الفرق بين التعالي الإسلامي السوي والتعالي التكفيري المَرضي.
ذكرنا قبل ذلك أن الظاهرة الإسلامية هي ظاهرة استعلاء إيماني على الحضارة الغربية بوصفها جاهلية، وذكرنا أيضا أن ظاهرة التكفير المنبثقة من الظاهرة الإسلامية كخلل هي ظاهرة استكبار تعويضي استخدم أحكام التكفير تبريرا له. فما هو الفارق بين الاستعلاء الواجب والضروري بالإيمان والذي هو أساس الظاهرة الإسلامية وبين الاستكبار الذي يتخذ من أحكام التكفير وسيلة له والذي هو أساس الظاهرة التكفيرية؟
الحقيقة أن أساس التمايز بينهما هو موضوع الشهود (أي الانتباه والاهتمام والنظر)، فإذا كان موضوع الشهود عند الإنسان هو ذاته، (أي كان متمحورا حول ذاته)، كان استكباره سابق على تدينه زمانا، وكان تدينه وسيلة لتبرير استكباره الكامن فيه أصلا، ويشعر بأن تدينه هو حق اكتسبه لنفسه لفضل فيه هو وليس نعمة وهبها الله له تفضلا منه هو سبحانه، قد يكون هذا الحق المتوهَّم هو قدرته الذاتية على التدين، أو ذكاء أو علم أو نسب، ولكنه غالبا ما يكون مجرد شعور غامض بالأفضلية لا يستطيع صاحبه البوح به، لكنه مع غموضه شعور قوي فعال. ويفرح كلما ظهر، كمؤمن، في قلة من الناس وسط كثرة كافرة، ويستبشر كلما سمع من أحدهم مقولة مكفرة، وقد يختبر من حوله أحيانا ليوقعهم في ذلك، ويشعر بالظفر حين يصل لمبتغاه، وذلك أن وجوده في نفر قليل من المؤمنين يؤكد ندرة معدنه وما ظنه في نفسه من فضل، وهو لذلك لا يغضب لوقوع أحدهم في الكفر، بل يبتسم بهدوء وقد أيقن أنه أفضل منه.
أما الاستعلاء الواجب والضروري بالإيمان، فصاحبه يشعر بعلوه على الكفار بعد إيمانه وبسبب منه وليس العكس، أي علوه بسبب تدينه وليس تدينه بسبب علوه أصلا. وذلك أنه أصلا يشعر بينه وبين نفسه أنه غير مستحق لهذا الإيمان، بل يراه نعمة ممنوحة له من الله دون وجه استحقاق، وهو يشعر دائما بالامتنان تجاه الله لوجوده كمتدين، وعلى عكس المستكبر بتدينه، فالمؤمن يفرح بكثرة المؤمنين حوله وبقلة العصاة والكفار، وذلك أن في هذه الكثرة تأكيدا لمقام الله سبحانه وإنكارا لمقامه هو، ولذلك لا يختبر من حوله، ولا يفرح بوقوعهم في المعصية أو الكفر، بل يغضب لأن تلبسهم بذلك الكفر يستفز شعوره بعظمة الله سبحانه وعلو مقامه.
إذا رأيت في نفسك أنك مستمتع بممارسة التكفير ولو بحق، وإذا لاحظت أنك حريص على أن يعلم الناس عنك أنك تكفيري، فاعلم أنك عالة على الحركة الإسلامية، فأنت واقع تحت سيطرة نمط «احتقار المجتمع»، وهو النمط الثالث الذي فرغنا للتو من إضافته إلى نمط «محاكاة المجتمع» الذي تمثله جماعة الإخوان، ونمط «الهروب من المجتمع» الذي تمثله الدعوة السلفية.