عرض مشاركة واحدة
قديم 20-04-2014, 03:50 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : خطر الإفساد في الأرض‎

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله
خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
خطر الإفساد في الأرض
والتي تحدَّث فيها عن الإفساد في الأرض وخطورته، وحذَّر من عواقِب ذلك.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الحمد لله الذي نهى عن الفساد في الأرض، وأخبرَ أنه لا يُصلِح عملَ المُفسِدين،
أحمدُه - سبحانه - حمدَ الشاكرين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ المتقين،
وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه إمام المرسلين وخاتمُ النبيين،
وقائِدُ الغُرِّ المُحجَّلين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ،
وعلى آله وصحابتِه أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمابعد ...
فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه، واذكروا أنكم مُلاقوه
{ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا }
[ النبأ: 40 ]
{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
[ الشعراء: 88، 89 ].
عباد الله:
إن هذه الأرض قد أصلحَها الله أتمَّ إصلاحٍ حين أرسلَ إلى عبادِه رُسُلَه،
وأنزل معهم كُتبَه بالآيات البينات، والدلالات الواضِحات، فهدَى بها من الضلالة،
واستنقَذَ من الهلَكَة بما منَّ عليهم من نعمةِ الإيمان والإسلام،
وما أكرمَهم به من التوحيد والسنَّة.
فكان فضلُ الله عليهم بهذا الإصلاح عظيمًا،
وكانت المنَّةُ به مُوجِبةً كمالَ الحِرصِ على الحِفاظ عليه، والعناية به،
ورعايته حقَّ رعايته بالحذَر من سُلوك سبيل الإفساد في الأرض بعد إصلاحِها،
فذلك أعظمُ ضررًا، وأقبَحُ عاقِبَة، وأشدُّ نُكرًا.
ولذا جاء النهيُ القاطِعُ عنه بقولِه - عزَّ اسمُه -:
{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا
وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }
[ الأعراف: 56 ].
وفي قولِه - سبحانه - حكايةً عن تحذير نبيِّ الله شُعيب - عليه السلام - لقومِه:
{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
[ الأعراف: 85 ].
ولما كان هذا الإفسادُ في الأرضِ بعد إصلاحِها
من أعظم المُحادَّة لله ورسولِه - صلى الله عليه وسلم -، ولِما فيه من هدمٍ للمصالِح،
ونقضٍ للمنافِع، ولأن صاحِبَه يسُنُّ به سُنَّةً سيئةً يُعملُ بها من بعدِه
كان حريًّا بأن يكون بغيضًا عند الله تعالى، كما قال - سبحانه -:
{ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }
[ المائدة: 64 ].
ولئن تعدَّدت ألوانُ هذا الفساد وتنوَّعَت؛ فإن في الطَّليعة منها:
الشركَ بالله تعالى، بصرفِ حقِّه - سبحانه - إلى غيرِه، وذلك هو الظلمُ العظيمُ حقًّا،
كما قال لُقمان في وصيَّته لابنِه:
{ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
[ لقمان: 13 ].
وإنه لظُلمٌ عظيمٌ يظلِمُ به المرءُ نفسَه أشدَّ الظلم؛
إذ يُسوِّي الخالقَ القادِر الرازق المُدبِّر المُحيِيَ المُميت، المُتفرِّد في ربوبيَّته وألوهيَّته،
وأسمائِه وصِفاتِه بالمخلوق الذي لا يملِكُ لنفسِه ضرًّا ولا نفعًا،
ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
وأيُّ إفسادٍ في الأرض أعظمُ ضررًا من هذا الإفساد، وأشدُّ قُبحًا، وأسوأُ مصيرًا؟!
إن مثلَ من أشركَ بالله كمثَل من هوَى من القمة السامِقة العليَّة
إلى أسفل دركَات الحَضيض،
{ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ
أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }
[ الحج: 31 ].
ولا غَرْوَ أن كان أحدَ المُهلِكات السبع التي أمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم –
الأمةَ باجتِنابِها؛ لشدَّة ضررها، وعِظَم خطرِها، وتعدِّي الإفساد الناشِئ عنها،
فقال - صلوات الله وسلامُه عليه -:
( اجتنِبُوا السبع الموبِقات
قالوا: يا رسول الله! وما هنَّ ؟
قال: الشركُ بالله، والسحر، وقتلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحق،
وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحف،
وقذفُ المُحصَنات المُؤمنات الغافِلات )
أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
وهكذا كلُّ ما توعَّد الله فاعِلَه بلعنةٍ أو عذابٍ أو نارٍ أو حِرمانٍ من دخول الجنة
مما يُوبِقُ به المرءُ نفسَه، ويُنقِصُ به إيمانَه،
ويغدُو باقتِرافِه مطيَّةً للشيطان يسوقُه إلى سبيل الغواية، ويُزيِّنُ له عملَه،
ويمُدُّ له في غيِّه، حتى يرى القبيحَ حسنًا، والمُنكرَ معروفًا، والباطلَ حقًّا.
فيحسبُ أن إفسادَه إصلاح، وذلك هو شأنُ أهل النفاق الذين قصَّ الله علينا خبرَهم،
فقال - سبحانه -:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ }
[ البقرة: 11، 12 ].
فهم كما قال الإمام ابن جريرٍ - رحمه الله -:
[ مُفسِدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربَّهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبِه،
وتضييعهم فرائِضَه، وشكِّهم في دينِه الذي لا يُقبل من أحدٍ عملٌ إلا بالتصديقِ به،
والإيقان بحقيقته، وكذبِهم على المُؤمنين بدعواهم غيرَ ما هم عليه مُقيمون من الشكِّ
والرَّيب، ومُظاهرتهم أهلَ التكذيبِ بالله وكُتُبِه ورُسُلِه على أولياء الله
إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً. فذلك إفسادُ المُنافقين في الأرض،
وهم يحسَبون أنهم بفعلِهم ذلك مُصلِحون فيها ]
فالفسادُ - يا عباد الله - هو الكفرُ بالله، والعملُ بالمعصية،
ومن عصَى الله في الأرض أو أمرَ بمعصيته فقد أفسدَ فيها؛
لأن صلاحَ الأرض والسماء بالطاعة، كما قال قتادةُ وغيرُه
من مُفسِّري السلَف - رحمهم الله -.
فاتقوا الله - عباد الله -، وأطيعُوا الله والرسولَ لعلكم تُرحمون،
واتخذِوا مما قصَّه الله علينا من وصيَّة قومِ قارون زادًا وعُدَّةً تعتدُّون بها،
ومنهاجًا تسلُكُونَه، ومنارًا تهتدُون به، وذلك في قولِه - عزَّ من قائل -:
{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }
[ القصص: 77 ].






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس