..
يالله كم كنت أتعب حين أرجع في الاجازات ويأتي وقت العودة للسفر ..
كم كان قلبي يتقطع حين تقولين لي : لعلك ترجع من هذا السفر ولا تراني ..
كم كان قلبي يتقطع حين تقولين لي مودعة : لعلك ترجع من هذا السفر ولا تراني ..
كم كنت أبكي حين أسمع هذا الكلام ..
عدت من السفر وكبرت أنت يا أمي وضعفت ولقد أعطيتيني وأخوتي أحلى سنين العمر ..
كم دافعت من أجلنا ..
كم ضحيت في سبيلنا ..
لقد تحملت همومنا وسعيت في حاجاتنا حتى بعد أن أصبحنا كباراً ..
بالأمس كنت أسمى خالد ..
واليوم يقال لي الشيخ فلان ..
وما أنا والله إلا حسنة من حسناتك..
وما أنا والله إلا حسنة من حسناتك ..

والفضل لله ثم لك أماه فيما أنا فيه اليوم فجزاك الله عني خير الجزاء ..
فيا صاحبة الثغر الباسم ..
ويا صاحبة العطاء والقلب الرحيم ..
إليك ..
أيتها الزهرة الغالية ..
إليك ..
يا صاحبة النبع الصافي ..
للتي مسحت دمعتي ..
وغسلت قذرتي ..
للتي أطعمتني وسقتني بيدها ..
لمن جعلت صدرها مسكناً لي ..
وعينها حارسة لي ..
أهدي إليك هذا اللقاء ..
وأقول وجزاك الله عني خير الجزاء ..
اللهم احفظ أمي بحفظك ، أطل عمرها ، وأحسن عملها ، واختم بالصالحات ، أعمالها ..
أماه ..
لو كان عمرك بيدي لزدته ولو كان فيه فنائي ..
أماه ..
لو كان أمري بيدي لرفعتك لعنان السماء ..
والله ..
لن يوفيك حقك إلا الله ..
والله ..
لن يوفيك حقك إلا الله جل في علاه ..

أما أخبار وعناصر هذا اللقاء بعد هذه المقدمة فأخبار وعناصر ستة ..
أولها :
الأم وما أدراك ما الأم ..
ثانيها
: احذر دعوة المظلوم ..
ثالثها :
لا أصدق أنهم فعلوا هذا بك ..
رابعها :
لماذا يبكي هذا ..
خامسها :
حقيقة لا خيال ..
وآخرها :
هذا هو ديننا ..
فمع أول العناصر..

الأم وما أدراك ما الأم ..
هي نموذج رحمة يتحرك بين أظهرنا ولا يلتفت إليه أحد بالإجلال والتقدير إلا من رحم الله ..
الأم كتلة من الصبر ..
وصورة حية للعفو والحلم ..
يقول أحدهم ..
الآن عرفت معنى قولهم ليس من سمع كمن رأى ..
ليس من سمع كمن رأى ..
يقول لقد سمعت كلاماً كثيراً وأحاديث متنوعة عن عظيم فضل الأم ..
وكنت كغيري أسمع ما أسمع فلا يكاد يتجاوز ما أسمع سوى أذني ..
قد تهزني عبارة جميلة ..
قد أحرك رأسي إعجاباً بأبيات جميلة ثم لا شيء في دنيا الواقع ..
لكن الله أراد بي خيراً إذ وجدت نفسي أتابع مراحل حمل زوجتي خطوة
خطوة ..
وحين دخلت المسكينة في شهرها التاسع وتجاوزته بقليل تخيلت نفسي أنا ذلك المتكور في هذا البطن للمنتفخ ..
وأنا أرى وأراقب بدأت أستشعر بعض من تلك المعاني التي سمعتها طويلاً وكثيراً عن عظيم فضل الأم ..
لقد رأيت ثم رأيت أمراً هائلاً يدير الرأس ، ويرقق القلب ، ويدمع العين ..
ومن ثم أخذت أقتنع تماماً أنَّ هذه المرأة الجليلة الأم لم ينصفها الناس ولن ينصفوها أبداً ..
مهما زخرفوا الأقوال ..
ورققوا العبارات ..
ونسقوا الكلام ..
والله ..
لن يكافأها على الحقيقة إلا الله وحده ..
ولذلك قالوا أجر الوالدين على الله ..
يقول مواصلاً كلامه :
ليت المعاني تسعفني لكي أقرب الحقيقة ..
لقد تشبعتها ليالي وأيام خلال أواخر شهرها التاسع ، بل في ساعات الليل
والنهار ..
فماذا رأيت !!..
رحماك يا الله ثم رحماك ..
أوَ يستطيع الإنسان أن يتحمل كل تلك المعاناة والآلام ..
لقد رأيتها تتحمل كل ذلك بفرح وسعادة وحبور مرات ومرات ..
رأيتها وسمعتها وهي لا تدري وهي تطلق صرخة متوجعة فأحس بحرارة ألمها قد انتقل إلى قلبي مباشرة ، فأجالد نفسي حتى لا تفضحني عيناي ..
ثم أفاجأ بها بعد لحظة وقد أخذت تتبسم متناسية تلك الآلام وهي تشير إلى بطنها وتقول :
كم أحبك يا صغيري ..
وكم أنا مشتاقة لرؤياك ..
سبحان من صبرها على آلامها المتصلة مع الأنفاس ..
تراها ..
إذا تحركت تألمت ..
وإذا جلست أنَّت ..
وإذا اضجعت صرخت ..
وإذا مشت تعبت ..
وإذا حاولت النوم لتهجع قليلاً تعبت ..
فهي لا تستطيع أن تتقلب على فراشها على راحتها كما كانت قبل هذا الحمل الثقيل الحبيب ..
ومع هذا كله فهي لا زالت مطالبة في الغالب بالاهتمام بالبيت ، وشؤونه الداخلية ، ومتابعة الصغار ونظافتهم وإطعامهم وغسلهم ونومهم وما إلى ذلك مما هو وحده كفيل بهدّ جبل من الجبال ، وتفتيت صخرة راسية ، وإحراق البقية الباقية من الأعصاب المشدودة ..
ومع هذا كله تراها تقول للصبر مبتسمة ..
خذ مني دروساً يا صبر ..
خذ مني دروساً يا صبر ..
جرب نفسك لتكن أماً ..

هل
يستطيع رجل واحد أن يتحمل البقاء مع طفل في الثانية أو الثالثة من عمره لساعات قبل أن يدعو على نفسه بالويل والثبور وعظائم الأمور ..
إنها والله وحدها الأم التي تتحمل ذلك راضية متبسمة ..
تأمل معي هذا المنظر وقل :
ما أجمل منظرها وهي جالسة وقد التف حولها صغارها أشبه بفراخ الطير تفتح مناقيرها لتلقمها أمها شيئاً من الطعام ..
تشجع هذا ليأكل ..
وتداعب الثاني وهي تطعمه ..
وتسقي الآخر بعد محاولات ..
وتضحك مع أصغرهم ليقبل على وجبته ..
كل ذلك وهي تجلس بينهم جلسة غير طبيعية يكاد كل مفصل منها يأنّ على حدة يشتكي و يتوجع ..
وهي مع ذلك لا تزال تبتسم وتشجع وتسقي وتطعم ..
ثم فجأة تطلق صرخة خافتة فلقد تلقت من جنينها لكمة محكمة تحت الحزام فتسارع لتغير جلستها..
وما إن تستوي عظامها حتى تعاود الابتسام كأنَّ شيئاً ما كان ..
ومن جديد يسدد الجنين لكمة أخرى محكة كأنما يقول لها :
أنا هنا أماه ..
تفرح بلكمه ورفسه وهو لا يدعها تستريح لحظة ..
فإذا هدأ عن الحركة خافت وقلقت ..
وإذا تحرك فرحت واستبشرت ..
يالله ..
ألوان متعددة من العذاب الذي أظن أنه لو صبَّ على رجل مفتول العضلات لصاح حتى يسمعه الجار الأربعون ..
أما هي ..
فصابرة محتسبة ..
بل ضاحكة مبتسمة ..
فرحمة الله لها ..
ورحمة الله عليها ..
ورحمة الله معها ..
يقول مواصلاً كلامه ..
رأيتها مرات تنظر لي نظرات تحمل الكثير من معاني الألم دون أن تحرك شفتاها..
ثم بعدها بلحظات إذا بها تبتسم ضاحكة ويفيض لسانها بأعذب الحديث عن الضيف الجديد ..
عجيب أمرك أيتها الأم ..
هل تظنون أن الآلام والمعاناة بالحمل تنتهي ..
لا ..
اسمع واسمعي ولنقل :
ما أعظمك أماه ..
فإذا حل بها الشهر التاسع وأزفت ساعة خروج الجنين إلى الدنيا حلت الطامة ..
فلا هو براغب بالبقاء في الأحشاء ..
ولا هو براغب في الخروج إلى دار الفناء ..
وهنا الشدة التي لا تطاق ..
والمأزق الذي لا يسهل ..
والعقبة التي لا تذلل ..
ثم لا يخرج في أكثر الأحيان إلا قصراً و إرغاماً ..
فيمزق اللحم ..
أو يبقر البطن ..
أو تسلط عليه آلة الضغط والطبيبة تقطع لحم أمه ، والقابلة تجهد في سحبه ..
ثم يتسابق وروحها بالخروج ..
وكثيراً ما تسبق الروح وتموت الأم ويحيى هو ..
فإذا كان لها فسحة في الأجل أفاقت من بعد هذه المعركة اللاهبة حتى إذا ما رأته إلى جانبها تبسمت وقالت :
فداك روحي ..
يالله ..
ما هذا الحنان ، وما هذا الإيثار ..
تقاسي ما تقاسي ثم تتمنى أن تموت ويحيى هو ..
أماه ..

لو النجمات تسكب نورها أماه شلالا ****و كل حناجر الأطيار لو غنتك موالا
لو الأنسام طافت في رحابك تنثر عطراً ****ما وفتك يا أماه .. ما وفتك مثقالا

عن أنس قال : ارتقى النبي على المنبر درجة فقال آمين ..
ثم ارتقى الثانية فقال آمين ..
ثم ارتقى الثالثة فقال آمين ..
ثم استوى فجلس فقال أصحابه : علامَ أمنت يا رسول الله ؟!..
فقال :
(( أتاني جبريل فقال :
رغم أنف امرئ ذُكرت عنده فلم يصلِ عليك ، فقلت : آمين .._ اللهم صلي على محمد في الأولين وفي الآخرين _
ثم قال : ورغم أنف امرئ أدرك أبويه ولم يدخل الجنة ، رغم أنف امرئ أدرك أبويه ولم يدخل الجنة فقلت : آمين ..
فقال : رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يُغفر له ، قلت : آمين )) ..

قلب الزهـــور 27-02-2013 06:00 PM



قد يقول قائل ..
لماذا الأم دون الأب !!..
قلت : لا شك أن فضل الأب كبير ولكن فضل الأم أكبر ..
قال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً } ..
قال ابن عطية : ذكر الله الأم في هذه الآية في أربع مراتب والأب بمرتبة واحدة جمعه مع الأم في قوله{ بِوَالِدَيْهِ } ثم ذكر الحمل للأم ، ثم الوضع لها ، ثم الرضاع الذي عبر عنه بالفطام ..
ففضلها عظيم ..
ومكانتها كبيرة ..
وفضلها لا يعرفه إلا الله ..

لفضلك أمي تذل الجباه ***** خضوعاً لقدرك عُرف أصيل
وذكرك عطر وحضنك دفء ***** فيحفظك ربي العلي الجليل
لأمي أحن ومن مثل أمي ***** رضاها علي نسيم عليل
حنانك أمي شفاء جروحي ***** وبلسم عمري وظلي الظليل
وبعد الله أرنو إليك إذا حلَّ خطب ***** وأثنى الكواهل حمل ثقيل
بدعواك أمي تزول الصعاب ****** فدعواك أمي لقلبي السبيل
فيا أمي أنت ربيع الحياة ***** ولون الزهور ونبع يسيل
على راحتي كم سهرت الليالي ***** وتلوع قلبك عند الرحيل
فدومي لنا بلسماً شافياً ***** وبهجة عمري وحلمي الطويل
ولحن شجي على كل ساه ***** فمن ذا عن الحق منا يميل

أغلب القصص التي سأذكرها تدور حول عقوق الأولاد ..

ولم أكثر من قصص البر لأن البر
واجب ..
واجب على الأبناء وليس للأبناء فضل في ذلك ولا منة
..

ولأنه حق عليهم ..
فمن فعله فقد أدى واجباً ..

ولكن من عق والديه
هو الذي يجب أن نحاسبه ونقول له :
قف ..قف فإن طريقك هذا يؤدي إلى النار وبئس المصير ..
وإلى أول العناصر والأخبار ..
احذر دعوة المظلوم ..
احذر دعوة المظلوم ..
فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ..
احذر دعوة المظلوم ..
فإن الله يرفعها فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب :
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ..
فكيف إذا كان المظلوم أماً أو أباً ..
فكيف إذا كان المظلوم أماً أو أباً
..
قال كعب الأحبار :
إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب ..
وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده براً وخيراً ..
حدث أحد الثقات قائلاً : جلست مع شيخ معروف فأخبرني هذا الخبر..
يقول الشيخ : جاءني رجل وهو يلعن أمه ..
جاءني رجل وهو يلعن أمه فنهيته عن ذلك ثم سألته : ما ذنبها ، وما جرمها ، وما هي خطيئتها ؟!..
قال :عملت سحراً لزوجتي ..
قلت له : وكيف عرفت ..كيف عرفت أنها هي ؟!..
قال :
زوجتي أخبرتني بذلك وهي تنكر ذلك _ يعني الأم _ ..
قلت :
عجباً تصدق زوجتك وتكذب أمك !!..
يقول الشيخ فطلبت رؤية أمه فجاء بها ابنها الأكبر ، وجمعت بينهم ، وكثر النقاش ، وطال الحوار ، ونفسي تحدثني _ يعني الشيخ _ ونفسي تحدثني أن الزوجة كاذبة ..
سمعت من الأم أيماناًً وبكاء حاراً يدل على صدقها ، وأصرت الزوجة أن لا تقبل اليمين من الأم إلا في بيت الله الحرام ..
فقلت لهم بعد ان أصرت زوجة الابن : اذهبوا إلى بيت الله الحرام ..
ثم طلبت رقم هاتف الابن الأكبر واتصلت به بعد يومين فقال :
ذهبنا لبيت الله الحرام ودعت أمي على نفسها..دعت أمي على نفسها بأن لا تعود إلى بيتها إن كانت فعلت وتضرعت إلى الله أن ينتصر لها من ابنها وزوجته إن كانت مظلومة ..
يقول الابن للشيخ ثم عدت بأمي ودموعها على خدودها ..
فلما وصلنا وجدنا الخبر أمامنا في بيتنا ..
أن أخي وزوجته ماتا على إثر حادث لهما في الطريق ..
فلما وصلنا وجدنا الخبر أمامنا ..
أن أخي وزوجته ماتا على إثر حادث لهما في الطريق ..
أما قال الله
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} ..
كيف إذا كان المظلوم اماً أو أباً !!..
اتق الله يا زوجة الابن ..
اتق الله يا زوجة الابن ..
اتق الله في أم زوجك ..
فأنت عندك أم تريدين أن تبريها وهو مطالب ببر أمه ..
بل حقها أعظم حق عليه بعد حق الله ..
فلولاها ما كان ..
هل أنت التي حملتيه !!..
هل أنت التي التي ربيتيه !!..
هل أنت التي احتضنيه !!..
اتق الله يا زوجة الابن فأنت ستكونين أماً في يوم ما ..
هب أن الأم أخطأت هل يحق لنا أن نسيء معاملتها وننسى فضلها ..
أما أمرنا الله ببر الوالدين ولو كانا كافرين فقال :
{ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً } ..
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال صلى الله عليه وسلم :
(( رضى الله من رضا الوالدين ..
وسخط الله من سخط الوالدين ))..

اعلمي واعلم أن كل شيء يعوض في هذه الدنيا ..
الزوجة لو طلقتها ستتزوج وستجد من هي أفضل منها ..
وهي كذلك ستتزوج من هو أفضل منك ..
والأبناء ستنجب غيرهم ..
والأموال ستجمع مثلها ..
لكن كيف لو فقدت أمك أو فقدت أباك ..
لكن كيف لو فقدت أمك أو فقدت أباك ..

بصراحة كم واحد منا يقبل يد أمه ..
وكم واحد منا يقبل رأسها ..
وكم واحد منا يجلس بين قدميها ..
وكم واحد منا يكلمها بأدب واحترام ..
صدقوني ..
لو نظر كل واحد منا إلى أسلوب تعامله مع أمه لوجد نفسه عاقاً وجاحداً ..
الحقيقة ..
أننا بحاجة ماسة لإعادة النظر لعلاقاتنا مع أمهاتنا ..
أما تدرون أن في الإحسان للوالدين متعة في الدنيا وسعادة في الآخرة ..
والله إننا لنعجب ممن يظهرون على وسائل الإعلام يتحدثون عن علم الاجتماع وترتيب الأسرة وتنظيم العلاقات بين أفرادها ، وعلى الجانب الآخر ترقد أمهاتهم في دور العجزة والمسنين ..
أقسم بالله العظيم بعد وفاة الأم وهداية الابن العاق يتمنى هذا الابن ..
أن تخرج أمه رأسها من قبرها ليقبلها ويقول لها :
أماه سامحيني ..
أماه سامحيني ..
قال رجل لعمر بن الخطاب : إن لي أماً بلغ بها الكبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها فهل أديت حقها ..
قال : لا ..لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك ، وأنت تصنعه وتتمنى فراقها ..
قلت أنا : أين حنانك من حنانها !!..

اسمع ..
اسمعي ..
اسمعوا معي ..
اسمعوا هذه الصورة التي تبين حنان الأم وشفقتها ..
ما أروعها من صورة ..
تقول عائشة رضي الله عنها : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها عائشة ثلاث تمرات ؛ فأعطت الأم كل واحدة منهما تمرة ورفعت التمرة الثالثة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ..
تقول عائشة فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت الأم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
(( إنَّ الله قد أوجب لها الجنة ..
إن الله قد أوجب لها الجنة ، أو أعتقها من النار ))..
فأبشري أماه ..
أبشري أماه لن يضيع السهر والتعب ..

العنصر الآخر ..
لا أصدق ..
لا أصدق أنهم فعلوا بك هذا يا أماه ..
اسمع واسمعي الأم العجوز تروي خبرها ..
تقول حملته في بطني تسعة أشهر ومات أبوه بعد ولادته بأشهر ..
فكنت له أباً وأماً هو وأخته التي تكبره بسنوات ثلاث ..
من حبي له لم أفطمه إلا بعد ثلاث سنوات وبعد أن تركه بنفسه ..
أسبغت عليه كل حبي وحناني ولما بلغ سن الزواج زوجته من فتاة أحبها لأخلاقها ودينها وكرم أهلها ..
طلقها بعد خمس سنوات ..
بعد أن أنجبت له ولداً وبنتاً ..
طلقها لأنها كما يقول غير متعلمة ..
وتزوج أخرى تعمل مدّرسة ..
وقمت أنا بتربية ابنه وابنته ..
وكنت أخدم زوجته لكونها مدّرسة ونفسي راضية ..
وبعد فترة أصبحت لا تحب طعامي وتقول أني لا أعتني بالبيت كما ينبغي ..
فطلبت خادمة وتكفلت هي بمرتبها ..
ولما جاءت الخادمة استغنوا عن خدماتي ..
وأصبحت ضيفة ثقيلة على زوجة ابني ..
أصبحت ضيفة ثقيلة على زوجة ابني ..
أخذت تتهمني بالتدخل فيما لا يعنيني وأني أتدخل بشؤون الخادمة ، بل وأني أتلفظ عليها بألفاظ لا تليق ..
أصبح ابني لا يكلمني ..
بل أخرجني من غرفتي داخل البيت إلى الملحق الخارجي للبيت حيث سكن الخادمة ..
وأدخلوا الخادمة مكاني لحاجتهم لها ..
أدخلوا الخادمة مكاني لحاجتهم لها كما يقولون وخوفهم عليها ..
أما أنا فانتهت حاجتهم لي ولماذا يخافون علي !!..
لا أصدق أماه أنهم فعلوا هذ بك ..
تقول : تحملت هذا ورضيت وكتمت غيظي لأنه ابني أحبه ، ثم من أجل ولده وبنته من زوجته الأولى ..
في يوم عدت من زيارة ابنتي التي تسكن في مدينة أخرى ..
فلما توجهت إلى الملحق الذي أسكن فيه وجدت عفشي وفراشي وصندوقي الصغير قد وضعوا خارج الغرفة ..
ولما طرقت الباب عليهم أسألهم عن السبب قالت زوجة ابني وابني يقف خلفها :
لقد احتجنا للملحق ليكون مستودعاً لأغراضنا ..
قالت : وأنا أين أذهب ..أنا أين أذهب وبمثل هذا الوقت ؟!..
قالت _ يعني الزوجة _ اذهبي إلى أي مكان ..اذهبي إلى أي مكان إلا داخل البيت وأرض الله واسعة ..
لا أصدق أماه أنهم يفعلون هذا بك ..
أين القلوب !..
أين المشاعر !..
أين الإحساس !..
تقول الأم : العجيب أن ابني خلفها لم يحرك ساكناً ولم ينطق بكلمة ..
طرقت باب الجيران في جو شديد البرودة فلما دخلت على جارتنا قلت :
أريد ان أبيت عندكم الليلة ..
فاستغربت ماذا أقول لها ..فصارحتها فبكت غير مصدقة ..
قلت لها : فقط سأبات عندكم الليلة ثم في الصباح ستأتي ابنتي لتأخذني ..
فقالت : لا عليك والبيت بيتك ..
تقول العجوز ثم في الصباح اتصلت بابنتي وأخبرتها بالخبر وطلبت منها أن تحضر لتأخذني عندها ..
لكنها اعتذرت ..
لكنها اعتذرت لأن زوجها تضايق جداً عندما جلست عندها يومين فقط فكيف إذا سكنت عندهم ..
ثم أغلقت سماعة الهاتف ..
يالله ..
أماه ..أيعقل أنهم فعلوا هذا بك ..
أين جزاء الإحسان !..
أما علموا أن الزوج إذا فقد فبدله زوج آخر ..
وأن الزوجة إذا ذهبت فبدلها زوجة أخرى ..
ولكن إذا ذهبت الأم فكيف سيأتون بأم غيرها ..
لا أصدق أماه أنهم فعلوا هذا بك ..
تقول العجوز : أغلقت ابنتي سماعة الهاتف ومعه أغلقت باب الأمل ..
كنت آمل أن أسكن عندها لأنها ابنتي وهي التي سوف تتحملني وتتحمل كبري وعجزي ..
وصرت أبكي حتى لم أجد دموع أبكيها ..
وعلمت جارتي بالخبر شاطرتني البكاء وقالت : لا عليك فهذا بيتك ونحن أهلك..
وعن طريق أحد المحسنين في حينا لما علم بقصتي وفر لي سكناً قريباً وقام بتجهيزه وقال لي نحن مستعدون لخدمتك من كبيرنا إلى صغيرنا ..
كان أهل الحي يزوروني ويقدمون لي كل شيء إلا ابني لم يزرني ..
بل مرضت مرضاً شديداً وأخذني الجيران للمستشفى وصار أهل الحي يزوروني إلا ابني ..إلا ابني لم يزرني ولم يسأل عني ..
وها أنا أنتظر زيارته وقلبي يتقطع عليه ..
وها أنا أنتظر زيارته وقلبي يتقطع عليه ..
وأدعو الله أن يسامحه ويعفو عنه ..
ما أرحمك اماه ..
رغم ما صنع وفعل لا زلت تدعين له بالعفو والمغفرة ..
لا أصدق أماه أنهم فعلوا هذا بك ..
ولكن ..

قلب الزهـــور 27-02-2013 06:05 PM

تاااااابع
 

قسماً بمن قرن عبادته بالإحسان إليك ..
قسماً بمن قرن عبادته بالإحسان إليك ..
ليدفعن الثمن ولو بعد حين ..
والجزاء من جنس العمل ..
قال ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم :
(( البر لا يبلى ..
والذنب لا ينسى ..
والديان لا يموت ..
وكن كما شئت ..
فكما تدين تدان ))..
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لو علم الله شيئاً أدني من الأف لنهى عنه ..
فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة ..
وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار )) رواه ابن حبان في صحيحه..

العنصر الآخر
لماذا يبكي هذا ؟!..
يقول أحدهم زرت أخاً لي في الله فقال لي إن والدة جارنا قد ماتت وسيصلى عليها اليوم في الجامع الكبير فهل ترغب بالذهاب معي ..
فقلت : نعم ..وهل يكره الإنسان فعل الخير ..
يقول صلينا على الجنازة ثم تبعناها إلى المقبرة ..
هناك عند القبر كان رجل يبكي بكاءً شديداً ..
قلت : من هذا ؟!..
قال صاحبي : هذا ابنها ..
قلت : ألهذه الدرجة كان يحبها وباراً بها ..
قلت : ألهذه الدرجة كان يحبها وباراً بها ..
قال صاحبي : لا .. بل هي دموع الندم ..بل هي دموع الندم ..لقد ماتت ولم يرها منذ ثلاث سنوات ..
لقد لبثت في المستشفى عشرين يوماً ، وكانت تطلب رؤيته ولم يأتِ لرؤيتها ..
ماتت ولسان حالها : قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي عليّ مثل الحجر ..
هكذا نحن ..
لا نعرف قيمة الشيء حتى نفقده ..
وأي شيء في حياتنا أعظم من أمهاتنا ..
يالله ..
كيف يحتمل الإنسان فراق أمه التي ..
تلقته نطفة لا ترى ..
وتشكل في أحشائها خلية خلية ..
وتكون عظمه من دمها ..
ونبت لحمه من حلو لبنها ..
أمك ..
التي لا يلذ لها طعام ..
ولا يهنأ لها مقام ..
حتى تراك ملئ السمع والبصر ..
كم آثرتك على نفسها مع الخصاصة ..
كم سهرت لتنام ..
كم جاعت لتشبع ..
وكم شقت لتسعد أنت ..
أسألك بالله ..
من ذا الذي يسد الفراغ الذي تركته أمك وهي التي ..
كانت لا ترى الحياة إلا من خلالك ..
والسعادة إلا بوجودك ..
بل جعلت أكبر همومها أن ..
تحملك في بطنها ..
وتحضنك في حجرها ..
وترقبك بنظراتها ..
وترويك من صدرها ..
فأنت لها الأجمل منظراً ..
والأعذب صوتاً ..
ويوم أن عقتتها ردت جفاءك بحبها ..
وغلظتك بشفقتها ..
ونسيانك بسؤالها عنك ..
والله ما عرف قدرها إلا الله ..
حين جعل الجنة تحت أقدامها ..
وجعل النظر إلى وجهها عبادة ..
وربط حقه بحقها وشكره بشكرها ..
قال سبحانه : { وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } ..
وقال : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } ..
وقال صلى الله عليه وسلم :
(( رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه ، قيل من يا رسول الله :
قال : من أدرك والداه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة )) ..
عن رفاعة بن إياس قال : رأيت الحارث العلفي في جنازة أمه يبكي بكاء شديداً ، فقلت :لمَ كل هذا البكاء ؟!..
قال : كيف لا أبكي وقد أغلق عني اليوم باب من أبواب الجنة ..
كيف لا أبكي وقد أغلق عني اليوم باب من أبواب الجنة ..
أماه أنيني مرتفع … يسمعه القاصي والداني
أماه ذكرتك غائبة … فسئمت زماني ومكاني
أعياني رسمك في ذهني … وجهاً يستجمع أحزاني
يا ملك الموت أما تدري … من بعدك هُدّت أركاني
وحبال البعد تحاصرني … وتشدّ وثاق الحرمان
سأبرك أمي فاقتربي … فالدمعة تحرق أجفاني
أماه تعالي مسرعة … كي أشعر يوما بحنان
أو فابن عندك لي قبراً … كي أدخل كهف النسيان
عجباً أماه لمن يبدي … للأم صنوف النكران
لو سلبوا يوماً بسمتها … غنوا للبر بألحان
ندموا من فرط جهالتهم … أن باعوا بالباقي الفاني
فالأم نعيم يعرفه … من جرب يوماً حرمان
عن ابن بريدة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رسم قبر فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبراً ..
فقلنا : يا رسول الله إنا رأينا ما صنعت ..قال :
(( إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي ))..
فما رؤي باكياً أكثر من يومئذ صلوات ربي وسلامه عليه ..
فيا من فقدت أمك ..
فيا من فقدت أمك ..
ابكي على فقدها وأكثر من دعاءك لها ..
ويا من ما زالت أمك باقية ..
فالزم قدميها فثمَّ الجنة ..
فسيأتي يوم ولن تراها ..
فسيأتي يوم ولن تراها ..
العنصر الآخر ..
حقيقة لا خيال ..
في إحدى القرى المجاورة مرضت الأم العجوز فأخذها ابنها إلى المستشفى وتركها هناك وانتقل إلى العمل في المدينة ..
وبعد مدة عاد إلى قريتهم ..
وحين سألوه عن أمه ..
أجابهم أنها ماتت ودفنها ..
أجابهم أنها ماتت ودفنها وهي على قيد الحياة ..
وبعد مدة ذهب أحد سكان تلك القرية إلى مستشفى المدينة لزيارة قريبة له ، ودخل المستشفى فوجد أم ذلك الشاب بنفس الغرفة التي فيها مريضته ..
فسألها الرجل بتعجب واستغراب : أنت أم فلان؟!..
قالت : نعم ..
قال : من أتى بك إلى هنا ، ومنذ متى وأنت هنا ؟..
قالت : أحضرني ابني منذ سنتين ولم أره من حينها ..
_ اسمعوا ماذا تقول _ تقول : والله إني خائفة عليه ..
والله إني خائفة عليه أن يكون قد أصابه مكروه أو حصل له شر ..
يالله ..
ما أحلم الأم ، وما أحنها ، وما أرفقها ..
رماها ..تركها ..نساها ..
ولا تزال خائفة عليه ..
فقام الرجل بالاجراءات اللازمة وأخرجها وذهب بها إلى القرية ..
ثم قام بإعداد وليمة كبيرة ودعى كل أهل القرية وألح على ابنها بالحضور ..
فلما اجتمع أهل القرية ومن بينهم ذلك الابن سأله الرجل أمام الناس عن أمه ..
فقال : إنها ماتت قبل سنتين ..
قال : إنها ماتت قبل سنتين ..
فقام الرجل وطلب العجوز ثم أتى بها أمام الناس ..
ثم قال : أهذه أمك يا فلان ؟!..
وقال للعجوز : أهذا ابنك يا أم فلان ؟..
فصعق الابن العاق أمام الحضور ولم يستطع الكلام ..
صدقوني إنها قصة حقيقية وليست من نسج الخيال ..
لكن أيعقل مثل هذا ..
أهذا جزاها بعد طول عناها ..
أيعقل مثل هذا ..
وهل هذا من الدين في شيء ..
لم يكرر القرآن الكريم وصية أبلغ تأثيراً وأقوى عبارة بعد عبادة الله وحده ..
كأمره بالإحسان للوالدين وإكرامهما والعطف عليهما ..
اسمعوا معي هذه الآيات ..
قال الله : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } ـ ثم تأمل ـ { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }..
{ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } ..

قلب الزهـــور 27-02-2013 06:09 PM


قال صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه ، وقد كان يمر ببعض الأسرى وامرأة تأخذ
وليدها فتضمه إلى صدرها فيقول صلى الله عليه وسلم :
(( أرأيتم هذه طارحة وليدها في النار ؟!))..
قالوا : لا يا رسول الله هي أرحم به من ذلك ..
فقال صلى الله عليه وسلم :
(( فالله أرحم بكم من هذه بولدها ) ..
((فالله أرحم بكم من هذه بولدها ))..
وما قال هذا صلى الله عليه وسلم إلا ليبين أن الرحمة الإنسانية في أعلى صورها إنما هي عند الأم فقط ..
ولذلك كرر علينا بأبي هو وأمي :
(( أمك ثم أمك ثم أمك )) ..
فهل عرفنا قدر أمهاتنا !!..


العنصر الآخر والأخير :
هذه ممرضة أمريكية أرسلت هذا الخبر بعنوان :
أذهلني بر الوالدين في الإسلام ..
تقول ..
أول مرة سمعت فيها الكلام عن الإسلام كان أثناء متابعتي لبرنامج في التلفزيون فضحكت من المعلومات التي سمعتها ..
بعد عام من سماعي لكلمة الإسلام سمعتها مرة أخرى و لكن أين !!..
في المستشفى الذي أعمل فيه ..
حيث أتى زوجان وبصحبتهما امرأة كبيرة في السن مريضة ..
جلست الزوجة أمام المقعد الذي أجلس عليه لمتابعة عملي وكنت ألاحظ عليها علامات القلق وكانت تمسح دموعها ..
من باب الفضول سألتها عن سبب ضيقها وبكائها فأخبرتني أنها أتت من بلد آخر مع زوجها الذي أتى بأمه باحثاً لها عن علاج لمرضها ..
كانت المرأة تتحدث معي وهي تبكي وتدعو لوالدة زوجها ..تدعو لها بالشفاء والعافية ..
فتعجبت لأمرها كثيراً ..تأتي من بلد بعيد مع زوجها من أجل أن يعالج أمه ..
تذكرت أمي _ تقول الأمريكية _ تذكرت أمي وقلت في نفسي ..أين أمي ..لم أرها منذ أربعة أشهر ..وإلى الآن لم أفكر بزيارتها ..
هذه أمي ..كيف لو كانت أم زوجي!!..
لقد أدهشني أمر هذين الزوجين ولا سيما أن حالة الأم صعبة ..
وهي أقرب إلى الموت إلى الحياة ..
أدهشني أكثر أمر الزوجة وما شأنها وأم زوجها ..أتتعب نفسها وهي الشابة الجميلة من أجلها !!..
لماذا هذا !..
لم يعد يشغل بالي سوى هذا الموضوع ..
تخيلت نفسي لو أنني بدل هذه الأم ..
يا للسعادة التي سأشعر بها ..
ويا لحظ هذه العجوز ..
أني أغبطها كثيراً ..
كان الزوجان يجلسان طيلة الوقت معها ، وكانت مكالمات هاتفية تصل إليهما من الخارج يسأل فيها أصحابها عن حال الأم وصحتها ..
دخلت يوماً غرفة الانتظار فإذا الزوجة تنتظر فاستغللتها فرصة لأسألها عما أريد..
حدثتني كثيراً عن حقوق الوالدين في الإسلام وأذهلني ذلك القدر الكبير الذي يرفعهما الإسلام إليه وكيفية التعامل معهما ..
بعد أيام توفيت العجوز ..
فبكى ابنها وزوجته بكاء حاراً وكأنهما طفلان صغيران ..
بقيت أفكر في هذين الزوجين وما علمته عن حقوق الوالدين في الإسلام ، وأرسلت إلى أحد المراكز الإسلامية أطلب كتباً عن حقوق الوالدين ..
ولما قرأته عشت حلماً لا يغادرني ..
أتخيل خلالها أني أنا الأم ولي أبناء يحبونني ويسألون عني ويحسنون إلى حتى آخر لحظات عمري ودون مقابل ..
هذا الحلم الجميل جعلني أعلن إسلامي ..
هذا الحلم الجميل جعلني أعلن إسلامي ..
دون أن أعرف الإسلام ..
لم أعرف منه إلا حقوق الوالدين ..
فالحمد لله تزوجت من رجل أسلم وأنجبت منه أبناء ما برحت أدعو لهم بالهداية والصلاح ..
أنا اليوم أم عبد الملك ..
أنا اليوم أم عبد الملك فادعو لي ولأبنائي بالثبات ..
هذا هو ديننا ..
هذا هو ديننا ..
وهذه هي أخلاقنا ..
{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } ..
اسمعوا ماذا يصنع البر بأهله
اسمعوا ماذا يصنع البر بأصحابه ..
عن أسيد بن عمرو كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه إمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟..
حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟..
قال : نعم
قال : من مراد ثم من قرن ؟..
قال : نعم ..
قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم ؟..
قال : نعم ..
قال : لك والدة ؟..
قال : نعم ..

_ اسمع _ ..
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
((يأتي عليكم أويس بن عامر مع إمداد أهل اليمن .. من مراد ثم من قرن .. كان به برص فبرأ منه إلا موضوع درهم .. له والدة هو بار بها .. لو أقسم على الله لأبره )) ..
اسمع ماذا يصنع البر بأهله ..
(( له والدة هو بار بها .. لو أقسم على الله لأبره ..فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل )) ..
فاستغفر لي _ يقول له عمر _ فاستغفر لي..فاستغفر له
..( رواه مسلم )..

يالله ..
بره بوالدته بلغ به منزلة لو أنه أقسم على الله لأبره ..
أي بر هذا وما أعظم بر الوالدين ..
بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ..
بروا آباءكم تبركم أباؤكم ..
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالد والدينا ولكل من له حق علينا ..

أذكركم أحبتي قبل النهاية ..
أن الذي تبنى هذا اللقاء هو مؤسسة الوقف التي تتبنى مشروعاً اسمه مشروع الأم هي التي تبنت هذا اللقاء وقامت بالإعداد له .. تقيم وقفاً للأم في المدينة المنورة حيث تقيم وقفاً لصالح الأم ..
فاجعلوا للأم من هذا الوقف نصيب ..
لا يتردد منكم أحد ، وردوا بعضاً من فضل الأمهات بدعم هذا المشروع العظيم..
والأمهات والآباء إن ماتوا فتنفعهم الصدقات الجارية ..
فاجعلوا لأنفكسم ولأمهاتكم وآبائكم من هذا نصيباً ..
وما أعظم بر الوالدين ..
اللهم اجز والدينا عنا خير الجزاء يا سميع الدعاء ..
اللهم اغفر لهم وارحمهم ..
عافهم واعف عنهم ..
اشرح صدروهم ..
يسر أمورهم ..
اغفر ذنبهم ..
واستر عيبهم ..
ارحم شيبتهم ..
أطل أعمارهم ..
واختم بالصالحات أعمالهم ..
اللهم اجز الأمهات عنا خير الجزاء يا رب الأرض والسماء ..
اجزهم بالإحسان إحساناً وبالسيئات صفحاً وعفواً وغفراناً ..
اللهم من كان منهم ميتاً فاغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ..
وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه ..
اللهم اجمعنا ووالدينا في جنات النعيم ..
اللهم وفقنا لبر أمهاتنا ووالدينا يا رب العالمين ..
اللهم ارحمهم ..
اللهم ارحمهم كباراً كما ربونا صغاراً ..
اللهم ارحمهم كباراً كما ربونا صغاراً ..
اللهم تجاوز عنهم يا رب العالمين ..
اللهم رحماك بأمهاتنا في العراق ..
اللهم رحماك بأمهاتنا في فلسطين ..
اللهم رحماك بأمهاتنا في أفغانستان ..
اللهم رحماك بأمهاتنا في الشيشان ..
اللهم ارحم دموعهم ..
اللهم كن لهم عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً ..
اجبر كسر قلوبهم يا رب العالمين ..
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ،
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

قلب الزهـــور 27-02-2013 06:19 PM


" الآداب " .. بين توجيهات الشرع وانحرافات الناس
يخجل المرء عندما يريد أن يكتب عن مستوى الأدب الذي صار إليه الناس في هذه الأيام, وكذلك مستوى الأدب الذي صار إليه شباب أمة الإسلام.
ولقد حاولت أن أرقب مستوى الآداب من حولنا حتى لا أكون جائرًا في حكمي - إذا حكمت - فما رأيت ما يُعدل فكرتي ولا ما يحسن وجهتي.
فقد رأيت شدة الغضب في غير حلم, بدرجة تنفر الحبيب من حبيبه والقريب من قريبه, والرجل من زوجته والزوجة من زوجها, وقد يزداد الغضب إلى درجات أكبر فيحصل ما هو أكبر, وبحثت عن الحلم فما وجدت أهله, أو ربما هناك بعضهم ولكنهم لقلتهم قد تاهوا في وسط أهل الغضب.
ورأيت الجبن في غير شجاعة, إلى حد أن يجبن فيها السائر في الطريق عن إنقاذ جريح خوفًا من المساءلة, ويجبن فيها الناس عن كلمة إنكار لفعل قبيح في الطريق, ويجبن فيها آخرون عن جلوس مجلس علم في مسجد!!
ورأيت الجور والظلم في غير عدل, بدرجة لا يقوى فيها المظلوم أن يبث شكواه أمام الظالم, ويُغَير فيها المظلوم أهدافه وطريقة حياته خوفًا من الظالم.
ورأيت الشهوانية بغير عفة, إلى حد أن يتتبع الشاب موقع العري والفجور ويدفع في سبيله ماله, وبدرجة أن يسهر آخرون حتى الصباح على مشاهدة الفجور, ولحد أن تغزو المجتمع الإسلامي أفكار المثلية الجنسية واللواط ..وإلى حد أن يجتمع مئات الشباب في الشوارع لينهشو لحم أي فتاة تمر ويهتكوا سترها – كما حدث في بلد عربي كبير قبل أيام -
ورأيت البخل في غير كرم, إلى حد أن تقوم أسرة مسلمة عددها ثمانية أفراد شهريًا لا تجد أكثر من ثمن الخبز, وجارها يركب أفخر السيارات ويشتري حذاءه بثمن خمسة أشهر من قوت جيرانه!!
ورأيت الصراع على المال إلى حد أن يفقد الأخ أخاه والحبيب حبيبه من أجل المال.
كل ذلك ظاهر معروف معلوم لا يحتاج لبصيرة نافذة كي يُعرف وهو في ديار الإسلام يختلف باختلاف أحوال البلد.
وقـد يقول قائل: لا تنظر إلى السوء ولكن أنظر إلى الخير. وأقول له: إنني لا أشك في وجود الخير, ولكن النوع الآخر قد طغى وغطى وانتشر, والخير يأرز إلى أهل الغربة ويسكن عندهم, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ, فطوبى للغرباء) رواه مسلم عن أبي هريرة
فحاولت في تلك النظرة أن أذكر القارىء بأهم مواقع الأدب والخلق وتوجيهات الإسلام العظيم فيهما ثم أن أنظر إلى أدب الصالحين ثم أعود إلى واقعنا المرير وأتساءل عن الأسباب والدواقع ..

1- القرآن يأمر بالأدب:
قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90].
وقال سبحانه:
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
[الأعراف:199]
وقال سبحانه:
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
[لقمان: 17]
وقال سبحانه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[المائدة: 13]
وقال سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
[فصلت: 34].
وقال سبحانه:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[آل عمران: 134].
2- آدابه صلى الله عليه وسلم :
قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
* وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم حسن خَلقي وخُلقي) أخرجه أحمد (6/68).
* وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (اللهم جنبني منكرات الأخلاق)
أخرجه الترمذي
وكان صلى الله عليه وسلم:
أحلم الناس, وأشجع الناس, وأعدل الناس, وأعف الناس, لم تمس يده قط يد امرأة لا تحل له, وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم, وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منـزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه, لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه, وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويخدم أهله, وكان أشد الناس حياءً لا يثبت بصره في وجه أحد.
ويجيب دعوة الحر والعبد, ويقبل الهدية ولو كانت جرعة لبن, ولا يأكل الصدقة ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين.
يغضب لربه ولا يغضب لنفسه أدبًا, وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع, يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد, لا يأكل متكئًا ولا على خوان.
لم يشبع من خبز بُر ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تعالى, وكان أشد الناس تواضعًا وأسكتهم في غير كبر وأحسنهم بشرًا, لا يهوله شيء من أمور الدنيا, يركب الحمار ويردف خلفه عبده أو غيره.
يعود المرضى في أقصى المدينة, يحب الطيب, ويجالس الفقراء ويؤاكل المساكين, ويكرم أهل الفضل ويصل رحمه, ولا يجفو على أحد, يقبل معذرة المعتذر, يمزح ولا يقول إلا صدقًا.
لم يرتفع على خدمه في مأكل ولا ملبس, لا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لابد منه من صلاح نفسه, لا يحتقر مسكينًا لفقره, ولا يهاب ملكًا لملكه, قد جمع الله تعالى له السيرة الفاضلة والسياسة التامة, ما ضرب بيده أحدًا أبدًا, إلا أن يضرب بها في سبيل الله, وما انتقم من شيء إلا أن تنتهك حرمات الله , وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما, صلى الله عليه وسلم
3- بين العلم والأدب:
لا أدب إلا بعلم, ولا ينفع العلم بغير أدب, بل العلم بغير أدب قد يضر صاحبه فيهلكه, روى الذهبي عن محمد بن إبراهيم بن سعيد قال:
"من أراد العلم والفقه بغير أدب فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله".
والأدب هو القيد الحسن الذي يقيد الأخلاق عن الانحراف والجنوح والشطط, ومن لا أدب له لا صحبة له ولا أخوة, وينفض الناس من حوله, ويبغضه أقرب الناس إليه, وعديم الأدب تسيطر عليه نفسه فتدفعه إلى هواها فيقع في المحظور، وقليل الأدب لا يبدو عليه العلم مهما تعلم, ولكن تراه كالحمار يحمل أثقالاً.
وجدير بشباب أمة الإسلام وطلبة العلم الإسلامي الذين حرصوا على جمع العلم وتحصيله أن يتعلموا الأدب ويبذلوا جهدهم في تحصيله والتخلق به, ولو احتاج ذلك منهم إلى أوقات كثيرة؛ لأنه باب العلم والطريق إليه, قال يوسف ابن الحسين: بالأدب تتفهم العلم, وبالأدب تحمل العلم, وبالعلم يصح لك العمل, وبالعمل تنال الحكمة.
ومن الآداب ما هو واجب وتركه محرم, ومنها ما هو مستحب وتركه مكروه, لذا فإن العلم لا يكفي لتربية النفس إن لم يكن مقترنًا بالأدب وملفوفًا في ثوبيه.
والأدب لطالب العلم يستر عورته ويخفي سوءته, وهو للعالم يرفع درجته ويُعلي شأنه ويكثر بين الناس أحبابه ومريديه وتلامذته.
وصدق الحكيم الذي قال: "أدب السائل أنفع من الوسائل".
والأدب للدعاة إلى الله سبحانه أمر لازم يحتاجه الداعية كحاجته للسانه وقلمه بل قد يزيد, وإنه لمما يحزن أنك ترى بعض الدعاة إلى الله سبحانه قد عافوا الأدب وأعرضوا عنه, وولغوا في قصعة السفهاء والجهال.
فقلدوهم في طريقة حديثهم, فلا تسمع منهم إلا صوتًا صاخبا, وألفاظًا سفيهة تافهة يقلدون بها الجهال, وتعلو أصواتهم بالقهقهة والمزاح الخارج, وقلدوا الجهال في السخرية من الناس ورفع مقام ذوي المال والسلطان وتنزيل مقامات أهل العلم والإيمان .
وقلدوا الجهال في ترك معالي الأهداف والمبادئ وسحبتهم الأموال, فتصارعوا عليها, بل استساغ بعضهم أن يفقد دعوته وينسلخ من طريقه الذي سار فيه سنين طويلة يتعلم ويدعو إلى الله, لا لشيء إلا لإغراء المال… ولعمري إذا فسد أدب هؤلاء من إذن ينتظر منه أن يعلم الناس الأدب والأخلاق ؟!
4- رأس الأدب الحياء:
الحياء رأس الأدب, وخلق الإسلام, ومن أبرز الصفات التي تنأى بالمرء عن الرذائل وتحجزه عن السقوط إلى سفاسف الأخلاق وحمأة الذنوب, كما إنه من أقوى البواعث على الفضائل وارتياد معالي الأمور, وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء.
وقلة الحياء من موت القلب والروح, فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم, ويكفي الحياء خيرًا كونه على الخير دليلاً, إذ مبدأ الحياء انكسار وانقباض يلحق الإنسان مخافة نسبته إلى القبيح, ونهايته ترك القبيح
, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الحياء لا يأتي إلا بخير) متفق عليه
وضد الحياء: الوقاحة, وهي مذمومة في كل الناس, ومن حرم الحياء هجمت عليه الوقاحة فأسرته في صفها,
قال مالك بن دينار: "ما عاقب الله تعالى قلبًا بأشد من أن يسلب منه الحياء".
وقال سفيان بن عيينة: "لا يخاف العبد حتى يستحي, وهل دخل أهل التقوى في التقوى إلا من الحياء".
* أما كيف نولد الحياء في قلوبنا؟
فهو بأمرين: تذكر نعمة الله, ومعرفة تقصيرنا في حقه.
لما احتضر الأسود بن يزيد بكى, فقيل له: ما هذا الجزع؟ فقال: "ما لي لا أجزع ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله تعالى لأهمني الحياء منه مما صنعت, إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه, ولا يزال مستحيًا منه".
وشهد الفضيل بن عياض موقف عرفات, فرفع رأسه إلى السماء وقد قبض على لحيته وهو يبكي بكاء الثكلى ويقول: "وا سوأتاه منك, وإن عفوت".
وقال الفضيل: "خمس من علامات الشِّقوة: القسوة في القلب, وجمود العين, وقلة الحياء, والرغبة في الدنيا, وطول الأمل".
وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه يقول: "من قل حياؤه قل ورعه, ومن قل ورعه مات قلبه, من استحيا استخفى, ومن استخفى اتقى, ومن اتقى وقى".
وعن الحسن رحمه الله - وذكر عثمان رضي الله عنه وشدة حيائه - قال: "إن كان ليكون في البيت والبيت عليه مغلق, فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء, يمنعه الحياء أن يقيم صلبه".
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: "إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياء من ربي عز وجل".
وعلى المرء الصالح أن يستحي من الله سبحانه ثم من ملائكته ثم من الناس ونفسه.
قال ابن القيم رحمه الله: "قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: إن معكم من لا يفارقكم فاستحيوا منهم وأكرموهم". وقد نبه سبحانه على هذا المعنى فقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:10-12]
أي: استحيوا من هؤلاء - الملائكة - الحافظين الكاتبين وأجلوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم, والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم, فإن كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه وإن كان يعمل مثل عمله, فما الظن بأذى الملائكة الكرام الكاتبين؟ والله المستعان"الداء والدواء.
* وعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت)
الصحيحة للألباني.
* وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: (استحيوا من الله حق الحياء), قالوا: إنا نستحي يا رسول الله, قال: (ليس ذاكم, ولكن من استحيا من الله حق الحياء: فليحفظ الرأس وما وعى, وليحفظ البطن وما حوى, وليذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)
رواه أحمد والترمذي.
5- أدب اللسان:
لقد ندبنا الله سبحانه إلى اختيار أحسن الكلام وأكرمه وأصفاه وأكمله حيث قال سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} , ثم بين سبحانه أن النزول عن درجة التي هي أحسن في الكلام يعطي فرصة للشيطان أن يوقع بين الناس
فقال سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الاسراء: 53].
هل نؤاخذ بما نقول؟
* عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
قلت يا رسول الله: هل نؤاخذ بما نقول؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي.
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) متفق عليه.

قلب الزهـــور 27-02-2013 06:26 PM

تاااابع
 

لا تتكلم فيما لا يعنيك:
إن سبب الكلام فيما لا يعني حرص الإنسان أن يعرف ما لا حاجة له به, أو قضاؤه الأوقات في الحكايات التي لا فائدة فيها, أو فضوليته لمعرفة أحوال غيره أو استشراف ما خبئ عنه, وكلها أخلاق مذمومة ينبغي على أهل الإسلام التطهر منها والتنزه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.
الكلمة الموبقة:
وهي كلمة المعصية, يقولها الإنسان وقد لا يهتم بها, وقد ينساها, ولكن ربك لا يضل ولا ينسى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)
أخرجه أحمد والترمذي
ليس المؤمن هكذا:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)
أخرجه أحمد
والطعان الذي يطعن في خلق الناس وفي أعمالهم وصفاتهم بالسوء, واللعان الذي يكثر اللعن في كلامه وحديثه, والفاحش الذي لا يستحي من ذكر الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة, والبذيء هو عديم الحياء, فتأمل هذا الحديث وأدب نفسك بآدابه… تتأدب .
هل تمزح ؟
لا يليق بطالب العلم ولا الدعاة إلى الله كثرة المزاح والمداومة عليه والإفراط فيه؛ فإن الأمة الجادة لا تعرف المزاح, والمداومة على المزاح تسقط الهيبة والوقار, وتسبب كثرة الضحك, وأما الذي يليق بأهل الإيمان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم, عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أمزح ولا أقول إلا حقًا) أخرجه الطبراني في الكبير,
وصححه الألباني.
وقال عمر بن الخطاب: من مزح استخف به, وقال سعيد بن العاص لابنه: يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك (يضيق صدره منك), ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك.
المؤمن لا يكذب: فالكذب في الكلام - ولو كان بكلمة واحدة - من قبائح الذنوب وفواحش العيوب
, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إياكم والكذب, فإنه مع الفجور وهما في النار)
أخرجه أحمد وابن ماجه
ما الغيبة؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : (الغيبة ذكرك أخاك بما يكرهه)
أخرجه مسلم
قال القاسمي: "حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه حتى في ثوبه وداره ودابته".
هل الغمز من الغيبة؟
قال في موعظة المؤمنين: "وإنما حرم الذكر باللسان - الغيبة - لما فيه من تفهيم الغير نقصان أخيه وتعريفه بما يكرهه, ولذا كان التعريض به كالتصريح, والفعل فيه كالقول, والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة, وكل ما يُفْهِم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام".
هل أرد غيبة أخي؟
إذا جلست مجلسًا ذُكر فيه أخوك بما يكره وجب عليك أن ترد غيبته, فعن جابر بن عبد الله قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موضع ينتهك فيه عرضه ويستحل حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصره, وما من امرئ خذل مسلمًا في موطن تنتهك فيه حرمته إلا خذله الله
في موضع يحب فيه نصرته)أخرجه أحمد وأبو داوود, وفي رواية: (من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقًا على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة).
6- ثورة الغضب:
إن الغضب شعلة نار مستكنة في الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد, ويستخرجها الشيطان اللعين ويزكيها داء الكبر في قلب الغضبان.
والغضب مفتاح كل شر, وقال الحكماء: رأس الحمق الحدّة وعموده الغضب. وقال الحسن: المؤمن لا يغلبه الغضب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أوصني. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب), فكرر مرارًا, فقال: (لا تغضب)البخاري.
هل يمكن زوال الغضب؟
نسمع كثيرًا من الناس يصفون أنفسهم بشدة الغضب ولا يجدون لذلك دواءً, وقد بين العلماء أن زوال الغضب يكون بالتدريب على ذلك ورياضة النفس عليه، فمن عود نفسه التحلم صار - بطول الوقت - حليمًا, وإنما الحلم بالتحلم, وليس التدريب ورياضة النفس لينعدم الغضب, ولكن ليستعمله على حد يستحبه الشرع, فيكون في محاب الله وليس انتصارًا للنفس,
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم)حسنه الألباني.
7- الرفق الجميل:
إذا كان الغضب والشدة نتيجة الفظاظة والغلظة, فإن الرفق واللين نتيجة حسن الخلق والأدب, ولا يرفق إلا مؤدب, ولأجل هذا فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ في الثناء عليه.
* فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق)أخرجه أحمد.
* وعن عائشة أيضًا رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بالرفق؛ فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه)أخرجه مسلم
وما أجمل طالب العلم والداعية إلى الله إذا اتصف بالرفق, ما أجمله! ما أجمله!
8- من آداب الصالحين :
روى الذهبي أن جابر بن عبد الله قال: قال عمر بن الخطاب: "أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا".
وذكر الذهبي عن معاذ قال: "ما بزقت عن يميني منذ أسلمت".
وعن أبي رزين قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.
قال الذهبي: وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس فقلعه, فقال له العباس: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه, فأقسم عمر: لتصعدن على ظهري ولتضعنه موضعه.
وعن أبي سلمة أن ابن عباس قام إلى زيد بن ثابت, فأخذ له بركابه, فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: هكذا نفعل بعلمائنا.
وروى الذهبي عن مغيرة قال: خرج عديٌ وجرير البجلي وحنظلة الكاتب من الكوفة, وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.
وعن عبد الرحمن بن رزين قال: أتينا سلمة بن الأكوع, فأخرج إلينا يدًا ضخمة كأنها خف البعير, فقال: بايعت بيدي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأخذنا يده فقبلناها.
وكان علي بن الحسين إذا سار في المدينة على بغلته, لم يقل لأحد: الطريق, ويقول: هو مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدًا.
قال سفيان بن عيينة: لما مات مسلم بن يسار قال الحسن البصري: وامعلِّماه.
وقال ابن جريج عن عطاء: إن الرجل ليحدثني بالحديث, فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد.
وعن أيوب قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين, لو أتيت المدينة؛ فإن قضى الله موتًا في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إليّ من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلاً.
وعن عاصم بن أبي النجود قال: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبَّل كفِّي.
وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل, فذكر إبراهيم, وكان متكئًا من علة فجلس, وقال: لا ينبغي إن ذكر الصالحون فيُتكأ.
وعن يحيى بن يمان قال: كان سفيان الثوري إذا قعد مع إبراهيم بن أدهم تحرز من الكلام (تأدبًا).
قال أبو مصعب: سمعت مالكًا يقول: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.
وقال: كان مالك لا يُحدث إلا وهو على طهارة إجلالاً للحديث.
وقال ابن وهب: ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه.
وعن مالك قال: ما جالست سفيهًا قط.
وعن مالك قال: إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ذهب بهاؤه.
وعن ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: حق على من طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية.
وقال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة, لا يتغذى ولا يتعشى إلا مع الناس.
وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال: إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا.
قال إبراهيم بن الأشعث: رأيت سفيان بن عيينة يُقبل يد الفضيل مرتين.
وقال سَلْم بن جنادة: جالست وكيعًا سبع سنين, فما رأيته بزق ولا مس حصاة ولا جلس مجلسًا فتحرك, وما رأيته إلا مستقبل القبلة وما رأيته يحلف بالله.
قال الفلاس: ما سمعت وكيعًا ذاكرًا أحدًا بسوء قط.
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ ستة عشرة سنة.
وقال الشافعي: لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: سمعت يحيى بن معين يقول: الذي يحدِّث ببلد به من هو أولى بالتحديث منه أحمق.
وقال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا.
وعن سهل بن عبد الله التستري قال: من أخلاق الصديقين أن لا يحلفوا وأن لا يغتابوا ولا يُغتاب عندهم, وأن لا يشبعوا, وإذا وعدوا لم يخلفوا ولا يمزحون أصلاً.
وعن ابن سيرين: أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن: اسمعوا له وأطيعوا واعطوه ما سألكم, فخرج من عند عمر على حمار فوكف, تحته زاده, فلما قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف وعرق.
وعن مروان الأصفر, سمع الأحنف يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل لذلك وإن تعذبني فأنا أهل لذلك.
وقال الأحنف: ثلاث فيّ ما أذكرهُن إلا لمعتبر: ما أتيت أبواب السلاطين إلا أن أدعى, ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما, وما أذكر أحدًا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير.
وكان الأحنف إذا أتاه رجل وسع له, فإن لم يكن له سعة, أراه كأنه يوسع له.
وعن ثابت البناني: أن أبا برزة كان يلبس الصوف, فقيل له: إن أخاك عائذ ابن عمرو يلبس الخزّ (الثمين من الثياب), قال: ويحك ومن مثل عائذ؟ فانصرف الرجل فأخبر عائذًا, فقال: ومن مثل أبي برزة؟ قال الذهبي: هكذا كان العلماء يوقرون أقرانهم.
قال أبو المنهال: سألت البراء عن الصَّرف, فقال: سل زيد بن أرقم, فإنه خير مني وأعلم.
قال محمد بن سيرين: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى وأصحابه يعظمونه كأنه أمير.
وقال مورق العجلي: ما قلت شيئًا قط إذا غضبت أندم عليه إذا زال غضبي.
وعن جميل بن مرة قال: كان مورِّق العجلي رحمه الله يجيئنا فيقول: أمسكوا لنا هذه الصرة فإن احتجتم فأنفقوها, فيكون آخر عهده بها.
وعن عمرو بن مالك قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: ما لعنت شيئًا قط ولا أكلت شيئًا ملعونًا قط, ولا آذيت أحدًا قط ولا ماريت أحدًا قط, قال الذهبي: فانظر إلى هذا السيد واقتد به.
وقال وهب بن منبه: لباس الإيمان التقوى وزينته الحياء وماله الفقه.
وقال وهب: المؤمن ينظر ليعلم ويتكلم ليفهم ويسكت ليسلم ويخلو ليغنم.

شمس القوايل 28-02-2013 01:36 AM

يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح القيم

مجهود مميز عساج ع القوه

ننتظر جديدج القادم

ملكة الرومنس 01-03-2013 02:24 PM

يعطيك ربي ألف عافيه
طرح رآئع وتواجد مميز ننتظر مزيد من العطاء

ودي وتقديري

قلب الزهـــور 20-03-2013 02:40 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمس القوايل (المشاركة 5482329)
يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح القيم

مجهود مميز عساج ع القوه

ننتظر جديدج القادم

هلااااااااااا وغلااااااااااا
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي
تقبلي شكري تقديري واحترامي
مع تحياتي قلب الزهور
بباي

قلب الزهـــور 20-03-2013 02:41 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ♪♥̊۾ـﻠﮕـةﭐلر̉و۾ـنسے̊♥♪ (المشاركة 5483064)
يعطيك ربي ألف عافيه


طرح رآئع وتواجد مميز ننتظر مزيد من العطاء


ودي وتقديري

هلااااااااااا وغلااااااااااا
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي
تقبلي شكري تقديري واحترامي
مع تحياتي قلب الزهور
بباي

قلب الزهـــور 20-03-2013 02:46 AM



داء الرياء
دلت أدلة الكتاب والسنة من الآيات والأخبار على تحريم الرياء وذم فاعله قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الذين هم يراءون }[ الماعون : 4-6] ويقول الله عز وجل:{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف:110] .
وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل : << أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه >> وقال صلى الله عليه وسلم :
<< إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا : وما الشر الأصغر يا رسول الله ؟ قال : الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء >> .
رأى أبو أمامه الباهلى رجلا في المسجد يبكى في سجوده فقال : أنت أنت لو كان هذا في بيتك .
بيان حقيقة الرياء وجوامع ما يراءى له :
الرياء مشتق من الرؤية ، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم خصال الخير ، والمراد به كثير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس وهي : للبدن والزي والقول والعمل ولاتباع والأشياء الخارجة .
فأما الرياء في الدين بالبدن فبإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة .
وأما الرياء بالهيئة والزي فمثل تشعيث الشعر ، وإطراق الرأس في المشي ، والهدوء في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه ، كل ذلك يراءى به .
وأما الرياء بالقول فرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والآثار لإظهار شدة العناية بأحوال الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس .
وأما الرياء في العمل فكمراءاة المصلي بطول القيام وطول السجود والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات .
وأما المراءاة بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما من العلماء ليقال : إن فلانا قد زار فلانا .
بيان المرائي لأجله :
اعلم أن للمرائي مقصودا لا محالة وإنما يرائي لإدراك حال أو جاه أو غرض من الأعراض ، وله درجات أحدها أن يكون مقصودة التمكن من معصيته كالذي يرائي بعبادته ويظهر التقوى والورع وغرضه أن يعرف بالأمانة فيولى منصبا أو يسلم إليه تفرقة مال ليستأثر بما قدر عليه منه ، وهؤلاء أبغض المرائين إلى الله تعالى ، لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلما إلى معصيته ثانيها أن يكون غرضه نيل حظ
من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح كالذي يظهر العلم والعبادة ليرغب في تزويجه أو إعطائه ؛ فهذا رياء محظور لأنه طلب بطاعة الله متاع الحياة الدنيا ولكنه دون الأول .
و الثالث أن لا يقصد نيل حظ وإدراك مال أو نكاح ، ولكنه يظهر عبادته خوفا من أن ينظر إليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد ويعتقد أنه من جملة العامة .
بيان الرياء الخفي :
الرياء جلي وخفي : فالجلي هو الذي يبعث على العمل يحمل عليه ولو قصد الثواب وهو أجلاه ، وأخفى منه قليلا الذي لا يحمل على العمل بمجردة إلا أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه ، ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاعاته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يقابلوه بالبشاشة والتوفير ، وأن يثنوا عليه ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يثنوا عليه ، ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء ، وأن يوسعوا له المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ، ولم يزل المخلصون خائفين من الرياء الخفي يجتهدون في إخفاء طاعاتهم أعظم مما يحرص الناس عل إخفاء فواحشهم ، كل ذلك رجاء أن يخلص أعمالهم الصالحة فيجازيهم الله يوم القيامة بإخلاصهم إذ علموا أنه لا يقبل يوم القيامة إلا الخالص ، وعلموا شدة حاجتهم وفاقتهم في القيامة .
دواء الرياء وطريق معالجة القلب منه:
عرفت أن الرياء محبط للأعمال ، وسبب للمقت عند الكبير المتعال ، وأنه من كبائر المهلكات ، وما هذا وصفه فجدير التشمير عن ساق الجد في إزالته و علاجه ، وها هنا مقامان:
أحدهما: قطع عروقه وأصوله وهي حب لذة المحمدة والفرار من ألم الذم والطمع فيما أيدي الناس ، فهذه الثلاثة هي التي تحرك المرائى إلى الرياء وعلاجه أن يعلم مضرة الرياء وما يفوته صلاح قلبه وما يحرك عليه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله تعالى ، وما يتعرض له من العقاب والمقت الشديد والخزي الظاهر ، كما فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين الهم ف الدنيا بما يفوته في الآخر وبما يحبط عليه من ثواب الأعمال فإنه يسهل عليه قطع الرغبة عنه كمن يعلم أن العسل لذيد ولكنه إذا بان له أن فيه سما أعرض عنه .
المقام الثاني : دفع العارض منه أثناء العبادة وذلك لابد أيضا من تعلمه فإنه من جاهد نفسه بقطع مغارس الرياء وقطع واستحقار مدح المخلوقين وذمهم فقد لا يتركه الشيطان في أثناء العبادة بل يعارضه بخطرات الرياء فإذا خطر له معرفة إطلاع الخلق دفع ذلك بأن قال لنفسه مالك وللخلق علموا أو لم يعلموا والله عالم بحالك فأى فائدة في علم غيره ، فإذا هاجت الرغبة إلى لذة الحمد ذكر ما رسخ في قلبه آفة الرياء وتعرضه للمقت الإلهي والخسران الأخرى .
بيان الخطأ في ترك الطاعات خوفا من الرياء :
من الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به ، وذلك غلط ومواقفه للشيطان وجر إلى البطالة وترك للخير ، فما دام الباعث على العمل صحيحا وهو في ذاته موافق للشرع الحنيف فلا يترك العمل لوجود خاطر الرياء ، بل على العبد أن يجاهد خاطر الرياء ويلزم قلبه الحياء من الله وأن يستبدل بحمده حمد المخلوقين .
قال الفضل بن عياض :" العمل من أجل الناس شرك ، وترك العمل من أجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما ".
وقال غيره : " من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الإخلاص والعمل ".

قلب الزهـــور 20-03-2013 02:50 AM



كلمات في الصميم
سئل الحسن البصري عن سر زهده في الدنيا فقال: أربعة أشياء:
علمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به.
وعلمت أن رزقي لا يذهب إلى غيري فاطمأن قلبي.
وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن يراني على معصية.
وعلمت أن الموت ينتظرني فاعددت الزاد للقاء ربي.
***
رأى إبراهيم بن أدهم رجلا مهموما فقال له: أيها الرجل إني أسألك عن ثلاث تجيبني قال الرجل: نعم.
* فقال له إبراهيم بن أدهم: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟قال: كلا.
* قال إبراهيم: أفينقص من رزقك شيء قدره الله لك؟ قال: لا.
* قال إبراهيم: أفينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟ قال: كلا.
فقال له إبراهيم بن أدهم: فعلام الهم إذن؟؟!
***
قال الأحنف بن قيس: شكوت إلى عمي وجعا في بطني فنهرني ثم قال:
يا بن أخي لا تشك إلى أحد ما نزل بك فإنما الناس رجلان: صديق تسوؤه وعدو تسره.
يا بن أخي:
لا تشك إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله لنفسه ولكن اشك إلى من ابتلاك به فهو قادر على أن يفرج عليك.
يا بن أخي
إحدى عيني هاتين ما
أبصرت بها سهلا ولا جبلا منذ أربعين سنة
وما أطلعت ذلك امرأتي ولا أحدا من أهلي.
***
قال أحد الصالحين:- عجبت لمن بُلي بالضر، كيف يذهل عنه أن يقول:
{أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}
والله تعالى يقول بعدها:
{فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر} (الأنبياء:84)
- وعجبت لمن بلي بالغم، كيف يذهل عنه أن يقول:
{لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}
والله تعالى يقول بعدها:
{فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} (الأنبياء 88)
- وعجبت لمن خاف شيئاً، كيف يذهل عنه أن يقول:
{حسبنا الله ونعم الوكيل}
والله تعالى يقول بعدها:
{فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}
(آل عمران:174).
- وعجبت لمن كوبد في أمر، كيف
يذهل عنه أن يقول:
{وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}
والله تعالى يقول بعدها:
{فوقاه الله سيئات ما مكروا} (غافر:45).
- وعجبت لمن أنعم الله عليه بنعمة خاف زوالها، كيف يذهل عنه أن يقول:
{ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} (الكهف:39).

قلب الزهـــور 20-03-2013 02:54 AM


خوارم المروءة
الجزء الأول

خوارم المروءة :
يُقصد بالخوارم جمع خُرم : تلك النقائص التي تفقد الشيء تمامه .يقول الشاعر :
مررتُ على المروءةِ وهي تبـكي فقلتُ : عَلامَ تنتـحبُ الفتاة ؟
فقالت : كيف لا أبـكي وأهلي جمـيعاً دون خَـلق الله مـاتوا
· كثرة المزاح والمداعبة القولية والفعلية ولاسيما مع من لا يعرفهم الإنسان ؛ لما في ذلك من إسقاطٍ هيبته ، والإقلال من مكانته ، و لأن كثرة المزاح مدعاةٌ لحصول الخصام ، وإثارة الأحقاد في النفوس . قال الشاعر :
فإيـاك إيـاك المزاحَ فـإنه يُجري عليك الطفل والرَجل النذلا
ويُذهب ماء الوجه بعد بهـائهِ ويورث بعـد العـزِ صاحبـه ذُلا
وهنا يجدر التنبه إلى أن هذا لا يعني أن يكون الإنسان عبوساً منقبضاً ؛ فإن هذا مما يُذم و يُكره ، ولكن هدي الإسلام أن يكون الإنسان جاداً في قوله وعمله وكل شأنه ، مع شيءٍ من البشاشة وطلاقة الوجه لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ " . ( مسلم ، الحديث رقم 6690 ، ص 1145 )كما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى عُماله :" امنعوا الناس المزاح ؛ فإنه يذهب بالمروءة ، ويوغر الصدور ". وما ذلك إلا لما ينتج عن كثرة المزاح - في الغالب - من الاستخفاف وقلة الهيبة وذهاب الحشمة .
· أن يأكل الإنسان طعامًا أو يشرب شراباً وهو يمشي في الأسواق والطرقات ، فهذا فعلٌ وطبعٌ يتنافى مع كمال المروءة ، ولا يتفق ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات . ولذلك فقد ورد أثرٌ عن ابن سيرين أنه قال : " ثلاثةٌ ليست من المروءة : الأكل في الأسواق ، والإدِّهان عند العطار ، والنظر في مرآة الحجام " . ويتبع لذلك عادة قضم ما يُسمى (الفصفص أو الحب وغيره من أنواع المكسرات المعروفة) أمام الناس ، ولا سيما في أماكن التجمعات والشوارع والأسواق والميادين العامة والمجالس لما في ذلك من مخالفةٍ للمروءة ، وعدم احترامٍ للآخرين في هذه الأماكن .
· عدم احترام الصغار للكبار سواءً أكان ذلك في المجالس أم في المناسبات ، وعدم توقيـر كبار السن و إنزالهم منازلهم ، حتى أصبحنا في وقتنا الحاضر نرى الصغار يُسابقون الكبار في كل شئ ، وقد يعارضونهم في الكلام ؛ أو يسخرون منهم والعياذ بالله ، وهذا أمرٌ محرمٌ ؛ لأن الله تعالى وهو رب العالمين يُكرم ويُجل ذي الشيبةٍ المسلم .فقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المُسلم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4843 ، ص 261 )وهنا تجدر الإشارة إلى أن على الآباء تربية أبنائهم على آداب المروءة وتعويدهم إياها منذ نعومة أظفارهم حتى لا تسبق إليهم الأخلاق والطباع السيئة فتحول بينهم وبين مكارم الأخلاق وجميل الطِباع قال الشاعر :
إذا المرءُ أعيتْهُ المروءةُ ناشِئاً فمطلبُها كهلاً عليه عَسِيـرُ
· أن يعتاد الإنسان التبول واقفاً لغير حاجة لاسيما في دورات المياه العامة ونحوها ؛ لأن الأولى أن يتبول الإنسان جالساً لما في ذلك من المنافع الصحية ، والاحتياط لعدم انتشار النجاسة أو التلوث بها . أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك من مرضٍ ونحوه فلا بأس في ذلك إن شاء الله .
· الإكثار من تناول الطعام والإقبال عليه بنهمٍ شديدٍ لاسيما عندما يكون الإنسان مدعواً إلى وليمةٍ أو نحو ذلك ؛ لما في ذلك من منافاةٍ للأدب ، ولما فيه من مخالفة لهدي الإسلام عند تناول الطعام " وقد ذكر ابن عبد البـر عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه كان إذا دُعي إلى طعامٍ أكل شيئاً قبل أن يأتيه ، ويقول : قبيحٌ بالرجل أن يُظهِر نُهمته في طعام غيره " .
· التجشؤ بصوتٍ مرتفعٍ أو ما يُعرف بعادة " التَكَـعُّرْ " ، ويُقصد بذلك إخراج صوتٍ مرتفعٍ ومزعجٍ من الفم في حضرة الناس ، وعادةً ما يكون التجشؤ نتيجةً للشِبع وكثرة الأكل . وهنا تجدر الإشارة إلى أن من أسوأ العادات وأكثرها أذى في الصلاة أن يتجشأ آكل الثوم ، أو البصل ، أو الكُراث في صف المصلين فيُزعجهم ويقطع خشوعهم وتخرج من فمه رائحة كريهةٌ يؤذي بها عباد الله من الملائكة والمصلين ؛ فعن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) قال : تجشأ رجلٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " كف عنا جُشاءك فإن أكثرهم شِبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2478 ، ص 649 )
· أن يأتي الإنسان ببعض الأقوال أو الأفعال الهزلية التي تُضحك منه الناس كأن يُقلد شخصاً في كلامه ، أو حركاته ، أو نحو ذلك لغرض السخرية منه وإضحاك الآخرين عليه .ويعظُم أمر هذا السلوك الخاطئ عندما يكون المُقَلَّد مبتلىً بذلك الشيء أو تلك الصفة . فعن بُهز بن حكيم قال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ويلٌ للذي يُحدِّث بالحديث ليُضحك به القوم فيكذب ، ويلٌ له ، ويلٌ له " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2315 ، ص 557 )

قلب الزهـــور 20-03-2013 02:56 AM


خوارم المروءة

الجزء الثانى

خوارم المروءة :
يُقصد بالخوارم جمع خُرم : تلك النقائص التي تفقد الشيء تمامه
· ارتداء بعض الناس وبخاصة من هم في سن الشباب للملابس الغريبة الوافدة ، لما قد يكون فيها من التشبه بأهلها ، أو لأنها لا تليق بالإنسان المسلم العاقل المُتزن لا سيما في المساجد ، والأسواق ، و المجالس ، والأماكن العامة . ومن هذه الملابس القبعات ، و الأقمصة الملونة ، والملابس الشفافة ، والملابس غير الساترة ، والبنطلونات والسراويل القصيرة ، وغيرها من الملابس المضحكة المزرية التي وفدت إلينا من مجتمعاتٍ غير محافظة على القيم والأخلاق الإسلامية ، والتي قد تكثُر عليها الرموز والشعارات والعبارات المخالفة لتعاليم ديننا الحنيف ، أو المخلة بالآداب ، والمنافية للأذواق السليمة .
· إضاعة الوقت بالجلوس لوقتٍ طويلٍ في المقاهي والاستراحات وما في حكمها لغير حاجةٍ مُلحة . وكلنا نعلم أن المقاهي وما شابهها تُعد – في الغالب - من الأماكن التي يجتمع فيها أراذل الناس ورفاق السوء . وقد ورد عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه قال : " آفة المروءة إخوان السوء " . يُضاف إلى ذلك ما في ارتياد هذه الأماكن من هدرٍ للوقت وإضاعته فيما لا فائدة منه ولا نفع فيه ، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثُر فيه الفساد والانحراف ؛ وهنا يجدر بنا أن نتذكر ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم تِرَة ( أي حسرة وندامة ) ، وما مشى أحدٌ ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة ، وما أوى أحدٌ إلى فراشه ولم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة " ( ابن حبان ، ج 3 ، الحديث رقم 853 ، ص 133 )
· كشف العورات أمام الناس ، وهذا أمرٌ محرَّمٌ ومخالفٌ للمروءة سواءً أكان ذلك الكشف صادراً عن الرجال أم النساء ، ولا سيما في الاحتفالات والأعراس ، وعند ممارسة الألعاب الرياضية في الملاعب والمسابح والصالات المغلقة . وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز كشف الفخذ ، ولا الصدر ، ولا الظهر ، ولا الأكتاف ونحوها لما في ذلك من المخالفة الصريحة لأمر الله الذي أمر بالستر والعفاف والاحتشام . فعن زُرعة بن عبد الرحمن عن جده جُرهد أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَ به وقد كشف فخذه فقال : " غطها فإنها عورة " ( الترمذي ، ج 5 ، الحديث رقم 2795 ، ص 110 )

قلب الزهـــور 20-03-2013 03:00 AM


خوارم المروءة

الجزء الثالث والأخير
· كثرة الضحك والقهقهة بصوتٍ عالٍ ولا سيما في الأماكن العامة ؛ فقد جاء عند بعض أهل العلم قوله : " ويُكره مضغ العِلك لأنه دناءة ". ويتبع ذلك عادة مضغ العلك ( اللبان ) أمام الناس ، وفي الأسواق ، وأماكن التجمعات ؛ وهو أمرٌ لا يليق بالرجال على وجه الخصوص ؛ فقد ورد عن بعض السلف قولهم : " يُكره العِلكُ للرجل للتشبه بالنساء ، ما لم يكن للتداوي ، أو كان خالياً ببيته ونحوه لا في حضرة الناس "
· أن يتحدث الإنسان إلى جُلسائه ببعض الأحاديث المخلة بالآداب ، وأن يُخبرهم ( صادقاً أو كاذباً ) ببعض القصص والمغامرات والأحداث الفاضحة بحجة الإمتاع و المؤانسة . وهذا أمرٌ مخالفٌ لما أمر الله به عباده من الستر وعدم نشر الفاحشة بين المسلمين .كما يتبع هذه المخالفة أن يتحدث الإنسان عن ما يقع بينه وبين امرأته من أُمور خاصة ، أو وصف تفاصيل ذلك لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أشر الناس عند الله منـزلةً يوم القيامة ، الرجل يُفضي إلى امرأته ، وتُفضي إليه ، ثم ينشر سرها " ( مسلم ، الحديث رقم 3542 ، ص 609) . وما ذلك إلا لما في هذا الأمر من خيانةٍ للأمانة ومخالفةٍ للمروءة وآداب المسلم التي تمنعه من مجرد التعرض لهذا الأمر تصريحاً أو تلميحاً " وأما مجرد ذكر الوقاع فإذا لم يكن لحاجةٍ فذكره مكروه لأنه خلاف المروءة " .
· الرقص والتصفيق والتمايل مع الأنغام المحرمة ، وهز بعض أعضاء الجسم أو تحريكها وغير ذلك من الحركات الساقطة التي يؤديها البعض في الاحتفالات والأعراس ونحو ذلك مما لا يليق بالإنسان المسلم ذكراً كان أو أُنثى . حتى إنّ بعض أهل العلم وصف الرقص والتصفيق والتمايل إذا صدر عن الرجال بأنه : " خِفَّةٌ ورعونةٌ مُشبِهةٌ لرعونة الإناث لا يفعلهما إلا أرعن
· امتهان الشحاذة و مدُّ اليد للناس من غير حاجةٍ ضروريةٍ تدعو إلى ذلك . وما عُدَّ التسول مما يُخالف المروءة إلا لما في ذلك الفعل من احتمال الكذب ، والخداع ، والتحايل ؛ الأمر الذي يُسقط مروءة الإنسان ويُذهب ماء وجهه في الدنيا ولحمه في الآخرة ؛ فقد روي عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزالُ المسألةُ بأحدكم حتى يلقى اللهَ ، وليس في وجْهِهِ مُزْعَةُ لحمٍ " ( مسلم ، الحديث رقم 2396 ، ص 418). وفي هذا المعنى يقول الشاعر :

وما شـيءٌ إذا فـكَّرت فيه بأَذهب للمروءةِ والجمالِ

من الكذب الذي لا خير فيه وأبعد بالبهاءِ من الرجالِ

كما قال بعض أهل العلم : " إن من كان أكثر عمره سائلاً ، أو يَكْثُر ذلك منه ؛ فينبغي أن تُرَدَّ شهادته لأن ذلك دناءةٌ وسقوطُ مروءةٍ و هنا تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الشحاذين و المتسولين الذين اتخذوا سؤال الناس مهنةً لهم ، وممن يتنقلون بين المساجد والجوامع وهم يحملون الأوراق والصكوك والتقارير الطبية ليستشهدوا بها على فقرهم وحاجتهم الزائفة ، وقد يحمل بعضهم أطفالاً صغاراً أو معاقين ليستدروا بهم عطف الناس وشفقتهم ، أكثرهم من الكاذبين والمحتالين الذين يحتاجون إلى تأديبٍ وردعٍ من الجهات المعنية ، فالواجب على الناس عدم الانخداع بهم أو التعاطف معهم ؛ لاسيما أنهم يحدثون كثيراً من التشويش والفوضى في بيوت الله تعالى ، ويتسببون في قطع خشوع الناس ومنعهم من الانشغال بالتسبيح والذكر بعد الصلاة .
وبعد ؛ فهذه بعض آداب المروءة وخوارمها التي تكثُر في مجتمعنا ، والتي اتضح لنا -مما سبق -أن من آدابها ما يوافق الشرع ولا يتعارض مع الأعراف والعادات و التقاليد الحسنة ، وأن من خوارمها ما يُخالف ذلك كله ؛ ولذلك فهو إما حرامٌ بيِّنٌ لا يجوز ولا يُباح ؛ وإما أنه ليس بحرامٍ إلا أنه غير مقبولٍ وغير مستحب . وهذا يعني أن هذه الصور المخالفة للمروءة تحتاج منَّا إلى أن نعيد النظر فيها متى وجدت عندنا ، وفي كل الأفعال والأقوال والتصرفات التي لا يُقرها شرعٌ ولا يقبلها عقل .كما أن علينا أن نجتهد جميعاً في تصحيح أخطائنا ، وأن نُجدد العهد مع الله سبحانه وتعالى على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القول والعمل ، والالتزام بتعاليم الدين ، وتوجيهات سُنَّة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وآداب تربيتنا الإسلامية السامية . وما أجمل قول الشاعر :

تأدب غير مُتكِلٍ على حسبٍ ولا نسبِ

فإن مروءة الرجل الشـريف بصالح الأدب

وختاماً ؛ نسأل الله جل في عُلاه أن يوفقنا جميعاً لجميل القول ، وصالح العمل ، وأن يهدينا لما فيه الخير.

قلب الزهـــور 20-03-2013 03:04 AM



اجعل السقف مناسبا
جاء في حكم و قصص الصين القديمة أن ملكا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له : امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا على قدميك .. فرح الرجل وشرع يزرع الأرض مسرعا ومهرولا في جنون .. سار مسافة طويلة فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها .. ولكنه غير رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد .. سار مسافات أطول وأطول وفكر في أن يعود للملك مكتفيا بما وصل إليه .. لكنه تردد مرة أخرى وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد والمزيد .. ظل الرجل يسير ويسير ولم يعد أبداً .. فقد ضل طريقه وضاع في الحياة .. ويقال إنه وقع صريعا من جراء الإنهاك الشديد .. لم يمتلك شيئا ولم يشعر بالاكتفاء والسعادة لأنه لم يعرف حد الكــفاية أو ( القناعة ).


النجاح الكافي صيحة أطلقها لوراناش وهوارد ستيفنسون .. يحذران فيها من النجاح الزائف المراوغ الذي يفترس عمر الإنسان فيظل متعطشا للمزيد دون أن يشعر بالارتواء .. من يستطيع أن يقول لا في الوقت المناسب ويقاوم الشهرة والأضواء والثروة والجاه والسلطان ؟




لا سقف للطموحات في هذه الدنيا .. فعليك أن تختار ما يكفيك منها ثم تقول نكتفي بهذا القدر .. ونواصل الإرسال بعد الفاصل .. بعد فاصل من التأمل يتم فيه إعادة ترتيب أولويات المخطط



الطموح مصيدة .. تتصور إنك تصطاده .. فإذا بك أنت الصيد الثمين.. لا تصدق ؟! .. إليك هذه القصة



ذهب صديقان يصطادان الأسماك فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة فوضعها في حقيبته ونهض لينصرف ..
فسأله الآخر :
إلي أين تذهب ؟! ..
فأجابه الصديق : إلي البيت لقد اصطدت سمكة كبيرة جدا تكفيني ..
فرد الرجل : انتظر لتصطاد المزيد من الأسماك الكبيرة مثلي .. فسأله صديقه :
ولماذا أفعل ذلك ؟! ..
فرد الرجل .. عندما تصطاد أكثر من سمكة يمكنك أن تبيعها..
فسأله صديقه :
ولماذا أفعل هذا ؟ ..
قال له كي تحصل علي المزيد من المال ..
فسأله صديقه :
ولماذا أفعل ذلك ؟..
فرد الرجل : يمكنك أن تدخره وتزيد من رصيدك في البنك ..
فسأله :
ولماذا أفعل ذلك ؟ ..
فرد الرجل : لكي تصبح ثريا ..
فسأله الصديق :
وماذا سأفعل بالثراء؟! ..
فرد الرجل تستطيع في يوم من الأيام عندما تكبر أن تستمتع بوقتك مع أولادك وزوجتك




فقال له الصديق العاقل:

هذا هو بالضبط ما أفعله الآن ولا أريد تأجيله حتى أكبر ويضيع العمر .. رجل عاقل .. أليس كذلك !!

يقولون المستقبل من نصيب أصحاب الأسئلة الصعبة .. ولكن الإنسان كما يقول فنس بوسنت أصبح في هذا العالم مثل النملة التي تركب علي ظهر الفيل .. تتجه شرقا بينما هو يتجه غربا .. فيصبح من المستحيل أن تصل إلى ما تريد .. لماذا ؟ ..
لأن عقل الإنسان الواعي يفكر بألفين فقط من الخلايا .. أما عقله الباطن فيفكر بأربعة ملايين خلية.

وهكذا يعيش الإنسان معركتين .. معركة مع نفسه ومع العالم المتغير المتوحش .. ولا يستطيع أن يصل إلي سر السعادة أبدا.

يحكى أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة لدى أحكم رجل في العالم .. مشي الفتى أربعين يوما حتى وصل إلى قصر جميل علي قمة جبل .. وفيه يسكن الحكيم الذي يسعى إليه .. وعندما وصل وجد في قصر الحكيم جمعاً كبيرا من الناس .. انتظر الشاب ساعتين لحين دوره ..
أنصت الحكيم بانتباه إلى الشاب ثم قال له : الوقت لا يتسع الآن وطلب منه أن يقوم بجولة داخل القصر ويعود لمقابلته بعد ساعتين .. وأضاف الحكيم وهو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتين من الزيت : امسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك وحاذر أن ينسكب منها الزيت.


أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط مثبتاً عينيه على الملعقة .. ثم رجع لمقابلة الحكيم الذي سأله : هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام ؟ .. الحديقة الجميلة ؟ .. وهل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي ؟ ..
ارتبك الفتى واعترف له بأنه لم ير شيئا .. فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت من الملعقة .. فقال الحكيم : ارجع وتعرف على معالم القصر .. فلا يمكنك أن تعتمد على شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه .. عاد الفتى يتجول في القصر منتبها إلي الروائع الفنية المعلقة على الجدران .. شاهد الحديقة والزهور الجميلة .. وعندما رجع إلي الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأى ..
فسأله الحكيم : ولكن أين قطرتي الزيت اللتان عهدت بهما إليك ؟ ..
نظر الفتى إلى الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا

قلب الزهـــور 20-03-2013 03:06 AM

تاااااااااابع
 
فقال له الحكيم
تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها إليك سر السعادة هو
أن ترى روائع الدنيا وتستمتع بها دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت.
فهم الفتى مغزى القصة فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء
وقطرتا الزيت هما الستر والصحة .. فهما التوليفة الناجحة ضد التعاسة.

يقول إدوارد دي بونو أفضل تعريف للتعاسة هو أنها تمثل الفجوة بين قدراتنا وتوقعاتنا

اننا نعيش في هذه الحياة بعقلية السنجاب..
فالسناجب تفتقر إلى القدرة على التنظيم رغم نشاطها وحيويتها


فهي تقضي عمرها في قطف وتخزين ثمار البندق بكميات أكبر بكثير من قدر حاجته..

فإلى متى نبقى نجري لاهثين نجمع ونجمع ولا نكتفي ولا نضع سقفا لطموحاتنا يتناسب مع قدراتنا؟؟
إن نملك أروع النِعم ، فهي قريبة هنا في أيدينا،
نستطيع معها أن نعيش أجمل اللحظات مع أحبابنا ومع الكون من حولنا ؟؟

قلب الزهـــور 20-03-2013 03:13 AM


ففروا إلى الله
مررت بأزمة مالية، وليس من عادتي أن أسال الناس، فأصبت بهمّ وغمّ كبيرين.. ماذا أفعل؟ فعليَّ التزامات كثيرة، كما أن كثيرا من الناس يظن أني ميسور الحال، والحمد لله على ذلك.
وبدأ الأمر يزداد شيئا فشيئا، فلاحظ علي بعض المقربين مني ذلك، فأبحت ما في نفسي لهم بعد إلحاح شديد؛ فعرض علي بعضهم أن يعطيني بعض المال ولكني رفضت، ولم يكرر أحد منهم العرض مرة ثانية.
وربما أعلم أن حال الكثيرين من أصدقائي هو مثل حالي، فالحياة أصبحت صعبة، والمتطلبات كثيرة، والحالة الاقتصادية الكل يعلمها جيدا، ومازال الهم والغم يلازمانني، وأريد أن أنفك عنهما.
لم أكن أفكر في المال طول حياتي، لكن هناك ضغطا شديدا، ولما انسدت الأبواب كانت المفاجأة في نفسي أني أرفع يدي إلى الله أطلب منه، ولكن هالني ما فعلت، كيف لم ألتجئ إلى الله تعالى أول ما لجأت.
وكان يمنعني حيائي أن أطلب من الناس شيئا، ثم تكلمت مع بعض المقربين مني، ولكن الله سبحانه وتعالى أقرب إلي من حبل الوريد، إنه يعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليه سبحانه شيء من أمري.
مفاجآت في الحجرة
دخلت حجرتي بعد أن توضأت وصليت لله ركعتي حاجة، ثم بدأت أتكلم إلى الله، لم أكن أتحدث باللغة العربية الفصحى، وإنما أتحدث إليه سبحانه بلغتي المعتادة، وجدت مشاعري وأحاسيسي تسبقني قبل كلماتي، وجدت قلبي ينطق لأول مرة مع ربي.. يا له من إحساس جميل، بدأت أستشعر قرب الله مني، وأتذكر بعض آيات من القرآن الكريم، وكأنها تمر بخاطري لأول مرة:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون".
جعلت أقف عند كلمات الآية (سألك عبادي) أنا من عباد الله، أضافني الله تعالى إليه، إنه شرف كبير.. كبير جدا، أنا عبد لله، مع أني أعرف هذا المعنى، لكنه كثيرا ما يضيع مني، وما دمت عبدا له سبحانه، فما الذي يجعلني أنسى مولاي؟!..
(فإني قريب) جعلت أردد كلمة قريب، أستشعر مد الياء في الكلمة (قريــــــــــب)، نعم الله قريب مني، علمه أحاط بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء، فأنا منه، وإليه، ومادام -سبحانه- قريبا مني، فهو عالم بحالي (يعلم السر وأخفى) (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)..
ثم نظرت إلى قوله تعالى (أجيب دعوة الداع إذا دعان) سواء أكان الإنسان في حاجة إلى ما يسأل الله، أم يمكن له الاستغناء عنه، وأنا في حاجة إلى الله تعالى.
حال الصالحين حين الضيق
وتذكرت عطاء الله تعالى لخلقه، وتبادر إلى ذهني رحلة موسى -عليه السلام- إلى مدين حين هاجر إليها ثم سقى للفتاتين الصالحتين وجلس تحت ظل شجرة وكلم الله تعالى سائلا إياه (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وكأني وقعت على كنز؛ فظللت أردد: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وظللت أكرر الآية وأستشعر فقري وحاجتي إلى الله تعالى.
كما تذكرت دعاء قرأته في أحد الكتب: اللهم هب لي من الدنيا ما تقيني به فتنتها، وتغنيني به عن أهلها، ويكون بلاغا لما هو خير منها، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وتذكرت ذلك الصحابي الذي مكث في المسجد في غير وقت صلاة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب مكثه في المسجد في غير وقت صلاة، فأخبره الصحابي بما أصابه من هم وما أثقله من دين، فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ثلاث مرات عند كل صباح وكل مساء هذه الكلمات النورانية: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". وبعدها شعرت براحة نفسية. كما جاءني حسن ظن كبير بالله تعالى وأنه سيفرج كربي.
وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى فرج الله تعالى كربي، وقضى عني ديني.
بعيدا عن الديون
لم تكن قضية الدين هي التي شغلتني بقدر ما شغلني أني خرجت بتجربة ناجحة، وهي الكلام إلى الله، والالتجاء إلى الله وقت الشدائد قبل الالتجاء إلى الناس. نعم، من الإسلام أن يتعاون بعضنا مع بعض، وأن المسلم لأخيه كالبنيان، لكن أول ما يلجأ المسلم يلجأ إلى مولاه، العالم بأسراره، المطلع على حاله، الذي بيده كل أمره.
وقد طرأ على ذهني هذا السؤال: لماذا لا نلجأ إلى الله؟ ولماذا لا نجري حوارا مع ربنا، نشكو إليه فيه همومنا وأحزاننا؟ لماذا نضع هذا الحاجز والحاجب بيننا وبين ربنا؟! إنه سبحانه يتنزل إلى السماء الدنيا كل يوم لينظر حاجة الناس: "هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من كذا، هل من كذا… حتى يطلع الفجر.
وقد كان الالتجاء إلى الله والشكوى له سبحانه من الأمور التي يداوم عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم، فحين رجع من الطائف بعد أن أوذي وجرحت قدماه وجلس تحت بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة شكا إلى الله حاله بهذه الكلمات: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
كما أن هذا كان حال كل الأنبياء، فهذا يعقوب عليه السلام حين فعل أبناؤه ما فعلوه من خطف يوسف عليه السلام والكيد له، وحين أخذ ابنه الآخر وتذكر يوسف وبكى عليه، فعاب عليه القوم أنه مازال يذكر يوسف، فقال لهم (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله).
نعم، نحن في حاجة لأن نشكو بثنا وحزننا وهمنا إلى الله تعالى، فلنجرب ولنطرق باب الله تعالى، شاكين له همنا، وشاكين له غلبة نفوسنا علينا، وغلبة أعدائنا، فإن الله تعالى سيجعل لنا من أمرنا يسرا، ويرزقنا الأسباب التي تكون مفتاح فرج لهمنا وكربنا.
فما أحوجنا إلى الله، وما أقرب الله منا، وما أبعدنا عن الله، فهلا اقتربنا من الله، وناجينا الله تعالى؟!

قلب الزهـــور 20-03-2013 03:15 AM




وبعد.. تكلم إليه
وأحسب أن الخطوة العملية التي يمكن أن نخرج بها هي: أن نتكلم إلى الله، وأن نناجيه سبحانه.. نشكو إليه أمرنا وحالنا، حتى تتحقق فينا العبودية الصادقة، ونكون من عباد الله الذين قال فيهم
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب).
فلنجرب أن نشكو حالنا أول ما نشكوه إلى الله، فسيفتح الله تعالى لنا أبواب يسره، فمن ذا الذي دعاه فلم يجبه، ومن الذي طلبه فأعرض عنه؟!

(ففروا إلى الله).

قلب الزهـــور 20-03-2013 03:20 AM


ابدأ صفحة جديدة من حياتك
الناجحون لا تعوقهم أحداثُ الماضي ولو كانت كبيرة، ولا تثنيهم العراقيل ولو كانت كثيرة، قم - أيها الإنسان - وابدأ صفحةً جديدة من حياتك؛ لتبدأ عالمك اليوم، وليس عالم الأمس الحزين، قم وابدأ حياتك من جديد، هَبْ أنك فشِلتَ في دراسة، أو وقعتَ في جريمة، أو أخفقت في مسابقة، أو كنت فريسةً لنافخ كير، لا عليك من كل ذلك؛ فالجوادُ السريع هو أكثرُ الخيول عرضةً للنكبات، والرجلُ الطموح أكثر الناس عرضة لحسد الحاسدين، والناجحون كلهم رصيد تجارب مخفقة في بداية مشوارهم الطويل.
قم، إياك أن يأسرَك الماضي بأحزانه، أو تعوقك نفسُك بأحداثه.
قم، فالذين كفروا بمنهج الله - تعالى - على وجه الأرض في زمنٍ من أعمارهم، كتب الله - تعالى - لهم مساحةً عريضة للعودة إليه، ومسح أوضار ذلك الإعراض، وتلك الخطيئة؛ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، والذين غفلوا وأخطؤوا فتح الله - تعالى - لهم بابَ العودة إليه؛ ((إن الله يبسُط يده بالليل؛ ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل))، والمسرفون على أنفسهم تقبَّلهم الله - تعالى - مع عِظم إسرافهم، وحجم خطيئتهم؛ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، فهل بقي لك عذرٌ من أن تتقدم، وتكتب حياتك من جديد؟!
قم فاسمع للغزالي، فإنه يحدثك أنت، فيقول لك: لا تعلِّق نفسك على أمنية يلدها الغيب؛ فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير، الحاضر القريب الماثل بين يديك، ونفسك هذه التي بين جنبيك، والظروف الباسمة أو الكالحة التي تلتف حواليك، هي وحدها الدعائم التي يتمخَّض عنها مستقبلك، فلا مكان لإبطاء أو انتظار؛ اهـ.
من قال لك: إن الإنسان بماضيه؟! من أقنعك بأن الناجحين صفحةٌ لا سواد فيها؟! هذا وأمثاله يأسرونك في قيود الماضي، ويكبِّلونك بأوهام لا تاريخ لها! ألم تصلك رحمة ربك، وحنان مولاك بالسماء حين قال في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتَني ورجوتني، غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغتْ ذنوبُك عنان السماء ثم استغفرتَني، غفرتُ لك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقرابها مغفرة))؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني.
قم فانفض هذا الهم الجاثم على قلبك، قم فكبِّر من جديد، واصدح في العالمين، قم لا يعوقك مثبِّطٌ، أو يستولي عليك شيطان، قم فالقيود مهما كانت قوية لا تصمد أمام همم الأقوياء، والتاريخ مهما كان مظلمًا تضيئه شمسُ الرجال الشارقة، والرجال بتاريخ اليوم، وليس بذكريات الأمس، قم ومن وجدتَه أمامك يذكِّرك بماضيك، فاركله بقدم الواثق، وإذا أحسست به من خلفك يجرك إلى الوراء، فلا تلتفت إليه، فإنْ قَرُب منك أو طمع فيك، فمدَّ في خطوك؛ فهو أحق بالتخلُّف منك.
قم، فقد قتل رجلٌ مائة نفس، ثم لما حملتْ نفسه أماني الرحمة، وخطَتْ قدمُه نحوها بعظمة العزيمة، أوحى الله - تعالى - إلى الأرض الطيبة أن تتقارب؛ ليُكتبَ في عداد الفالحين، وربُّك يفرح لتوبة مذنب أشدَّ من فرح الفاقد لطعامه وشرابه على أرضٍ ضلَّتْ فيها دابتُه، فقال من شدة الفرح لما رآها: "اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك!"، ورسولك - صلى الله عليه وسلم - قد قال في لمسة حنان ورحمة: ((لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر الله لهم))، فهل بقي لك عذرٌ في التعلُّق بأوهام الماضي؟! أو بقي لك عذر في العيش على آمال المستقبل الغائب المنتظر؟!



إضاءة:
((كلُّ ابن آدم خطَّاء))، هذا قَدَرُ الإنسان، وقَدَرُه الآخر: أن له الحرية المطلقة في التحرُّر من ربق الخطأ مهما كان كبيرًا.

شمس القوايل 27-03-2013 01:46 PM

يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح والمجهود

عساج ع القوه

ننتظر جديدج القادم

سُكـونْ 28-03-2013 11:06 AM

رآآآآآآآآآئع جداً ,,بارك الله فيكِ
وأثابكِ جنة عرضهآ السموآت والأرض ..
يآ قلب الزهور ...
ننتـــــــــــظر القادم المفيد ...


شكراً لِ عطائكِ البآذخ الجمآل ..

قلب الزهـــور 10-04-2013 02:56 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمس القوايل (المشاركة 5487966)
يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح والمجهود

عساج ع القوه

ننتظر جديدج القادم

هلااااااااااا وغلااااااااااا
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي
وجزاك الله كول خير وسعاده ياااااااااارب
تقبلي شكري تقديري واحترامي
مع تحياتي قلب الزهور
بباي

قلب الزهـــور 10-04-2013 02:56 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سُكـونْ (المشاركة 5488121)
رآآآآآآآآآئع جداً ,,بارك الله فيكِ


وأثابكِ جنة عرضهآ السموآت والأرض ..
يآ قلب الزهور ...
ننتـــــــــــظر القادم المفيد ...



شكراً لِ عطائكِ البآذخ الجمآل ..

هلااااااااااا وغلااااااااااا
يسعدلي قلبك ويسلمووو ع الحضور الرآئع بصفحتي
وجزاك الله كول خير وسعاده ياااااااااارب
تقبلي شكري تقديري واحترامي
مع تحياتي قلب الزهور
بباي

قلب الزهـــور 10-04-2013 03:17 AM



مصيبة سيول جدة {لما طغا الماء}
الشيخ / محمد صالح المنجد
الحمد لله العليم الحكيم، وصلى الله على نبيه الصابر الرحيم ، وبعد
فإن من ابتلاء الله تعالى لخلقه ما حدث من سيول عارمة في مدينة جدة نتج عنها غرقٌ وهلع، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات.
سبحان الله الواحد القهار ، القوي العزيز الملك الجبار … أتى أمره فداهم السيل الناس ، وفي سويعات تحول جنوب شرقي المدينة التي تشكو شح الأمطار وقلة المياه إلى طوفان جارف ، إلى سيل جرار يكتسح ما أمامه ويبتلع في جوفه ما يأتي عليه ، حتى أضحى كارثة مؤلمة ، ومأساة حقيقية ، ستبقى ماثلة في ذاكرة كثير من الناس .
إنها فاجعة أربعاء جدة …التي أصابت أكثرمن ثلث المدينة ، وأنتجت أضرارا بالمليارات . ولا تزال المخاوف مما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من أمر السيول وفيضان مياه الصرف تقلق النفوس وتقض المضاجع ، نسأل الله السلامة واللطف والعافية .
إن مثل هذه الآيات الكونية العظيمة لابد أن يكون للمؤمن معها وقفات وتفكر واعتبار وهذا من سمات أولي الألباب والمتقين الأخيار .
والمؤمن البصير يقف عند مواقع العبر، وأحكام القدر، ينظر ويتدبر .

كل شيء بقدر الله .

فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وليس ثمة شيءٌ يحول دون نفوذ قدر الله في خلقه سبحانه وتعالى ، وبذا يطمئن قلب المؤمن الموحِّد ؛ لأن أمر الله سبق ، ومشيئته نفذت .
قال الله تعالى: { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.
وقال سبحانه : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}

لله الحكمة البالغة

فتقديره سبحانه مبني على حكمته، وعدله، ذلك تقدير العزيز العليم ، ولا يخرج شيء في الكون عن مقتضى هذه الحكمة .
{فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } .

كل شيء مسخر بأمره

فإذا قال لها أمطري أمطرت وإذا أمر الماء اجتمع وسال فالتقى الماء على أمر قد قدر ، والضر والنفع بيده سبحانه ، وما يجري من سيول وزلازل وبراكين وسائر جنوده ، إنما هو بأمره وقدره لحكمة يريدها .
والناس ينظرون إلى الظاهر فيصابون بالدهشة وهم يرون السيل العرمرم بدواماته الرهيبة فربما غاب عنهم ماوراء ذلك من الحكم
وقديما قال أهل البادية : نعوذ بالله من شر الأعميين والأيهمين أي : " السيل والبعير الهائج " .

ووصفا بالعمى لأنهما لا يتقيان موضعاً ولا يتجنبان شيئاً ، كالأعمى الذي لا يدري أين يسير.
وسميا أيْهَمَين لعدم القدرة على دفعهما فلا هما ممن ينطق فيُكَلَّمُ ولا ممن يعقل فيُسْتَعْتَبُ.


السيل يقطع ما يلقاه من شجر … بين الجبال ومنه الأرض تنفطر
حتى يوافي عباب البحر تنظره … قد اضمحل فلا يبقى له أثر

وكان هذا مشاهدا في سيول جدة .. مياه تتدفق من كل مكان ، لا حواجز توقفها ، ولا جدران تصدها ، تدمر كل شيء أتت عليه من أخضر ويابس ، وصغير وكبير ، ورجل وامرأة … فابتلع السيل سيارات بركابها وبيوتا بسكانها .. حتى صارت الجثث تطفو فوق سطح الماء قال أحد من شهود العيان : قمت بِعدِّ الجثث التي تطفو على الماء من حولي ويجرفها السيل، فبلغت (38) جثة رأيتها بعيني.

وخُلق الإنسان ضعيفاً .

ما حدث يدل دلالة قاطعة على ضعف الإنسان ، وافتقاره الذاتي إلى ربه ، وأنه لا حول له ولا قوة إلا به ومن رأى ضعف الناس أثناء الكارثة وبعدها أمام هذا السيل الداهم ومخلفاته علم قبح الكبر والغرور فلا بد أن يعرف الإنسان قدر نفسه وقوة ربه سبحانه وتعالى فيفتقر إليه في أحواله كلها وينطرح بين يديه طالبا المعونة والتسديد والتوفيق ولا يستكبر عن عبادته ولا يتولى عن العمل بأمره (إن الله قوي عزيزُ).(وخلق الإنسان ضعيفا))

قلب الزهـــور 10-04-2013 03:22 AM


ما تدري نفس بأي أرض تموت.
أناس قدموا إلى جدة من مدن ودول أخرى قبل الكارثة بيوم أو يومين ليكون موعدهم مع السيل، ومدفنهم في أرضه ووحله

{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وآخرون خرجوا من بيوتهم بأسباب متعددة فأنجاهم الله ومنهم الذين ذهبوا إلى حج بيته فأنقذهم تعالى من السيل ..

المصاب عظيم .

فعائلات فقدت بكاملها رجالا ونساء وأطفالاً … وجثث ملقاة على الأرصفة وعالقة بالأعمدة والأشجار وأخرى تستخرج من الحفر والمستنقعات ومن تحت الركام وحطام السيارات
وميتان : طفل في حضن أبيه . ورجل يسير مع أربع نسوة ، فيأتي السيل فيخطف إحداهن أمام بصره ، فيمسك بالثلاث وهو يراها تغرق أمام عينه لا يقدر على شيء، ثم يخطف السيل الثانية ومن بعدها الثالثة والرابعة وهو ينظر حتى اجتاحه السيل هو أيضاً.
وآخر وجد أمه على مسافة بعيدة بعد أن حبسها عمود .
وهذا زوج مكلوم ظل يبحث طوال الأيام الماضية عن زوجته المفقودة في السيل ، ولم يترك مكاناً إلا أتاه مستمسكاً بالأمل ولو أن يجد جثة زوجته … ، وعلى بعد 12 كيلو مترا من مقر منزله عثرت فرق الإنقاذ على جثة زوجته، ولما حملت الجموع الجثة، علا صوت الزوج بالبكاء في مشهد أبكى معه العشرات ، وامرأة تقول : رأيت جارتي وأطفالها الخمسة يموتون أمام عيني. ورب أسرة يقول: أنا وأولادي من اليوم الثامن حتى ثاني يوم العيد لا مأوى لنا إلا سيارتنا التي نتحرك بها .
والكثير من الناس ذهبت أصول مكاسبهم أو تضررت تضرراً بالغاً ( من ورشة، ومصنع، ومخزن ومحل … )
لا ماء .. ولا كهرباء ..انهيار وبكاء.. وبيوت تصدعت على وشك الانهيار ، وأرامل وأطفال يقيمون في العراء ، والقمامة أرتال كالجبال ، ومستنقعات في وسط الأحياء ، تحوم حولها الحشرات. .. ومساجد كاملة مقفلة: لا سجاد ، لا مصاحف ، لا كهرباء ، و80 %من سكان المناطق المنكوبة غير موجودين الآن في بيوتهم… واستخراج الجثث لازال قائما حتى الساعة

لِكُلِّ شَيءٍ إذا ما تمَّ نُقصَانُ … … فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ إنسانُ
فجائع الدنيا أنواعٌ منوعـةٌ وللزمـان مسراتٌ وأحـزانُ
ووَهَذِهِ الدَّارُ لا تبقِي على أحدٍ … ولا يدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شانُ

الإيمان بالقدر شفاء لما في الصدور

ووقد بين تعالى الحكمة من كتابة الأقدار فقال :
{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ }
فلا عجب أن تجد بعض المصابين ممن ربط الله على قلوبهم
كانت نفوسهم طيبة في تلقي البلاء وبعضهم يواسي بعضا.

الماء بعضه رحمة وبعضه عذاب

فيغيث الله به البلاد والعباد ويحيي به الأرض بعد موتها ويثبت به المؤمنين في أرض المعركة كما قال:
{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ
رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} .
ويبعثه على قوم آخرين ليكون عذاباً:

{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً}. وقال : {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية}. وقال: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر}.

وقص علينا نبأ فرعون وقومه:

{وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}.

الموت يأتي بغتةً
في غمرة التجهز للعيد وفرحته ، وبينما الناس منهمكون بالاستعدادات والأضاحي والملابس ، يدهمهم فجأة ومن غير سابق إنذار سيل يحصد الأرواح ، وفي هذا تذكير عظيم بيوم القيامة
{ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}.
ما أصعب لحظات الوداع خصوصا حين يرى المرء الموت وهو يحاصره : فهذا شاب منطلق بسيارته وفجأةً دهمته السيول ، فأيقن أنه غارق لا محالة ، فصعد على سطح سيارته واتصل بأهله وأقربائه وأصدقائه وودعهم ثم جعل يتصل بأصحابه ومعارفه ليطلب منهم السماح ، حتى انقطع الاتصال، ليعتلي صوت أهله بالبكاء.
أسر وعوائل ذهبت بأكملها وأخرى ذهب بعضها أو لم يبق منها إلا واحد أو طفل صغير علق بشجرة
.

لكل أجلٍ كتاب

رجل ودع زوجته وأطفاله وذهب إلى عمله … ليعود بعد ساعتين فيجد كل شيء أثراً بعد عين، فأصبح وحيدا بلا زوجة ولا أطفال .. ففي لحظات قليلة جرفتهم السيول الداهمة .

لا يغني حذر من قدر .

فالموت مدرك جميع البشر لا محالة ، ومهما هرب منه الإنسان فلا بد أن يأتيه ، وقد رأينا أناسا امتنعوا عن الذهاب للحج خوفاً من الأنفلونزا ، فإذا بالموت يأتيهم في بيوتهم
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .
وآخرون توكلوا على الله وذهبوا للحج ، فكان سببا في سلامتهم .
وبنت أصرت قبلها بليلة على البقاء عند عمها في زيارة عائلية لتبقى نظرات الحزن ساهمة وهي تفكر في أسرتها التي ماتت كلها .
وهنا تذهب بعض أذهان الناس مذاهب عجيبة غريبة في طرائق التفكير واتخاذ القرار ، فهذا رب أسرة ربط أفراد أسرته بحبل واحد معا وقال : إما أن ننجو جميعا أو نهلك جميعا !!

الشهادة فضل من الله يؤتيه من يشاء

فالشهادة من أعلى مراتب أوليائه ، والشهداء يختارهم الله من بين عباده ، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها.
وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : (وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ) وفي لفظ: (وَمَنْ غَرِقَ فَهُوَ شَهِيدٌ ) رواه مسلم (2829) .

إذا وقع القدر عمي البصر

فمع أن لهذه الكوارث الكونية أسباباً طبيعية، وأحيانا يكون بمقدور البشر التنبؤ بها قبل وقوعها عن طريق الحسابات الدقيقة …. إلا أن هذه الكارثة أثبتت قصور البشر سواء في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات أو في التصدي لها ومحاولات النجاة .

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

بهذه الكلمات يقابل المؤمن المصائب والكوارث والسيول , فإنها من أبلغ العلاج وأنفعه للعبد في عاجله وآجله , وذلك لتحقق الإنسان من أن نفسه وأهله وماله وولده ملك لله عز وجل، وقد جعلها الله عنده عارية, فإذا أخذها منه فلا اعتراض كما أن المعير لا يلام إذا أخذ عاريّته من المستعير.
وليعلم العبد أن مصيره ومرجعه إلى الله مولاه الحق, ولابد أن يُخلِّف الدنيا وراء ظهره, ويأتي ربه يوم القيامة فردا, بلا مال ولا أهل ولا عشيرة .

ثواب الله خير لك منهم , ورحمة الله خير لهم منك
قال شبيب بن شيبة رحمه الله للخليفة العباسي المهدي يوم وفاة ابنته ياقوتة ، قال له : " يا أمير المؤمنين أعطاك الله على ما رُزئت أجراً ، وأعقبك خيراً ، ولا أجهد بلاءك بنقمة ، ولا نزع منك نعمة , ثواب الله خير لك منها , ورحمة الله خير لها منك , أسأل الله ألا يحزنك ولا يفتنك".
فخف عن الخليفة مصابه .

لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ:

المصيبة تزيد في إيمان المؤمن ويقينه بأن الأمور بيد الله وحده لا شريك له, وأن الناجي منها إنما أنجاه الله تعالى بفضله ورحمته.

تذكر الآخرة : نفسي نفسي

مئات السيارات يجرفها السيل تتقلب فيه كقطع الفلين وركابها يرفعون أيديهم ويصيحون طالبين الغوث والنجدة ولكن كل شخص مشغول بنفسه.

لمن الملك اليوم

قل الله مالك الملك : خرج بعض الناس من السيل لا يملكون شيئا لا بيت ولا سيارة ولا أثاث ولا ملابس ولا بطاقة صراف ولا حتى إثباتات شخصية ، وبهذا يتذكر الإنسان كيف يأتي ربه يوم القيامة لا يملك شيئا : حفاة عراة بهما ليس معهم شيء

قلب الزهـــور 10-04-2013 03:29 AM


إحياء عبودية الخوف من آيات الله
وقد كان
هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا من الآيات الكونية، قال أنس: ( كَانَتْ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ). رواه البخاري (1034)
فيقع منه هذا الخوف بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وهو من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكيف بحالنا نحن المذنبين المقصرين!! .
وقال تعالى :

{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}
ولا شك أن هذا السيل من آيات الله التي يخوف بها عباده

التأمل في كثرة نعم الله علينا
من الدروس المستفادة لمن رزقه الله تأملا وفهما إذا نظر إلى ما أصاب الناس أن ينطق بقلبه قبل لسانه : الحمد لله الذي عافاني ويستحضر تفضيل الله له.
فإذا نظر فيمن ذهبت أسرته استحضر نعمة الله عليه بحفظ أهله له .
وإذا شاهد صور تلف الأموال والممتلكات انتقل من هذه الصورة إلى معاينة نعمة الله عليه بحفظها له .
وإذا نظر إلى مصائب الآخرين الكثيرة هانت عليه مصائبه الصغيرة، فامتلأ قلبه بحمد الله، ولهج لسانه بشكره سبحانه، واستحيت جوارحه من أن تعصي هذا المنعم الكريم، أو أن تقصر في شيء من حقوقه سبحانه
.

المؤمن يتألم لألم إخوانه

ينبغي لمن نظر في هذه المشاهد على أرض الواقع أو في الصور ومقاطع الفيديو أن يتحرك قلبه تجاه المصابين والمنكوبين ، وتدمع عينه ، ويلهج لسانه بالدعاء بالرحمة لمن مات ، والتثبيت والعوض لمن ابتلي، ويسعى لإعانة من يحتاج إلى العون ، ويسأل الله تعالى له ولإخوانه السلامة والعافية .
ابتلاءٌ للمؤمن وعقوبة للعاصي وتخويف للناس وتمحيص للناظرين والمتكلمين
إن الابتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون دارًا للامتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات

{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }
[الأنبياء:35].

فما حدث ابتلاء ابتلى الله به عباده المؤمنين ليرفع درجاتهم ويقوي إيمانهم
{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.

وفيما حدث تذكير لأهل المعاصي والذنوب بالتوبة والإنابة إلى الله

{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}.

قال بعض السلف : " لا ينزل بلاء إلا بذنب ، ولا يكشف إلا بتوبة ".
فالواجب في مثل هذه الحال التوبة وكثرة الاستغفار وأخذ العظة والعبرة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد ". فتاوى ابن باز (9/160)
فالواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى الله وينيبوا إليه ويحذروا من أسباب غضبه ونقمته،

والله جل وعلا يقول:
{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }.

فالمصائب منها تكفير ، ومنها تذكير ، ومنها عقوبة .
وقد تجتمع هذه الثلاث في مصيبة واحدة فتكون لبعض الناس تكفيرا لذنوبهم ورفعة لدرجاتهم وتكون لآخرين غافلين تنبيها وتذكيرا، ولنوع ثالث عقوبة على معصية مستعلنة أو خفية وقعوا فيها وتكون تمحيصا وكشفا لحال من يتكلم في هذه الأحداث

سؤال الله حسن الخاتمة .

فقد نقلت الأخبار قصصا لأناس قبض الله أرواحهم في مساجد أو بعد خروجهم منها وقد جاء السيل وقت صلاة الظهر وبعضهم صائمون لله تعالى، يتقربون إليه في أيام العشر الفاضلة، فجمع الله لهم من المبشرات: الغرق الذي هو شهادة ، والموت على عبادة، وبعد أداء فريضة، فما أعظم ما حصّلوه، اللهم فارزقنا حسن الخاتمة .

الناس معادن
إن من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام قوله: (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ…). رواه البخاري (3494) ومسلم (2638) واللفظ له.
فالمعادن تشتمل على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس،

وكذلك الناس مختلفون في الشرف وكرم النفس والسلوك.
فمن الناس من معدنه نفيس كالذهب، ومن الناس من معدنه خسيس كالحديد.
وقد كشفت هذه المحنة حقائقَ كثيرٍ من الناس ومعادنِهم وأخلاقهم ، فمن الناس من لا يُعرف معدنه إلا في المِحَن.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ". شعب الإيمان (7 /219)
فظهر المؤمنون الذين يهبون لنجدة إخوانهم ومساعدتهم

متمثلين قوله صلى الله عليه وسلم:
(مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )..

وقد سمعنا وقرأنا الكثير من قصص الشجاعة والبطولة والتضحية .

فهذا شاب لا يعرف السباحة ولكنه أمام مشهد غرق رجل وزوجته وطفله لم يتوان عن نجدتهم، فقفز إلى الوادي وأنقذ الطفل ثم المرأة والرجل.. فقَبَّلَ الغريقُ قدمَه قائلاً: " أنا مدين لك طوال العمر".
وشكّل بعض الشباب والرجال فرقاً لإنقاذ العالقين داخل سيارتهم وسط السيول خصوصا الأطفال والنساء. وظهرت آثار الشباب الصالحين وشهامة أهل النجدات بجلاء.
قال أحدهم: تلقيت اتصالا أن والدي وبعض المسنين وعددهم (40) شخصا يصلون في المسجد وغمرته المياه، فتوجهنا سباحة إلى المسجد ومعنا حوالي (10) من شباب الحي منهم إمام المسجد وأنقذنا المسنين المحتجزين في المسجد.
واستجمع عشرات المتطوعين كل قواهم، ليلا ونهارا، للإسهام في واجب البحث عن المفقودين بلا كلل أو تعب وسط الحطام والمياه الراكدة.
وهب الكرماء وأصحاب العطاء لاستقبال إخوانهم المنكوبين ففتحوا بيوتهم وبسطوا موائدهم وقدموا معوناتهم .
وأما المنافقون فقاموا ينسبون الحدث إلى الطبيعة ولا يذكرون الله إلا قليلا وينكرون القاعدة الشرعية
(وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ويلمزون أهل الإيمان .

الاستغلال البشع

وفي مقابل أهل النجدة والشهامة ظهر أصحاب النفوس المريضة والجشعة الذين استغلوا الحدث ورأوه فرصة للكسب السريع ، ومن صور ذلك :
* الاستيلاء على الممتلكات ، وسرقة ونهب ما تمكنوا من نهبه داخل المركبات المجروفة مستغلين انشغال أصحاب تلك الممتلكات بأنفسهم وغيابهم عنها ، بل بلغت البشاعة أن تسرق أموال الموتى داخل سياراتهم وسرقة بيوت المصابين والجرحى وهم لا يستطيعون دفع هؤلاء المعتدين ، ثم تباع هذه المسروقات بثمن بخس .
* رفع أسعار السلع والخدمات : مغاسل السيارات .. سيارات شفط المياه .. الرافعات وسيارات السحب.. الشقق المفروشة !. وبعض شركات النظافة رفعت أسعارها أضعافا .
ذكرت إحدى الناجيات أنها استنجدت هي وأهلها بصاحب سيارة كبيرة فاشترط عليهم دفع مبلغ 500 ريال مقابل إنقاذهم إلى موقع آخر لا تتعدى مسافته عشرات الأمتار.
* وبعض الناس مشغول بتصوير المنكوبين بكاميرا جواله وهم يستغيثون ، ومن المتفرجين من ترك الإنقاذ وهو يقدر عليه وأما من لا يقدر فغفر الله له.
كانت طفلة تبكي بأعلى صوتها، وتنادي أمها وأباها، وأمواج السيل تلاطمها يمنة ويسرة ، وفي كل مرة تحاول الإمساك بجثة تمر بجانبها لعلها تتشبث بأمل ينقذ حياتها.. والناس ينظرون إليها لا يحركون ساكنا !! ولا زال صراخها في آذانهم إلى أن اختفى صوتها فجأة .

يارب أم وطفل حيل بينهما … كما تفرق أرواح وأبدان

قلب الزهـــور 10-04-2013 03:34 AM


بين قدر الله والإهمال البشري.
لاشك أن الكارثة الكبرى التي حصلت إنما هي بقضاء الله وقدره، ولكن هذا لا ينفي أن إهمال بعض البشر وتفريطهم وجشعهم وإساءتهم سبب من أسباب الكارثة يلام فيه من أساء ويعاقب فيه من ظلم ، ومن ذلك ترخيص المخططات السكنية في مجاري السيول والسكن في بطون الأودية واستخراج أذونات لبيع الأراضي في تلك المناطق بالرشوة والواسطة وسوء التخطيط والتأخر في إنجاز مشاريع تصريف المياه، والغش في بناء المساكن وعدم تأمينها بما يحصنها من السيول ونحو ذلك .
فالتسليم لقضاء الله لا ينافي معاقبة المسيئين والمتسببين في هذه الكارثة.

ينزل الله المعونة على قدر المؤونة
أحدهم لما حاصر السيل منزله شمر ثوبه فكان يدخل إلى بيته ويحمل اثنين من أولاده على ظهره ويصعد بهم السطح ثم ينزل ليحمل آخرين حتى صعد بهم سطح منزله.
ويقول: كان بداخلي رجل قوي لم أكن اعرف من هو، ولم يظهر إلا بعد أن لامست خط الخوف من فقد أولادي وزوجتي المسكينة.
وفي الحديث:
(إنَّ الْمَعُونَةَ تَأْتِي مِنْ اللَّهِ لِلْعَبدِ عَلَى قَدْرِ الْمَؤونَةِ ،
وَإِنَّ الصَّبْرَ يَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ)
رواه البيهقي في شعب الإيمان (7 / 191)
وحسنه الألباني في الصحيحة (4/225).

تمحيص وتذكير
في المحن والكوارث تمحيص للقلوب وتنبيهٌ لها من غفلتها ، فلولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يبتليه بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه .
وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله ، خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".
وقال الحسن البصري رحمه الله : "لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك ". أي : هلاكك.
وقال الفضل بن سهل: "إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب، وتعرّض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة، وحضّ على الصدقة".
التوبة والاستغفار والبعد عن المعاصي ، فقد تجر المعصية من الشخص الواحد مصائب عامة لا تختص به وحده .
الحرص على عدم إيذاء المصابين : فلا يتسبب الإنسان بجمع مصيبتين على هؤلاء، كمن يلوم المصابين ويوبخهم بأنهم أخطأوا فسكنوا في هذا المكان، أو يجزم بأن هذه المصيبة أصابتهم بسبب ذنوبهم وقد يكون فيهم من الصالحين وغير المكلفين . إن نفوس الناس تحتاج إلى مراعاة ، وليت شعري ما ذا يجول في نفوس أولئك الأقارب الذين يجتمعون يوميا عند الحفر الكبيرة والمستنقعات العميقة يرقبون جثة تخرج لعزيز يبحثون عنه.
تخيل نفسك داخل الحدث.
العاقل من يأخذ العظة والعبرة مما يقع على غيره فينظر في المصائب ويتخيل نفسه فيها فيحمد ربه على السلامة ويحصل له ما يعينه على حسن الاستعداد والتهيؤ النفسي والمادي، فإذا وقعت عليه مصيبة مشابهة أمكنه الاستفادة مما تهيأ وكان له خبرة في التعامل معها ، .

ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا

ولا شك أن أجر إنقاذ المسلم من الغرق عظيم ، فهو إحياء للنفس البشرية من الهلاك كما قال تعالى :
{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}.
(ومن أحياها) أي اهتم باستنقاذها والذب عنها من الهلاك فكأنما أحيى الناس جميعا.

إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ :

رجل من باكستان يبلغ من العمر 27 عاما أنقذ 14 نفسا واحدا تلو الآخر حتى أصيب بعمود في ساقه، فأدركه الغرق جراء هذه الإصابة .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ ).
قِيلَ : وَمَا عَسَلُهُ ؟
قَالَ : ( يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ) أحمد (17330) صححه الألباني.
فشبه ما رزقه الله من العمل الصالح قبل الموت بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء.
وبعض العمال الذين كانوا مصدرا للسخرية والاحتقار والتندر عند بعض الناس -هداهم الله- كانوا سببا في إنقاذ عدد من النفوس، لاسيما بعض العمال الذين تكثر في بلادهم السيول والفيضانات

الكارثة تكشف.

* الكارثة كشفت قلة أمانة بعض المقاولين ، وضعف خبرة بعض المهندسين .
*
والرخص المزيفة لسلامة المباني وسلامة تجهيزاتها المستخرجة بالمعارف والواسطة السيئة ….
*
وعورات الأنظمة البشرية ، وضعف الإمكانات المادية وأن قوة البشر مهما بلغت فلا تقف أمام قوة الله

تقديم ما يمكن من صور المواساة والتعزية والتصبير .

وهذا أمر متيسر عبر وسائل الاتصال والتقنية الحديثة من هواتف وشبكة معلوماتية، ومن هذه الإعانات عن بعد :

* فتح منتديات مخصصة للمشاركة بالأفكار والمقترحات والتجارب لتجاوز هذه الأزمة .
*
مشاركة أصحاب الخبرة لاسيما أصحاب التخصصات العلمية ذات الصلة فيما هو موجود من منتديات أو مجموعات على المواقع الشعبية كالفيس بوك وغيره .
*
نقل بعض التجارب الناجحة في كيفية التعامل مع أخطار السيول، وترجمة بعض ما هو موجود بلغات أجنبية من هذه التوجيهات .
*
إعداد برامج تأهيل نفسية للمصابين تجمع بين التوجيهات الشرعية والتجارب الإنسانية في هذا المجال، وابتكار أفكار للمواساة، وتتميم بعض الأفكار وتسديدها.

وعلى طلبة العلم مساهمات وأدوار.


فمن ذلك :

* جمع أدلة الوحي التي فيها التثبيت والعزاء لأهل المصائب ونشرها بينهم عبر الشبكة المعلوماتية .
*
تحرير بعض المقالات والرسائل البليغة التي يكون فيها تخفيف من المصيبة .
*
نشر الأحكام الشرعية المتعلقة بالكوارث كأحكام اللقطة والضمان والعقود بين المحتاجين لمعرفتها.
*
جمع الاستفتاءات عن نوازل الكوارث المعاصرة وعرضها على المشايخ وطلبة العلم لبيان حكمها ثم السعي لنشرها.
*
فتح مواضيع وتكوين ورش علمية في المنتديات الشرعية المتميزة من أجل طرح وتباحث المسائل الفقهية المتعلقة بالكوارث .
*
استثمار الأزمة بتذكير الناس بالله وتوجيههم للاستغفار والدعاء والتضرع ، والبعد عما يسخط الله .
* بحث ما يتعلق بالكارثة من المسائل :

قلب الزهـــور 10-04-2013 03:40 AM



أحكام شرعية متعلقة بالكارثة:
1-
إنقاذ الغريق من الواجبات:
فإغاثة الغريق والعمل على إنجائه من الغرق واجب على كل مسلم متى استطاع ذلك، بل يجب قطع الصلاة ولو كانت فريضة لإغاثة الغريق إذا قدر على ذلك.

2- تسقط في مثل هذه الكوارث عدد من المحرمات، كلمس المرأة الأجنبية للضرورة وإنقاذ حياتها مع مراعاة الحرمات وستر العورات، في الأحياء والأموات من النساء وغيرهم.

3- الغريق يغسل إن أمكن تغسيله ، ويكفن ، ويصلى عليه ، كأي ميت آخر .

4- المفقود: هو من انقطع خبره، ولم تُعلم حياته من مماته ، يُتربص به مدة بحيث يغلب على الظن رجوعه لو كان حياً ثم يحكم بموته بعد انتهائها إذا لم يظهر له أثر، وإذا تمت مدة التربص تبتدئ الأحكام المترتبة على الوفاة من ابتداء عدة الوفاة وأحكام الميراث .

5- كل ما فقد من جراء هذه السيول من الممتلكات فإنه يجري عليه شرعا حكم اللقطة سواء كان من الممتلكات التي ضاعت عن أصحابها: جوالات ، ساعات…أو أشياء تركوها عمدا لعدم قدرتهم على الجمع بين حملها والنجاة بأنفسهم ، أو سيارات ومعدات ثقيلة جرفها السيل أو حيوانات وبهائم ..
فهذه تأخذ حكم اللقطة ، فالشيء اليسير الذي لا تتبعه همة أوساط الناس، كالقلم الرخيص، والمبلغ اليسير ، فهذا يملكه من وجده ولا يحتاج إلى تعريف.
وما عدا ذلك من الأموال مما تتبعه همة أوساط الناس فيجب على من وجدها أن يحفظها ويقوم بتعريفها في الأسواق ومجامع الناس والجرائد سنة كاملة ، فإن لم يأت صاحبها فهي ملك له بشرط أن يضمنها لصاحبها متى جاء .
ويمكن مع كثرة هذه المفقودات أن تنشأ عنها فكرة إنشاء مستودعات عامة تستقبل هذه المفقودات لتقوم بإعادتها إلى أصحابها وفق الرؤية الشرعية .

6- طين الشوارع إذا لم يظهر به أثر النجاسة فهو طاهر وإن تيقن أن النجاسة فيه فهذا يعفى عن يسيره.
7- الوحل
مع وجود المشقة عذر يبيح الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

8- باقي مبلغ الأجرة السنوية المدفوعة مقدما للبيوت التي هدمها السيل ، اتفق الفقهاء على أنه إن تلفت العين المستأجرة انفسخت الإجارة ، وعلى المستأجر أجرة ما سبق من المدة فقط، ويعاد له ما زاد عن ذلك .

9- الكذب والخداع لأخذ التعويضات من أكل المال بالباطل
، فمن لم يصبه ضرر من هذه الأمطار، فلا حق له في الإعانة ، ودعواه الضرر مع عدم حصوله كذب محرم، وعلامة من علامات النفاق ، وأكل للمال بالباطل.

10- يجوز تعجيل زكاة العام القادم وحسابها بالتقدير والاجتهاد من أجل حاجة الناس في هذه الكارثة

من المهام والواجبات في كارثة السيول :

* الإعانة في البحث عن المفقودين.
* استخراج الجثث لتغسيلها وتكفينها والصلاة عليها ودفنها.
* إطعام المحتاجين.
* المواساة والتعزية والتصبير.
* حماية الممتلكات.
* نقل المصابين.
* كسوة المحتاجين
* تهنئة الناجين.
* تعريف الملتقطات وحفظها.
* معالجة القلق وتسكين الفزع.
* التوبة والاستغفار.
* الأذكار والأدعية المناسبة كدعاء المصيبة، ودعاء الاستصحاء وهو:
" اللهم حوالينا ولا علينا".
* رعاية الأولاد الذين فقدوا أهاليهم .
* جمع الإثباتات والأوراق الرسمية وتسليمها للجهات المختصة .
* تقديم الأهم فالمهم عند الإنقاذ فلا ينقذ المال قبل العيال.
· من حقوق الجيران حفظ ممتلكات الناس بعضهم لبعض.
* اتخذ الاحتياطات من غير مبالغة.
* مراجعة الحسابات الشرعية والدنيوية.
* تعلم الإسعافات الأولية ومعرفة كيفية الحماية والإنقاذ.
* لجان من الأقارب لتفقد أحوال من أصابتهم الكارثة من الأسرة.
* لجان في الحي لتفقد أحوال الجيران وإحياء دور مراكز الأحياء.
* غرس معاني الإعانة في نفوس الشباب.
* الاستفادة من الحدث بالتخطيط المستقبلي والتنظيم وحسن الإدارة .
* تحديد ما هي الاحتياجات، مع تسليمها للجهات التي تحسن توزيعها : بطانيات ، أطعمة ، ملابس ، لحف ، سجاد ، ثلاجات ، مخدات ، فرش، حليب أطفال ، حفائظ أطفال، ثياب رجالية ونسائية، أدوية …
* حصر الأوبئة التي يمكن أن تنتج وحسن الاستعداد لها : إذ إن ما خلفته مياه الأمطار من برك راكدة حول التجمعات السكانية بدون تصريف ستصبح موطناً خصباً لتكاثر البعوض، وانتشار الأوبئة والأمراض الوبائية، كالملاريا، والإسهالات، وحمى الضنك ، والعياذ بالله .
* من أعمال المحسنين وهي كثيرة تدل على أن الأمة فيها خير كثير :
- تقديم شقق مفروشة مجانا ..
- تقديم سيارات دفع رباعي للوصول إلى المناطق المنكوبة …
- ذبائح للإطعام ومطابخ لتقديم الوجبات ..
- تجار قدموا أدوية وملابس مجانا
- أحدهم يُسخِّر نفسه لجمع المصاحف والكتب الدينية من أنقاض المساجد والبيوت.
دور للمجتمع:
* على كل مسلم أن ينهض بواجبه الشرعي تجاه إخوانه المتضررين ولا سيما الميسورون وأصحاب التخصصات فهؤلاء عليهم أن يزكوا علمهم ويبذلوا النصيحة لإخوانهم.
*فالخطباء والدعاة بتخفيف المصاب وإرشاد الناس إلى الأسباب الشرعية لتلك الكوارث وكيفية تجاوز الأزمة
*والتجار بالتبرع بأموالهم.
* وأصحاب المعدات بالمساعدة في انتشال السيارات ورفع الأنقاض وتنظيف الممرات ..
* والمهندسون والمقاولون ببذل النصح فيما يتعلق بالأبنية وصلاحيتها وموضع البناء..
* والخبراء في تقييم الوضع ، هل يحتمل الأمر رجوع الناس إلى بيوتهم أو أن الوضع ما يزال خطيرا..
* التفاعل الالكتروني.. من خلال التجمعات السلمية الواعية للتعاون مع الضحايا وحفظ حقوقهم ونقل أخبارهم والإعلان عن مفقوديهم .
اللهم اغفر لموتى المسلمين وتقبلهم شهداء عندك يارب العالمين ، واجبر مصاب المكلومين واشف المرضى والمصابين وسكّن فزع الخائفين وعوّض من أصيب في ماله يا خير الرازقين إنك خير حافظا وأنت أرحم الراحمين

قلب الزهـــور 10-04-2013 03:54 AM



فتنة المال

لفضيلة الشيخ/ محمد ين صالح المنجد
عناصر الموضوع:
1. ما الفقر أخشى عليكم.
2. الصحابة وحالهم مع الغنى.
3. حال الأمة اليوم مع الأموال والثراء.
4. وقفة مع المسافرين.

ما الفقر أخشى عليكم:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
[102]}
[سورة آل عمران].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[1]}
[النساء].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن فتنة المال من الفتن العظيمة التي وقع فيها المسلمون، وفتنة الجاه من الفتن الكبيرة التي أودت بكثير من أخلاق المسلمين، هذه الفتنة التي عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنها فقال:

((إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ))
[رواه الترمذي]، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يخشى على أصحابه الفقر،
((لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ))
[رواه البخاري ومسلم] .
أيها المسلمون: ما لنا نرى اليوم كثيراً من الناس إذا أصابتهم نعمة من الله كفروا، وإذا وسع الله عليهم شيئاً من معيشتهم نسوه سبحانه وتعالى، وإذا أعطاهم الله وظيفة أو جاهاً تكبروا على عباد الله. ما هو السبب الذي يجعل كثيراً من النفوس تصاب بهذه المصيبة الكبيرة؟
الصحابة وحالهم مع الفقر:
إن الصحابة رضوان الله عليهم كثيراً منهم قد أدرك الحالين: حال الفقر وحال الغنى، فكيف كان حالهم في وقت الفقر وكيف صار حالهم في وقت الغنى، هل تغيرت نفوسهم؟ هل اضطربت أحوالهم؟ هل رجعوا وارتدوا على أعقابهم؟
كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل الفتوحات حالاً شديداً، قال صلى الله عليه وسلم:

((لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ))
[رواه أبو داود وابن ماجه]، وقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ) [رواه البخاري ومسلم].
ولما أراد الصحابي أن يتزوج لم يجد مهراً ولا خاتماً من حديد، ليس له إلا إزاره يواري به عورته، لو أعطاه للمرأة لم يغنِ عنها شيئاً وبقي هو بغير ثياب.
وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ:

((مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ))
. [رواه البخاري].
كان الصحابة يقدم عليهم إخوانهم من سائر النواحي فقراء مطاردين مشردين، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِنَّ مِنْ إِخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ وَلَا عَشِيرَةٌ فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِلَيْهِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلاثَةِ))
[رواه أبو داود].
هذا شيء يسير جداً من حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ما شبعوا من التمر إلا بعد معركة خيبر، أما غير ذلك فلم يكونوا يرون الطعام إلا يسيراً، وكانت خفافهم مشققة وثيابهم مرقعة رضوان الله عليهم، يجاهدون في سبيل الله ولو لم يجدوا في طريق الجهاد إلا ورق الشجر.
الصحابة وحالهم مع الغنى:
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ومحاربة أهل الردة بدأت الفتوحات فانهالت الأموال على الصحابة لما فتحوا المدائن أخذوا تاج كسرى وهو مرصع بالجواهر، وبساطه منسوج بالذهب واللآلئ ومصورة فيه جميع ممالك كسرى، ووجدوا دوراً مليئة بأواني الذهب والفضة.
ولما قسم سعد الغنائم حصل الفارس على اثنتي عشر ألفاً ، وبعث سعد أربعة أخماس البساط إلى عمر، فلما نظر إليه عمر قال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء، فقال علي : إنك عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا ثم قسم عمر البساط على المسلمين، فأصاب علياً قطعة من البساط فباعها بعشرين ألفاً.
توالت الأموال على الصحابة، غنائم جهاد، وأعطيات، وعمر يعدل ويقسم على المسلمين، فكيف صار حال الصحابة بعد الفتوحات والغنائم ؟ كان خليفتهم ـ عمر ـ في إزاره اثنتا عشرة رقعة، وفي ردائه أربع رقع كل رقعة مختلفة عن الأخرى, كان يأكل زيتاً وكان يأكل خبزاً وملحاً، ويرفض أن يأكل من الطعام الهنيء، ورفض أن يجلس على الفراش الوثير، ونام في المسجد، حتى دخل مرسول من الكفرة فرآه في المسجد قال: عدلت فأمنت فنمت يا عمر.
خباب يحكي حال الصحابة:
روى البخاري رحمه الله عن خباب: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا [يقطفها].
روى البخاري بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌمِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.
فوالله ما تغيرت نفوسهم، ولا تبدلت، ولا بطروا، ولا أشروا، وإنما تواضعوا لله، كانوا يذكرون على الطعام إخوانهم القتلى قبل الفتوحات.
فضالة بن عبيد وحاله أثناء الإمارة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ـ فضالة بن عبيد هذا صحابي جليل، وقد صار أميراً على مكان ـ وَهُوَ بِمِصْرَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ آتِكَ زَائِرًا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الْأَرْضِ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ قَالَ فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاءً قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا.[رواه أبو داود].
لم تتغير أحوالهم بل بقوا على إيمانهم، إنهم تربية محمد صلى الله عليه وسلم، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حتى لما جاءتهم الدنيا ما تغيروا.

قلب الزهـــور 10-04-2013 03:57 AM


أبو هريرة بعد تولي الإمارة:
عن محمد قال: كنا عند أبي هريرة فتمخط فمسح في ردائه، وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان] هذا بعد الفتوحات، وصار أبو هريرة أميراً وقال:الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منـزل عائشة والمنبر مغشياً علي من الجوع، فيمر الرجل فيجلس على صدري فأرفع رأسي فأقول: ليس الذي ترى إنما هو الجوع] أي: يظنه مصروعاً فيه جني، فيجلس على صدره ليرقيه ويقرأ عليه فيقول أبو هريرة : ليس هناك جنون ولا جن ما هو إلا الجوع ـ قال أبو هريرة: والله إني كنت لأعتمد بكتفي على الأرض من الجوع، وكنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، لقد رأيتني وإني لأخر ما بين المنبر والحجرة من الجوع مغشياً علي فيأتي الآتي فيضع رجله على عنقي، يرى أن بي الجنون وما بي إلا الجوع.
ماذا صار حال أبي هريرة بعدما صار أميراً؟ عن ثعلبة بن أبي مالك القرضي قال: أقبل أبو هريرة في السوق صار أميراً على البلد في عصر الفتوحات- يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لـمروان، فقال: أوسعوا الطريق للأمير، أو في رواية يقول: طريق للأمير، طريق للأمير، طريق للأمير، والأمير يحمل حزمة من الحطب على ظهره.
فهل تغيرت أحوالهم بعد الأموال والمناصب؟ ما تغيرت أحوالهم، فكيف حال المسلمين اليوم؟ تأتيه وظيفة أو يصبح موظفاً بعد أن كان طالباً، أو ينجح في شيء من التجارة، انظر إليهم في فسقهم وماذا يفعلون؟ انظر إلى حالهم لتعلم فتنة المال.
الصحابة ينفقون أموالهم في سبيل الله:
كان عند أنس خباز يخبز له، وربما صنع له لونين من الطعام، وخبزاً حوارياًـ يعني: نقياً منخولاً- يجيء إليه الضيوف يكرم الضيوف يأتي بالخباز يصنع ويطبخ لهم، هذا في عصر الفتوحات، قال قتادة : [كنا نأتي أنس وخبازه قائم و... يقول: كلوا أنتم كلوا فما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزاً مرققاً ولا شاة مسموطةـ وهي الذبيحة الصغيرة الطرية التي تشوى- حتى لقي الله عز وجل.
وقال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم فقسمتها ولم تترك منها شيئاً، فقالت بريرة خادمة عائشة : أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم واحد من المائة ألف من أجل طعام الإفطار، فقالت عائشة : لو ذكرتيني لفعلت, وتصدقت بسبعين ألف درهم وإنها لترقع جاني درعها رضي الله عنها.
وزار أبو هريرة قوماً فأتوه برقاق فبكى قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه.
ومن أعظم الأحوال خطبة عتبة بن غزوان ، وهو أمير البصرة قال في خطبته للناس: (وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا) [رواه مسلم].
أعلم القوم بأول حاله وآخره إظهاراً للتواضع وتحدثاً بنعمة الله وتحذيراً من الاغترار بالدنيا.
أيها المسلمون: هل يكون في هذا الحال وفي هذا الوصف عظة للمتعظ، وعبرة للمعتبر، ومانعاً لنا من الكبر إن أصابنا شيء من الدنيا، أو نعمة المال أو التجارة، أو المناصب والوظائف؟!
هذا حال الصحابة ربما أتاهم من المال أكثر مما أتانا، لكن ما تغيروا رضي الله عنهم، بل بقوا على حفظ العهد الذي عاهدوا به محمداً صلى الله عليه وسلم.
حال الأمة اليوم مع الأموال والثراء:
أيها المسلم: إذا رأيت الغني يصف حاله أيام فقره، ويذكر نعمة ربه، فهذا فيه خير كثير. قال غني لأولاده: كنا أيام الفقر في الحر ينـزع أحدنا ثوبه ينقيه وينفضه من القمل، وإذا رأيت الغني يقول: ورثت هذا كابراً عن كابر، فاعلم أن الخير من نفسه منـزوع، وأن نصيبه من الرحمة والتواضع مفقود.
وتلك قصة الثلاثة الذين أنعم الله عليهم؛ هذا بقطيع من الإبل، وهذا بقطيع من البقر، وهذا بقطيع من الغنم، وزال من كل واحد عيبه؛ زال الصلع، وزال العمى، وزال البرص، فماذا قال الأول والثاني: ورثته كابراً عن كابر، والأعمى قال: خذ ما شئت، هذا مال الله أعطاني إياه، خذ منه ما شئت، ما أمنعك من شيء منه أبداً. [من حديث رواه البخاري ومسلم].
عدم المبالاة من أي باب جمع المال:
أيها المسلمون: إن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ففي بعض بلدان المسلمين فاض المال، فهل شكروا نعمة الله أم ماذا فعلوا بالمال؟ فجروا وطغوا وبغوا وكفروا بنعمة الله، ولذلك يستحقون ما أصابهم من خوف، ويستحق المسلمون ما يصيبهم من جوع وفقر وسلب نعمة وتحول عافية وزوال، وسيسيرون في الطريق حتماً إن استمروا على ذلك، ثم إن الناس لم يعودوا يبالون أكلوا من الحلال أو من الحرام، قال صلى الله عليه وسلم:((لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ))

[رواه البخاري]. وهؤلاء الناس اليوم لا يبالون بما أخذوا من حلال أو من حرام، غصب أموال، أخذ حقوق أيتام، وهكذا، صدق نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصار الجشع والشره في الناس عظيماً، يتنافسون على الدنيا ويتقاتلون, وقد يشتكي الابن أباه في المحكمة، قال صلى الله عليه وسلم: ((اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ الْمَوْتُ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ))
[رواه أحمد]
ولذلك الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، لأن أصحاب الجد محبوسون يحاسبون على الأموال، فلا تجزع أيها الفقير إذا فاتك شيء من الدنيا.

قلب الزهـــور 10-04-2013 04:09 AM


نماذج مؤمنة ونماذج كافرة
في ثنايا التوجيهات والتشريعات القرآنية- ذلك المنهج الرباني الكامل للحياة البشرية- يجد الناظر في هذه التوجيهات منهجًا للتربية، قائمًا على الخبرة المطلقة بالنفس الإنسانية ومساربها الظاهرة والخفية; يأخذ هذه النفس من جميع أقطارها، كما يتضمن رسم نماذج من نفوس البشر واضحة الخصائص، جاهرة السمات حتى ليخيل للإنسان وهو يتصفح هذه الخصائص والسمات أنه يرى ذوات بعينها تدب في الأرض وتتحرك بين الناس، ويكاد يضع يده عليها وهو يصيح هذه هي بعينها التي عناها القرآن.

وفي هذا الدرس نجد الملامح الواضحة لنموذجين من نماذج البشر :

الأول: نموذج المرائي الشرير، الذلق اللسان الذي يجعل شخصه محور الحياة كلها: والذي يعجبك مظهره ويسوؤك مخبره، فإذا دعي إلى الصلاح وتقوى الله؛ لم يرجع إلى الحق، ولم يحاول إصلاح نفسه، بل أخذته العزة بالإثم، واستنكف أن يوجه إلى الحق والخير، ومضى في طريقه يهلك الحرث والنسل.

والثاني: نموذج المؤمن الصادق الذي يبذل نفسه كلها لمرضاة الله، لا يستبقي منها بقية، ولا يحسب لذاته حسابًا في سعيه وعمله.

وعقب عرض هذين النموذجين؛ نسمع هتافًا بالذين آمنوا ليستسلموا بكليتهم لله دون ما تردد، ودون ما تجربة لله بطلب الخوارق والمعجزات كالذي فعلته بنو إسرائيل حين بدلت نعمة الله عليها وكفرتها. ويسمى هذا الاستسلام: دخولًا في السلم، فيفتح بهذه الكلمة بابا للتصور الحقيقي الكامل لحقيقة الإيمان بدين الله، والسير على منهجه في الحياة كما سنفصل .

وفي مواجهة نعمة الإيمان الكبرى وحقيقة السلام التي تنشر ظلالها على الذين آمنوا
يعرض سوء تصور الكفار لحقيقة الأمر، وسخريتهم من الذين آمنوا بسبب ذلك التصور الضال، ويقرر إلى جانب ذلك حقيقة القيم في ميزان الله :{…وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ…[212]}[سورة البقرة].

يلي هذا تلخيص لقصة اختلاف الناس، وبيان للميزان الذي يجب أن يفيئوا إليه ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، وتقرير لوظيفة الكتاب الذي أنزله الله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويتطرق من هذا إلى ما ينتظر القائمين على هذا الميزان من مشاق الطريق; ويخاطب الجماعة المسلمة فيكشف لها عما ينتظرها في طريقها الشائك من البأساء والضراء والجهد الذي لقيته كل جماعة نيطت بها هذه الأمانة من قبل؛ كي تعد نفسها لتكاليف الأمانة التي لا مفر منها، وكي تقبل عليها راضية النفس مستقرة الضمير; تتوقع نصر الله كلما غام الأفق وبدا أن الفجر بعيد.

الدرس الأول: نموذج المنافق الكاذب، والمؤمن الصالح:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ[204]وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[205]وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[206]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[207]}[سورة البقرة].

هذا المخلوق الذي يتحدث، فيصور لك نفسه خلاصة من الخير، ومن الإخلاص، ومن الترفع، ومن الرغبة في إفاضة السعادة والطهارة على الناس..هذا الذي يعجبك حديثه، تعجبك ذلاقة لسانه، وتعجبك نبرة صوته، ويعجبك حديثه عن الصلاح {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}. زيادة في التأثير والإيحاء، وتوكيدًا للتجرد والإخلاص، وإظهارًا للتقوى وخشية الله {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}تزدحم نفسه باللدد والخصومة، فلا ظل فيها للود والسماحة، ولا موضع فيها للحب والخير، ولا مكان فيها للتجمل والإيثار.. هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه، ويتنافر مظهره ومخبره.. هذا الذي يتقن الكذب والتمويه والدهان.

حتى إذا جاء دور العمل ظهر المستور، وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد

{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}
وإذا انصرف إلى العمل كانت وجهته الشر والفساد في قسوة وجفوة ولدد تتمثل في: إهلاك كل حي من الحرث الذي هو موضع الزرع والإنبات، ومن النسل الذي هو امتداد الحياة بالإنسال. {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} ولا يحب المفسدين الذين ينشئون في الأرض الفساد ولا تخفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس .

ويمضي السياق يوضح معالم الصورة ببعض اللمسات:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}. إذا تولى فقصد إلى الإفساد في الأرض، وأهلك الحرث والنسل، ونشر الخراب والدمار، وأخرج ما يعتمل في صدره من الحقد والضغن والشر والفساد.. إذا فعل هذا كله، ثم قيل له: اتق الله تذكيرًا له بخشية الله والحياء منه، والتحرج من غضبه؛ أنكر أن يقال له هذا القول، واستكبر أن يوجه إلى التقوى، وتعاظم أن يؤخذ عليه خطأ وأن يوجه إلى صواب، وأخذته العزة لا بالحق ولكن بالإثم، فاستعز بالإجرام والذنب والخطيئة، ورفع رأسه في وجه الحق الذي يذكر به وأمام الله بلا حياء منه، وهو الذي كان يشهد الله على ما في قلبه! ويتظاهر بالخير والإخلاص والاستحياء.

إنها لمسة تكمل ملامح الصورة وتزيد في قسماتها وتمييزها بذاتها، وتدع هذا النموذج حيًا يتحرك، تقول في غير تردد: هذا هو هذا هو الذي عناه القرآن وأنت تراه أمامك ماثلًا في الأرض الآن، وفي كل آن.

وفي مواجهة هذا الاعتزاز بالإثم، واللدد في الخصومة، والقسوة في الفساد، والفجور في الإفساد.. في مواجهة هذا كله يجبهه السياق باللطمة اللائقة بهذه الجبلة النكدة {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}. حسبه ففيها الكفاية.. جهنم التي وقودها الناس والحجارة.. جهنم التي يكبكب فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون.. جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة.. جهنم التي لا تبقي ولا تذر.. جهنم التي تكاد تميز من الغيظ.. حسبه جهنم ولبئس المهاد. ويا للسخرية القاصمة في ذكر المهاد هنا، ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء.

ذلك نموذج من الناس.. يقابله نموذج آخر على الطرف الآخر من القياس:{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} ويشري هنا معناها يبيع، فهو يبيع نفسه كلها لله، ويسلمها كلها لا يستبقي منها بقية، ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله.. ليس له فيها شيء، وليس له من ورائها شيء.. بيعة كاملة لا تردد فيها، ولا تلفت، ولا تحصيل ثمن، ولا استبقاء بقية لغير الله.

يشتري نفسه بكل أعراض الحياة الدنيا ليعتقها ويقدمها خالصة لله، فهو يضحي بكل أعراض الحياة الدنيا، ويخلص بنفسه مجردة لله، وقد ذكرت الروايات سببًا لنزول هذه الآية، قال ابن كثير في التفسير:’ قال ابن عباس، وأنس، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعكرمة، وجماعة: نزلت في صهيب بن سنان الرومي، وذلك أنه لما أسلم بمكة، وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل، فتخلص منهم وأعطاهم ماله; فأنزل الله فيه هذه الآية ; فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة، فقالوا له: ربح البيع، فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك، فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية ويروى أن رسول الله ص قال له: [رَبِحَ الْبَيْعُ صُهَيْبَ]‘ .اهـ

وسواء كانت الآية نزلت في هذا الحادث، أو أنها كانت تنطبق عليه؛ فهي أبعد مدى من مجرد حادث ومن مجرد فرد: وهي ترسم صورة نفس، وتحدد ملامح نموذج من الناس، ترى نظائره في البشرية هنا وهناك.

والصورة الأولى: تنطبق على كل منافق مراء، ذلق اللسان، فظ القلب، شرير الطبع، شديد الخصومة مفسود الفطرة.

والصورة الثانية: تنطبق على كل مؤمن خالص الإيمان، متجرد لله، مرخص لأعراض الحياة.
وهذا وذلك نموذجان معهودان في الناس; يتأمل الناس فيهما معجزة القرآن ومعجزة خلق الإنسان بهذا التفاوت بين النفاق والإيمان، ويتعلم منهما الناس ألا ينخدعوا بمعسول القول، وطلاوة الدهان، وأن يبحثوا عن الحقيقة وراء الكلمة المزوقة والنبرة المتصنعة، والنفاق والرياء، والزواق، كما يتعلمون منهما كيف تكون القيم في ميزان الإيمان.

قلب الزهـــور 10-04-2013 04:15 AM


الدرس الثاني: دعوة لصدق الإلتزام بالإسلام وتحذير من الشيطان:
وفي ظلال نموذج النفاق الفاجر ونموذج الإيمان الخالص يهتف بالجماعة المسلمة باسم الإيمان الذي تعرف به للدخول في السلم كافة، والحذر من اتباع خطوات الشيطان، مع التحذير من الزلل بعد البيان:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[208]فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[209]}

[سورة البقرة].
إنها دعوة للمؤمنين باسم الإيمان، هذا الوصف المحبب إليهم، والذي يميزهم ويفردهم، ويصلهم بالله الذي يدعوهم دعوة للذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة، وأول مفاهيم هذه الدعوة: أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله في ذوات أنفسهم، وفي الصغير والكبير من أمرهم.. أن يستسلموا الاستسلام الذي لا تبقى بعده بقية ناشزة من تصور، أو شعور، ومن نية، أو عمل، ومن رغبة، أو رهبة لا تخضع لله، ولا ترضى بحكمه وقضاه.. استسلام الطاعة الواثقة المطمئنة الراضية، الاستسلام لليد التي تقود خطاهم، وهم واثقون أنها تريد بهم الخير والنصح والرشاد، وهم مطمئنون إلى الطريق والمصير في الدنيا والآخرة سواء.

وتوجيه هذه الدعوة إلى الذين آمنوا إذ ذاك تشي بأنه كانت هنالك نفوس ما تزال يثور فيها بعض التردد في الطاعة المطلقة في السر والعلن، وهو أمر طبيعي أن يوجد في الجماعة إلى جانب النفوس المطمئنة الواثقة الراضية، وهي دعوة توجه في كل حين للذين آمنوا; ليخلصوا ويتجردوا، وتتوافق خطرات نفوسهم واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم، وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم في غير ما تلجلج، ولا تردد، ولا تلفت.

والمسلم حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كله سلام، كله ثقة واطمئنان، وكله رضى واستقرار، لا حيرة ولا قلق، ولا شرود ولا ضلال: سلام مع النفس والضمير، سلام مع العقل والمنطق، سلام مع الناس والأحياء، سلام مع الوجود كله. وأول ما يفيض هذا السلام على القلب يفيض من صحة تصوره لله ربه ونصاعة هذا التصور وبساطته إنه إله واحد يتجه إليه المسلم وجهة واحدة يستقر عليها قلبه; فلا تتفرق به السبل، ولا تتعدد به القبل، ولا يطارده إله من هنا وإله من هناك- كما كان في الوثنية والجاهلية-، إنما هو إله واحد يتجه إليه في ثقة وفي طمأنينة، وهو إله قوي قادر عزيز قاهر فإذا اتجه إليه المسلم؛ فقد اتجه إلى القوة الحقة الوحيدة في هذا الوجود، وقد أمن كل قوة زائفة واطمأن واستراح، ولم يعد يخاف أحدًا، أو يخاف شيئا، وهو يعبد الله القوي القادر العزيز القاهر، ولم يعد يخشى فوت شيء، ولا يطمع في غير من يقدر على الحرمان والعطاء، وهو إله عادل حكيم، فقوته وقدرته ضمان من الظلم وضمان من الهوى وضمان من البخس.

ومن ثم يأوي المسلم من إلهه إلى ركن شديد، ينال فيه العدل والرعاية والأمان، وهو رب رحيم ودود منعم وهاب، غافر الذنب، وقابل التوب، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، فالمسلم في كنفه آمن، آنس، سالم غانم مرحوم، إذا ضعف مغفور له متى تاب، وهكذا يمضي المسلم مع صفات ربه التي يعرفه بها الإسلام ; فيجد في كل صفة ما يؤنس قلبه، وما يطمئن روحه، وما يضمن معه الحماية والوقاية والعطف والرحمة والعزة والمنعة والاستقرار والسلام كذلك يفيض السلام على قلب المسلم من صحة تصور العلاقة بين العبد والرب وبين الخالق والكون وبين الكون والإنسان.

ومعرفة المؤمن بأن غاية الوجود الإنساني هي العبادة، وأنه مخلوق ليعبد الله من شأنها أن ترفع ترفع شعوره وضميره، وترفع نشاطه وعمله، وتنظف وسائله وأدواته، فهو يريد العبادة بنشاطه وعمله; وهو يريد العبادة بكسبه وإنفاقه; وهو يريد العبادة بالخلافة في الأرض، وتحقيق منهج الله فيها، فأولى به ألا يغدر ولا يفجر; وأولى به ألا يغش ولا يخدع; وأولى به ألا يطغى ولا يتجبر; وأولى به ألا يستخدم أداة مدنسة، ولا وسيلة خسيسة، وأولى به كذلك ألا يستعجل المراحل، وألا يعتسف الطريق، وألا يركب الصعب من الأمور، فهو بالغ هدفه من العبادة بالنية الخالصة، والعمل الدائب في حدود الطاقة.

ومن شأن هذا كله ألا تثور في نفسه المخاوف والمطامع، وألا يستبد به القلق في أية مرحلة من مراحل الطريق، فهو يعبد في كل خطوة; وهو يحقق غاية وجوده في كل خطرة، وهو يرتقي صعدًا إلى الله في كل نشاط، وفي كل مجال. وشعور المؤمن بأنه يمضي مع قدر الله في طاعة الله؛ لتحقيق إرادة الله، وما يسكبه هذا الشعور في روحه من الطمأنينة، والسلام، والاستقرار، والمضي في الطريق بلا حيرة ولا قلق ولا سخط على العقبات والمشاق، وبلا قنوط من عون الله ومدده، وبلا خوف من ضلال القصد، أو ضياع الجزاء، ومن ثم يحس بالسلام في روحه حتى، وهو يقاتل أعداء الله وأعدائه، فهو إنما يقاتل لله وفي سبيل الله ولإعلاء كلمة الله، ولا يقاتل لجاه، أو مغنم، أو نزوة، أو عرض ما من أعراض هذه الحياة.

كذلك شعوره بأنه يمضي على سنة الله مع هذا الكون كله قانونه قانونه، ووجهته وجهته، فلا صدام ولا خصام، ولا تبديد للجهد، ولا بعثرة للطاقة، وقوى الكون كله تتجمع إلى قوته وتهتدي بالنور الذي يهتدي به، وتتجه إلى الله، وهو معها يتجه إلى الله، والتكاليف التي يفرضها الإسلام على المسلم كلها من الفطرة، ولتصحيح الفطرة لا تتجاوز الطاقة، ولا تتجاهل طبيعة الإنسان وتركيبه، ولا تهمل طاقة واحدة من طاقاته لا تطلقها للعمل والبناء والنماء، ولا تنسى حاجة واحدة من حاجات تكوينه الجثماني والروحي لا تلبيها في يسر وفي سماحة، ومن ثم لا يحار ولا يقلق في مواجهة تكاليفه، يحمل منها ما يطيق حمله، ويمضي في الطريق إلى الله في طمأنينة وروح وسلام.

ولا يدرك معنى هذا السلم حق إدراكه من لا يعلم كيف تنطلق الحيرة، وكيف يعربد القلق في النفوس التي لا تطمئن بالإيمان في المجتمعات التي لا تعرف الإسلام، أو التي عرفته ثم تنكرت له تحت عنوان من شتى العنوانات في جميع الأزمان، هذه المجتمعات الشقية الحائرة على الرغم من كل ما قد يتوافر لها من الرخاء المادي، والتقدم الحضاري، وسائر مقومات الرقي في عرف الجاهلية الضالة، التصورات المختلة الموازين.. إنها الشقوة النكدة المكتوبة على كل قلب يخلو من بشاشة الإيمان، وطمأنينة العقيدة، فلا يذوق طعم السلم الذي يدعى المؤمنون ليدخلوا فيه كافة، ولينعموا فيه بالأمن والظل والراحة والقرار..

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
[208]فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[209]}[سورة البقرة].
ولما دعا الله الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة، حذرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان، فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان:

إما الدخول في السلم كافة.. وإما اتباع خطوات الشيطان، إما هدى، وإما ضلال.. إما إسلام، وإما جاهلية، إما طريق الله، وإما طريق الشيطان، وإما هدى الله، وإما غواية الشيطان.

وبمثل هذا الحسم ينبغي أن يدرك المسلم موقفه فلا يتردد، ولا يتحير بين شتى السبل، وشتى الاتجاهات.. إنه ليست هنالك مناهج متعددة للمؤمن أن يختار واحدًا منها، أو يخلط واحدًا منها بواحد كلا.. إنه من لا يدخل في السلم بكليته، ومن لا يسلم نفسه خالصة لقيادة الله وشريعته، ومن لا يتجرد من كل تصور آخر، ومن كل منهج آخر، ومن كل شرع آخر.. إن هذا في سبيل الشيطان، سائر على خطوات الشيطان.. ليس هنالك حل وسط، ولا منهج بَيْنَ بَيْنَ، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك، إنما هناك حق وباطل، هدى وضلال، إسلام وجاهلية، منهج الله أو غواية الشيطان، والله يدعو المؤمنين في الأولى إلى الدخول في السلم كافة، ويحذرهم في الثانية من اتباع خطوات الشيطان ويستجيش ضمائرهم ومشاعرهم، ويستثير مخاوفهم بتذكيرهم بعداوة الشيطان لهم، تلك العداوة الواضحة البينة التي لا ينساها إلا غافل، والغفلة لا تكون مع الإيمان، ثم يخوفهم عاقبة الزلل بعد البيان

{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

وتذكيرهم بأن الله عزيز يحمل التلويح بالقوة والقدرة والغلبة، وأنهم يتعرضون لقوة الله حين يخالفون عن توجيهه، وتذكيرهم بأنه حكيم فيه إيحاء بأن ما اختاره لهم هو الخير، وما نهاهم عنه هو الشر، وأنهم يتعرضون للخسارة حين لا يتبعون أمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه، فالتعقيب بشطريه يحمل معنى التهديد والتحذير في هذا المقام .

الدرس الثالث: ميزان المؤمنين، وميزان الكفار في وزن القيم والأشخاص:
وفي ظل هذا التحذير من التلكؤ في الاستجابة، والتبديل بعد النعمة يذكر حال الذين كفروا، وحال الذين آمنوا، ويكشف عن الفرق بين ميزان الذين كفروا، وميزان الذين آمنوا للقيم والأحوال والأشخاص:
{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}

[212]}[سورة البقرة].

لقد زينت للذين كفروا هذه الحياة الدنيا بأعراضها الزهيدة، واهتماماتها الصغيرة، زينت لهم فوقفوا عندها لا يتجاوزونها، ولا يمدون بأبصارهم إلى شيء وراءها، ولا يعرفون قيمًا أخرى غير قيمها. والذي يقف عند حدود هذه الحياة الدنيا لا يمكن أن يسمو تصوره إلى تلك الاهتمامات الرفيعة التي يحفل بها المؤمن ويمد إليها بصره في آفاقها البعيدة، إن المؤمن قد يحتقر أعراض الحياة كلها، لا لأنه أصغر منها همّة، أو أضعف منها طاقة، ولا لأنه سلبي لا ينمي الحياة ولا يرقيها، ولكن لأنه ينظر إليها من عَلٍ مع قيامه بالخلافة فيها، وإنشائه للعمران والحضارة وعنايته بالنماء والإكثار، فينشد من حياته ما هو أكبر من هذه الأعراض وأغلى، ينشد منها أن يقر في الأرض منهجًا، وأن يقود البشرية إلى ما هو أرفع وأكمل، وأن يركز راية الله فوق هامات الأرض والناس؛ ليتطلع إليها البشر في مكانها الرفيع، وليمدوا بأبصارهم وراء الواقع الزهيد المحدود، الذي يحيا له من لم يهبه الإيمان رفعة الهدف، وضخامة الاهتمام، وشمول النظرة.

وينظر الصغار الغارقون في وحل الأرض المُسْتَعْبَدُونَ لأهداف الأرض، ينظرون للذين آمنوا فيرونهم يتركون لهم وحلهم وسفسافهم ومتاعهم الزهيد، ليحاولوا آمالًا كبارًا لا تخصهم وحدهم ولكن تخص البشرية كلها، ولا تتعلق بأشخاصهم إنما تتعلق بعقيدتهم، ويرونهم يعانون فيها المشقات، ويقاسون فيها المتاعب، ويحرمون أنفسهم اللذائذ التي يعدها الصغار خلاصة الحياة، وأعلى أهدافها المرموقة.

قلب الزهـــور 10-04-2013 04:21 AM


لقد زينت للذين كفروا هذه الحياة الدنيا بأعراضها الزهيدة، واهتماماتها الصغيرة، زينت لهم فوقفوا عندها لا يتجاوزونها، ولا يمدون بأبصارهم إلى شيء وراءها، ولا يعرفون قيمًا أخرى غير قيمها. والذي يقف عند حدود هذه الحياة الدنيا لا يمكن أن يسمو تصوره إلى تلك الاهتمامات الرفيعة التي يحفل بها المؤمن ويمد إليها بصره في آفاقها البعيدة، إن المؤمن قد يحتقر أعراض الحياة كلها، لا لأنه أصغر منها همّة، أو أضعف منها طاقة، ولا لأنه سلبي لا ينمي الحياة ولا يرقيها، ولكن لأنه ينظر إليها من عَلٍ مع قيامه بالخلافة فيها، وإنشائه للعمران والحضارة وعنايته بالنماء والإكثار، فينشد من حياته ما هو أكبر من هذه الأعراض وأغلى، ينشد منها أن يقر في الأرض منهجًا، وأن يقود البشرية إلى ما هو أرفع وأكمل، وأن يركز راية الله فوق هامات الأرض والناس؛ ليتطلع إليها البشر في مكانها الرفيع، وليمدوا بأبصارهم وراء الواقع الزهيد المحدود، الذي يحيا له من لم يهبه الإيمان رفعة الهدف، وضخامة الاهتمام، وشمول النظرة.


وينظر الصغار الغارقون في وحل الأرض المُسْتَعْبَدُونَ لأهداف الأرض، ينظرون للذين آمنوا فيرونهم يتركون لهم وحلهم وسفسافهم ومتاعهم الزهيد، ليحاولوا آمالًا كبارًا لا تخصهم وحدهم ولكن تخص البشرية كلها، ولا تتعلق بأشخاصهم إنما تتعلق بعقيدتهم، ويرونهم يعانون فيها المشقات، ويقاسون فيها المتاعب، ويحرمون أنفسهم اللذائذ التي يعدها الصغار خلاصة الحياة، وأعلى أهدافها المرموقة.


ينظر الصغار المطموسون إلى الذين آمنوا في هذه الحال، فلا يدركون سر اهتماماتهم العليا؛ عندئذ يسخرون منهم يسخرون من حالهم، ويسخرون من تصوراتهم ويسخرون من طريقهم الذي يسيرون فيه:{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}. ولكن هذا الميزان الذي يزن الكافرون به القيم ليس هو الميزان.. إنه ميزان الأرض، ميزان الكفر، ميزان الجاهلية، أما الميزان الحق فهو في يد الله سبحانه، والله يبلغ الذين آمنوا حقيقة وزنهم في ميزانه:
{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .

هذا هو ميزان الحق في يد الله، فليعلم الذين آمنوا قيمتهم الحقيقية في هذا الميزان، وليمضوا في طريقهم لا يحفلون سفاهة السفهاء، وسخرية الساخرين، وقيم الكافرين.. إنهم فوقهم يوم القيامة، فوقهم عند الحساب الختامي الأخير، فوقهم في حقيقة الأمر بشهادة الله أحكم الحاكمين، والله يدخر لهم ما هو خير وما هو أوسع من الرزق، يهبهم إياه حيث يختار، في الدنيا، أو في الآخرة، أو في الدارين، وفق ما يرى أنه لهم خير،{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وهو قد يعطي الكافرين زينة الحياة الدنيا؛ لحكمة منه، وليس لهم فيما أعطوا فضل، وهو يعطي المختارين من عباده ما يشاء في الدنيا، أو في الآخرة، فالعطاء كله من عنده، واختياره للأخيار هو الأبقى والأعلى .


وستظل الحياة أبدا تعرف هذين النموذجين من الناس:

تعرف المؤمنين الذين يتلقون قيمهم وموازينهم وتصوراتهم من يد الله; فيرفعهم هذا التلقي عن سفساف الحياة، وأعراض الأرض، واهتمامات الصغار، وبذلك يحققون إنسانيتهم، ويصبحون سادة للحياة لا عبيدًا للحياة.


كما تعرف الحياة ذلك الصنف الآخر الذين زينت لهم الحياة الدنيا، واستعبدتهم أعراضها وقيمها، وشدتهم ضروراتهم وأوهاقهم إلى الطين فلصقوا به لا يرتفعون.

وسيظل المؤمنون ينظرون من عَلٍ إلى أولئك الهابطين، مهما أوتوا من المتاع والأعراض على حين يعتقد الهابطون أنهم هم الموهوبون، وأن المؤمنين هم المحرومون، فيشفقون عليهم تارة، ويسخرون منهم تارة، وهم أحق بالرثاء والإشفاق.


الدرس الرابع: الإبتلاء والمحن سنة الدعوات:
هذه التوجيهات التي تستهدف إنشاء تصور إيماني كامل ناصع في قلوب الجماعة المسلمة تنتهي بالتوجه إلى المؤمنين، الذين كانوا يعانون في واقعهم مشقة الاختلاف بينهم وبين أعدائهم من المشركين وأهل الكتاب، وما كان يجره هذا الخلاف من حروب ومتاعب وويلات، يتوجه إليهم بأن هذه هي سنة الله القديمة في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة، وليكونوا لها أهلا:

أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم، وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة، حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم؛ لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة، استحقوا نصر الله؛ لأنهم يومئذ أمناء على دين الله، مأمونون على ما ائتمنوا عليه، صالحون لصيانته والذود عنه، واستحقوا الجنة؛ لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف، وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة، أو على الدعة والرخاء، فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وأرفع ما تكون عن عالم الطين {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
[214]}[سورة البقرة].

هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها، وإلى سنته سبحانه في تربية عباده المختارين، الذين يكل إليهم رايته، وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته، وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم، وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه، من الرسول الموصول بالله والمؤمنين الذين آمنوا بالله ،إن سؤالهم متى نصر الله ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة، ولن تكون إلا محنة فوق الوصف تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب، فتبعث منها ذلك السؤال المكروب: متى نصر الله؟


وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة عندئذ تتم كلمة الله، ويجيء النصر من الله:{أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}. إنه مدخر لمن يستحقونه، ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية، الذين يثبتون على البأساء والضراء، الذين يصمدون للزلزلة، الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة، الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله وعندما يشاء الله .


وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها، فهم يتطلعون فحسب إلى نصر الله، لا إلى أي حل آخر، ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله، ولا نصر إلا من عند الله، بهذا يدخل المؤمنون الجنة، مستحقين لها، جديرين بها بعد الجهاد والامتحان والصبر والثبات، والتجرد لله وحده والشعور به وحده، وإغفال كل ما سواه، وكل من سواه.. إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة ويرفعها على ذواتها ويطهرها في بوتقة الألم، فيصفو عنصرها ويضيء، ويهب العقيدة عمقا وقوة وحيوية فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها، وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجًا كما وقع وكما يقع في كل قضية حق يلقي أصحابها ما يلقون في أول الطريق حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين.


على أنه حتى إذا لم يقع هذا يقع ما هو أعظم منه في حقيقته.. يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة والحرص على الحياة نفسها في النهاية، وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها، وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء، كسب يرجح جميع الآلام، وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته، وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف، وهذا هو الطريق.. هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى، وللجماعة المسلمة في كل جيل.. هذا هو الطريق: إيمان وجهاد، ومحنة وابتلاء، وصبر وثبات، وتوجه إلى الله وحده، ثم يجيء النصر.. ثم يجيء النعيم.


من كتاب:’في ظلال القرآن’ للأستاذ/ سيد قطب رحمه الله

ملكة الرومنس 10-04-2013 08:14 PM

يعطيك ربي ألف عافيه
طرح رآئع وتواجد مميز ننتظر مزيد من العطاء
ودي وتقديري

شمس القوايل 16-04-2013 12:31 AM

يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح والمجهود

ننتظر جديدج القادم


الساعة الآن 12:36 AM.