لقد سخَّر الله لهذه الطيور ما تهتدي به في رحلاتها وهذا ما تخبرنا به
الأبحاث العلمية الجديدة.
يقول البروفسور Henrik Mouritsen أستاذ علم
"الأعصاب الحسي" في جامعة أولدن برغ في ألمانيا:
تشير الدراسات إلى أن الطيور مزودة بأجهزة خاصة في عيونها تتصل
مع خلايا عصبية في الدماغ، تمكنها من رؤية خطوط المجال المغنطيسي للأرض!
لقد زود الله الطيور بأجهزة خاصة في دماغها تستطيع بواسطتها رؤية
خطوط المجال المغنطيسي للأرض بلون أزرق، وهذا ما يساعدها على
التوجه، طبعاً هذه المراكز موجودة في منطقة الناصية من الدماغ،
يقول تعالى:
{ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[هود: 56].
من رحمة الله تعالى أن نعمه لم تقتصر على الإنسان بل تشمل كل كائن
حي على الأرض، فقد وجد العلماء أن جميع الحيوانات تستفيد بطريقة
أو بأخرى من هذا المجال المغنطيسي للتوجه ومعرفة المكان الذي تهاجر أو تعود إليه، وبالتالي فإن المجال المغنطيسي للأرض هو نعمة بالنسبة للحيوانات أيضاً.
نعمة لا تُقدَّر بثمن!
تؤكد الدراسات أن المجال المغنطيسي للأرض هو نعمة عظمى لولاه ما
كان للحياة أن تنشأ أصلاً على هذا الكوكب، وعندما درس العلماء بقية
الكواكب في النظام الشمسي وجدوا أن معظمها لا يملك مجالاً مغنطيسياً
فمثلاً كوكب المريخ ليس له مجال مغنطيسي ولذلك ليس محمياً من الرياح
الشمسية القاتلة فهي تقترب منه بسهولة ولذلك ترتفع درجة الحرارة
على سطحه عدة مئات من الدرجات.
صورة لكوكب المريخ وهو الكوكب الأكثر شبهاً بالأرض، وهو يخلو تماماً
من الحياة إلا أن العلماء يحاولون اكتشاف نوع من الحياة البدائية على
سطحه، ويعتقد بعض العلماء أن المريخ كان ذات يوم قبل بلايين السنوات
مغطى بالماء ولكن بسبب عدم وجود أي وسيلة لصد الهجوم الشمسي
أدى ذلك لتبخر الماء وتآكل هذا الكوكب بمعدل مئة طن من مادته كل يوم
ولا يزال التآكل مستمراً حتى اليوم، حتى أصبح بلا حياة. أخي الكريم:
هل تدرك الآن نعمة قوله تعالى:
{ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ }
[الأنبياء: 32].
يتغير اتجاه المجال المغنطيسي للأرض باستمرار، فنجد أن الشمال
المغنطيسي مثلاً يتحرك بمعدل 15 كيلو متر في السنة (وكالة ناسا)،
ويتأرجح ، وخلال آلاف السنين (أو ملايين السنين) يغير اتجاهه، فيصبح
في الجنوب بدلاً من الشمال وهكذا. وهذه الظاهرة تؤثر على الكائنات
الحية على الأرض وعلى الحياة العامة. وسبب هذا الدوران هو دوران
الحديد الموجود في نواة الأرض باستمرار.ويؤكد العلماء أن المجال
المغنطيسي للأرض في الماضي كان أقوى كثيراً من اليوم ولا يزال
يتناقص باستمرار، وقد يأتي ذلك اليوم حيث ينعدم هذا المجال ويسمح
لريح الشمس باختراق غلاف الأرض وملامسة البحار مما يؤدي إلى رفع
درجة حرارتها وتفكك الماء إلى هيدروجين وأكسجين وهذا المزيج يعتبر
متفجراً وخطيراً، وبعد ذلك تحدث انفجارات عنيفة. وقد نجد في كتاب الله
تعالى إشارة رائعة في آيتين يقول تبارك وتعالى في سورة التكوير يحدثنا
عن أحداث يوم القيامة:
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ }
[التكوير: 6]
ثم يقول بعد ذلك في السورة التالية:
{ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ }
[الانفطار: 3].
ومعنى (سُجِّرَتْ) أي ارتفعت درجة حرارتها وأُحميت وسُخِّنت.
الليل سكناً
إن هذه الحقائق تظهر بوضوح أن الجانب المواجه للشمس يتعرض
لحركة عنيفة وتفاعلات قوية بين المجال المغنطيسي والرياح الشمسية،
ولكن الجانب المظلم من الأرض نجده ساكناً هادئاً،
وهذا ما أشار إليه القرآن في قوله تعالى:
{ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا
ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
[الأنعام: 96].
وفي هذه الآية إشارة خفية إلى التفاعلات التي تحدث أثناء النهار ويتم
بنتيجتها اصطدام الجزئيات المشحونة كهربائياً والقادمة من الشمس
باتجاه الأرض وتكسرها كما تتكسر الأمواج على الشاطئ
تأملوا معي قوله تعالى
{ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ }
ألا تلمسوا إشارة إلى نوع من أنواع الحركة والانفلاق!
لاحظوا معي كيف أن الله تعالى أحاط كرتنا الأرضية بمجال أكبر منها
بكثير يمتد لأكثر من 60 ألف كيلو متر في الفضاء، ويعمل على صد
الهجوم الشمسي القاتل، فهل نحس بهذه النعمة التي تقينا شر الشمس،
فالشمس مسخرة لعمل محدد، والأرض مسخرة لنا لتقدم الحماية والأمان
لنتمكن من الحياة باستقرار على ظهرها،
فهل نستشعر معنى قوله تعالى:
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار }
[إبراهيم: 33-34].
إن الشمس مسخرة لخدمتنا ولكن إذا وصلتنا كل الجزيئات التي تبثها
نتيجة التفاعلات النووية التي تحدث فيها سوف نحترق على الفور،
ولكن من رحمة الله تعالى بنا أنه خلق عدة طبقات للغلاف الجوي تحيط
بالأرض وتحميها من شر الشمس، ولا تسمح إلا بدخول الأشعة المفيدة
والضرورية لنا. وكل طبقة من طبقات الغلاف الجوي لها عمل محدد
يختلف عن الطبقة التي تليها.
فمثلاً هناك طبقة لحجب الأشعة فوق البنفسجية، وطبقة أخرى لصد
الأشعة الكونية الخطيرة، وهكذا حتى نجد الطبقة الأخيرة وهي الغلاف
المغنطيسي والذي جعله الله ذا طبيعة مغنطيسية ليتمكن من حرف مسار
الجزيئات المشحونة وإبعادها وضمان عدم وصولها إلى الأرض إلا
بالكمية الضئيلة التي لا تؤدي لأي ضرر.