عرض مشاركة واحدة
قديم 17-04-2013, 03:20 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ فرتونة السوداء و عمر بن عبد العزيز


السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
فرتونة السوداء & عمر بن عبد العزيز

تاريخ عمر بن عبد العزيز .. تاريخ نقي وصفحة بيضاء,

ونبراس لمن أراد أن يرى
كيف يكون الحاكم العادل! عندما تـمت البيعة لأمير المؤمنين
عمر بن عبدالعزيز وهو لها كاره بكى وحوقل واسترجع قائلا:"لاحول ولا قوة إلا بالله!
إنا لله وإنا إليه راجعون". وأحس أنها تبعة كبيرة,

وحمل ثقيل أناخ على كاهله!

تأخذنا سيرة عمر بن عبد العزيز إلى قصة تحتاج
إلى وقفة لأخذ العبرة منها.
كان الخليفة عمر بن عبد العزيز قد ابتكر نظاما رائعا للبريد,

يرسل إليه أفراد الرعية
بموجبه شكاواهم ومظالـمهم من كل بلاد المسلمين وأمصارها الواسعة..
تبدأ حكاية فرتونة السوداء بكتاب رفعته إلى الخليفة في

هذا البريد الذاهب من مصر إلى الشام..
ربما كان كتابا يشبه الآلاف من كتب مماثلة تصل الخليفة

من رعيته فيقرؤها بنفسه..
لكن ربما غرابة كتاب فرتونة وطرافته أعطياه مبررا قويا للخلود..
إذ سجلته أقلام الرواة, وتناقلته كتب التاريخ والسير والتراجم..



فمن هي فرتونة هذه؟ وما هي قصتها؟ وما مضمون رسالتها؟

إنها رسالة من الجيزة بمصر, رسالة من أمة جارية,
رسالة من فرتونة السوداء,
أرسلت بها إلى ولي أمر المسلمين وأميرهم تشتكي فيها سرقة دجاجها
...
فيهرع خليفة المسلمين إلى نجدتها وحماية دجاجها, فقد كتبت واشت
كت في كتابها
لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله-

أن حائط دارها قصيرا متهدما،
يتسوره اللصوص ويسرقون دجاجها، وليس معها مال تنفقه في هذا السبيل.


تصل الرسالة إلى الخليفة في الشام, فيكتب على وجه السرعة كتابين..
الأول إلى واليه على مصر "أيوب بن شرحبيل" يخبره فيه بشكوى فرتونة,
أما الكتاب الآخر فكتبه الخليفة لفرتونة نفسها مطمئنا إياها,
وإليكم ما جاء في هذين الكتابين :


الى والي مصر أيوب بن شرحبيل: بسم الله الرحمن الرحيم.
من عبد الله عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين إلى أيوب بن شرحبيل، سلام الله عليك.
أما بعد، فإن فرتونة السوداء، كتبت تشكو إلي قصر حائطها,
وأن دجاجها يسرق منها، وتسأل تحصينه لها،
فإذا جاءك كتابي هذا، فاركب إليها بنفسك وحصنه لها ".


وكتب إلى فرتونة: بسم الله الرحمن الرحيم.
من عبد الله عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين إلى فرتونة السوداء:
سلام الله عليك، أما بعد، فقد بلغني كتابك وما ذكرت فيه من قصر حائطك،
حيث يقتحم عليك ويسرق دجاجك ... وقد كتبت إلى أيوب بن شرحبيل،
آمره أن يبني لك الحائط حتى يحصنه مما تخافين إن شاء الله
.
يقول راوي القصة: فلمـا جاء الكتاب إلى أيوب بن شرحبيل ركب بنفسه حتى أتى الجيزة
وظل يسأل عن فرتونة حتى وجدها، فإذا هي سوداء مسكينة،

فأعلى لها حائطها.

لنتأمل الآن ما الذي تمنحه لنا الحكاية على قصرها من دروس نفيسة,
لا تخفى على كل ذي لب
...أول تلك الدروس نستقيها مباشرة من معلم الحكاية الأول
الخليفة عمر بن عبد العزيز
ليعلمنا فيه أن إحقاق الحق وإعادة ميزان
العدل إلى نصابه
الصحيح تطلب خطوتين لإتمامه ...
أما الأولى فإلى المقصرين ذوي العلاقة والشأن بشكل مباشر بصفتهم الشخصية
والوظيفية لإصلاح ما وقع من ظلم أو تقصير ضمن حدود مسؤولياتهم.

وأما الخطوة الثانية وهي الأهم فلصاحبة الشكوى لتطمئن نفسها
بوصول رسالتها وسماع تظلمها.


الدرس الثاني سنأخذه من والي مصر.. في تلقفه أمر الخليفة بحس إنساني
راق وتحمله المسؤولية بشكل مباشر, وهو الذي كان بمقدوره أن ينتقي خيارات أخرى
أيسر له لكنه آثر إلا أن يتجشم عناء السفر, ويخوض وعثاءه بنفسه إلى الجيزة ويضنيه
البحث حتى تسنى له أخيرا أن يجد العجوز ويتولى أمر بناء حائطها بشكل فوري ومباشر..


أما بطلة الحكاية.. فرتونة فستعطينا بنفسها درسا رائعا في الثقة واليقين والصبر..
لنأخذ عنها اطمئنانها العالي إلى حاكم إذا طلبته وجدته قريبا منها رغم ما بينهما من تباعد في الديار..
ولنسأل.. من أين لعجوز مسكينة مثلها كل ذلك اليقين المطلق الذي جعلها تعول على عدل بعيد
سيقطع لها المسافات ويذلل لها الصعاب من أجل أن يعيد لها حقا سلب منها ويهبها حياة آمنة تليق بها؟
كأنها عرفت مسبقا أن في ذلك استحقاقا لها لا منة فيه عليها لأحد... نحن لا نعرف كم من الوقت
والجهد تطلب اكتمال بناء جدارها المهدم من جديد منذ أن أرسلت كتابها حتى أمنت تماما على دجاجها
المسروق من اللصوص، فالروايات لا تذكر لنا ذلك..لكن انظروا باحترام إلى تلك الثقة العالية
التي تشربت كيان تلك العجوز إلى الحد الذي جعلها تجزم رغم طول الزمن وبعد المسافات
باسترجاع حقها الضائع دون حاجة إلى تزلف منها أو تذلل حتى إلى الخليفة ذاته الذي
أرسلت إليه بكتابها تستصرخه لنجدتها.. لكن كيف لها ألا تثق بعدل حاكم كان يأمر بنثر القمح
على رؤوس الجبال لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين؟ كيف لها ألا تأمل خيرا من حاكم
حصن أسوار دولته المترامية الأطراف بالعدل وحده..فرتعت الذئاب مع الشياه في مرعى واحد..
فلمـا أكل ذئب إحدى الشياه عرفت الرعية حينها أن حاكمهم هذا قد مات من فوره!.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس