عرض مشاركة واحدة
قديم 20-06-2014, 05:02 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏1‏)‏
‏{‏ أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ‏}‏

يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها، معبّراً بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة، كقوله‏:‏ ‏{‏اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏اقتربت الساعة وانشق القمر‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فلا تستعجلوه‏}‏ أي قرب ما تباعد فلا تستعجلوه، والضمير يعود على العذاب، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون‏}‏، فإنهم استعجلوا العذاب قبل كونه استبعاداً وتكذيباً، ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره، وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد، تعالى وتقدس علواً كبيراً، وهؤلاء هم المكذبون بالساعة ‏"‏في اللباب‏:‏ أخرج ابن مردويه‏:‏ لما نزلت ‏{‏أتى أمر الله‏}‏ وغمر أصحاب رسول اللّه حتى نزلت ‏{‏فلا تستعجلوه‏}‏ فسكتوا - وأخرج عبد اللّه بن الإمام أحمد‏:‏ لما نزلت ‏{‏أتى أمر اللّه‏}‏ قاموا، فنزلت‏:‏ ‏{‏فلا تستعجلوه‏}‏‏"‏، فقال‏:‏ ‏{‏سبحانه وتعالى عما يشركون‏}‏‏.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏2‏)‏
‏{‏ ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ‏}

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ينزل الملائكة بالروح‏}‏ أي الوحي كقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏على من يشاء من عباده‏}‏ وهم الأنبياء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللّه أعلم حيث يجعل رسالته‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏أن أنذروا‏}‏ أي لينذروا ‏{‏أنه لا إله إلا أنا فاتقون‏}‏ أي فاتقوا عقوبتي لمن خالف أمري وعبد غيري‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏3 ‏:‏ 4‏)‏
‏{‏ خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون ‏.‏ خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ‏}‏

يخبر تعالى عن خلقه العالَم العلوي وهو السماوات، والعالَم السفلي وهو الأرض بما حوت، وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث بل ‏{‏ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى‏}‏، ثم نزه نفسه عن شرك من عبد معه غيره وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له؛ فلهذا يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، ثم نبه على خلق جنس الإنسان ‏{‏من نطفة‏}‏ أي مهينة ضعيفة، فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله، وهو إنما خلق ليكون عبداً لا ضداً كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين‏}‏‏.‏ وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن بشر بن جحاش قال‏:‏ بصق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في كفه، ثم قال‏:‏ ‏(‏يقول اللّه تعالى‏:‏ ابن آدم‏!‏ أنَّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت أتصدق، وأنّى أوان الصدقة‏؟‏‏)‏ ‏"‏رواه الإمام أحمد وابن ماجه في السنن‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏5 ‏:‏ 7‏)‏
‏{‏ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ‏.‏ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ‏.‏ وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم ‏}‏

يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون، ومن ألبانها يشربون، ويأكلون من أولادها وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولكم فيها جمال حين تريحون‏}‏، وهو وقت رجوعها عشياً من المرعى، فإنها تكون أمده خواصر وأعظمه ضروعاً وأعلاه أسنمة، ‏{‏وحين تسرحون‏}‏ أي غدوة حين تبعثونها المرعى، ‏{‏وتحمل أثقالكم‏}‏ وهي الأحمال الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها، ‏{‏إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس‏}‏ وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة وما جرى مجرى ذلك، تستعملونها في أنواع الاستعمال من ركوب وتحميل كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون‏}‏، ولهذا قال ههنا بعد تعداد هذه النعم‏:‏ ‏{‏إن ربكم لرؤوف رحيم‏}‏ أي ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم كقوله‏:‏ ‏{‏وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏لكم فيها دفء‏}‏ أي ثياب، ‏{‏ومنافع‏}‏ ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة، ومنافع نسل كل دابة‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏لكم فيها دفء‏}‏ أي لباس ينسج و‏{‏منافع‏}‏ مركبٌ ولحم ولبن‏.‏ وقال قتادة‏:‏ دفء ومنافع يقول‏:‏ لكم فيها لباس ومنفعة وبُلغة، وكذا قال غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏8‏)‏
‏{‏ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ‏}‏

هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده يمتن به عليهم وهو ‏{‏الخيل والبغال والحمير‏}‏ التي جعلها للركوب والزينة بها وذلك أكبر المقاصد منها، ولما فصلها من الأنعام وأفردها بالذكر، استدل من استدل من العلماء ممن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل بذلك على ما ذهب إليه فيها، كالإمام أبي حنيفة رحمه اللّه ومن وافقه من الفقهاء بأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير، وهي حرام، كما ثبتت به السنّة النبوية، وذهب إليه أكثر العلماء‏.‏ وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير عن ابن عباس‏:‏ أنه كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير، وكان يقول‏:‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون‏}‏ فهذه للأكل، ‏{‏والخيل والبغال والحمير لتركبوها‏}‏ فهذه للركوب، ويستأنس لهذا بحديث رواه الإمام أحمد عن خالد بن الوليد رضي اللّه عنه قال‏:‏ نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير، ولكن لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد اللّه قال‏:‏ نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل، وعن جابر قال‏:‏ ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل وكذا قال قتادة والضحّاك ، وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنهما قالت‏:‏ نحرنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرساً فأكلناه ونحن بالمدينة فهذه أدل وأقوى وأثبت، وإلى ذلك صار جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وأكثر السلف والخلف واللّه أعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏9‏)‏
‏{‏ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ‏}‏

لما ذكر تعالى في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة، شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه، فبيّن أن الحق منها ما هي موصلة إليه فقال‏:‏ ‏{‏وعلى اللّه قصد السبيل‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏هذا صراط عليَّ مستقيم‏}‏، قال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏وعلى اللّه قصد السبيل‏}‏، قال‏:‏ طريق الحق على اللّه‏.‏ وقال السدي‏:‏ ‏{‏وعلى اللّه قصد السبيل‏}‏ الإسلام، وقال ابن عباس‏:‏ وعلى اللّه البيان أي يبين الهدى والضلالة وكذا قال قتادة والضحّاك ‏.‏ وقول مجاهد ههنا أقوى من حيث السياق، لأنه تعالى أخبر أن ثم طرقاً تسلك إليه، فليس يصل إليه منها إلا طريق الحق، وهي الطريق التي شرعها ورضيها، وما عداها مسدودة والأعمال فيها مردودة، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومنها جائر‏}‏ أي حائد مائل زائل عن الحق‏.‏ قال ابن عباس وغيره‏:‏ هي الطرق المختلفة والآراء والأهواء المتفرقة كاليهودية والنصرانية والمجوسية، وقرأ ابن مسعود‏:‏ ‏{‏منكم جائر‏}‏؛ ثم أخبر تعالى أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته فقال‏:‏ ‏{‏ولو شاء لهداكم أجمعين‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة‏}‏ الآية‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏10 ‏:‏ 11‏)‏
{‏ هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ‏.‏ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ‏}‏

لما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم من الأنعام والدواب، شرع في ذكر نعمته عليهم في إنزال المطر من السماء - وهو العلو - مما لهم فيه بلغة ومتاع لهم ولأنعامهم فقال‏:‏ ‏{‏لكم منه شراب‏}‏ أي جعله عذباً زلالاً يسوغ لكم شرابه ولم يجعله ملحاً أجاجاً، ‏{‏ومنه شجر فيه تسيمون‏}‏ أي وأخرج لكم منه شجراً ترعون فيه أنعامكم، كما قال ابن عباس وهو قول عكرمة والضحّاك وقتادة وابن زيد ‏:‏ ‏{‏تسيمون‏}‏ أي ترعون ومنه الإبل السائمة، والسوم‏:‏ الرعي‏.‏ روى ابن ماجه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن السوم قبل طلوع الشمس‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات‏}‏ أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون‏}‏ أي دلالة وحجة على أنه لا إله إلا اللّه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها‏؟‏ أإله مع اللّه‏؟‏ بل هم قوم يعدلون‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏12 ‏:‏ 13‏)‏
{‏ وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ‏.‏ وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ‏}‏

ينبّه تعالى عباده على آياته العظام، ومننه الجسام في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان، والشمس والقمر يدوران، والنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السماوات‏.‏ نوراً وضياء ليتهدي بها في الظلمات، وكل منها يسير في فلكه الذي جعله اللّه تعالى فيه، يسير بحركة مقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها، والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله كقوله‏:‏ ‏{‏والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه رب العالمين‏}‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون‏}‏ أي لدلالات على قدرته تعالى الباهرة وسلطانه العظيم، لقوم يعقلون عن اللّه ويفهمون حججه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه‏}‏ لما نبه تعالى على معالم السماء نبه على ما خلق في الأرض من الأمور العجيبة والأشياء المختلفة، من الحيوانات والمعادن والنباتات والجمادات، على اختلاف ألوانها وأشكالها وما فيها من المنافع والخواص ‏{‏إن في ذلك لآية لقوم يذكرون‏}‏ أي آلاء اللّه ونعمه فيشكرونها‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏14 ‏:‏ 18‏)‏
‏{‏ وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ‏.‏ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ‏.‏ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ‏.‏ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ‏.‏ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ‏}‏

يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج، ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه، وما يخلقه فيه من اللالئ والجواهر النفسية، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره أي تشقه، وقيل‏:‏ تمخر الرياح وكلاهما صحيح، الذي أرشد العباد إلى صنعتها، وهداهم إلى ذلك إرثاً عن نوح عليه السلام، فإنه أول من ركب السفن، وله كان تعليم صنعتها، ثم أخذها الناس عنه قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل، يسيرون من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، لجلب ما هناك من الأرزاق، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون‏}‏ أي نعمه وإحسانه؛ ثم ذكر تعالى وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد، أي تضطرب بما عليها من الحيوانات، فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏والجبال أرساها‏}‏ وقال الحسن‏:‏ لما خلقت الأرض كانت تميد فقالوا‏:‏ ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً، فأصبحوا وقد خلقت الجبال، فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال‏؟‏ وقال سعيد، عن قيس بن عبادة‏:‏ إن اللّه لما خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة‏:‏ ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً، فأصحبت صبحاً وفيها رواسيها وفي رواية ابن جرير عن علي قال‏:‏ لما خلق اللّه الأرض فمضت وقالت‏:‏ أي ربّ تجعل عليَّ بني آدم يعملون الخطايا ويجعلون عليَّ الخبث‏؟‏ قال‏:‏ فأرسى اللّه فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وأنهارا وسبلا‏}‏ أي جعل فيها أنهاراً تجري من مكان إلى آخر رزقاً للعباد ينبع في موضع، وهو رزق لأهل موضع آخر، فيقطع البقاع والبراري والقفار، ويخترق الجبال والآكان، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله، وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة وجنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، ما بين صغار وكبار، وأودية تجري حيناً وتنقطع في وقت، وما بين نبع وجمع، وقوي السير وبطيئه بحسب ما أراد وقدّر وسخّر ويسر، فلا إله إلا هو ولا رب سواه، وكذلك جعل فيها ‏{‏سبلا‏}‏ أي طرقاً

يسلك فيها من بلاد إلى بلاد حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممراً ومسلكاً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلنا فيها فجاجا سبلا‏}‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وعلامات‏}‏ أي دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك يستدل بها المسافرون براً وبحراً إذا ضلوا الطرق‏.‏ ‏{‏وبالنجم هم يهتدون‏}‏ أي في ظلام الليل، قاله ابن عباس، ثم نبّه تعالى على عظمته وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئاً بل هم يخلقون، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أفمن يخلق كمن لا يخلق‏؟‏ أفلا تذكرون‏}‏ ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم فقال‏:‏ ‏{‏وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها إن اللّه لغفور رحيم‏}‏ أي يتجاوز عنكم ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم يغفر الكثير ويجازي على اليسير‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ يقول‏:‏ إن اللّه لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس