عرض مشاركة واحدة
قديم 20-08-2014, 08:46 PM   رقم المشاركة : 2
قلم مضطرب
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية قلم مضطرب
 





قلم مضطرب غير متصل

سكت وائل لثوانٍ بكت خلالها عيناه .. وقال بعد أن أخفى دموعه عن رفاقه بصوتٍ منكسر ما بدت خطيئة أقترفها : اللعنة يا رجل ,، أنني أبلغ من العمر 24 سنة ولدي أربعة أطفال .. هل تصدق ذلك ؟ أنني صغيرٌ في السن ولدي أربعة أطفال ؟ بادئ الأمر كنت سعيدً بذلك سعيدً بهم , ألا أن الأهل والأقرباء كانوا يقولون لي دائماً ,، ما بالك يا وائل كل سنة تنجب طفلاً ؟ هل أنت مجنون أم متخلف أم ماذا ؟ أنك لا تزال شابً وأمامك العمر طويل وتملك كل الوقت لتنجب أطفالً كما تريد .. ولكن توقف عن ذلك لإنك أيضا ستتعب زوجتك هكذا لكثرة حملها .

أختنق وائل في عبرته مما أجبره على قطع حديثه للحظه .. أكمل بعدها ما بدا قصة غريبة غامضة لم تكشف سرها : لا أخفيكم جميعا رحت أفكر أنا وزوجتي في ما نصحونا به حتى أقتنعنا بذلك لأن كلامهم منطقي وواقعي ولأننا أكتفينا من الأطفال .. وقررنا عدم الأنجاب لمدة خمس سنوات أو شيئاً من هذا .. ولكن الصدفة أو الكارثة حلت بنا عندما حملت زوجتي بعد أشهر .. أصابتنا صدمة كنا خائفين مرتبكين ؟ ماذا سيقولون عنا ؟ فلم نخبر أحدً بذلك .. لم نرد أن نرى نظرات أعينهم القاتلة .. كنا غاضبين طوال الوقت وخصوصا زوجتي ولا ألومها .. حتى أنها وصلت إلى مرحلة يأسً وكانت تجعل الأطفال يلعبون ويقفزون بقوة على بطنها لإنها أرادت أن تجهض الجنين .. ألا أن ذاك لم يحدث .. نهاية المطاف علم أهلنا وأقربائنا بالحمل ؟ قاموا بتوبيخنا والسخرية منا ومخاصمتنا .. مرت أشهر وأنجبت زوجتي فتاة .. لم نكن سعداء بها بل هناك شيئاً في داخلنا يكرهها .. كانت ضيفً غير مرغوب فيها .. كانت عارً بالنسبة لنا ولم نكن نهتم بها كثيرً .. حتى والدتها لم تكن ترضعها ألا في ما ندر وأنا لا أشتري لها طعامً ومستلزمات الأطفال ألا في فترات متباعدة .

قطع وائل قصته التي تفتت منها الصخرً لقسوة قلب الوالدين .. تلك الذكرى التي حركت ضميره وهزت أركانه ووجدانه وكأن راجمة صواريخ دكته دكاً .. لملم شيئاً من شتات نفسه وتابع حكايته أو حكاية طفلته المظلومة : ولكن ما جعلني أهيم بها عشقً ومحبة وحنانً .. بأنني حين أنظر إليها أجدها تضحك بشدة ,، بالرغم من كل ما فعلنا بها وحرمناها منه وكرهناها إلا أنها لم تكن تبكي .. فقط كانت تنظر إلينا وتضحك .. لم تكن كبقية الأطفال مزعجة وكثيرة الصياح بل كانت رحمة نزلت علينا من السماء .. حتى أن والدتها تقول بأنها لم تشعر بأي ألم أثناء ولادتها .. هل تصدقون ذلك ؟ يا إلهي ,، أنها فعلاً فتاة بريئة .. أنها معجزة من خالقي لقد ندمت على كل شيئا فعلته بحقها .. ليتني أستطيع أن أعيد الزمن إلى الوراء ونسيان تلك الكراهية التي حملتها عليها بداخلي .. يا إلهي تنظر إلينا وتضحك وكأنها تقول لما تكرهوني ؟ لما أردتم موتي ؟ وأنا لم أوذيكم ؟ حين أنظر إليها الآن لا أستطيع تمالك دموعي ودائماً أتذكر هذه الآية (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ) .. لا أعرف ماذا أقول لكم ؟ وماذا أقول لها حين تكبر ؟ أنها الوحيدة من كل أطفالي التي تشعرني بإرتياحٍ تام وسعادة حين أنظر إليها .. كيف فكرت للحظة أن أوذيها .. هل تصدقون ماذا فعلت بطفلتي ؟ هل تصدقون ذلك ؟ لذا لا تسألونني أو تتعجبون حين تنزل علينا صاعقة من السماء تحرقني وتحرقكم معي بسبب ما فعلناه ونفعله .

خيم هدوءً وصمت في ذلك المبنى بأكمله بل أمتد إلى كل القوات المحاصرة في الخارج التي ظلت على سكونها وكأنها تتجسس عليهم سرً .

قاطع "الجندي عاصم" لحظات الصمت تلك وكأن عدوى الأعتراف بالذنب أصابته هو الآخر , وقال : دعوني أحدثكم أمرً ,، معظمكم ربما سمع "بالمهدي المنتظر" أليس كذلك .؟ في كل الكتب المقدسة وغيرها يتكلمون عن "منقذٍ" يخرج في نهاية الزمان وينشر العدل والحق على الأرض .. لذا ترى كل الديانات والطوائف تقول بأن المهدي هو رجلٌ منهم وينتمي إليهم .. لقد كنت طوال عمري اقرأ عنه في الكتب وكل ما طالته يداي .. كرست حياتي لذلك .. لا أخفيكم لقد آمنت به بشدة أنام وأجلس وأن أنتظر تلك الساعة الموعودة التي يخرج فيها لألتحق به وأنظم إلى جيشه .. كنت أراقب كل الأحداث التي تجري في العالم أكانت صغيرةٌ أم كبيرة وأقول في نفسي أنها اللحظة "لحظة الظهور" يبدو بأنها أقتربت ؟ ولكن لا شيء .. المهدي لم يظهر ,، تركت كل شيئاً في حياتي وجلست أعيش الحلم منذ أن كنت مراهقً لعله يخرج في أية لحظة .. ألتحقت بالجيش معكم بعد سادت الفوضى في البلد لأنني ظننتها "ساعة خروج المهدي" .. لقد قرأت في الكتب عن المعركة التي تسبق ظهوره وكانت شبيهة بهذه الحرب .. وكما ترون ! المدة قد طالت والحرب توشك أن تضع أوزارها وحتى الآن لم يخرج المهدي .

دخل معهم في هذا الخط "الجندي بسام" بعد أن أصيب بذهول من قصة أنتظار زميله "عاصم" طوال هذه السنين .. وراح يخبر حكايته هو الآخر : كما تعلمون بأنني متزوج وأعيش حياة هادئة بسيطة وليست لدي أية مشاكل , ولكن ما لا تعرفونه بأني مصاب بمرض نفسي مرض خبيث مرض لم أستطع التخلص منه بالرغم من أنني حاولت كثيرً .

سكت لثوان ,، وكأنه يريد أن يزيد من فضول رفاقه الذين نسوا رصاصات الموت التي تحيط بهم .. قال بعد لحظة : أنني .. أنني .. أنني "شاذٌ جنسي" أفضل الصبية على زوجتي بل حتى أنني أهيم بهم عشق وهوسً
ربما يصيبكم ذلك بالغثيان ولكنني لا أستطيع تمالك نفسي حين أرى شابً وسيمً .. أعرف بأن ذلك مرضً لذا حاولت التخلص من هذا الشذوذ الذي يكاد يدخلني دار جهنم .. حاولت بشتى الطرق والوسائل ولكن لم أقدر على ذلك .. ولإكون صريحً معكم ربما لم أستطع أن أعالج نفسي لأن شيئاً بداخلي لا يريد ذلك ربما لأنه يعجبني لذا لم أحاول كما ينبغي للتخلص منه .. لكن أتعرفون أكثر ما يحزنني ؟ بأن زوجتي تظنني أعاشر فتيات غيرها .. سحقاً فما بالها لو علمت بأن زوجها يفضل الصبية عليها ؟

"الجندي جمعه" هو أيضاً لم يرد أن تمر عليه هذه الجلسة التي بدت وكأنها تجمعً للروائيين والقاصين بدلً من موقعً عسكري تفصله خطواتً قليله عن الموت .. فأبى "جمعه" دون أن يعترف بخبثً ما في داخله , وقال : لربما تظنونني طيبا وعبداً صالحً لأنكم وكما ترونني لا أتكلم كثيرً ولا أتدخل في شؤون أحد .. ولكن لا يغرنكم ذلك لأن "الحقد يتآكلني من الداخل على الجميع" .. حين يشتري أحدً سيارة أو يوفق في وظيفة جيدة أو يذهب إلى الخارج لإكمال دراسته أو أي شيء لم أفعله أو لا أستطيع فعله , تشتعل بداخلي نارً تصهر الحديد لحرارتها وأتمنى وأدعو أن يموت هذا الشخص الذي صب الجمر في داخلي .. كل من يفعل شيء ولو كان تافهً أحترق وأحترق وكأنني أحترق بداخل جهنم أتمنى أن أقتله حتى لو كان أخ أو قريبً أو صديق .. هواجسٌ تتلاعب بناري على الجميع ,، لماذا هذا الشخص حدث له هكذا ؟ أو لما عنده هكذا ؟ اللعنة أنه شيئاً متعبٌ ومريض .. هذا الحقد والحسد بداخلي يجب أن يدفن حتى لو أضطررت أن أقتل نفسي .. لأنني أشعر بأني قتلت أشخاص لكثرة ما في قلبي عليهم وما أحمله بداخلي أتجاههم .

قاطعه "الجندي فلاح" وكأن نفسه أشمئزت من ذلك ولا يريده أن يكمل قصة الحسد تلك التي أتعبت صاحبها هماً وأتعبت الآخرين معه , وقال : أعتذر منك "يا جمعه" لأنني قاطعتك .. ولكن بما أن الجميع يخبر ما في سريرته ويعترف بأشياء لربما لم يتجرأ يومً على الأعتراف بها حتى مع نفسه .. دعوني أقول لكم حكايتي فأنا مثلكم جميعاً علاقتي مع والدتي جيدة .. أحبها وأحترمها وأجلها .. أفعل كل ما تطلبه مني حتى "أُفٍ" لا تسمعها مني , أسافر معها إلى كل مكان تريده وتشتهيه .. لكن ليست هذه المشكلة .. بما أنها كبيرةٌ في العمر بطيئة الحركة ثقيلة الخطى .. فأنها أحياناً تفعل أشياء "مقرفة ومقززة" كما هو حال بعض كبار السن .. أنني معتادٌ على ذلك وأتحمله فهي والدتي ومن كانت تعتني بي وتحملت كل الأذى الذي نسببها لها ونحن أطفال .. ولكن من أخدع ؟ لا أخفيكم دائماً ما أكون مشمئزً منها بداخلي وأشعر بالغثيان وأريد التقيؤ بمجرد النظر إليها أنها تصيبني بالقرف .. لذا أحاول الأبتعاد عنها دائماً .. ألا أنها تأتي إلي , لا أعرف ماذا أفعل ؟ فلا أستطيع أن أقول لها ذلك ؟ ولا أستطيع أن أقول لها لا تفعلين ذلك ؟ وأيضاً لا أستطيع أن أتجنبها ؟ كنت أتمنى أن لا أشعر بشيئاً تجاهها .. لأني أرى نفسي "بغيضاً" حين أحس بالنفور منها .. لقد حملت بي وربتني لأحترمها وأخدمها في كل ظروفها وحالتها .. ولكن لا أعرف لما أنتهى بي الحال هكذا ؟

كانت الأجواء خارج المبنى كما بداخله يسودها الهدوء الشديد والحذر وكأن تلك الجيوش تنتظرهم يخبرون قصصهم قبل أن تقضي عليهم , بينما الجنود بداخل المبنى ظلوا ينظرون إلى كبيرهم وعميدهم أسحاق ليسمعون ما عنده وماذا فعل في حياته ليعاقب هكذا .

الدقائق تمر والعميد مطأطأً رأسه يفكر ويسترجع شيئاً ما سبق أو لعلها ذكرى فعلها أو عايشها .. لحظات قال بعدها : قبل 11 عاماً كانت هناك قرية حدودية يقطنها ما يقرب من 3000 أنسان .. قام أهلها بإثارة البلبلة والفوضى والشغب والأنتفاض على الدولة .. فتلقينا أوامر سرية من القيادة العليا بأن نذهب إلى هناك لإخماد ثورتهم .. فأرسلوا كتيبة إلى القرية وكنت القائد والمسؤول والمكلف بكل شيء , لكنني حين وصلت لم أتفاوض معهم أو أسمع مطالبهم أو أحاول تهدئتهم وحل مشكلتهم .. كنت مصابً حينها بالغرور والكبرياء والأعتداد بالنفس وحب التسلط .. بسرعة أعطيت الأوامر للطيران والمدافع والدبابات أن يقصفوا القرية بمن فيها ويسقطونها على رؤوس أهلها ويدفنونهم في مكانهم , أصدرت أوامر دقيقة جدا بأن يقصف كل شيئاً يمشي أو يتحرك أو يزحف على الأرض .. ولم تمضي نصف ساعة حتى حولت المكان إلى لا شيء .. محيت القرية عن بكرة أبيها من صغيرها حتى كبيرها جعلتها مقبرة لهم .

سكت العميد لشيئاً لا يعرفه غيره ربما حسرة أو ندم أو حتى طيف القرية مر أمام ناظريه .. قال متحشرجً بعدها : اللعنة ,، جيلاً بأكمله سويته بالتراب .. شعبٌ بأكمله دفنتهم في الجحيم , ولم أحرك ساكنً ولم ترمش لي عين بل كنت سعيدً بذلك , وحصلت على أوسمة عدة وهدايا ومزايا وأموالٌ كثيرة لماذا ؟ لأنني قضيت على حضارة كانت ذات يومً هناك , ولم يعلم أحدا عنهم شيئاً .. فقط أصدرت الحكومة بياناً قالت فيه "بأننا قضينا على بعض العملاء والخونة الذين يحاولون النيل من الوطن" .


يتبع ....






رد مع اقتباس