ان مثل هذا التصرف وأقصُد به(الصَّمْت)كما قد ذكرت لهُوَ أمر طبيعي جداً
وربما مرده الى الخجل الذي يشكل شخصيتنا ..
والذي يعتصِرُ قلوبنَا على نحو لا يساعدنا على المواجهة والتعبير بحرية عمَّا نريد
وقد تكون البيئة الاجتماعية والظروف المحيطة بنا منذ نشأتنا الاولى في حياتنا
هي التي تجعلنا نفهم الحياة المستقبلية بشكل افضل ..
هي التي تساعدنا على ان نتعامل مع معطيات الحاضر .. وظروف المستقبل
بشكل مُتَّزن .. وبشَكِل مريح بالنسبة لنا؟!
وإن هذه الظروف ايضاً لا يُفتَرَض ان تقفُ عائقاً امام ابسط حقوقنا في السؤال
عمَّا نريده ومناقشة ما يختَلِجُ في صدورنا .. والتعبير عن الرأي الخاص بنا نحن
خاصة حينما يكون الطرف الآخر متفهماً لنا .. مصغياً إلينا .. ينتظر منا ان نبدأ
وأن نُقدم على الخطوة الاولى .. ونقول ما نود قوله .. او التعبير عنه
ولكنها تظل على اي حال مسألة نفسية .. الاّ انها قابلة للحل ولو في اجزاء منها
خاصة حينما نعلم ان الطرف الآخر على استعداد للمشاركة في الحل في اي وقت
وتحت كل الظروف؟
فأحياناً .. وهنا أدخل إلى صُلب الموضوع أستاذه ( وِدَّه ) ..
نحن ( نصمُت ) في مثل هذه المواقف غير المتوقعة .. لاننا أصلاً لم نكن نتوقع
سماع صوت هذا الانسان العزيز على قلوبنا أو رؤيته ..
لأن الاحباطات التي نتعرض لها يومياً .. لأن الإنكِسَارَات التِي تداهمنا بإستِمرَار ..
تجعلنا نستكثر على انفسنا حتى مجرد كلمة حلوة من الآخرين .. او مجاملة لطيفة
او تشجيع صادق؟!
(نَصمُت)احيانا رغماً عنا من هول الصدمة او المفاجأة سواء كانت صدمة سيئة
او مفاجأة سارَّة لا نتحملها بمفردنا .. بل لا نتحملها كلها دفعة واحدة
نريد من يجزئها لنا كي نستوعبها بل كي نصدقها خاصة حينما تكون تلك المفاجأة
هي الحلم الذي نحلم به ونتوق للحصول عليه وتملكه .. والإستئثارُ به لنا وحدنا!
( نَصمُت ) لكي نفكر كيف نرد على الآخرين وبأي اسلوب؟!
(نَصمُت)كي نفكر هل الكلام مناسب في هذا الوقت وهل من هو امامي يستحق
ان ارد عليه.هل يستحق أن اضيع وقتي معه.هل يستحق ان اعطيه اكبر من حقه
حينما اقف معه واناقشه؟!
( نَصمُت ) لأن الصمت هو الوسيلة التي تغيظ غيرنا وتجعلنا ننتصر عليه
لاننا حينما ندير له ظهرنا .. نكون قد أصَبناهُ في مقتل وأشعرناه انه لا شيء
وان كل ما يقوله لا يعني شيئاً ولا يستحق منا ان نصغي اليه فما بالكِ بالرد عليه؟!
اننا ( نصمُت ) بإرادتنا احياناً
لاننا وهذا حق مشرُوع .. لا نريد ان نتحمل المزيد من الإهانات والاذلال
والشعور بالدونية .. من أناس يعتقدون انهم كل شيء .. في حين أنهم لا شيء؟!
نعم ( نصمُت ) احياناً اخرى رغماً عنا .. رغم ما يحدثه ذلك من ألم فينا
بل و (نصمُت) حينما لا نريد ان نخسر اقرب الناس إلينا..وأعزهم الى قلوبنا..
لأننا نخشى ان نتفوه بكلمة تحت ظروف عصيبة ..
فتحدث شرخاً كبيراً في علاقاتنا قد تودي بها الى النهاية..او قد تقودها الى الفتور
و (نصمُت)لأننا نريد ان نحتفظ بهذه العلاقة الحلوة التي لم نحس بطعمها من قبل
مع اي انسان كائناً من كان؟!
فيا الله تخيّلِي .. نتحمل ألم ( الصَّمت ) المر..في سبيل شعورنا بالرضا او احساننا
بأننا حققنا جزءاً ما .. او على الاقل دافعنا عن شيء يستحق ان ندافع عنه
ونحافظ عليه ونتمسك به؟!
وأحياناً وهذه هي المتعة .. قِمَّة المُتعَة .. اننا ( نصمُت ) لنستمتع بصوت
ما نحب سماعه .. ومعرفة أخباره .. وحلاوة حديثه ..
فنحن لا نريد ان نتكلم بل ان نسمع ونسمع لاننا نريد ان نعرف كل شيء عنه؟!
وأخيراً فإننا ( نصمُت ) من قهرنا .. من قِلَّة حيلتنا .. ومن عجزنَا ..
لعل من حولنا يعي ما بنا .. لعله يحس بمشاعرنا .. او على الاقل يتركنا وحدنا؟!
نعم نحن نحتاج لـ ( الصَّمت ) احياناً .. حينما نريد ان نعيش بسلام وهدوء؟!
بل وحينما نريد ان نعيش لحظات صدق وتأمل .. ومراجعة مع النفس وأيما نفس؟!
نريد ان نعيش لحظات الماضِ الحلوة .. بكل ذكرياته العبقة .. بكل مواقفه الجميلة
نريد ان نتذكر اللحظات الاولى !!
التي رسمت الإبتسامة على شفتينا .. نُرِيدُ أولئك النَّفَر الرائعين
الذين ادخلوا السعادة لقلبُنَا نريد نستعيد تلك اللحظات التي استرجعنا فيها ثقتنا
وعرفنا فيها مقدار وحجم ما بداخلنا..من طاقات..ومن قدرات..ومن مواهب
حِلوَة جمالية حبانا الله بها..وخصّنَا بها..ولاتوجَد ألاّ في دواخِلنا .. دونَ سِواَناَ؟!
مرة أخرى أستاذه ( وِدَّه ) ..
نحنُ نريد ( الصَّمت ) ونبحثُ عنه .. ليس لأننا معقودِي اللسَان بِلاثَمَر
ولكِن كي نستمع للآخرين بقلوبنا وعقولنا كي نفهم ما يقولون
كي ندرك مايرمزُون إلَيهِ وما يقصدون .. وكي نرد عليهم بأفضل مما يتوقعون
وكي نعطيهم اجمل مما يريدون .. وكي نشعرهم ان هذا هو اقل ما يستحقون
لأنهم ليسوا أناس عاديُّون .. ومهما كانوا مترددُون ..
ومهما كانوا غير واثقُون بعد .. ومهما كانوا خجلُون .. لابد ان يشعروا بأننا
لوضعهم متفهمُون..ولظروفهم مقدرُون..وما زلنا على استعداد لسماعهم بحواسِّنَا
والوقوف معهم؟!
كل هذا لأن الصدق الذي يمتلكونه يجبرنا على ان نعاملهم بهذا الاسلوب الراقِ
كل هذا لأن الروح الحلوة التي بداخلهم لابد ان تقابلها روح اجمل ..
كل هذا لأن صراحتهم معنا منذ البداية لابد ان تجعل مكانتهم في قلوبنا كبيرة
واحترامنا لهم يتزايد؟!
ويكفي ان نعرف اننا (نصمُتُ)احياناً كَي نبحث في قَامُوس مُفرداتنا اللغوي
عن اجمل الكلمات وأعذب العبارات..التي يمكن تقديمها لانسان استطاع بصدقه
وعفويته وحسن استقباله .. وروعة تعامله ..
ان يجعل منا اناساً آخرين نعرف طعم الحياة الجميل بعد سلسلة من الإحباطات
والإنكسارات التي كادت تهدم كل شيء جميل بداخلنا وتُحيلُنا الى مُجرد حِطام؟
ولِمَ لا تكوني انتِ ذلك الانسان ..
الذي يحق لكِ وحدُكِ ان (تَصمُتِي)كَي تَسبَحِي فِي فَضَاء مفرداتنا اللغوية الحِلوَة
التي يحتويها قاموس حياتنا انكِ اهل لذلك ليس لشَيء فقط لأنكِ الأمل المنشود
في اليَوم الموعُود؟!