المشاكل النفسية عند التقاعد
كثيرا ما ينظر الناس إلى التقاعد عن العمل انه مشكلة حقيقية ,وأنه البداية لمتاعب التقدم في السن و الإيذان بدخول الشخص إلى مرحلة الشيخوخة . ليمضي بها بقية سنوات حياته نهاية رديئة لرحلة العمل الحافلة .
وتشكل هذه النقلة الحتمية عند البعض هاجس مخيف ,ومعاناة نفسية قد تشكل خطرا على الصحة في المراحل المتبقية من العمر .
لذلك سنقدم رؤية نفسية لهذا الموضوع بالتطرق بداية إلى تعريف مرحلة الشيخوخة , تعريف التقاعد
المشاكل النفسية خلال فترة التقاعد , و كيفية الإعداد لمواجهة المشاكل النفسية عند التقاعد
تعريف مرحلة الشيخوخة :
هي مرحلة من مراحل العمر المتتالية يصل إليها الإنسان بعد سن الستين كما يرى البعض أنه لا يمكن الإعتماد على السن كمعيار لفترة الشيخوخة , وتتميز هذه الفترة ببداية تدهور الفرد في قدراته الجسدية والعقلية , كما تتأثر بنمط الحياة وبعوامل البيئة و الوراثة لدى تجب الرعاية والإهتمام بهذه الفترة .
تعريف التقاعد :
هو نهاية المدة القانونية للحياة المهنية للعامل أي النهاية القانونية لعلاقة العمل , وهو حق اجتماعي . وتختلف أحكامه وقواعده من دولة إلى أخرى وفي الجزائر هناك نظام موحد يسري على جميع العمال بدون استثناء وذلك بموجب قانون التقاعد .
إن العمل يحقق للإنسان ذاته , فبعد عقود متتالية من الزمن يبدأ في مرحلة ما في التفكير في مصيره بعد إحالته على التقاعد . ولعل أول ما يفكر فيه هو أنه قد بدأ في الدخول لمرحلة الشيخوخة ومنه التخوف من مشاكلها والتفكير في الموت .
كما أن ردة الفعل عند التقاعد تختلف من شخص لآخر تبعا لخصائص شخصيته فهناك
من يراها فترة راحة وآخر يراها مرحلة ألم .
العوامل المؤثرة في ردة الفعل عند التقاعد :
أولا : المستوى التعليمي : فدرجة التعليم التي وصل إليها التي أوصلته لمكانة عالية في المهنة لها تأثير كبير في ذلك.
ثانيا : طبيعة المهنة : قد تكون متعبة , سهلة أو راقية أو مهنة مجبر عليها .... الخ
ثالثا : الإعتبارات المالية : وتتمثل في كمية الراتب فإرتفاعه أو انخفاضه له الأثر في ذلك
رابعا : نوعية الزملاء : فتعلق الفرد بزملاء العمل ثم الإبتعاد عنهم فجأة يكون له الأثر البالغ في نفسيتة .
وكما ذكرها سابقا لما لنوعية الشخصية في ردة الفعل عند التقاعد يمكن أن نصنف ثلاثة أنماط من الشخصيات
1 : أشخاص يعملون حبا في العمل : غالبا مايصابون هؤلاء بالإكتئاب و الهلع لشعورهم بأنهم أصبحوا غير نافعين وبدأو يدخلون سن الشيخوخة.
2 : أشخاص يعملون حبا لذواتهم : أي ليس حبا في العمل , وإنما لتوفير المادة فقط , لدى تكون ردة الفعل نوع من الإكتئاب و التفكير في خسارة جزء من الراتب , كما أنهم يرون أن التقاعد فترة عزلة وحاجة إلى مسؤولية آخرين لإقترابهم من مرحلة الشيخوخة .
3: أشخاص يعملون استقلالا لذواتهم : وهؤلاء الأشخاص الذين يعملون ضمن الأعمال الحرة ولا يحالون للتقاعد , وهم الأكثر حظا من سابقيهم لأنه لا يطبق عليهم قانون التقاعد .
ومنه نلاحظ أن النوعان الأولان هما المعنيان بالآثار النفسية السلبية عند التقاعد .
المشاكل النفسية عند التقاعد :
1 : التخوف من الدخول إلى مرحلة الشيخوخة وآثارها ومتطلباتها.
2 : الشعور بعدم القيمة و الدونية وأنه أصبح شخصا مهمشا.
3 : التفكير في خسارة المكانة الإجتماعية التي كان يشغلها بمركزه الوظيفي.
4 : الخوف من فقدان الكثير من الأدوار و المزايا المرتبطة بالعمل .
5 : القلق و الإكتئاب نتيجة خسارة الأجر الذي كان يحصل عليه من العمل وقد يعوضه إياه المعاش الذي يستحقه من مدة خدمته.
6 : الخوف من الفراغ و الشعور بالعزلة و الوحدة و الملل.
معالم التعامل مع المتقاعد :
ركزت الأبحاث و الدراسات على دور الأسرة في التقليل أو رعاية الأفراد عند فترة التقاعد فهي الملجأ الأول للمتقاعد كما أن للحكومه دورا مكملا في ذلك وأهم هذه الأدوار هي :
1 : إختيار أفضل وسيلة لأستغلال الوقت كممارسة هواية ما أو ممارسة أي نشاط فكري فقد بينت الدراسات الدراسة الأثر الإيجابي للأنشطة الإدراكية المعرفية في مراحل العمر اللاحقة فهذه الأنشطة تساهم بشكل كبير في التقليل من خطر الأصابة بأمراض الشيخوخة كالزهايمر مثلا فقد وجدت دراسة بريطانية ارتباطاً بين تأخير التقاعد من العمل وتأخر ظهور أعراض مرض ألزهايمر (خرف الشيخوخة)، وأن الاستمرار في العمل بعد سن التقاعد قد يساعد على تجنب المرض، بحسب صحيفة الغارديان.
2 : التوجه نحو عمل بسيط أو عمل إنساني أو عمل له علاقة بالوظيفة السابقة حيث تؤكد دراسة أمريكية جديدة نشرتها "الدورية الدولية للصحة المهنية" أن الأشخاص الذين يعملون بعد سن التقاعد يتمتعون بصحَة أفضل مقارنة مع غيرهم من المتقاعدين. وتقول الدراسة التي صدرت عن الرابطة النفسية الأميركية إن الأفراد الذين يعملون بعد بلوغ سن التقاعد في مهن مؤقتة أو وظائف تتطلب العمل بدوام جزئي يعانون، بدرجة أقل، من المشكلات الصحية ويتمتعون بحيوية أكبر مقارنة مع المتقاعدين الآخرين.
وحسب فريق الدراسة الذي ضم مختصين من جامعة "ميريلاند" الأميركية فإن مرحلة ما بعد الحياة المهنية تشكل ما يمكن تسميته بالجسر الوظيفي، حيث يعمل الفرد في هذه المرحلة في وظيفة بدوام جزئي، أو وظيفة مؤقتة، أو لحسابه الخاص، وتقول الدراسة إن الأشخاص الذين عملوا بعد تقاعدهم ضمن مجال مهنهم السابقة أظهروا تحسناً في الحالة النفسية لديهم، فيما لم يرصد ذلك عند من عملوا خارج مجالهم الوظيفي .
3 : ترك الفرصة للتكفل ببعض المهام الأسرية اليومية .
4 : محاولة عدم التخلي عن أصدقاء العمل لأن العزلة هي باب الدخول للإكتئاب
5 : ممارسة الرياضة للحفاظ على الصحة وقتل الفراغ و الملل
6 : السفر _ تغيير الأماكن _
7 : إستشارته في الأمور المنزلية و القرارات الشخصية لأفراد العائلة لتذكيره أن مكانته وقدراته لم تزل ولن تزول
8 : إشعاره بأنه العنصر الأساسي في وجود الأسرة والإعتماد على خبرته وتجاربه
9 : الإعتماد على أسلوب الإرشاد ومساعدته على إدراك أن مصيره بيده وعليه ان يواجه حياته من خلال اختياراته الحرة وأنه مسؤول عن كل ما وصل إليه من نجاح أو فشل في الحياة .
كما أن بعض الدول تقترح بعض الطرق العلاجية للحد من الوقوع في المشاكل النفسية بعد التقاعد ومن بين هذه الطرق
_ طريقة التقاعد المرحلي : حيث تقلل من ساعات وأيام العمل قبل عامين من التقاعد وتهيئته نفسيا لدخول هذه المرحلة
_ العمل على تكريم هؤلاء المتقاعدين يوم خروجهم وعدم نسيانهم واستشارتهم عند الحاجة أو تكليفهم بأمور ربما خارج مكان العمل ولكن له علاقة به كجمع المعلومات أو أشياء أخرى حتى يشعر أنه لازال له دور في مجال عمله
_ نشر ثقافة مرحلة التقاعد بتوضيح أن التقاعد ليس نهاية الحياة وفتح جمعيات خاصة بإعانة الفرد نفسيا عند هذه الفترة واستغلاله في بعض المهارات و الأعمال التي من الممكن أن يقوم بها .
إن القوى العاملة ممن يصلون إلى سن التقاعد يمثلون طاقة عمل وانتاج اكتسبت خبرة عبر سنوات طويلة . يصعب تعويضها بمجرد احالتها على التقاعد خاصة إذا كانت تشغل مناصب هامة لها دورها الفعال , ويصعب الإستغناء عنها . مثل رجال القضاء , أساتذة الجامعات وقطاع مراكز البحوث العلمية .
حتى إذا انتهت مهامها نظل في أمس الحاجة إليهم ولو يإسهامهم بالرأي أو التوجيه بالرعم من تقدمهم بالسن .
ولذاك فالإهتمام بالمتقاعدين أمر تفرضه ظروف المجتمع وسعيه للتنمية , فعلينا الإهتمام بكل المتقاعدين مهما كانت نوعية عملهم حتى يعمل شبابنا اليوم بجد واجتهاد ويتذكر أن المجتمع لن ينساهم في كبرهم فيزيد اهتمامه بعمله وتقديره لمجتمعه .
ونذكر في الأخير أنه يبقي على الأسرة الدور الأول و الاخير في الأهتمام بالمتقاعد ليعيش حياة كريمة وهادئة .
* دلال الطاهر
العرض العادي
