بقلم: حازم عبدالرحمن- صحيفة الأهرام- غرة شهر رمضان الكريم- 1423
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
علينا ان نميز في علاقتنا مع اسرائيل بوضوح بين مانكره ونريد تغييره فيها, وبين مالانكرهه فيها ولا شأن لنا بأن يتغير أو يبقي علي حاله.
فنحن نريد لها ان تنسحب من الاراضي التي مازالت تحتلها منذ يونيو67 وبالتالي فنحن نريد ان نغير سياساتها بحيث نحقق هذا الهدف.
ووسائل التغيير كثيرة والبعض يميل الي الطرق العنيفة, والبعض الاخر يميل الي الطرق غير العنيفة. ونحن نكره لجوء اسرائيل الي العنف في هيئة القوات المسلحة الاسرائيلية لكي تقمع الشعب الفلسطيني. ونحن ندين قتل المدنيين والاطفال من الجانبين.
لكن هل هذا الصراع القوي يمكن ان يكون مبررا لنا كي نكره الشعب الاسرائيلي كشعب, ولمجرد كونه اسرائيليا ؟
وعلينا ان نتذكر ان هذا الشعب اصبح يضم حاليا في صفوفه مسلمين ومسيحيين الي جانب اليهود, وبالطبع فإن السؤال ينصب علي اليهود, لأن بعضنا يحب الا يعتبر المسلمين والمسيحيين من بين ابناء شعب اسرائيل, وهذا خطأ كبير. فالواقع القهري اصبح يفرض لشعب اسرائيل تكوينا معينا.
ثم انه اذا ثبت بالتجربة ان هناك إمكانية للتعايش بين كل الاسرائيليين علي اختلاف اعراقهم ودياناتهم, افلا ينطوي هذا علي ان نفس الامكانية مطروحة في المستقبل علي امتداد المنطقة بأكملها عندما تنسحب من الاراضي التي تحتلها ؟
نحن اذن لانكره شعب اسرائيل, ولا نكره القسم اليهودي من هذا الشعب. كل ما نكرهه هو سياسات معينة نريد تغييرها, حتي تتعايش كل شعوب المنطقة في حرية.
إذا كان الوضع علي هذه الصورة فهل من اللائق الاعتماد علي مادة مزيفة ومغرضة وكاذبة, للحديث عن اي شيء له علاقة باليهود واليهودية, والصهيونية واسرائيل عموما ؟
واقصد بذلك بروتوكولات حكماء صهيون.
ما هي حكاية هذه البروتوكولات أو ماذا تقول؟ ومما تتكون؟
تقع في24 برتوكولا في النسخة الاكثر رواجا( في حالات نادرة تتكون من27).. وتشغل110 صفحات فقط. وهي عبارة عن تقرير لسلسلة من24 اجتماعا او27 انعقدت في مدينة بال بازل السويسرية في عام1897 في ذات التوقيت الذي انعقد فيه المؤتمر الصهيوني الاول برئاسة تيودور هيرتزل والذي تقرر فيه العمل من اجل اقامة دولة يهودية.
وتقول الوثيقة ان اليهود والماسونيين الاحرار وضعوا الخطط لتقويض الحضارة المسيحية ولاقامة دولة عالمية يسيطران ويهيمنان عليها.
وتبين الوثيقة ان الاشتراكية والليبرالية, هي وسائل تخريب العالم المسيحي حتي يمكنها الهيمنة عليه, فإذا فشل التخريب بهذه الوسائل يتم تدمير كل عواصم اوروبا بعمليات تخريب عنيفة.
وقد تمت طباعتها في شكل مختصر في روسيا عام1903 في صحيفة الراية وفي عام1905 ظهرت كملحق لوثيقة دينية مقدسة بواسطة مواطن روسي اسمه سيرجي نيلوس كان يشغل وظيفة موظف مدني في خدمة قيصر روسيا في ذلك الوقت, وقد ادعي سيرجي انه تسلم المخطوطة في عام1901 من صديق له حصل عليها من امرأة اسمها مدام ك وادعت تلك السيدة بدورها انها سرقتها من احد اقطاب الحركة الماسونية في فرنسا.
ولكن نيلوس نفسه اخبر احد النبلاء الروس بأن هذه السيدة اخذت الوثيقة من رئيس البوليس السياسي السري( المخابرات الروسية) في فرنسا وان الاخير هو الذي سرقها من ارشيف المحفل الماسوني.
وتقول دائرة المعارف البريطانية في الجزء9 صفحة742 انه تم الكشف عن الطابع المريب للبروتوكولات لأول مرة في عام1921 بواسطة الصحفي الانجليزي فيليب جريفر في جريدة التايمزفقد دلل علي وجود تشابه واضح بين صياغة البروتوكولات, وبين عمل ادبي ساخر من تأليف محام فرنسي اسمه موريس جولي بغرض السخرية من الامبراطور بونابرت الثالث عام1864, وكان عنوان هذا العمل هو حوارفي الجحيم بين ماكيافيللي ومونتسكيو, وقد ظهر من التحقيقات التالية,, بالذات الدراسات التي قام بها المؤرخ الروسي فلاديمير بورتسيف ان البروتوكولات هي اعمال مزورة وزائفة.
وانه تم تجميعها وتوليفها بواسطة البوليس السري الروسي اعتمادا علي الرواية الفرنسية الساخرة.. جولي او الجميلة.. و علي مصادر اخري معاونة.
وهي أي الرواية من تأليف هرمان جودشه عام1868.
وتقول دائرة المعارف البريطانية في تعريف هذه البروتوكولات وثيقة مغرضة كانت ذريعة واساسا لمعاداة السامية في اوائل القرن العشرين.
اما الاستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري عميد الدراسات اليهودية في العالم العربي فيقول ان البروتوكولات بلغت قمة رواجها في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين الاولي والثانية. وان الكثير من الالمان حاولوا تبرير هزيمتهم امام الحلفاء في الحرب الاولي بأنها كانت طعنة نجلاء من الخلف قام بها اليهود المشتركون في المؤامرة الكبري للسيطرة علي العالم, ومن يقرأ مثلا كتاب كفاحي لأدولف هتلر, يجد من الأدلة ما يكفيه علي هذا النزوع الالماني.
ويضيف في الجزء الثاني من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ان البروتوكولات صارت اكثر الكتب رواجا في العالم الغربي بعد الانجيل وفي ذلك الوقت حازت اهتمام بعض المشتغلين بالتأليف والاعلام واعتبروها وثيقة ذات اهمية كبيرة.
ويؤكد المسيري انه لحسن الحظ, لا يوجد مركز دراسات عربي واحد اعارها اي اهتمام, ولا يتم نشرها الا من خلال دور نشر تجارية مبتذلة ويضيف ان الرأي السائد في الاوساط العلمية المتخصصة التي درست البروتوكولات دراسة علمية متعمقة هو انها وثيقة مزورة.. وان نشرها واشاعتها تم بإيعاز من البوليس السياسي الروسي بهدف النيل من الحركات الثورية والليبرالية, والاشتراكية وبغرض زيادة التفاف الشعب حول القيصر والاستقراطية, والكنيسة عن طريق تخويفه من المؤامرة اليهودية العالمية الخفية( المقبلة).
وكل من يطالع البروتوكولات يلمس فيها النزوع الي تضخيم دور اليهود وقوتهم ليخيف الناس منهم, فهي تقول مثلا: ان نجاح تشارلز داروين في اكتشاف اصل الانواع وتوصله الي نظرية النشوء والارتقاء وتوصل كارل ماركس الي نظرية فائض القيمة ونجاح الفيلسوف نيتشه في توصله الي نظرية عبادة القوة, كل هذا رتبه اليهود.
بل ان اسرار تنظيم الثورة الفرنسية معروفة لهم جيدا. لأنها من صنع ايديهم, وتبين البروتوكولات سعي اليهود المزعوم لاكتساب النفوذ من وراء ستار, وكيف ان لهم طموحا لا حدود له وشرها لا يشبع ونقمة لا ترحم وبغضاء لا تحس, وانهم مصدر ارهاب بعيد المدي ويسخرون في خدمتهم اناسا من جميع المذاهب والاحزاب, وتضيف لقد خدعنا الجيل الناشئ وجعلناه فاسدا, ومتعفنا, بما علمناه من مبادئ وهي تبين ان السياسة لا تعرف الأخلاق, وان اليهود سينفذون مخططهم الارهابي عن طريق الغش والخداع وسيقوضون دعائم الأسرة وصلات القرابة. وسيشيعون الاباحية والانحلال باستغلال الحريات العامة وتهتم البروتوكولات, بالسيطرة علي الصحافة, ودور النشر وسائر وسائل الاعلام حتي لا يتسرب الي الرأي العام إلا ما يريدونه وتؤكد ضرورة ان يسيطر اليهود علي الدول الاستعمارية ويسخروها لأهدافهم.
ويتساءل الدكتور المسيري بحق, هل للجماعات اليهودية في العالم من القوة ما يمكنها من تنفيذ هذا المخطط الارهابي العالمي الضخم ؟
ويخلص المسيري الي الرأي التالي: ان الاشارة الي البروتوكولات واستخدامها في الاعلام المضاد, للصهيونية هو عمل غير اخلاقي, لأنها وثيقة مزورة ولا توجد دراسة علمية واحدة سواء في اللغة العربية او بغيرها من اللغات تثبت انها وثيقة صحيحة.
ويضيف: إنه لا يمكن للإنسان المسلم الملتزم بتعاليم الاسلام ان يوجه الاتهام الي اي انسان جزافا, ودون قرينة كما لا يمكن لرؤية دينية حقيقية ان تحكم علي اي انسان باعتباره تجسيدا لفكرة, فكل انسان مسئول عن اعماله فقط, وليس عن خططه ونياته, ويذكرنا بأن الاسلام اعترف بحقوق اهل الكتاب خاصة لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
العرض العادي
