عرض مشاركة واحدة
قديم 21-02-2013, 03:07 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ


السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

{ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ }
قال الله عز و جل :

{ و َالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
(الذاريات :47- 49) .
تُعَدُّ هذه الآيات الكريمة من أقوى الدلائل على قدرة الله تعالى ، و وحدانيته ،
و من أشدها تحذيرًا من عقابه و عذابه . وقد سبقتها آيات ،
تحدثت عن أخبار الأمم الطاغية المكذبة بالبعث ، و هلاكها ،
فجاءت هذه الآيات عقبها ؛ لتؤكد قدرة الله تعالى على الخلق ، و الإعادة ،
و أنه واحد ، لا شريك له ، يستحق العبادة ، و التوحيد ؛
و لهذا صدر الأمر منه تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
بعبادته سبحانه وحده ، و توحيده ، و إلا فمصيرهم كمصير من سبقهم
من الأمم ؛ و ذلك قوله تعالى عقب الآيات السابقة :
{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ و َلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ
إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }
(الذاريات :50- 51) .
و أَوَّلُ ما يلفت النظر في هذه الآيات الكريمة ، و يدعو إلى التفكر والتدبر
مجيئُها على هذا الترتيب البديع : بناء السماء بقوة ، والتوسُّع المستمر
في بنائها أولاً . ثم فرش الأرض ، و تمهيدها لساكنيها ثانيًا ثم خلق زوجين
من كل شيء ثالثًاَ .
و السر في ذلك - والله تعالى أعلم - هو أنه لمَّا كان الغرض الإخبار عن قدرة
الله تعالى ، و وحدانيته ، وإقامة الدليل على ذلك ، قدَّم سبحانه ما هو أقوى
في الخلق . و ما كان أقوى في الخلق ، كان أقوى في الدلالة ،
و أظهر في الإفادة .. و معلوم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض ،
ثم خلق بعدهما جميع المخلوقات ، و ما خُلِق ابتداءً ، كان خَلْقُهُ أشدَّ ،
و إن كان الكل عند الله تعالى في الخَلْقِ سَواء .
و إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :
{ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا
و َأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَ أَخْرَجَ ضُحَاهَا وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }
(النازعات:28-30) .
{ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ }
(الصافات:11) .
و يشير قوله تعالى :
{ السَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ }
إلى أن السماء بُنِيَت بإحكام ، على شكل قبَّة مبنية على الأرض ،
و أن بناءها باقٍ إلى يوم القيامة ، لم يُعْدَمْ منه جزءٌ ، خلافًا للأرض ؛
لأنها في تبدُّل دائم وتغيُّر مستمر ، و خلافًا للمخلوقات ؛ لأن مصيرها
إلى الهلاك و الفناء ؛ و لهذا قال تعالى في السماء : ﴿ بَنَيْنَاهَا ﴾،
و قال في الأرض : ﴿ فَرَشْنَاهَا ﴾، و قال في كل شيء :﴿ خَلَقْنَا ﴾ .
فالخَلْقُ يبلَى و يفنَى ، و الفَرْشُ يُطوَى و يُنقَل . أما البناءُ فثابتٌ باقٍ ،
و إليه الإشارة بقوله جل و علا :
{ وَ َبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً }
(النبأ:12) .
و البناءُ في اللغة نقيضُ الهدم ، و معناه : ضَمُّ شيء إلى شيء آخر .
ومنه قولهم : بَنَى فلانٌ على أهله ..
و الأصل فيه : أن الداخل بأهله كان يضرِب عليها قبة ليلة دخوله بها .
و من هنا قيل لكل داخل بأهله : بَانٍ .
و العامة تقول : بَنَى الرجل بأهله . و الصوابُ هو الأوَّلُ ؛
و لهذا شُبِّهَت السماء بالقبة ، في كيفية بنائها .
و في تقديم كل من ﴿ السَّمَاءِ ﴾ ، و ﴿ الْأَرْض ﴾ ، و ﴿ كُلِّ شَيْءٍ ﴾على فعله
دليلٌ آخر على أن الخالق جل جلاله واحدٌ أحدٌ ، لا شريك له في خلقه ،
لأن تقديم المفعول يفيد معنى الحصر ، فإن تأخر عن الفعل ،
احتمل الكلام أن يكون الفاعل واحدًا ، أو أكثر ، أو أن يكون غير المتكلم .
أما تأخير المفعول في نحو قوله تعالى :
{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضَ بِالْحَقِّ }
(الأنعام: 73 ) .
فإن الكفار ما كانوا يشكُّون لحظة في أن الله تعالى هو الذي خلق السماوات
و الأرض و هذا ما أشارت إليه الآية الكريمة :
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }
(لقمان:25) .
ثم إن قوله تعالى :
{ وَ السَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ و َإِنَّا لَمُوسِعُونَ }
يشير بوضوح و جلاء إلى أن الله تعالى بنى هذا الكون ، وأحكم بناءه بقوة ،
و أن هذا البناء المحكم ، لم يتوقف عند هذا الحد ، و إنما هو في توسُّع دائم
و امتداد إلى ما شاء الله تعالى و قدر . دلَّ على ذلك التعبير بالجملة الاسمية
، المؤكدة بـ( إن ) و ( اللام )
و هي قوله تعالى :
{ وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ }






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس