عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2014, 04:23 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏63 ‏:‏ 64‏)‏
‏{‏ أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون ‏.‏ فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين ‏}‏

يقول تعالى إخباراً عن نوح أنه قال لقومه‏:‏ ‏{‏أو عجبتم‏}‏ الآية، أي لا تعجبوا من هذا، فإن هذا ليس بعجب أن يوحي اللّه إلى رجل منكم رحمة بكم ولطفاً وإحساناً إليكم لينذركم،

ولتتقوا نقمة اللّه، ولا تشركوا به ‏{‏ولعلكم ترحمون‏}‏، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فكذبوه‏}‏ أي تمادوا على تكذيبه ومخالفته، وما آمن معه منهم إلا قليل كما نص عليه في موضع آخر، ‏{‏فأنجيناه والذين معه في الفلك‏}‏ أي السفينة، كما قال‏:‏ ‏{‏فأنجيناه وأصحاب السفينة‏}‏، ‏{‏وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا‏}‏، كما قال‏:‏ ‏{‏مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون اللّه أنصاراً‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إنهم كانوا قوما عمين‏}‏ أي عن الحق لا يبصرونه ولا يهتدون له، فبيّن تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه وأنجى رسوله والمؤمنين، وأهلك أعداءهم من الكافرين، كقوله‏:‏ ‏{‏إنا لننصر رسلنا‏}‏ الآية، وهذه سنّة اللّه في عباده في الدنيا والآخرة، أن العاقبة فيها للمتقين والظفر والغلب لهم، كما أهلك قوم نوح بالغرق ونجى نوحاً وأصحابه المؤمنين، وكان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل، وقال ابن أسلم‏:‏ ما عذب اللّه قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم، وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز‏.‏ وقال ابن وهب‏:‏ بلغني عن ابن عباس أنه نجي مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً أحدهم جرهم، وكان لسانه عربياً
"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏65 ‏:‏69‏)‏
‏{‏ وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ‏.‏ قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين ‏.‏ قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين ‏.‏ أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ‏.‏ أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحاً كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، وهؤلاء هم عاد الأولى الذين ذكرهم اللّه، وهم أولاد عاد بن غرم الذين كانوا يأوون إلى العمد في البر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد‏}‏ وذلك لشدة باسهم وقوتهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة‏}‏‏؟‏ وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف، فإن هوداً عليه السلام دفن هناك، وقد كان من أشرف قومه نسباً، لأن الرسل إنما يبعثهم اللّه من أفضل القبائل وأشرفهم، ولكن كان قومه كما شدد خلقهم شدد على قلوبهم، وكانو من أشد الأمم تكذيباً للحق، ولهذا دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له وإلى طاعته وتقواه، ‏{‏قال الملأ الذين كفروا من قومه‏}‏ - والملأ هم الجمهور والسادة والقادة منهم - ‏{‏إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظك من الكاذبين‏}‏ أي في ضلالة حيث تدعونا إلى ترك عبادة الأصنام والإقبال على عبادة اللّه وحده،

كما تعجب الملأ من قريش من الدعوة إلى إله واحد فقالوا‏:‏
‏{‏أجعل الآلهة إلها واحدا‏}‏‏؟‏ الآية،

‏{‏قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين‏}‏ أي لست كما تزعمون، بل جئتكم بالحق من اللّه الذي خلق كل شيء فهو رب كل شيء ومليكه، ‏{‏أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين‏}‏، وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغ والنصح والأمانة، ‏{‏أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم‏}‏ أي لا تعجبوا أن بعث اللّه إليكم رسولاً من أنفسكم لينذركم أيام اللّه ولقاءه، بل احمدوا اللّه على ذاكم، ‏{‏واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح‏}‏، أي واذكروا نعمة اللّه عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك اللّه أهل الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه، ‏{‏وزادكم في الخلق بسطة‏}‏ أي زاد طولكم على الناس بسطة أي جعلكم أطول من أبناء جنسكم، كقوله في قصة طالوت‏:‏ ‏{‏وزاده بسطة في العلم والجسم‏}‏ ‏{‏واذكروا آلاء اللّه‏}‏ أي نعمه ومننه عليكم ‏{‏لعلكم تفلحون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏70 ‏:‏ 72‏)‏
‏{‏ قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ‏.‏ قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين ‏.‏ فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين ‏}‏

يخبر تعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود عليه السلام، ‏{‏قالوا أجئتنا لنعبد اللّه وحده‏}‏ الآية، كقول الكفار من قريش‏:‏ ‏{‏اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم‏}‏‏.‏ وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره‏:‏ أنهم كانوا يعبدون أصناماً، فصنم يقال له‏:‏ صمد، وآخر يقال له‏:‏ صمود، وآخر يقال له‏:‏ الهباء، ولهذا قال هود عليه السلام‏:‏ ‏{‏قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب‏}‏ أي قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس، معناه سخط وغضب ‏{‏أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم‏}‏ أي أتحاجوني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهي لا تضر ولا تنفع، ولا جعل اللّه لكم على عبادتها حجة ولا دليلاً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ما نزل اللّه بها من سلطان * فانتظروا إني معكم من المنتظرين‏}‏ وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه، ولهذا عقّبه بقوله‏:‏ ‏{‏فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين‏}‏ وقد ذكر اللّه سبحانه صفة إهلاكم في أماكن أخر من القرآن بأنه أرسل عليهم الريح العقيم ‏{‏ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم‏}‏، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية‏}‏ لما تمردوا وعتوا أهلكهم اللّه بريح عاتية فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه، فتثلغ رأسه حتى تبينه من جثته، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كأنهم أعجاز نخل خاوية‏}‏‏.‏ وقال محمد بن إسحاق‏:‏ كانوا يسكنون باليمن بين عمان وحضرموت، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم اللّه، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون اللّه، فبعث اللّه إليهم هوداً عليه السلام، وهو من أوسطهم نسباً وأفضلهم موضعاً، فأمرهم أن يوحدوا اللّه ولا يجعلوا معه إلهاً غيره، وأن يكفوا عن ظلم الناس، فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا‏:‏ من أشد منا قوة‏؟‏ واتبعه منهم ناس - وهم يسير - يكتمون إيمانهم، فلما عتت عاد على اللّه وكذبوا نبيه، وأكثروا في الأرض الفساد وتجبروا، وبنوا بكل ريع آية عبثاً بغير نفع كلمهم هود فقال‏:‏ ‏{‏أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين‏}‏ الآيات‏.

فلما أبوا إلا الكفر به أمسك اللّه عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك، وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان، وطلبوا من اللّه الفرج فيه إنما يطلبونه بحرمته ومكان بيته، وكان معروفاً عند أهل ذلك الزمان، وبه العماليق مقيمون، فبعث عاد وفداً قريباً من سبعين رجلاً إلى الحرم، ليستقوا لهم عند الحرم فنهضوا إلى الحرم، ودعوا لقومهم، فدعا داعيهم، فأنشأ اللّه سحابات ثلاثاً بيضاء وسوداء وحمراء، ثم ناده مناد من السماء‏:‏ اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب فقال‏:‏ اخترت هذه السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماء، فناداه مناد‏:‏ ‏(‏اخترت رماداً رمدداً، لا تبقي من عاداً أحداً، لا والداً ولا ولداً، إلا جعلته همداً‏)‏ وساق اللّه السحابة السوداء بما فيها من النقمة إلى عاد حتى تخرج عليهم من واد، يقال لها المغيث، فلما رأوها استبشروا، وقالوا‏:‏ هذا عارض ممطرنا، يقول‏:‏ ‏{‏بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء‏}‏ أي تهلك كل شيء مرت به، فسخرها اللّه عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، كما قال اللّه تعالى،

والحسوم الدائمة، فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ‏}‏، وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده قريب مما أورده محمد بن إسحاق عن الحارث البكري قال‏:‏ إن عاداً قحطوا فبعثوا وافداً لهم يقال له قيل، فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة، فقال‏:‏ اللهم إنك تعلم أني لم أجيء إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود، فنودي‏:‏ منها اختر، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي‏:‏ منها خذها رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، قال‏:‏ فما بلغني أنه بعث اللّه عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا‏.‏ قال أبو وائل وصدق قال‏:‏ وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا‏:‏ لا تكن كوافد عاد ‏"‏رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأخرجه ابن جرير‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏73 ‏:‏ 78‏)‏
‏{‏ وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ‏.‏ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ‏.‏ قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون ‏.‏ قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ‏.‏ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ‏.‏ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ‏}‏

قال علماء التفسير والنسب‏:‏ ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، أحياء من العرب العارية قبل إبراهيم الخليل عليه السلام، وكانت ثمود بعد عاد، ومساكنهم مشهورة بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك في سنة تسع، قال الإمام أحمد عن ابن عمر قال‏:
لما نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالناس على تبوك، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها، ونصبوا لها القدور، فأمرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم فأهراقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل،

ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، وقال‏:‏ ‏(‏إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم‏)‏ وقال أحمد أيضاً عن عبد اللّه بن عمر قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بالحجر‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم‏)‏ ‏"‏أصل هذا الحديث مخرج في الصحيحين‏"‏‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإلى ثمود‏}‏ أي ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحاً ‏{‏قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره‏}‏، فجميع الرسل يدعون إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة اللّه لكم آية‏}‏، أي قد جاءتكم حجة من اللّه على صدق ما جئتكم به، وكانوا هم الذين سألوا صالحاً أن يأتيهم بآية، واقترحوا عليه بأن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم، وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاتبة، فطلبوا منه أن يخرج لهم منها ناقة عشراء تمخض، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم اللّه إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه، فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، قام صالح عليه السلام إلى صلاته ودعا اللّه عزَّ وجلَّ، فتحركت تلك الصخرة، ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء، يتحرك جنينها بين جنبيها، كما سألوا، فعند ذلك آمن رئيسهم جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره، وأقامت الناقة وفصيلها بعدما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوماً، وتدعه لهم يوماً، وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها، فيملأون ما شاءوا من أوعيتهم وأوانيهم، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم‏}‏، وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها لأنها كانت تتضلع من الماء، وكانت على ما ذكر خلقاً هائلاً ومنظراً رائعاً، إذا مرت بأنعامهم نفرت منها، فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح النبي عليه السلام عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال‏:‏ إنهم اتفقوا كلهم على قتلها، قال قتادة‏:‏ بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها، حتى على النساء في خدورهن وعلى الصبيان، قلت‏:‏ وهذا هو الظاهر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏فعقروا الناقة‏}‏، فأسند ذلك على مجموع القبيلة، فدل على رضى جميعهم بذلك، واللّه أعلم‏.‏

وذكر ابن جرير وغيره من علماء التفسير‏:‏ أن سبب قتلها أن امرأة منهم يقال لها عنيزة وتكنى أم عثمان، كانت عجوزاً كافرة، وكانت من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام، وكانت لها بنات حسان ومال جزيل، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود، وامرأة أخرى يقال لها صدقة ذات حسب ومال وجمال، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ففارقته، فكانتا تجعلان جعلاً لمن التزم لهما بقتل الناقة فدعت صدقة رجلاً يقال له‏:‏ الحباب، فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة، فأبى عليها، فدعت ابن عم لها يقال له‏:‏ مصدع بن المحيا فأجابها إلى ذلك، ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف وكان رجلاً أحمر أزرق قصيراً يزعمون أنه كان ولد زانية، وقالت له‏:‏ أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة، فعند ذلك انطلق قدار بن سالف و مصدع بن المحيا فاستغويا غواة من ثمود، فاتبعهما سبعة نفر، فصاروا تسعة رهط، وهم الذين قال فيهم اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون‏}‏ وكانوا رؤساء في قومهم، فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها، فطاوعتهم على ذلك، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار بن سالف في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى، فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها، وخرجت بنت غنم عنيزة، وأمرت ابنتها - وكانت من أحسن الناس وجهاً - فسفرت عن وجهها لقدار وزمرته، وشد عليها قدار بالسيف فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها، ثم طعن في لبّتها فنحرها، وانطلق سقبها وهو فصيلها حتى أتى جبلاً منيعاً، فصعد أعلى صخرة فيه ورغا‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس