عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-2014, 02:29 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : مسؤولية الكلمة‎

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله
خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
مسؤولية الكلمة
والتي تحدَّث فيها عن الكلمة وآثارها السيئة في المُجتمع المسلم، وبيَّن عِظَم قدرها،
موجِّهًا نصائح لعموم المسلمين بوجوب التنبُّه لما يُخرِجه المرءُ من لسانه؛
فإن قومًا زعموا أنهم يمزحون بكلامٍ يسيرٍ كفَّرهم الله بعد إيمانهم،
كما أوردَ الآيات والأحاديث المُحذِّرة من ذلك.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الحمد لله، الحمد لله ذي الجلال والجمال والكمال، والحمد لله العظيم الكبير المُتعال،
أحمدُه تعالى حمدًا طيبًا مُباركًا فيه، مُردَّدًا بالغدُوِّ والآصال،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عظُم حلمُه، وتمَّ حكمُه،
وأحاطَ بكل شيءٍ علمُه
{ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }
[ الرعد: 13 ]
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه كريمُ السجايا شريفُ الخِصال،
صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه وصحبِه خيرِ صحبٍ وآل.
أمابعد ....
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله العظيم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
[ الأحزاب: 70، 71 ].
أيها المسلمون
تختلفُ آراءُ الناس وأفهامُهم، وتتنوَّعُ مشارِبُهم وأهواؤُهم،
وهذا معلومٌ في طبيعة البشر، إلا أن ذلك لا يعنِي إباحةَ الفوضَى بالقول والفِكَر،
ولا الخوضَ في كل شيءٍ لكلِّ أحدٍ.
فلا يُعالِجُ الناسَ إلا طبيب، وإلا أهلكَهم المُتطبِّب، ولا يهدِيهم الطريقَ إلا هادٍ عارفٍ،
وإلا أضلَّهم الدليل، ولا يقول في دين الله إلا عالِمٌ به.
ولما كان القولُ مقدورًا لكل أحد، ونشرُ الكلام مُتاحًا اليوم بلا كبَد،
فقد تجاوَز الناسُ فيه وشُغِلوا به، وانبَرَى بعضُ الخلق يخوضُ في كل شأنٍ،
ويتعرَّضُ لكل أحدٍ، وينشرُ ذلك على الملأ، في زمنٍ تبلغُ الكلمةُ فيه الآفاق في لحظات.
وقد سبقَه من قال قولاً نزلَت فيه آياتٌ لو نزلَت على جبالٍ لهدَّتها،
ففي غزوة تبوك قال بعضُ من ساروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم
في جيش العُسرة: ما رأينا مثلَ قُرَّائنا هؤلاء؛ أرغبَ بطونًا، ولا أكذبَ ألسُنًا،
ولا أجبنَ عند اللقاء !
فبلغَ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فجاؤُوا يعتذِرون إليه ويقولون:
إنما كنا نخوض ونلعبُ، ونقطعُ الطريقَ بالحديث، فنزلَ قولُ الله - عز وجل -:
{ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }
[ التوبة: 65، 66 ].
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال:
( أنا رأيتُه مُتعلِّقًا بحقَب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنكبُه الحجارة،
وهو يقول: يا رسول الله! إنما كنا نخوضُ ونلعب.
ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
{ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ })
أيها المسلمون:
إنها لآياتٌ يفزعُ لها القلب، ويقشعِرُّ لها البدن،
لو تأمَّلها المسلمُ لهزَّت وجدانَه تحذيرًا من هول ما جاءَت به؛
فإن الله تعالى هو الذي قال:
{ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }
فأثبتَ لهم إيمانًا سابقًا، وخروجًا للجهاد،
وكفرًا بمقالةٍ زعموا أنها لمجرَّد اللهو وتمضِيةِ الوقت.
وإن الظاهر من مقالتِهم أن لم يستهزِئُوا صراحةً من ذاتِ الله تعالى ورسولِه،
وإنما بحمَلَة آيات الله ورسولِه، الساعِين في سبيل رِفعةِ دينه وبلاغ رسالاته؛
فكأنَّ المقصود هو ما حمَلوا، والمُستهدَفَ ما به تميَّزوا،
ومن هنا جاءَت الآيات بأن الاستِهزاءَ بالله وآياتِه ورسولِه
لا بأفرادِ المسلمين وأشخاصِهم.
وإنك ترى اليوم تساهُل الناس في كتابة المقالات، وتناقُل العبارات،
وصدور التعليقات، ورصف الكلمات، مع ما تحوِيه من عظائِم الأمور،
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
( إن العبدَ ليتكلَّم بالكلمة ما يتبيَّن فيها يهوِي بها في النار
أبعدَ ما بين المشرقِ والمغربِ )
مخرَّج في الصحيحين.
وفي روايةٍ عند البخاري:
( لا يُلقِي لها بالاً )
فيا عجبًا لمن جعل الجُرأةَ على الشريعة أو حمَلَتها مصدرَ تسليةٍ أو تندُّر،
أو بلوغَ هوى نفسٍ، أو تصفِية حسابات. أين هم من الوعيد الشديد:
{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
[ ق: 18 ]
وإذا كان هذا يحصُلُ من أفرادٍ؛ فكيف يُقبَلُ من صُحُفٍ سيَّارة، أو منابِر إعلامٍ جرَّارة؟!
إن للكلمة مسؤوليَّتها، وإن انفِلات القول والفِكر مُؤذِنٌ بعقابٍ ليس أقلَّه النِّزاعُ
والشِّقاقُ وإيغارُ الصدور، واحتِقانُ النفوس مما يشُقُّ الصف، وينقُضُ اللُّحمةَ الوطنيَّة،
ويُشتِّتُ المُجتمع، ثم لا تسَلْ عما بعد ذلك!
عباد الله :
إن الذي يلحَقُه الذمُّ، وينطبِقُ عليه الوعيد هو من يُكابِرُ ويُجادِلُ عن معصيتِه وهواه،
ويُعارِضُ حُكمَ الله وشرعَه بعقلِه ورأيه، وينصِبُ نفسَه لنقض عُرى الإسلام،
وحربِ كل فضيلةٍ لا تُوافِقُ هواه، والدعوة لكل ما تشتهِي نفسُه وتهواه،
مُقتديًا بالفلاسِفة القُدماء في اتباع عقلِه فيما يُحسِّنُه ويُقبِّحُه، حتى يتِيهَ في بَيداءِ الهوى،
وظُلمة الضلال، كالكوزِ مُجخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكرًا إلا ما أُشرِب من هواه.
وهذا هو من عناه النبي - صلى الله عليه وسلم :
في حديثِ حُذيفة - رضي الله عنه - المُخرَّج في "الصحيحين" -:
( دُعاةٌ على أبوابِ جهنَّم، من أجابَهم إليها قذَفُوه فيها
قلتُ: يا رسول الله ! صِفهم لنا،
قال: هم من جِلدتنا ويتكلَّمون بألسِنَتنا )
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
( إنه سيخرُجُ في أمَّتي أقوامٌ تَجَارَى بهم تلك الأهواء
كما يتَجَارَى الكلَبُ بصاحبِهِ لا يبقَى منه عِرقٌ ولا مِفصلٌ إلا دخلَه )
رواه أبو داود.
وإذا اعتادَت النفسُ الرَّضاعَ من الهوى، فإن فِطامَها عسيرٌ !
والواجبُ في أمورِ الشريعة الردُّ إلى الله ورسولِه،
وإلى أُولِي العلم الذين يستنبِطُونَ حُكمَ الله من وحيِه.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
[ إن الناسَ لا يفصِلُ بين النزاعَ إلا كتابٌ مُنزَّلٌ من السماء،
ولو رُدُّوا لعقولِهم فلكل واحدٍ منهم عقل ]
فالتقحُّمُ بجهلٍ في مسائل العلم مذموم
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ }
[ الحج: 8 ]
ومن تكلَّم في غيرِ فنِّه أتَى بالعجائِب.
ورحِمَ الله من قال:
[ لو سكَت من لا يعرِفُ لقلَّ الخِلافُ ]
عباد الله:
ولما كان مدارُ هذا الأمر على اللسان والكلام، والتعبير بالقلَم والبيان؛
فقد توافَرَت التوجيهات الربانية والنصائحُ النبوية بما لا يدَعُ لأحدٍ عُذرًا؛
ذلك أن الكلامَ تُرجمانٌ يُعبِّرُ عن مستوياتِ الضمائِر، ويُخبِرُ بمكنوناتِ السرائر،
لا يُمكنُ استِرجاعُ بوادِرِه، ولا يُقدَرُ على ردِّ شوارِدِه.
فحقٌّ على العاقِل أن يحترِزَ من زلَلِه بالإمساكِ عنه أو الإقلال منه،
والصمتُ بسلامةٍ هو الأصل، والسكوتُ في وقتِه صفةُ الرِّجال،
كما أن النطقَ في موضعِه من أشرفِ الخِصال
وفي الحديث:
( كفَى بالمرء كذِبًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمِع )
رواه مسلم.
قال عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه -:
[ من كثُر كلامُه كثُر سقَطُه، ومن كثُر سقَطُه كثُرت ذنوبُه،
ومن كثُرت ذنوبُه فالنارُ أولَى به ]






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس