عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 07:03 PM   رقم المشاركة : 18
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقد ذكر ابن أبي حاتم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يوشك أن يرفع العلم‏)‏، فقال زياد بن لبيد يا رسول اللّه وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا فقال‏:‏ ‏(‏ثكلتك أمك يا ابن لبيد إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر اللّه، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون‏}‏ كقوله ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏ فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد وهو أوسط مقامات هذه الأمة، وفوق ذلك رتبة السابقين، كما في قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها‏}‏ الآية، والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة كلهم يدخلون الجنة‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏67‏)‏
‏{‏ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ‏.‏ ‏}‏

يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم باسم الرسالة، وآمراً له بإبلاغ جميع ما أرسله اللّه به، وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك وقام به أتم القيام؛ قال البخاري عند تفسير هذه الآية عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل اللّه عليه فقد كذب، وهو يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏}‏ الآية، وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت‏:‏ لو كان محمداً صلى اللّه عليه وسلم كاتماً شيئاً من قرآن لكتم هذه الآية‏:‏‏{‏وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه‏}‏ وقال ابن أبي حاتم عن هارون بن عنترة عن أبيه قال‏:‏ كنت عند بن عباس فجاء رجل فقال له‏:‏ إن ناساً يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئاً لم يبده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للناس، فقال ابن عباس‏:‏ ألم تعلم أن اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏}‏، والله ما ورَّثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سوداء في بيضاء‏.‏ وهذا إسناد جيد‏.‏ وفي صحيح البخاري عن وهب بن عبد اللّه السوائي قال‏:‏ قلت لعلي بن ابي طالب رضي اللّه عنه‏:‏ هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن‏؟‏ فقال‏:‏ لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يعطيه اللّه رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة‏.‏ قلت‏:‏ وما في هذه الصحيفة‏؟‏ قال‏:‏ العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر‏.‏

وقال البخاري، قال الزهري‏:‏
من اللّه الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة، وأستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفاً، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في خطبته يومئذ‏:‏ ‏(‏ايها الناس إنكم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكسها إليهم، ويقول‏:‏ ‏(‏اللهم هل بلغت‏)‏ ‏!‏‏؟‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن لم تفعل فما بلغت رسالته‏}‏ يعني وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به فما بلغت رسالته، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏وإن لم تفعل فما بلغت رسالته‏}‏‏:‏ يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته، وعن مجاهد قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏}‏ قال‏:‏ يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون علي‏؟‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏وإن لم تفعل فما بلغت رسالته‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه يعصمك من الناس‏}‏ أي بلغ أنت رسالتي وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك‏.‏ وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس‏.‏ كما قال الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها كانت تحدث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت، فقلت‏:‏ ما شأنك يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة‏)‏، قالت‏:‏ فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال‏:‏ ‏(‏من هذا‏)‏‏؟‏ فقال‏:‏ أنا سعد بن مالك، فقال‏:‏ ‏(‏ما جاء بك‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ جئت لأحرسك يا رسول اللّه، قالت‏:‏ فسمعت غطيط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في نومه، أخرجاه في الصحيحين‏.‏ وفي لفظ‏:‏ سهر رسول اللّه ذات ليلة مقدمة المدينة، يعني على أثر هجرته بعد دخوله بعائشة رضي اللّه عنها وكان ذلك في سنة ثنتين منها، وعنها قالت‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يحسر حتى نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏واللّه يعصمك من الناس‏}‏ قالت فأخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم راسه من القبة وقال‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنا اللّه عزَّ وجلَّ‏)‏

ومن عصمة اللّه لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، بما يخلقه اللّه من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه ابي طالب إذ كان رئيساً مطاعاً كبيراً في قريش، وخلق اللّه في قلبه محبة طبيعية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً، ثم قيض اللّه له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم وهي المدينة، فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود، وكلما همَّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده اللّه ورد كيده عليه، كما كاده اليهود بالسحر، فحماه اللّه منهم، وأنزل عليه سورتين المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سمّه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه اللّه به وحماه منه، ولهذا أشباه كثيرة جداً يطول ذكرها‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إن اللّه لا يهدي القوم الكافرين‏}‏ أي بلغ أنت واللّه هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ليس عليك هداهم ولكن اللّه يهدي






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس