العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-06-2014, 03:55 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ تفسير سورة هود عدد آياتها 123 ...


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

تفسير سورة هود عليه الصلاة والسلام عدد آياتها 123 ...
وهي مكية

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 12-06-2014, 04:17 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏ 4‏)‏
‏{‏ الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ‏.‏ ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ‏.‏ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ‏.‏ إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير ‏}‏

تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول
سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هنا وباللّه التوفيق، وأما قوله‏:‏ ‏{‏أحكمت آياته ثم فصلت‏}‏ أي هي محكمة في لفظها، مفصلة في معناها فالقرآن كامل صورة ومعنى، هذا معنى ما روي عن مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير، وقوله‏:‏ ‏{‏من لدن حكيم خبير‏}‏ أي من عند اللّه الحكيم في أقواله وأحكامه، الخبير بعواقب الأمور ‏{‏ألا تعبدوا إلا اللّه‏}‏ أي أنزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة اللّه وحده لا شريك له، وقوله‏:‏ ‏{‏إنني لكم منه نذير وبشير‏}‏ أي إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه، وبشير بالثواب إن أطعتموه؛ كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صعد الصفا، فدعا بطون قريش الأقرب ثم الأقرب، فاجتمعوا، فقال‏:‏ ‏(‏يا معشر قريش أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تصبّحكم ألستم مصدقيّ‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ ما جربنا عليك كذباً، قال‏:‏ ‏(‏فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه‏}‏ أي وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى اللّه عزَّ وجلَّ فيما تستقبلونه، وأن تستمروا على ذلك‏:‏ ‏{‏يمتعكم متاعا حسنا‏}‏ أي في الدنيا، ‏{‏إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله‏}‏ أي في الدار الآخرة، قاله قتادة، كقوله‏:‏ ‏{‏من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة‏}‏ الآية، وقد جاء في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لسعد‏:‏ ‏(‏وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللّه إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك‏)‏، عن ابن مسعود في قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏ويؤت كل ذي فضل فضله‏}‏، قال‏:‏ من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا، بقيت له عشر حسنات، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات، ثم يقول‏:‏ هلك من غلب آحاده على أعشاره ‏"‏أخرجه ابن جرير الطبري‏"‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير‏}‏، هذا تهديد شديد لمن تولى عن أوامر اللّه تعالى، وكذَّب رسله فإن العذاب يناله يوم القيامة لا محالة ‏{‏إلى اللّه مرجعكم‏}‏ أي معادكم يوم القيامة، ‏{‏وهو على كل شيء قدير‏}‏ أي وهو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه وانتقامه من أعدائه، وإعادة الخلائق يوم القيامة، وهذا مقام ترهيب كما أن الأول مقام ترغيب‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏5‏)‏
‏{‏ ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم وحال وقاعهم، فأنزل اللّه هذه الآية، وفي لفظ آخر له‏:‏ أناس كان يستحون أن يتخلوا، فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل بعد ذلك فيهم ‏"‏أخرجه البخاري عن ابن عباس‏"‏، قال البخاري‏:‏ ‏{‏يستغشون‏}‏ يغطون رؤوسهم، وقال ابن عباس في رواية أخرى في
تفسير هذه الآية،‏:‏ يعني به الشك في اللّه وعمل السيئات، أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئاً أو عملوه، فيظنون أنهم يستخفون من اللّه بذلك، فأخبرهم اللّه تعالى أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل ‏{‏يعلم ما يسرون‏}‏ من القول، ‏{‏وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور‏}‏ أي يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر، وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة‏:‏
فلا تكتمن اللّه ما في قلوبكم * ليخفى ومهما يكتم اللّه يعلم
وقال عبد اللّه بن شداد‏:‏ كان أحدهم إذا مر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثنى عنه صدره وغطى رأسه فأنزل اللّه ذلك، وعود الضمير إلى اللّه أولى، لقوله‏:‏ ‏{‏ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏6‏)‏
‏{‏ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ‏}‏

أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض، صغيرها وكبيرها وأنه يعلم مستقرها، أي يعلم أين منتهى سيرها في الأرض وأين تأوي إليه من وكرها وهو مستودعها، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏ويعلم مستقرها‏}‏ أي حيث تأوي ‏{‏ومستودعها‏}‏ حيث تموت، وعن مجاهد‏:‏ ‏{‏مستقرها‏}‏ في الرحم ‏{‏ومستودعها‏}‏ في الصلب، فجميع ذلك مكتوب في كتاب عند اللّه كقوله‏:‏ ‏{‏ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏7 ‏:‏ 8‏)‏
‏{‏ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ‏.‏ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ‏}‏

يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك، كما روى الإمام أحمد، عن عمران بن حصين قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اقبلوا البشرى يا بني تميم‏)‏، قالوا قد بشرتنا فأعطنا، قال‏:‏ ‏(‏اقبلوا البشرى يا أهل اليمن‏)‏، قالوا قد قبلنا، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏كان اللّه قبل كل شيء، وكان عرشه تحت الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء‏)‏، قال، فأتاني آت فقال‏:‏ يا عمران انحلت ناقتك من عقالها، قال فخرجت في إثرها، فلا أدري ما كان بعدي قال ابن
كثير‏:‏ وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة، فمنها قالوا‏:‏ جئنا نسألك عن أول هذا الأمر، فقال‏:‏ كان اللّه ولم يكن شيء قبله، وفي رواية غيره، وفي رواية منه كان عرشه على الماء ، وفي صحيح مسلم عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء‏)‏، قال مجاهد‏:‏ ‏{‏وكان عرشه على الماء‏}‏ قبل أن يخلق شيئاً، وقال قتادة‏:‏ ‏{‏وكان عرشه على الماء‏}‏ ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السماوات والأرض، وقال ابن عباس‏:‏ إنما سمي العرش عرشاً لارتفاعه، وعن سعيد بن جبير‏:‏ سئل ابن عباس عن قول اللّه‏:‏ ‏{‏وكان عرشه على الماء‏}‏ على أي شيء كان الماء‏؟‏ قال‏:‏ على متن الريح‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليبلوكم أيكم أحسن عملا‏}‏ أي خلق السماوات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولم يخلق ذلك عبثاً، كقوله‏:‏ ‏{‏وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى اللّه الملك الحق‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ليبلوكم‏}‏ أي ليختبركم ‏{‏أيكم أحسن عملا‏}‏ ولم يقل أكثر عملا، بل ‏{‏أحسن عملا‏}‏، ولا يكون العمل حسناً حتى يكون خالصاً للّه عزّ وجلّ، على شريعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فمتى فقد العمل واحداً من هذين الشرطين حبط وبطل، وقوله‏:‏ ‏{‏ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت‏}‏ الآية، يقول تعالى ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن اللّه سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم مع أنهم يعلمون أن اللّه تعالى هو الذي خلق السماوات والأرض، وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة، الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه‏}‏، وقولهم‏:‏ ‏{‏إن هذا إلا سحر مبين‏}‏ أي يقولون كفراً وعناداً ما نصدقك على وقوع البعث، وما يذكر ذلك إلا من سحرته فهو يتبعك على ما تقول، وقوله‏:‏ ‏{‏ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة‏}‏ الآية، يقول تعالى‏:‏ ولئن أخرنا عنهم العذاب والمؤخذاة إلى أجل معدود وأمد محصور، وأوعدناهم إلى مدة مضروبة ليقولن تكذيباً واستعجالاً ‏{‏ما يحبسه‏}‏ أي يؤخر هذا العذاب عنا، فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك، فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد؛ والأمة تستعمل القرآن في معان متعددة، فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية‏:‏ ‏{‏إلى أمة معدودة‏}‏، وقوله في يوسف‏:‏ ‏{‏وادكر بعد أمة‏}‏، وتستعمل في الإمام المقتدى به، كقوله‏:‏ ‏{‏إن إبراهيم كان أمة‏}‏، وتستعمل في الملة والدين كقول المشركين‏:‏ ‏{‏إنا وجدنا آباءنا على أمة‏}‏، وتستعمل في الجماعة كقوله‏:‏ ‏{‏وجد عليه أمة من الناس يسقون‏}‏، وتستعمل في الفرقة والطائفة كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏9 ‏:‏ 11‏)‏
{‏ ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور ‏.‏ ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ‏.‏ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ‏}‏

يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة، إلا من رحم اللّه، أنه إذا أصابته شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط بالنسبة إلى المستقبل، وكفر وجحود لماضي الحال، كأنه لم ير خيراً ولم يرج بعد ذلك فرجاً، وهكذا إن أصابته نعمة بعد نقمة ‏{‏ليقولن ذهب السيئات عني‏}‏ أي يقول ما ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء، ‏{‏إنه لفرح فخور‏}‏ أي فرح بما في يده بطر فخور على غيره، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إلا الذين صبروا‏}‏ أي على الشدائد والمكاره، ‏{‏وعملوا الصالحات‏}‏ أي في الرخاء والعافية، ‏{‏أولئك لهم مغفرة‏}‏ أي بما يصيبهم من الضراء ‏{‏وأجر كبير‏}‏ بما أسلفوه في زمن الرخاء كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا غفر اللّه عنه بها من خطاياه‏)‏، وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يقضي اللّه للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له، وليس ذلك لأحد غير المؤمن‏)‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 12-06-2014, 04:39 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏12 ‏:‏ 14‏)‏
{‏ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ‏.‏ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ‏.‏ فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ‏}‏

يقول تعالى مسلياً لرسوله صلى اللّه عليه وسلم عما كان يتعنت به المشركون فيما كانوا يقولونه عن الرسول كما أخبر تعالى عنهم في قوله‏:‏ ‏{‏وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا‏}‏، فأمر اللّه تعالى رسوله صلوات اللّه وسلامه عليه وأرشده إلى أن لا يضيق بذلك منهم صدره، ولا يصدنه ذلك ولا يثنيه عن دعائهم إلى اللّه عزَّ وجلَّ آناء الليل وأطراف النهار، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون‏}‏ الآية، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا‏}‏ أي لقولهم ذلك، فإنما أنت نذير ولك اسوة بإخوانك من الرسل قبلك فإنهم كُذّبوا وأوذوا فصبروا حتى أتاهم نصر اللّه عزَّ وجلَّ، ثم بين تعالى إعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله ولا بعشر سور مثله، ولا بسورة من مثله، لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات، وذاته لا يشبهها شيء، تعالى وتقدس وتنزه، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن لم يستجيبوا لكم‏}‏ أي فإن لم يأتوا بما
دعوتموهم إليه، فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك، وأن هذا الكلام منزل من عند اللّه متضمن علمه وأمره ونهيه ‏{‏وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون‏}‏‏.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏15 ‏:‏ 16‏)‏
‏{‏ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ‏.‏ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيراً، يقول‏:‏ من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة لا يعمله إلا التماس الدنيا، أوفيّه الذي التمس
في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله وهو في الآخرة من الخاسرين، وقال أنَس والحسن‏:‏ نزلت في اليهود والنصارى، وقال مجاهد‏:‏ نزلت في أهل الرياء، وقال قتادة‏:‏ من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته، جازاه اللّه بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء؛ وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يرد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏17‏)‏
‏{‏ أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ‏}‏

يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة اللّه تعالى، التي فطر عليها عباده، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأقم وجهك لدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها‏}‏ الآية‏.‏ وفي الصحيحين‏:‏ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه الحديث‏.‏ وفي صحيح مسلم‏:‏ يقول اللّه تعالى إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم على دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم‏.‏ وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ‏.‏ فالمؤمن باق على هذه الفطرة، وقوله‏:‏ ‏{‏ويتلوه شاهد منه‏}‏ أي وجاءه شاهد من اللّه، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة، المختتمة بشريعة محمد صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ ‏{‏ويتلوه شاهد منه‏}‏ إنه جبريل عليه السلام، وعن علي والحسن وقتادة‏:‏ هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكلاهما قريب في المعنى، لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات اللّه عليهما بلغ رسالة اللّه تعالى، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه‏}‏ وهو القرآن بلّغه جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وبلّغه النبي إلى أمته، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قبله كتاب موسى‏}‏ أي ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة ‏{‏إماما ورحمة‏}‏ أي أنزله اللّه تعالى إلى تلك الأمة إماماً لهم، وقدوة يقتدون بها ورحمة من اللّه بهم، فمن آمن به حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك يؤمنون به‏}‏، ثم قال متوعداً لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه، ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏ أي ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض، مشركهم وكافرهم وأهل الكتاب وغيرهم من سائر طوائف بني آدم ممن بلغه القرآن، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لأنذركم به ومن بلغ‏}‏، ‏{‏فالنار موعده‏}‏ كما ورد في الصحيح والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ‏"‏أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري‏"‏، وقال سعيد بن جبير‏:‏ كنت لا أسمع بحديث النبي صلى اللّه عليه وسلم على وجهه إلا وجدت تصديقه في القرآن، فبلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار‏)‏، فجعلت أقول أين مصداقه في كتاب اللّه‏؟‏ حتى وجدت هذه الآية‏:‏ ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏، قال‏:‏ من الملل كلها، وقوله‏:‏ ‏{‏فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك‏}‏ الآية، أي القرآن حق من اللّه لا مرية ولا شك فيه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ولكن أكثر الناس لا يؤمنون‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللّه‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏18 ‏:‏ 22‏)‏
{‏ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ‏.‏ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون ‏.‏ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ‏.‏ أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ‏.‏ لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ‏}‏

يبيّن تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق، كما ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه عزَّ وجلَّ يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له‏:‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال‏:‏ فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول‏:‏ ‏{‏الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة اللّه على الظالمين‏}‏‏)‏ ‏"‏أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن عمر رضي اللّه عنهما‏"‏الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا‏}‏ أي يردون عن اتباع الحق، وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى اللّه عزَّ وجلَّ، ‏{‏ويبغونها عوجا‏}‏ أي ويريدون أن يكون طريقهم ‏{‏عوجا‏}‏ غير معتدلة، ‏{‏وهم بالآخرة هم كافرون‏}‏ أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها، ‏{‏أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء‏}‏ أي بل كانوا تحت قهره وغلبته، وفي قبضته وسلطانه، وهو قادر على الانتقام منهم، ولكنْ ‏{‏يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار‏}‏، وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏إن اللّه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته‏)‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏يضاعف لهم العذاب‏}‏، الآية، أي يضاعف عليهم العذاب، وذلك أن اللّه تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم، بل كانوا صماً عن سماع الحق، عمياً عن اتباعه، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار ‏{‏وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير‏}‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون‏}‏ أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا ناراً حامية، فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كلما خبت زدناهم سعيرا‏}‏، ‏{‏وضل عنهم‏}‏ أي ذهب عنهم، ‏{‏ما كانوا يفترون‏}‏، من دون اللّه من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئا بل ضرتهم كل الضرر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏سيكفرون بعبادتهم ويكون عليهم ضدا‏}‏، وقال الخليل لقومه‏:‏ ‏{‏ثم يوم القيامة يكفر بعضكم لبعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون‏}‏، يخبر تعالى عن مآلهم بأنهم أخسر الناس في الآخرة، لأنهم اعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏23 ‏:‏ 24‏)‏
‏{‏ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ‏.‏ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ‏}‏

لما ذكر تعالى حال الأشقياء، ثَّنى بذكر السعداء، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وبهذا ورثوا الجنات، المشتملة على الغرف العاليات، والقطوف الدانيات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والنظر إلى خالق الأرض والسماوات، وهم في ذلك خالدون لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون ولا يبصقون ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسك يعرقون؛ ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال‏:‏ ‏{‏مثل الفريقين‏}‏ أي الذين وصفهم أولاً بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع، فالكافر أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به، ‏{‏ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم‏}‏، وأما المؤمن ففطن ذكي، بصير بالحق يميز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشر، سميع للحجة فلا يروج عليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا‏؟‏ ‏{‏أفلا تذكرون‏}‏ أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏25 ‏:‏ 27‏)‏
‏{‏ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ‏.‏ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ‏.‏ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ‏}‏

يخبر تعالى عن نوح عليه السلام، وكان أول رسول بعثه اللّه إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه‏:‏ ‏{‏إني لكم نذير مبين‏}‏ أي ظاهر النذارة لكم من عذاب اللّه إن أنتم عبدتم غير اللّه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أن لا تعبدوا إلا اللّه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم‏}‏ أي إن استمررتم على ما أنتم عليه عذّبكم اللّه عذاباً أليماً، ‏{‏فقال الملأ الذين كفروا من قومه‏}‏، والملأ هم السادة والكبراء من الكافرين منهم ‏{‏ما نراك إلا بشرا مثلنا‏}‏،
أي لست بملك ولكنك بشر، فكيف أوحي إليك من دوننا‏؟‏ ثم ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا، ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم
يكن عن فكر ولا نظر، بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك، ولهذا قالوا‏:‏ ‏{‏وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي‏}‏ أي في أول بادئ ‏{‏وما نرى لكم علينا من فضل‏}‏، يقولون‏:‏ ما رأينا لكم
علينا فضلية في خَلْق ولا خُلُق لما دخلتم في دينكم هذا، ‏{‏بل نظنكم كاذبين‏}‏ أي فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة‏.‏ هذا اعتراض الكافرين على نوح عليه السلام وأتباعه، وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم، فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه، سواء
اتبعه الأشراف أو الأراذل، بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق وهم الأشراف ولو كانوا فقراء، والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء‏.‏ والغالب على الأشراف والكبراء مخالفة الحق، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون‏}‏، ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان‏:‏ أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم‏؟‏ قال‏:‏ بل ضعفاؤهم، فقال هرقل‏:‏ هم أتباع الرسل (1)‏، وقولهم بادي الرأي ليس بمذمة ولا عيب، لأن الحق إذا وضح لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال، والرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين إنما جاءوا بأمر جلي واضح، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان في فضائل أبي بكر‏"‏أي ما تردّد ولا تروّى، لأنه رأى أمراً عظيماً واضحاً فبادر إليه وسارع، وقوله‏:‏ ‏{‏وما نرى لكم علينا من فضل‏}‏، هم لا يرون ذلك لأنهم عميٌ عن الحق لا يسمعون ولا يبصرون، بل هم في ريبهم يترددون، وفي الآخرة هم الأخسرون‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 12-06-2014, 04:50 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏28‏)‏
‏{‏ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عما رد به نوح على قومه في ذلك‏:‏ ‏{‏أرأيتم إن كنت على بينة من ربي‏}‏ أي على يقين وأمر جلي ونبوة صادقة وهي الرحمة العظيمة من اللّه به وبهم، ‏{‏فعميت عليكم‏}‏ أي خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها ولا عرفتم قدرها بل بادرتم إلى تكذيبها وردها ‏{‏أنلزمكموها‏}‏ أي نغصبكم بقبولها وأنتم لها كارهون‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏29 ‏:‏ 30‏)‏
‏{‏ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ‏.‏ ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ‏}‏

يقول لقومه‏:‏ ولا أسألكم على نصحي ‏{‏مالا‏}‏ أجرة آخذها منكم، إنما أبتغي الأجر من اللّه عزّ وجلّ، ‏{‏وما أنا بطارد الذين آمنوا‏}‏ طلبوا منه أن يطرد المؤمنين احتشاماً أن يجلسوا معهم، كما سأل أمثالهم خاتم الرسل صلى اللّه عليه وسلم أن يطرد عنهم جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلساً خاصاً، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏31‏)‏
‏{‏ ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين ‏}‏

يخبرهم أنه رسول من اللّه يدعو إلى عبادة اللّه وحده، ولا يسألهم على ذلك أجراً، ثم هو يدعو الشريف والوضيع، فمن استجاب له فقد نجا، ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف في خزائن اللّه، ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه اللّه عليه، وليس هو بملك من الملائكة، بل هو بشرٌ مرسل مؤيد بالمعجزات، ولا أقول عن هؤلاء الذين تحتقرونهم وتزدرونهم، إنهم ليس لهم عند اللّه ثواب على أعمالهم ‏{‏اللّه أعلم بما في أنفسهم‏}‏، فإن كانوا مؤمنين، فلهم جزاء الحسنى‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏32 ‏:‏ 34‏)‏
‏{‏ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ‏.‏ قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ‏.‏ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن استعجال قوم نوح نقمة اللّه وعذابه - والبلاء موكلٌ بالمنطق - قالوا‏:‏ ‏{‏يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا‏}‏ أي حاججتنا فأكثرت من ذلك ونحن لا نتبعك، ‏{‏فأتنا بما تعدنا‏}‏ أي من النقمة والعذاب ادع بما شئت علينا فليأتنا ما تدعو به، ‏{‏إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به اللّه إن شاء وما أنتم بمعجزين‏}‏ أي إنما الذي يعاقبكم ويعجلها لكم اللّه الذي لا يعجزه شيء، ‏{‏ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد أن يغويكم‏}‏ أي أيُّ شيء يجدي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي ‏{‏إن كان اللّه يريد أن يغويكم‏}‏ أي إغواءكم ودماركم، ‏{‏هو ربكم وإليه ترجعون‏}‏ أي هو مالك أزمة الأمور، المتصرف الحاكم العادل الذي لا يجوز، له الخلق وله الأمر وهو المبدئ المعيد‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏35‏)‏
‏{‏ أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون ‏}‏

هذا كلام معترض في وسط هذه القصة، مؤكد لها مقرر لها، يقول تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم أم يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون افترى هذا وافتعله من عنده،
‏{‏قل إن افتريته فعلي إجرامي‏}‏ أي قائم ذلك علي، ‏{‏وأنا بريء مما تجرمون‏}‏ أي ليس ذلك مفتعلاً ولا مفترى، لأني أعلم ما عند اللّه من العقوبة لمن كذب عليه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏36 ‏:‏ 39‏)‏
‏{‏ وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ‏.‏ واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ‏.‏ ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ‏.‏ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ‏}‏

يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح، لما استعجل قومه نقمة اللّه بهم وعذابه لهم، فدعا عليهم نوح دعوته‏:‏ ‏{‏رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا‏}‏، ‏{‏فدعا ربه أني مغلوب فانتصر‏}‏ فعند ذلك أوحى اللّه إليه‏:‏ ‏{‏أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن‏}‏ فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم، ‏{‏واصنع الفلك‏}‏ يعني السفينة، ‏{‏بأعيننا‏}‏ أي بمرأى منا، ‏{‏ووحينا‏}‏ أي تعليمنا لك ما تصنعه، ‏{‏ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون‏}‏‏.‏ قال قتادة‏:‏ كان طولها ثلثمائة ذراع في عرض خمسين، وعن الحسن‏:‏ طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلثمائة، وقيل غير ذلك، قالوا‏:‏ وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعاً، ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش، والوسطى للإنس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه‏}‏ أي يهزأون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق، ‏{‏قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم‏}‏ الآية‏.‏ وعيد شديد وتهديد أكيد، ‏{‏من يأتيه عذاب يخزيه‏}‏ أي يهينه في الدنيا، ‏{‏ويحل عليه عذاب مقيم‏}‏ أي دائم مستمر أبداً‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 12-06-2014, 01:34 PM   رقم المشاركة : 5
شمس القوايل
المشرفة العامة
 
الصورة الرمزية شمس القوايل

بارك الله فيج وجزاج الله الخير

وجعلها في ميزان حسناتج







التوقيع :


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-06-2014, 03:11 AM   رقم المشاركة : 6
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمس القوايل
بارك الله فيج وجزاج الله الخير

وجعلها في ميزان حسناتج

●●●
يمرحبا
هلااااااااااوغلاااااااااااا
يسعدلي قلبك ويسلمووو وربي على الحضور الرائع بصفحتي
وجزاك الله كووول خير ويعطيك الصحة والسعادة يارب
تقبلي شكري وتقديري واحترامي
مع تحياتي : قلب الزهـــور ..بباي









التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-06-2014, 03:32 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏40‏)‏
‏{‏حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ‏}‏

هذه موعدة من اللّه تعالى لنوح عليه السلام، إذا جاء أمر اللّه من المطر الهتَّان، الذي لا يقلع ولا يفتر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر‏}‏، وأما قوله‏:‏ ‏{‏وفار التنور‏}‏، فعن ابن عباس‏:‏ التنور وجه الأرض، أي صارت الأرض عيوناً تفور، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت تفور ماء، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف، فحينئذ أمر اللّه نوحاً عليه السلام أن يحمل معه السفينة ‏{‏من كل زوجين اثنين‏}‏ من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح، وغيرها من النباتات اثنين ذكراً و انثى، وقوله‏:‏ ‏{‏وأهلك إلا من سبق عليه القول‏}‏ أي واحمل فيها أهلك وهم أهل بيته وقرابته، ‏{‏إلا من سبق عليه القول‏}‏ منهم من لم يؤمن باللّه، فكان منهم ابنه يام الذي انعزل وحده، وامرأة نوح وكانت كافرة باللّه ورسوله، وقوله‏:‏ ‏{‏ومن آمن‏}‏ أي من قومك، ‏{‏وما آمن معه إلا قليل‏}‏ أي نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فعن ابن عباس‏:‏ كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم، وعن كعب الأحبار‏:‏ كانوا اثنين وسبعين نفساً، وقيل كانوا عشرة، واللّه أعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏41 ‏:‏ 43‏)‏
{‏ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ‏.‏ وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ‏.‏ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ‏}‏

يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام للذين أمر بحملهم معه في السفينة أنه قال‏:‏ ‏{‏اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها‏}‏ أي بسم اللّه يكون جريها على وجه الماء، وبسم اللّه يكون منتهى سيرها وهو رسوها‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين‏}‏، ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، عند الركوب على السفينة وعلى الدابة، كما روى الطبراني، عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا‏:‏ بسم اللّه الملك ‏{‏وما قدروا اللّه حق قدره - الآية، - ‏{‏بسم اللّه مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم‏}‏‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إن ربي لغفور رحيم‏}‏ مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله‏:‏ ‏{‏إن ربك لسريع العقاب * وإنه لغفور رحيم‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وهي تجري بهم في موج كالجبال‏}‏ أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء، الذي قد طبق جميع الأرض، حتى طغت على رؤوس الجبال، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعاً، وقيل بثمانين ميلاً، وهذه السفينة جارية على وجه الماء بإذن اللّه وكنفه وعنايته، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ونادى نوح ابنه‏}‏ الآية، هذا هو الابن الرابع واسمه يام وقيل كنعان، وهو الهالك، وأما الناجي من ولد آدم فهو سام، وحام، ويافث وكان كافراً، دعاه أبوه أن يؤمن ويركب معهم، ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون، ‏{‏قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء‏}‏ اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجّاه ذلك من الغرق، فقال له أبوه نوح عليه السلام ‏{‏لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم‏}‏ أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر اللّه، وقيل إنّ ‏{‏عاصم‏}‏ بمعنى معصوم كما يقال طاعم وكاس، بمعنى مطعوم ومكسو
‏{‏وحال بينهما الموج فكان من المغرقين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏44‏)‏
‏{‏ وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ‏}‏

يخبر تعالى أنه لما أغرق أهل الأرض كلهم إلا أصحاب السفينة، أمر الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها، وأمر السماء أن تقلع عن المطر ‏{‏وغيض الماء‏}‏، أي شرع في النقص، ‏{‏وقضي الأمر‏}‏ أي فرغ من أهل الأرض قاطبة ممن كفر باللّه لم يبق منهم ديار، ‏{‏واستوت‏}‏ السفينة بمن فيها ‏{‏على الجودي‏}‏، قال مجاهد‏:‏ وهو جبل بالجزيرة أرست عليه
سفينة نوح عليه السلام، وقال قتادة‏:‏ استوت عليه شهراً حتى نزلوا منها وأبقى اللّه السفينة على الجودي عبرة وآية، حتى رآها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة قد كانت بعدها فهلكت وصارت رماداً، وقال الضحاك‏:‏ الجودي جبل بالموصل، وقال بعضهم‏:‏ هو الطور، وقال كعب الأحبار‏:‏ إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقر على الجودي، وقال قتادة وغيره‏:‏ ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوماً، واستقرت بهم على الجودي شهراً، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، وقد ورد نحو هذا في حديث مرفوع رواه ابن جرير، وأنهم صاموا يومهم ذلك، واللّه أعلم، وقوله‏:‏ ‏{‏وقيل بعدا للقوم الظالمين‏}‏ أي هلاكاً وخساراً لهم وبعداً من رحمة اللّه، فإنهم قد هلكوا عن آخرهم فلم يبق لهم بقية، وقد روى ابن جرير عن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏
(‏لو رحم اللّه من قوم نوح أحداً لرحم أم الصبي‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏45 ‏:‏ 47‏)‏
‏{‏ ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ‏.‏ قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ‏.‏ قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ‏}‏

هذا سؤال استعلام من نوح عليه السلام عن حال ولده الذي غرق‏:‏ ‏{‏فقال إن ابني من أهلي‏}‏ أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين، ‏{‏قال يا نوح إنه ليس من أهلك‏}‏ أي الذين وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم‏}‏ فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق، لكفره ومخالفته أباه نبي اللّه نوحاً عليه السلام، قال ابن عباس‏:‏ هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية، وقال عكرمة‏:‏ إنه عمل عملاً غير صالح، ويروى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ بذلك‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏48‏)‏
‏{‏ قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم
ثم يمسهم منا عذاب أليم ‏}‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ لما أراد اللّه أن يكف الطوفان أرسل ريحاً على وجه الأرض فسكن الماء، وانسدت ينابيع الأرض وأبواب السماء، يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وقيل يا أرض ابلعي ماءك‏}‏ الآية، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر، وكان استواء الفلك على الجودي فيما يزعم أهل التوراة في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه، وفي أول يوم من الشهر العاشر رأى رؤوس الجبال، وظهر البر، وكشف نوح غطاء الفلك ‏{‏قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك‏}‏ الآية‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏49‏)‏
‏{‏ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا
فاصبر إن العاقبة للمتقين ‏}‏

يقول تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم هذه القصة وأشباهها ‏{‏من أنباء الغيب‏}‏ يعني من أخبار الغيوب السالفة نوحيها إليك كأنك شاهدها ‏{‏نوحيها إليك‏}‏ أي نعلمك بها وحياً منا إليك، ‏{‏ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا‏}‏ أي لم يكن عندك ولا عند أحد من قومك علم بها حتى يقول من يكذبك إنك تعلمتها منه، بل أخبرك اللّه بها مطابقة لما كان عليه الأمر الصحيح، كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك، فاصبر على تكذيب من كذبك من قومك وأذاهم لك فإنا سننصرك ونحوطك بعنايتنا، ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، كما فعلنا بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم ‏{‏إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا‏}‏ الآية، ‏{‏فاصبر إن العاقبة للمتقين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏50 ‏:‏52‏)‏
‏{‏ وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ‏.‏ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ‏.‏ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏و‏}‏ لقد أرسلنا ‏{‏إلى عاد أخاهم هودا‏}‏ آمراً لهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له ناهياً لهم عن الأوثان التي افتروها واختلقوا لها أسماء الآلهة، وأخبرهم أنه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من اللّه إنما يبغي ثوابه من اللّه الذي فطره، ‏{‏أفلا تعقلون‏}‏ من يدعوكم إلى ما يصلحكم في الدنيا والآخرة من غير أجرة، ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسر اللّه عليه رزقه وسهل عليه أمره وحفظ شأنه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يرسل السماء عليكم مدرارا‏}‏، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏من لزم الاستغفار جعل اللّه له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب‏)‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-06-2014, 03:48 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏53 ‏:‏ 56‏)‏
‏{‏ قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ‏.‏ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون ‏.‏ من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ‏.‏ إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ‏}‏

يخبر تعالى أنهم قالوا لنبيهم‏:‏ ‏{‏ما جئتنا ببينة‏}‏ أي بحجة وبرهان على ما تدعيه، ‏{‏وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك‏}‏ أي بمجرد قولك اتركوهم نتركهم ‏{‏وما نحن لك بمؤمنين‏}‏ بمصدقين، ‏{‏إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء‏}‏ يقولون ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبل في عقلك، بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها، ‏{‏قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه‏}‏، يقول‏:‏ إني بريء من جميع الأنداد والأصنام، ‏{‏فكيدوني جميعا‏}‏ أي أنتم وآلهتكم إن كانت حقاً ‏{‏ثم لا تنظرون‏}‏ أي طرفة عين‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إني توكلت على اللّه ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها‏}‏ أي تحت قهره وسلطانه، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه، فإنه على صراط مستقيم، وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة، ودلالة قاطعة على صدق ما جاء هم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام، التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر، ولا توالي ولا تعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادة اللّه وحده، الذي ما من شيء إلا تحت قهره وسلطانه، فلا إله إلا هو ولا رب سواه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏57 ‏:‏ 60‏)‏
‏{‏ فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ ‏.‏ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ ‏.‏ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد ‏.‏ وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود ‏}‏

يقول لهم هود‏:‏ فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة اللّه ربكم وحده لا شريك له، فقد قامت عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة اللّه التي بعثني بها، ‏{‏ويستخلف ربي قوما غيركم‏}‏ يعبدونه وحده ولا يشركون به ولا يبالي بكم فإنكم لا تضرونه بكفركم بل يعود وبال ذلك عليكم، ‏{‏إن ربي على كل شيء حفيظ‏}‏ أي شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم، ‏{‏ولما جاء أمرنا‏}‏ وهو الريح العقيم أهلكهم اللّه عن آخرهم ونجى هوداً وأتباعه من عذاب غليظ برحمته تعالى ولطفه، ‏{‏وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم‏}‏ كفروا بها وعصوا رسل اللّه وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء، فنّزل كفرهم منزلة من كفر بجميع الرسل ‏{‏واتبعوا أمر كل جبار عنيد‏}‏ تركوا اتباع رسولهم الرشيد، واتبعوا أمر كل جبار عنيد، فلهذا اتبعوا في هذه الدنيا لعنة كلما ذكروا، وينادى عليهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ‏{‏ألا إن عادا كفروا ربهم‏}‏ الآية، قال السدُّي‏:‏ ما بعث نبي بعد عاد إلا لعنوا على لسانه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏61‏)‏
‏{‏ وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ‏}
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏و‏}‏ لقد أرسلنا ‏{‏إلى ثمود‏}‏ وهم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكانوا بعد عاد فبعث اللّه منهم ‏{‏أخاهم صالحا‏}‏ فأمرهم بعبادة اللّه وحده، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏هو أنشأكم من الأرض‏}‏ أي ابتدأ خلقكم منها خلق أباكم آدم،
‏{‏ واستعمركم فيها‏}‏ أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونها، ‏{‏فاستغفروه‏}‏ لسالف ذنوبكم
‏{‏ثم توبوا إليه‏}‏ فيما تسقبلونه ‏{‏إن ربي قريب مجيب‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان‏}‏ الآية‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏62 ‏:‏ 63‏)‏
‏{‏ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ‏.‏ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير ‏}‏

يذكر تعالى ما كان من الكلام بين صالح عليه السلام وبين قومه وما كان عليه قومه من الجهل والعناد في قولهم‏:‏ ‏{‏قد كنت فينا مرجوا قبل هذا‏}‏ أي كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما قلت ‏{‏أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا‏}‏، وما كان عليه أسلافنا، ‏{‏وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب‏}‏ أي شك كثير، ‏{‏قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي‏}‏ فيما أرسلني به إليكم على يقين وبرهان، ‏{‏وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من اللّه إن عصيته‏}‏، وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة اللّه وحده، فلو تركته لما نفعتموني ولما زدتموني ‏{‏غير تخسير‏}‏ أي خسارة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏64 ‏:‏ 68‏)‏
‏{‏ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ‏.‏ فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ‏.‏ فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز ‏.‏ وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ‏.‏ كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ‏}‏

تقدم في الكلام على هذه القصة مستوفى في سورة الأعراف بما أغنى
عن إعادته ها هنا وباللّه التوفيق‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏69 ‏:‏ 73‏)‏
‏{‏ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ‏.‏ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ‏.‏ وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ‏.‏ قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ‏.‏ قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد جاءت رسلنا‏}‏ وهم الملائكة إبراهيم بالبشرى، قيل تبشره بإسحاق، وقيل بهلاك قوم لوط، ويشهد للأول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط‏}‏، ‏{‏قالوا سلاما قال سلام‏}‏ أي عليكم، قال علماء البيان‏:‏ هذا أحسن مما حيوه به لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام ‏{‏فما لبث أن جاء بعجل حنيذ‏}‏ أي ذهب سريعاً، فأتاهم بالضيافة وهو عجل فتى البقر، ‏{‏حنيذ‏}‏ مشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة، هذل معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم فقال ألا تأكلون‏}‏ وقد تضمنت هذه الآية آداب الضيافة من وجه كثيرة، وقوله‏:‏ ‏{‏فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم‏}‏ ينكرهم، ‏{‏وأوجس منهم خيفة‏}‏ وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه، فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاء به فارغين عنه بالكلية، فعند ذلك نكرهم ‏{‏وأوجس منهم خيفة‏}‏ قال السدي‏:‏ لما بعث اللّه الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صورة رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه، فلما رآهم أجلَّهم ‏{‏فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين‏}‏ فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم، وقامت سارة تخدمهم، فذلك حين يقول ‏{‏وامرأته قائمة‏}‏ امرأة إبراهيم‏:‏ هي سارة، والغلام الذي بشرت به - كما ذكره السهيلي - هو إسحاق، قال‏:‏ ولم تلد سارة لإبراهيم غيره، وأما إسماعيل فهو بكره من هاجر القبطية وهو جالس، فلما قربه إليهم ‏{‏قال ألا تأكلون‏}‏‏؟‏ قالوا‏:‏ يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن، قال‏:‏ فإن لهذا ثمناً، قالوا‏:‏ وما ثمنه‏؟‏ قال‏:‏ تذكرون اسم اللّه على أوله وتحمدونه على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال‏:‏ حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً ‏{‏فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم‏}‏، يقول فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خفية، وقالت سارة‏:‏ عجباً لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا‏؟‏‏!‏ ‏{‏قالوا لا تخف‏}‏ أي قالوا لا تخف منا إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكم، فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم لكثرة فسادهم، وغلظ كفرهم وعنادهم، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏فضحكت‏}‏ أي حاضت، وقول وهب بن منبه‏:‏ إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق، فمخالف لهذا السياق، فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها ‏{‏فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب‏}‏ أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل، فإن يعقوب ولد إسحاق، ومن هنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل وأنه يمتنع أن يكون إسحاق لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد اللّه حق لا خلف فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه وللّه الحمد، ‏{‏قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا‏}‏ الآية، حكى قولها في هذه الآية كما حكى فعلها في الآية الأخرى، فإنها ‏{‏قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز‏}‏، وفي الذاريات ‏{‏فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم‏}‏، كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب، ‏{‏قالوا أتعجبين من أمر اللّه‏}‏ أي قالت الملائكة لها‏:‏ لا تعجبي من أمر اللّه فإنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزاً عقيماً وبعلك شيخاً كبيراً فإن اللّه على ما يشاء قدير، ‏{‏رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد‏}‏ أي هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله، محمود ممجد في صفاته وذاته‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏74 ‏:‏ 76‏)‏
‏{‏ فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ‏.‏ إن إبراهيم لحليم أواه منيب ‏.‏ يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ‏}‏

يخبر تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه لما ذهب عنه الروع، وهو ما أوجس من الملائكة خفية حين لم يأكلوا وبشروه بعد ذلك بالولد وأخبروه بهلاك قوم لوط، أخذ يقول‏:‏ أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، حتى بلغ خمسة، قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ أرأيتكم أن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، فقال إبراهيم عليه السلام عند ذلك، ‏{‏إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته‏}‏ الآية، فسكت عنهم واطمأنت نفسه قاله سعيد بن جبير رضي اللّه عنه ، وقوله‏:‏ ‏{‏إن إبراهيم لحليم أواه منيب‏}‏ مدحٌ لإبراهيم بهذه الصفات الجميلة، وقد تقدم تفسيرها‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك‏}‏ الآية، أي أنه قد نفذ فيهم القضاء وحقت عليهم الكلمة بالهلاك وحلول البأس الذي لا يرد عن القوم المجرمين‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-06-2014, 04:02 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏77 ‏:‏ 79‏)‏
‏{‏ ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ‏.‏ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ‏.‏ قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ‏}‏

يخبر تعالى عن قدوم الملائكة بعدما أعلموا إبراهيم بهلاكهم وفارقوه، فانطلقوا من عنده فأتوا لوطاً عليه السلام، وهم في أجمل صورة تكون على هيئة شبان حسان الوجوه، ابتلاءً من اللّه - وله الحكمة والحجة البالغة - فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم، وخشي أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء، ‏{‏وقال هذا يوم عصيب‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ شديد بلاؤه، وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ويشق عليه ذلك‏.‏ وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له فتضيفوه فاستحيا منهم، فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه‏:‏ ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلاً، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات، قال قتادة‏:‏ وقد كانوا أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك، قال السدي‏:‏ خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار، ولقوا بنت لوط تستقي، فقالوا‏:‏ يا جارية هل من منزل‏؟‏ فقالت‏:‏ مكانكم حتى آتيكم وفَرِقت عليهم من قومها فأتت أباها، فقالت‏:‏ يا أبتاه أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك، وكان قومه نهوه أن يضيف رجلاً، فقالوا‏:‏ خل عنا فلنضيف الرجال، فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته، فخرجت امرأته فأخبرت قومها فجاءوا يهرعون إليه، وقوله‏:‏ ‏{‏يهرعون إليه‏}‏ أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك، وقوله‏:‏ ‏{‏ومن قبل كانوا يعملون السيئات‏}‏ أي لم يزل هذا من سجيتهم حتى أخذوا وهم على ذلك الحال، وقوله‏:‏ ‏{‏قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم‏}‏ يرشدهم إلى نساءهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون‏}‏، ‏{‏قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين‏}‏، وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏هؤلاء بناتي هن أطهر لكم‏}‏ قال مجاهد‏:‏ لم يكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته، وكذا روي عن قتادة وغير واحد‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فاتقوا اللّه ولا تخزون في ضيفي‏}‏ أي اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم، ‏{‏أليس منكم رجل رشيد‏}‏ أي فيه خير، يقبل ما آمره به ويترك ما أنهاه عنه، ‏{‏قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق‏}‏ أي إنك لتعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن، ‏{‏وإنك لتعلم ما نريد‏}‏ أي ليس لنا غرض إلا في الذكور وأنت تعلم ذلك، فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك‏؟‏ قال السدي‏:‏‏{‏وإنك لتعلم ما نريد‏}‏ إنما نريد الرجال‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏80 ‏:‏ 81‏)‏
‏{‏ قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ‏.‏ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن نبيّه لوط عليه السلام إن لوطاً توعدهم بقوله‏:‏ ‏{‏لو أن لي بكم قوة‏}‏ الآية، أي لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث‏:‏ ‏(‏رحمة اللّه على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد - يعني اللّه عزَّ وجلَّ - فما بعث اللّه بعده من نبي إلا في ثروة من قومه‏)‏، فعند ذلك أخبرته الملائكة أنهم رسل اللّه إليه، وأنهم لا وصول لهم إليه، ‏{‏قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك‏}‏ وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل وأن يتبع أدبارهم، أي يكون ساقة لأهله، ‏{‏ولا يلتفت منكم أحد‏}‏ أي إذا سمعت ما نزل بهم ولا تهولنكم تلك الأصوات المزعجة، وقوله‏:‏ ‏{‏ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك‏}‏، ذكروا أنها خرجت معهم ولما سمعت الوجبة التفت وقالت‏:‏ واقوماه، فجاءها حجر من السماء فقتلها، ثم قربوا له هلاك قومه تبشيراً له لأنه قال لهم أهلكوهم الساعة، فقالوا‏:‏ ‏{‏إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب‏}‏‏؟‏ هذا وقوم لوط وقوف على الباب وعكوف، وقد جاءوا يهرعون إليه من كل جانب، ولوط واقف على الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه، وهم لا يقبلون منه، بل يتوعدونه ويتهددونه، فعند ذلك خرج عليهم جبريل عليه السلام، فضرب وجوههم بجناحه فطمس أعينهم، فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر‏}‏ الآية‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏82 ‏:‏ 83‏)‏
‏{‏ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ‏.
‏ مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فلما جاء أمرنا‏}‏ وكان ذلك عند طلوع الشمس ‏{‏جعلنا عاليها‏}‏ وهي سدوم ‏{‏سافلها‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏فغشاها ما غشى‏}‏، ‏{‏وأمطرنا عليها حجارة من سجيل‏}‏ أي حجارة من طين، قاله ابن عباس وغيره‏.‏ وقد قاله في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏حجارة من طين‏}‏ أي مستحجرة قوية شديدة، وقال بعضهم‏:‏ مشوية، وقال البخاري‏:‏ ‏{‏سجيل‏}‏ الشديد الكبير، سجيل وسجين اللام والنون أختان، وقوله‏:‏ ‏{‏منضود‏}‏ قال بعضهم‏:‏ منضودة في السماء أي معدة لذلك‏.‏ وقال آخرون‏:‏ ‏{‏منضود‏}‏ أي يتبع بعضهم بعضاً في نزولها عليهم، وقوله‏:‏ ‏{‏مسومة‏}‏ أي معلمة كل حجر مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه، فبينا أحدهم يكون عند الناس يتحدث، إذ جاءه حجر من السماء فسقط عليه من بين الناس فدمره، فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد حتى أهلكتهم عن آخرهم، فلم يبق منهم أحد، وقال مجاهد‏:‏ أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم كفأها؛ وكان حملهم على خوافي جناحه الأيمن، ولما قلبها كان أول ما سقط منها شرفاتها‏.‏ وقال قتادة وغيره‏:‏ بلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه فانتسف بها أرضهم بما فيهم من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألف، ثم قلبها، فأرسلها إلى الأرض منكوسة، ودمدم بعضها على بعض، فجعل عليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل، قال تعالى‏:‏ ‏{‏جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل‏}‏ فأهلكها اللّه وما حولها من الؤتفكات‏.‏ وقال السدي‏:‏ لما أصبح قوم لوط نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين فحملها حتى بلغ بها السماء، حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها فقتلهم فذلك قوله‏:‏ ‏{‏والمؤتفكة أهوى‏}‏، ومن لم يمت حتى سقط للأرض أمطر اللّه عليه وهو تحت الأرض الحجارة، ومن كان منهم شاذاً في الأرض يتبعهم في القرى، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله؛ فذلك قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏وأمطرنا عليها‏}‏ أي في القرى حجارة من سجيل، وقوله‏:‏ ‏{‏وما هي من الظالمين ببعيد‏}‏ أي وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ببعيد عنه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏84‏)‏
‏{‏ وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏؟‏‏؟‏‏{‏ولقد أرسلنا إلى مدين‏}‏ وهم قبيلة من العرب كانوا يسكنون بين الحجاز والشام قريباً من معان، بلاداً تعرف بهم يقال لها مدين ، فأرسل اللّه إليهم شعيباً وكان من أشرافهم نسباً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أخاهم شعيبا‏}‏ يأمرهم بعبادة اللّه تعالى وحده لا شريك له وينهاهم عن التطفيف في المكيال والميزان، ‏{‏إني أراكم بخير‏}‏ أي في معيشتكم ورزقكم، وإني أخاف أن تسلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم اللّه، ‏{‏وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط‏}‏ أي في الدار الآخرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏85 ‏:‏ 86‏)‏
‏{‏ ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ‏.‏ بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ‏}‏

نهاهم أولاً عن نقص المكيال والميزان إذا أعطوا الناس، ثم أمرهم بوفاء الكيل والوزن، ونهاهم عن العثو في الأرض بالفساد وقد كانوا يقطعون الطريق، وقوله‏:‏ ‏{‏بقية اللّه خير لكم‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ رزق اللّه خير لكم، وقال الحسن‏:‏ رزق اللّه خير لكم من بخسكم الناس، وقال الربيع‏:‏ وصية اللّه خير لكم، وقال مجاهد‏:‏ طاعة اللّه، وقال قتادة‏:‏ حظكم من اللّه خير لكم‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أخذ أموال الناس، قلت‏:‏ ويشبه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏وما أنا عليكم بحفيظ‏}‏ أي برقيب ولا حفيظ، أي افعلوا ذلك للّه عزَّ وجلَّ، لا تفعلوا ليراكم الناس بل للّه عزَّ وجلَّ‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏87‏)‏
‏{‏ قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ‏}‏

يقولون له على سبيل التهكم - قبحهم اللّه - ‏
{‏أصلاتك‏}‏ أي قراءتك قاله الأعشى ، ‏{‏تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا‏}‏ أي الأوثان والأصنام، ‏{‏أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء‏}‏ فنترك التطفيف عن قولك، وهي أموالنا نفعل فيها ما نريد، قال الحسن في الآية‏:‏ أي واللّه إن صلاته لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم، وقال الثوري في قوله‏:‏ ‏{‏أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء‏}‏‏؟‏ يعنون الزكاة، ‏{‏إنك لأنت الحليم الرشيد‏؟‏‏!‏‏}‏ يقول ذلك أعداء اللّه على سبيل الاستهزاء قبحهم اللّه ولعنهم وقد فعل‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏88‏)‏
{‏ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ‏}‏

يقول لهم أرأيتم يا قوم ‏{‏إن كنت على بينة من ربي‏}‏ أي على بصيرة فيما أدعو إليه، ‏{‏ورزقني منه رزقا حسنا‏}‏ قيل‏:‏ أراد النبوة، وقيل‏:‏ أراد الرزق الحلال ويحتمل الأمرين، قال الثوري‏:‏ ‏{‏وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه‏}‏ أي لا أنهاكم عن الشيء وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم، وقال قتادة‏:‏ لم أكن أنهاكم عن أمر وأرتكبه، ‏{‏إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت‏}‏ أي فيما آمركم وأنهاكم إنما أريد إصلاحكم جهدي وطاقتي، ‏{‏وما توفيقي‏}‏ في إصابة الحق فيما أريده ‏{‏إلا باللّه عليه توكلت‏}‏ في جميع أموري ‏{‏وإليه أنيب‏}‏ أي أرجع، قاله مجاهد‏.‏ روى الإمام أحمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن الأنصاري قال‏:‏ سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقول عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه قريب منكم فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏‏.‏ ومعناه واللّه أعلم‏:‏ مهما بلغكم عني من خير فأنا أولاكم به، ومهما يكن من مكروه فأنا أبعدكم منه ‏{‏وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه‏}‏، قال أبو سليمان الضبي‏:‏ كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها الأمر والنهي، فيكتب في آخرها‏:‏ وما كانت من ذلك إلا كما قال العبد الصالح ‏{‏وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه أنيب‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-06-2014, 04:22 AM   رقم المشاركة : 10
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏89 ‏:‏ 90‏)‏
‏{‏ ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد ‏.‏ واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ‏}‏

يقول لهم‏:‏ ‏{‏ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي‏}‏ أي لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد، فيصبيكم مثل ما أصاب قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط من النقمة والعذاب، وقال قتادة‏:‏ ‏{‏ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي‏}‏ يقول‏:‏ لا يحملنكم فراقي، وقال السدي‏:‏ عداوتي، على أن تمادوا في الضلال والكفر فيصيبكم من العذاب ما أصابهم، ولما أحاط الناس بعثمان بن عفان أشرف عليهم من داره فقال‏:‏ ‏{‏ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح‏}‏، يا قوم لا تقتلوني، إنكم إن قتلتموني كنتم هكذا، وشبك بين أصابعه ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وما قوم لوط منكم ببعيد‏}‏ قيل المراد في الزمان، قال قتادة‏:‏ يعني إنما هلكوا بين أيديكم بالأمس، وقيل‏:‏ في المكان، ويحتمل الأمران، ‏{‏واستغفروا ربكم‏}‏ من سالف الذنوب، ‏{‏ثم توبوا إليه‏}‏ فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة ‏{‏إن ربي رحيم ودود‏}‏ لمن تاب‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏91 ‏:‏ 92‏)‏
‏{‏ قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ‏.‏ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ‏}‏

يقولون‏:‏ ‏{‏يا شعيب ما نفقه‏}‏ ما نفهم ‏{‏كثيرا‏}‏ من قولك، ‏{‏وإنا لنراك فينا ضعيفا‏}‏ روي عن سعيد بن جبير والثوري أنهما قالا‏:‏ كان شعيب ضرير البصر ، قال السدي‏:‏ أنت واحد، وقال أبو روق‏:‏ يعنون ذليلاً، لأن عشيرتك ليسوا على دينك، ‏{‏ولولا رهطك لرجمناك‏}‏ أي قومك لرجمناك‏}‏ قيل‏:‏ بالحجارة، وقيل‏:‏ لسببناك، ‏{‏وما أنت علينا بعزيز‏}‏ أي ليس عندنا لك معزة، ‏{‏قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من اللّه‏}‏، يقول‏:‏ أتتركوني لأجل قومي، ولا تتركوني إعظاماً لجناب الرب تبارك وتعالى أن تنالوا نبيّه بمساءة وقد اتخذتم جانب اللّه ‏{‏وراءكم ظهريا‏}‏ أي نبذتموه خلفكم لا تطيعونه ولا تعظمونه، ‏{‏إن ربي بما تعملون محيط‏}‏ أي هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم عليها‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏93 ‏:‏ 95‏)‏
‏{‏ ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ‏.‏ ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ‏.‏ كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ‏}‏

لما يئس نبي اللّه شعيب من استجابتهم له قال‏:‏ يا قوم ‏{‏اعملوا على مكانتكم‏}‏ أي طريقتكم، وهذا تهديد شديد ‏{‏إني عامل‏}‏ على طريقتي، ‏{‏سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب‏}‏، أي مني ومنكم، ‏{‏وارتقبوا‏}‏ أي انتظروا، ‏{‏إني معكم رقيب‏}‏، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏جاثمين‏}‏ أي هامدين لا حراك بهم‏.‏ وذكر ههنا أنه أتتهم صحية، وفي الأعراف رجفة، وفي الشعراء ‏{‏عذاب يوم الظلة‏}‏، وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، وقوله‏:‏ ‏{‏كأن لم يغنوا فيها‏}‏ أي يعيشوا في دارهم قبل ذلك ‏{‏ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود‏}‏ وكانوا جيرانهم قريباً منهم في الدار، وشبيهاً بهم في الكفر وكانوا عرباً مثلهم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏96 ‏:‏ 99‏)‏
‏{‏ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ‏.‏ إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد ‏.‏ يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ‏.‏ وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن إرسال موسى بآياته ودلالاته الباهرة إلى فرعون ملك القبط وملئه ‏{‏فاتبعوا أمر فرعون‏}‏ أي منهجه ومسلكه وطريقته في الغي، ‏{‏وما أمر فرعون برشيد‏}‏ أي ليس فيه رشد ولا هدى، وإنما هو جهل وضلال وكفر وعناد؛ وكما أنهم اتبعوه في الدنيا وكان مقدمهم ورئيسهم، كذلك هو يقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم، ‏{‏يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار، وبئس الورد المورود‏}‏، وكذلك شأن المتبوعين يكونون موفرين في العذاب يوم القيامة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لكل ضعف ولكن لا تعلمون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ربنا آتهم ضعفين من العذاب‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة‏}‏ الآية، أي أتبعناهم زيادة على عذاب النار لعنة في الدنيا، ‏{‏ويوم القيامة بئس الرفد المرفود‏}‏‏.‏ قال مجاهد‏:‏ زيدوا لعنة يوم القيامة فتلك لعنتان، وقال ابن عباس‏:‏ لعنة الدنيا والآخرة وكذا قال الضحاك وقتادة ، وهو كقوله‏:‏ ‏{‏وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏100 ‏:‏ 101‏)‏
‏{‏ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد ‏.‏ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ‏}‏

لما ذكر تعالى خبر الأنبياء وما جرى لهم من أممهم وكيف أهلك الكافرين ونجى المؤمنين، قال‏:‏ ‏{‏ذلك من أنباء القرى‏}‏ أي أخبارهم، ‏{‏نقصه عليك منها قائم‏}‏ أي عامر، ‏{‏وحصيد‏}‏ أي هالك، ‏{‏وما ظلمناهم‏}‏ أي إذ أهلكناهم ‏{‏ولكن ظلموا أنفسهم‏}‏ بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم، ‏{‏فما أغنت عنهم آلهتهم‏}‏ أوثانهم التي يعبدونها ويدعونها ‏{‏من دون اللّه من شيء‏}‏ ما نفعوهم ولا أنقذوهم بإهلاكهم، ‏{‏وما زادوهم غير تتبيب‏}‏‏.‏ قال مجاهد وقتادة‏:‏ أي غير تخسير، وذلك أن سبب هلاكهم ودمارهم إنما كان باتباعبهم تلك الآلهة، فلهذا خسروا في الدنيا والآخرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏102‏)‏
‏{‏ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بأشباههم،
‏{‏إن أخذه أليم شديد‏}‏‏.‏ وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته‏)‏، ثم قرأ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة‏}‏ الآية‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏103 ‏:‏ 105‏)‏
‏{‏ إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ‏.‏ وما نؤخره إلا لأجل معدود ‏.‏ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ إن في إهلاكنا الكافرين وإنجائنا المؤمنين ‏{‏لآية‏}‏ أي عظة واعتباراً على صدق موعودنا في الآخرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين‏}‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ذلك يوم مجموع له الناس‏}‏ أي أولهم وآخرهم، كقوله‏:‏ ‏{‏وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا‏}‏، ‏{‏وذلك يوم مشهود‏}‏ أي عظيم تحضره الملائكة، ويجتمع فيه الرسل وتحشر الخلائق بأسرهم،
من الإنس والجن والطير والوحوش والدواب، ويحكم فيه العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة، وقوله‏:‏ ‏{‏وما نؤخره إلا لأجل معدود‏}‏ أي ما نؤخر إقامة القيامة إلا لأنه قد سبقت كلمة اللّه في وجود أناس معدوين من ذرية آدم، ضرب مدة معينة إذا انقطعت وتكامل وجود أولئك المقدر
خروجهم قامت الساعة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وما نؤخره إلا لأجل معدود‏}‏ أي لمدة مؤقتة لا يزاد عليها ولا ينقص منها، ‏{‏يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه‏}‏ أي يأتي يوم القيامة لا يتكلم أحد إلا بإذن اللّه، كقوله‏:‏ ‏{‏لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا‏}‏، وفي الصحيحين في حديث الشفاعة‏:‏ ‏(‏ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلّمْ سلّمْ‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فمنهم شقي وسعيد‏}‏ أي فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد، كما قال‏:‏ ‏{‏فريق في الجنة وفريق في السعير‏}‏، ثم بيّن تعالى حال الأشقياء وحال السعداء فقال‏:‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏106 ‏:‏ 107‏)‏
‏{‏ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ‏.‏ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏لهم فيها زفير وشهيق‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، أي تنفسهم زفير وأخذهم النفس شهيق، لما هم فيه من العذاب، ‏{‏خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض‏}‏ قال ابن جرير‏:‏ من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبداً قالت‏:‏ هذا دائم، دوام السماوات والأرض، وكذلك يقولون‏:‏ هو باق ما اختلف الليل والنهار، يعنون بذلك كله أبداً، فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم، فقال‏:‏ ‏{‏خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض‏}‏ قلت‏:‏ ويحتمل أن المراد بما دامت السماوات والأرض الجنس،
لأنه لا بد في عالم الآخرة من سماوات وأرض، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات‏}‏، ولهذا قال الحسن البصري في قوله‏:‏ ‏{‏ما دامت السماوات والأرض‏}‏ قال‏:‏ يقول سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه، فما دامت تلك السماء وتلك الأرض، وعن ابن عباس قال‏:‏ لكل جنة سماء وأرض، وقال ابن أسلم‏:‏ ما دامت الأرض أرضاً والسماء سماء، وقوله‏:‏ ‏{‏إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم‏}‏، وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة نقل كثيراً منها ابن جرير رحمه اللّه، واختار أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم اللّه من النار بشفاعة الشافعين، ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين، فتخرج من لم يعمل خيراً قط، وقال يوماً من الدهر ‏{‏لا إله إلا اللّه‏}‏، كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً، وقال السدي‏:‏ هي منسوخة بقوله‏:‏
‏{‏خالدين فيها أبدا‏}‏‏.

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏108‏)‏
‏{‏ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض
إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وأما الذين سعدوا‏}‏ وهم أتباع الرسل ‏{‏ففي الجنة‏}‏ أي فمأواهم الجنة، ‏{‏خالدين فيها‏}‏ أي ماكثين فيها أبداً، ‏{‏ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك‏}‏ معنى الاستثناء ههنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمراً واجباً بذاته، بل هو موكول إلى مشيئة اللّه تعالى، فله المنة عليهم دائماً، وعقّب ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏عطاء غير مجذوذ‏}‏ أي غير مقطوع قاله مجاهد وابن عباس وأبو العالية وغير واحد ، لئلا يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطاع أو لبس أو شيء، بل حتم له بالدوام وعدم الانقطاع، ‏{‏إن ربك فعال لما يريد‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏لا يسئل عما يفعل وهم يسألون‏}‏، وهنا طيَّب القلوب وثَّبت المقصود بقوله‏:‏ ‏{‏عطاء غير مجذوذ‏}‏‏.‏ وقد جاء في الصحيحين‏:‏ ‏(‏يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت‏)‏، وفي الصحيح أيضاً‏:‏
‏(‏فيقال‏:‏ يا أهل الجنة إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً‏)‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏109 ‏:‏ 111‏)‏
‏{‏ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ‏.‏ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ‏.‏ وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء‏}‏ المشركون إنه باطل وجهل وضلال، فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل، أي ليس لهم مستند فيما هم فيه إلا اتباع الآباء في الجهالات وسيجزيهم اللّه على ذلك أتم الجزاء، قال سفيان الثوري، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص‏}‏، قال‏:‏ ما وعدوا من خير أو شر، وقال ابن أسلم‏:‏ لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص، ثم ذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب فاختلف الناس فيه فمن مؤمن به ومن كافر به، فلك بمن سلف من الأنبياء قبلك يا محمد أسوة، فلا يغظنك تكذيبهم لك، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم‏}‏‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ لولا ما تقدم من تأجليه العذاب إلى أجل معلوم لقضى اللّه بينهم، ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه كما قال‏:‏ ‏{‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا‏}‏، ثم أخبر تعالى أنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم ويجزيهم بأعمالهم فقال‏:‏ ‏{‏وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير‏}‏ أي عليم بأعمالهم جميعاً، جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها، وقوله‏:‏ ‏{‏ولا تركنوا إلى الذين ظلموا‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ هو الركون إلى الشرك، وقال أبو العالية‏:‏ لا ترضوا بأعمالهم؛ وقال ابن جرير عن ابن عباس‏:‏ ولا تميلوا إلى الذين ظلموا؛ وهذا القول حسن، أي لا تسعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم، ‏{‏فتمسكم النار وما لكم من دون اللّه من أولياء ثم لا تنصرون‏}‏ أي ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم، ولا ناصر يخلصكم من عذابه‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:26 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية