المكان يزدحم بالاطفال ..كنت اقول ان الليل سيكون ساحة لصراخهم ولعبهم الذي لا ينقطع ..هي عادة اطفال العائلة في ليالي الجمعة..يمرحون بعيدا عن المراقبة ، قهقهات متعالية تقطعها في احيان دمعات طفولية ، تكتب نهاية للحظة مزاح ثقيلة.
اربعة اطفال صبية في شهوة اللعب ..عدد كاف لجعلك تمضي في غيبوبتك حتى تهرب من هذا المساء الملغوم بمفاجاءت الاطفال..صرخاتهم ..مشاكساتهم ..كالعادة يبدو الكمبيوتر اختيارا ملائما لمضغ الوقت..واختصار ساعات الليل...امضي الساعات متسكعا في ازقة الانترنت ودوحاتها المعرفية..وحده "google" يدخلك الى شوراع وارصفة..مدائن وحانات افتراضية ..دول من معلومات ومعارف لا تعدم معها الدهشة .
كان اللعب وقتها نصا مفتوحا على اللانهاية..لا يمكن ان تهرب من مشهدهم ...فبين فينة واخرى يصبح المكان منصة لركضهم ودعاباتهم الثقيلة.
ثمة تحضير لامر ما ..كأنما العلاقة بينهم اخذت تتمدد ناحية مسرحة اللعب...
- سنريك مسرحية ..انت تحب المسرحيات.."تعال...عندنا مسرحية حليوه وتضحك"
هكذا انطلق بعفويته ابراهيم الذي لم يجاوز السابعة يصف ما يحضرون له ...كرر دعوته وانا متسمر امام شاشة الكمبيوتر..تذكرت في لحظة حالمة تلك الرغبة العارمة للمشاهدة ..تلك الفتنة التي جرتني في ازمنة وامكنة مختلفة الى كرنفالات الفرجة..وفي روحي انشداد لعزف ارواح الممثلين واجسادهم..لعتمة الصالة التي نتمدد فيها وننثر فيها غبار احلامنا.
لايمكن القول بأن المكان محضر لتقديم مسرحية ، كان علي ان اتخيل معهم اكثر مما ارى..وباحساس المخرج وسلطته دعا ابراهيم الى بدء المشهد ...ستارة وعدد قليل من الوسائد الصغيرة جمعت الى بعضها حتى تأخذ شكل المنصة..اشارة بريئة وذكية للوعي الفني المتوافر عند الطفل بشروط المسرح التنفيذية.
في ذلك المشهد ، لم تكن الستارة على صورتها المعتادة..فهي وفي لحظة مباغتة تنتقل من علاقتها التقليدية بالمكان الى علاقة عضوية لا تشبهها..علاقة تفرض اشارات وعلامات ضمن هندسة فضاء المشهد..فهي الرابط بين مساحة الغياب والحضور..بين السكون والحركة.
خلف الستار الملتصق بالنافذة ، طفلان ينتظران اشارة المخرج ..ليبدأ العرض بعراك رتيب..اصوات وحركات غير محتسبة ضمن خطة العرض..صورة للارتجال كما يعرفه الاطفال بحسهم الفطري...اقرب الى مواصلة اللعب منه الى اعادة تمثيله وتكثيفه.
كان الاحساس قويا بان الاطفال يملكون ذاكرة مسرحية ، وعيا مسرحيا يمكن قياس ابعاده ، ليس ثمة فراغ في حدود استيعاب التجربة وانما امتلاء يحتاج الى فحص ودراسة ومعالجة.
المخرج يختار هذه المرة التدخل ..يخرج من فضاء المخرج ليدخل في فضاء الممثل..يوجه الممثل الآخر:
- قل لا تأكل التفاحة..لا..لا..
يبدأ بتخيل التفاحة..يتقمص مشهد القضم...تذكرت معها تفاحة آدم ...بدت لي ذاكرة الاطفال وكأنها تستدعي تلك الاسطورة..وهي محطة أخرى تحط بنا على مشارف المسرح ..
ابتعدت عنهم بعد ان ترك المشهد في ذاكرتي بقعة ضوء عن صورة المسرح في وعي الطفل ...ومازلت اجرجر اسئلتي خلفي ..عن حق الاطفال في حب المسرح ، وحق المسرح في حب الاطفال..ذلك المسرح الذي يمكن ان يكون مكانا للعب..للحلم..ولاكتشاف الحياة
منقوووووووووووول