أثارت الفتوى التى أصدرها أحد العلماء السعوديين باهدار دم المطرب الكويتى عبدالله الرويشد بسبب قيامه بتلحين سورة الفاتحة واهانته للقرآن ردود فعل واسعة بين العلماء فى الدول العربية والاسلامية،
وكان أول من دعا الى تلحين القرآن هو المطرب المصرى محمد عبدالوهاب والذى عرض وجهة نظره تلك على الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الازهر فرفض هذا الاقتراح بشدة كما تعرض مارسيل خليفة للمحاكمة لأنه تغنى باشعار مستوحاة من سورة سيدنا يوسف عليه السلام.
وقد دافع بعض رجال الدين الكويتيين عن الرويشد وأعلنوا رفضهم للفتوى التى أصدرها رجل الدين السعودى الشيخ حمود بن شعيبى والتى خول فيها السلطات الكويتية الحق فى تنفيذ الحكم أو ايقافه ووصفوا الفتوى بانها غير شرعية وقالوا ان الشيخ بن شعيبى غير مؤهل لاصدار هذه الفتوى.
ـ هل يجوز تلحين القرآن وأدائه بمصاحبة الموسيقى؟ وما تعليق العلماء وقراء القرآن على ما فعله المغنى الكويتى عبدالله الرويشد والفتوى التى صدرت ضده؟ ـ يشير الدكتور عبدالحكم الصعيدى الاستاذ بجامعة الازهر ان القرآن الكريم هو كلام رب العالمين وهو كلام معجز فى نظمه وتركيبه وترتيبه موضحا أن القرآن ليس فى حاجة الى معينات أو مساعدات كالآلات الموسيقية وغيرها مما يصاحب الاداء لأن ذلك كله يفسد الجو الذى يجب أن يتلى فيه القرآن يقول تعالى: (فإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون).
ويضيف أن القارئ عندما يبدأ فى قراءة القرآن ينبغى أن يكون مهيأ الذهن صافى النفس حتى يعيش فى هذا الجو الايمانى وبقدر استعداد القارئ النفسى وصفائه الذهنى يفتح الله عليه فى فهم الآيات مشيرا الى وجود أوقات يكون فيها سماع القرآن أجدى وأنفع مثل وقت الفجر حيث يكون الكون فى هدوء وسكون يقول تعالى: (وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) ذلك أن الانسان يستمع الى القرآن فى ذلك الوقت بعد أن يكون قد نال قسطا من الراحة ولا تكون الحياة قد دبت فيها الجلبة والضوضاء.
ويؤكد أن القرآن الكريم لا يخلو في نظمه وتركيبه من جرس صوتى ونبرة تصل الى قلب السامع وذهنه طالما كان متمثلا للوقار مشيرا الى أن ذلك لا يحتاج الى موسيقى أو مؤثرات صوتية ويكفى الانصات والاستماع فالمستمع لديه الذوق الأصيل ولذلك تعارف الناس على ألا يكون هناك شاغل يشغلهم عن الاستماع الى القرآن حتى فى سرادقات العزاء وغيرها. ولذلك كره بعض الفقهاء الشوشرة على القارئ عن طريق الاستحسان بترديد لفظ الجلالة.
أهواء فاسدة وحول الجهود الرامية الى تلحين القرآن وادئه بمصاحبة الموسيقى والمؤثرات الصوتية يرى الدكتور الصعيدى أن دعاة التقدم والفرنجة يريدون اخضاع كل شيء لاهوائهم وعقولهم مشيرا الى ان تلحين القرآن ليست قضية مطروحة الآن فقد تناولها كثير من العلماء وهناك آراء قيمة فيها، فاذا أراد البعض اثارة هذه القضية وعمل على تلحين القرآن فإن من يتولى هذه الفرية متبع لهواه وهو بذلك لا يخدم القرآن وانما يهينه ويلحق بالغ الضرر بالاسلام والمسلمين.
ويضيف أن تلك الدعاوى لا تنطلي علينا مهما يكن المصدر الذى تصدر عنه ولن تؤثر فى مكانة القرآن فى نفوس المسلمين لأن المسلمين لديهم الاستعداد للدفاع عن كتاب الله بكل ما يملكون ضد كل من تسول له نفسه اهانة القرآن موضحا أن المناقشة الهادئة بين العلماء وبين هؤلاء الذين يتبنون فكرة تلحين القرآن قد تكون أجدى وأنفع من اصدار الفتاوى أو الهجوم على الاشخاص. ويضرب مثالا لأهمية المناقشة الهادئة بالدعوة الى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين فرغم خروج هذه الدعوة على موروث الأمة الا انها عرضت على مجلس الأمة ومجمع اللغة العربية وكثير من المؤسسات ونوقشت مناقشة مستفيضة واستقر الرأي على رفض هذه الدعوة لأنها تضر باللغة العربية وتفصل الأمة عن تراثها.
ويرى أن للقرآن علماءه المتخصصين فى النظم والاداء وهم أحرص على كتاب الله من غيرهم وهؤلاء يرفضون فكرة تلحين القرآن وعلى ذلك فليس من المنطقي أن يدعو غير المتخصصين والذين لا علاقة لهم بكتاب الله الى تلحين القرآن مشيرا الى أن ما قام به الرويشد وغيره ليس الباعث عليه حب القرآن وانما فتح جبهات جديدة تضع المسلمين فى دائرة رد الفعل وتجعلهم فى خندق الدفاع وبالتالى لا يستطيعون تحقيق التقدم واللحاق بركب الدول المتقدمة.
ويضيف اذا كان العالم السعودي قد تشدد فى فتواه وأهدر دم الرويشد فهذا من منطلق غيرته على كتاب الله وتشديد النكير على هؤلاء الذين يشوهون كتاب الله مشيرا الى أن الحفاظ على القرآن وصيانته من كل مكروه واجب على كل مسلم.
ويطالب الدكتور الصعيدى المطرب الكويتى بأن يراجع نفسه وأن يندم على ما فعل ويتوب الى الله ولا يعود الى مثل هذا الفعل أو يشجع عليه مشيرا الى أن تلحين القرآن يرفضه جميع علماء المسلمين منذ سنوات طويلة وهذا موقف ثابت غير خاضع للتعديل أو التطوير لأى سبب كان فليغني كيفما شاء بشرط أن يبتعد عن القرآن الكريم.
موسيقى خاصة ويؤكد الدكتور عبدالحميد أبو المكارم الأستاذ بكلية الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة الازهر أن القرآن له موسيقاه ومؤثراته الخاصة التى تصل الى الاذان وتهز القلوب وتفعل فى الأبدان والعقول ماتعجز الموسيقى عن أن تفعله وفى ذلك يقول تعالى: (وإذا تليت عليهم آياتنا زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون) مشيرا الى أن القرآن اشتمل على اشياء كثيرة أعجزت الانس والجن (قل لأن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).
ويضيف أن قارئ القرآن يجمل صوته بالقرآن لأن ترابط القرآن واحكامه يجعل الكلمات والحروف مع أحكام التجويد فيها نغم وشجن لمن أراد أن يتدبر أو يتذكر وقد عاب القرآن على المشركين الذين كانوا يصدون عن سبيل الله بأن يصفقوا حول القارئ فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم حتى لا يسمع الناس كلام الله فتميل قلوبهم اليه.
ويشير الى أن القرآن ليس فقط مجرد اداء لانه يشتمل على احكام كثيرة منها أحكام الأسرة والعبادات والمعاملات والعهود والقضايا الحربية وبعض الامور الغيبية (مثل الجنة والنار والثواب والعقاب وغير ذلك فهو زاد المؤمنين وفى تلاوته شفاء للقلوب والنفوس. وفوق كل ذلك هو المصدر الأول للتشريع الاسلامى وتكفل الله بحفظه وهو الذكر الذى يبشر المؤمنين ويذكرهم وينذر الكافرين ويحذرهم، وقد جعل الله لقارئ القرآن فى كل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها. والقرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة مع الصيام.
ويوضح أنه لا يليق بالمسلمين أن يضعوا كتاب الله على أوتار العود وأنغام الآلات الموسيقية مشيرا الى أن لتلاوة القرآن آدابا لابد أن تراعى مثل الطهر والوقار والبعد عن الهزل والصياح والتصفيق والانصات بخشوع وهذا لا يتوفر فى الغناء ومجالس المطربين.
ويشير الى أن الله كما تكفل بحفظ القرآن فإنه هو ايضا الذى يختار من بين عباده من يقومون بتبليغه للناس يقول تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله). ومعنى ذلك أن الذين أورثوا الكتاب اما أن يكون القرآن شاهدا لهم أو شاهدا عليهم. وعلى ذلك فلا يجوز بحال من الأحوال تلحين القرآن الكريم.
الموسيقى ويؤكد الشيخ فتحى المليجى القارئ بالاذاعة وعضو نقابة القراء بمصر أن القرآن فى حد ذاته موسيقى وكذلك تناسق وانسجام مكونات الحياة وعناصرها تمثل سيمفونية موسيقية مشيرا الى أن الموسيقى مطلوبة فى كل نواحى الحياة بشرط أن تكون الموسيقى رفيعة المستوى مشيرا الى أن قراء القرآن يستفيدون من دراسة الموسيقى والمقامات الموسيقية فى تحسين وتجويد أصواتهم وبالتالى فالاستفادة من الموسيقى فى خدمة القرآن ليست عيبا ولا حراما كما ان اختيار القارئ الجميل الصوت أمر يدعو اليه الاسلام فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يؤذن لأن صوته جميل كما أمر المسلمين أن يحسنوا أصواتهم بالقرآن.
ويضيف أن المقصود من كل ذلك هو تحسين الألفاظ القرآنية عند خروجها من فم القارئ لتصل الى المستمع فى صورة موسيقية جميلة تتقبلها الأذن وبالتالى تصل الى القلب مشيرا الى أن تحسين الصوت بالقرآن والتفنن فى اخراج الألفاظ القرآنية بصورة مهذبة ومحترمة أمر مطلوب.
ويرى أن ذلك كله يتوقف على السامع والقارئ فاذا كان كل منهما على مستوى راق وادراك بقدسية القرآن فلا توجد مشكلة أما اذا كان المستمع دون المستوى ولا يفرق بين القرآن وبين أغنية من الأغنيات فهذا نوع من التهريج يجب الا يكون.
ويوضح أن دائرة التغنى بالقرآن يجب أن تكون فقط من خلال مهارة القارئ وفنه وعلمه وكياسته بحيث يستطيع أن يبلور الجملة القرآنية ليستحوذ من خلالها على آذان المستمعين ومشاعرهم.
ويحذر الشيخ المليجى من استدراج بعض المطربين لاداء القرآن على أنغام الموسيقى مؤكدا أن هذا حرام ولا يجوز أبدا لانه فيه اهانة للقرآن واستخفاف بعقلية المستمع خاصة فى ظل سيطرة الشبابية والموسيقى الشبابية والاداء الشبابى مما أفسد الموسيقى وأفسد الحياة والذوق الفنى.
ويؤكد أنه من أجل الربح المادى نسى البعض أصله ومبدأه وضحى بكل شيء ولم يعد يهتم بشيء حتى لو كان ذلك على حساب القرآن الكريم مشيرا الى أنه بعد أن أثرت الموجات الشبابية على الاداء القرآنى ولم تؤثر على القرآن بالطبع وقضت على الاداء السليم اتجه البعض الآن الى ماهو أحط من ذلك فى الدعوة الى تلحين القرآن وهذه دعوة يجب أن يتصدى لها المسلمون على كافة مستوياتهم اداء لواجبهم ازاء كتاب الله عز وجل الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الترتيل والتجويد ويفرق الشيخ محمد الطوخى المبتهل بالاذاعة بين القرآن والتواشيح والابتهالات ويرى انه اذا جاز اداء التواشيح والابتهالات بمصاحبة الموسيقى فانه لا يجوز أبدا اداء القرآن بمصاحبة الموسيقى مشيرا الى أن المسلمين منذ نزول القرآن تعارفوا على طريقتين لاداء القرآن طريقة الترتيل وطريقة التجويد، وبالقراءات السبع أو العشر.
ويؤكد أن الدعوة الى تلحين القرآن لم تظهر الا خلال العشرين عاما الاخيرة وعلى أيدى أناس من غير المشتغلين بالقرآن وهذا يثير الشكوك حول نواياهم واهدافهم مشيرا الى أن القرآن يعتمد فى تأثيره على السامع على بلاغته ونظمه المعجز وتراكيبه الفريدة ثم على الصوت الجميل للقارئ.
ويضيف أما بالنسبة للتواشيح والابتهالات فلا بأس بادخال الموسيقى عليها فالذى يؤدى التواشيح استاذ فنان تعلم الموسيقى وأدرك قواعدها ودروبها أما الذى يؤدي الابتهالات فهو يغنى كيفما يشاء مشيرا الى أن التواشيح عبارة عن قصائد يقوم ملحن بتلحينها ثم يحفظ المؤدي وبطانته التواشيح مع العزف على العود وبعد الحفظ يؤدونها بدون موسيقى فهى أغنية موسيقية بدون موسيقي تؤديها أصوات قوية وجميلة تستطيع جذب الناس والتأثير فيهم.
ويشير الى أن أول من أدى التواشيح على الموسيقى كان الشيخ على محمود والشيخ محرز سليمان بالاضافة الى الشيخ زكريا أحمد موضحا أنه بجانب التواشيح والابتهالات فهناك الأغنية الدينية التى تؤدى بمصاحبة الموسيقى وقد غنيت أكثر من 15 أغنية نالت شهرة كبيرة وأعجب بها الناس مثل (ماشى فى نور الله) و(تسابيح) و(صلى على المصطفى).
ويؤكد أن التواشيح والابتهالات هى من نظم البشر ولذلك فإن ادخال الموسيقى عليها لا يقلل من شأنها ولا يعد اهانة لها وانما هو من قبيل التجويد والتحسين لتؤدى دورها فى التأثير على الناس أما القرآن فهو كلام مقدس وله قدرة خارقة على التأثير دون الاستعانة بموسيقى أو غيرها وفى ذلك يقول تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله).
ويرى أن قياس القرآن على الابتهالات والتواشيح قياس فاسد لأن المقارنة بين كلام الله وكلام البشر غير واردة ولا تجوز بحال من الاحوال.
الله يهدينا ويهديكم
شجون دبي