عرض مشاركة واحدة
قديم 23-01-2009, 01:51 AM   رقم المشاركة : 12
أنا راحل
( ود جديد )
 





أنا راحل غير متصل










10

بدأ الصباح بزيارة من ماجد.

جاء من دون كوبه الشهير، يحمل لي أخبارا ً عن صراع جديد يدور في الإدارة.

لم يكن الصراع جديدا ً تماما ً، هذا ما انتبهت إليه وماجد يمضي في تفاصيل الأحداث، وإنما كان فصلا ً في صراع طويل بين رئيس الصيانة وغريمه رئيس مراقبة الجودة، وهو صراع لا يذكر أحد متى بدأ، وإن كان الجميع متأكدين أنه يعود إلى أيام حاتم، إن لم يكن أقدم.

سبب الصراع غير معروف تماما ً، وإن كان ماجد يجزم بأنه بدأ بشكوى قدمها رئيس الجودة لحاتم على قسم الصيانة، فيما يصر سليمان أن تلك الشكوى لم تكن البداية، وإنما كانت هناك أمور أقدم دارت بين الغريمين.

كانت الشكوى التي تحدث عنها ماجد تتعلق بتأخر كبير – شهور ثلاثة - في توفير أجهزة مهمة طلبها قسم مراقبة الجودة، وقام رئيس الصيانة بخبث بتحويل الطلب إلى أحد موظفيه المهملين، وما بين تأخر الموظف في إنجاز المعاملة لإهماله وتغيبه بين حين وآخر، والأخطاء النظامية التي كان يقع فيها مما يجعل رئيس القسم يعيد إليه المعاملة في كل مرة، مرت شهور أغاظت رئيس الجودة وجعلته يلجأ إلى حاتم.

وكعادته طلب حاتم الاثنين في اجتماع عاجل، جاءه رئيس الصيانة مدججا ً بالأوراق الرسمية التي تثبت أن التأخير سببه إهمال الموظف والأخطاء النظامية في المعاملة، فلم يكن أمام حاتم سوى أن يوقع عقوبة على الموظف المهمل، ويطلب تحويل المعاملة إلى موظف آخر، وينتهي الاجتماع بابتسامة رئيس الصيانة الخبيثة، وغيظ رئيس الجودة.

وكان على رئيس الجودة أن ينتظر نهاية السنة، ليقدم عندها التقييم المعتاد لجودة العمل في أقسام الإدارة المختلفة، ولكن تقييمه هذه المرة لقسم الصيانة جاء مدققا ً، ومفصلا ً لدورة العمل في القسم، مشاكله، مدعما ً بأوراق حصل عليها من داخل القسم بطريقة غير معروفة، مما جعل حاتم يتدخل في القسم ويبقيه تحت إدارته المباشرة لعدة شهور، مع الكثير من التعديلات التي لم تعجب رئيس الصيانة وإن تقبلها بصبر عجيب.

وكان على هذين أن ينتظرا انتقال حاتم، وأن يتوافقا مع رؤساء الأقسام الأخرى من بعده – وهي المرة الأولى والأخيرة التي يتفق فيها كل هذا الخليط المتنافر – على أن يتولى الأستاذ ( محمد) أو ( أبو نايف) الإدارة، ليستأنفا معاركهما في ظل طيبة وتعامل ( أبو نايف) المتسامح.

كان ماجد متحمسا ً ويروي بطريقته الغريبة والتي تملؤها التفاصيل غير اللازمة، والإحالات التي يضطر إلى الخروج عن الموضوع لشرحها عندما يكتشف عدم إلمام السامع بها، هذا غير أسلوبه في العودة في كل مرة لنقطة ماضية للإضافة لها أو تعديلها، مما يجعل أي حكاية يرويها مفتوحة دائما ً لأي تعديلات ممكنة، تشمل أحيانا ً تعديل الشخصية المحورية.

- .... طبعا ً رفضا هذا الحل، وقال عبد العزيز – هذا رئيس الجودة – بأنه لا يمكنه إخلاء المكان، وأن موظفيه يحتاجون كل المساحة، رغم أني رأيت الغرفة ولم يكن فيها على اتساعها سوى مكتبين فارغين، عاد صالح – وهذا رئيس الصيانة - إلى ( أبي نايف) من جديد، لا استغفر الله، كان فيها ثلاثة مكاتب، خلطت بينها وبين غرفة أخرى، المهم أن عبد العزيز قام بنقل عاجل لبعض الموظفين إلى الغرفة، وكذلك آلة التصوير الكبيرة، ليثبت حاجته للغرفة واستخدامه لها، المهم ذهب عبد العزيز إلى ( أبي نايف) وهدده بأن الأجهزة ستلقى في الممرات عند وصولها ولن يكون هناك مكان لتخزن فيه – المقصود هنا طبعا ً صالح وليس عبد العزيز، ولكن ماجد لم ينتبه لخطئه بعد -، عاد ( أبو نايف) ليقترح وضعها في الغرفة الشمالية، فرفض عبد العزيز، أقصد صالح – وها قد صححه -، لأن الغرفة بعيدة وغير مهيأة، وإن أردت الحق فالغرفة مناسبة وكبيرة، والأجهزة ستوضع هناك للتخزين وليس للاستخدام اليومي، فلذا لا مشكلة لو كانت الغرفة بعيدة قليلا ً، ولكن كما قلت لك الأمر كله عناد بين صالح وعبد العزيز...

* * *

انتهت حكاية ماجد فغادر – لعله يدرك شخصا ً آخر في الإدارة لم يسمع بالحكاية فيرويها له – ولكنه استل في طريقه أحد مغلفات الشاي من العلبة الكبيرة – يبدو أن كوبه استحق امتلاء ً جديدا ً بعد كل هذا الهذر -.

عدت لأوراقي التي اقتنصني ماجد من بينها.

فهد: وااو... ما كل هذه الصراعات؟

أنا: هذا هو الوضع الطبيعي، لا أذكر أنه كانت هناك فترة بلا صراعات، أو حروب معلنة أو غير معلنة.

فهد: كيف يمكنك التعايش مع هذا الوضع؟

أنا: وما شأني أنا؟ أنا لست طرفا ً في أي صراع والحمد لله.

فهد: لا تحتاج إلى أن تكون طرفا ً في أي صراع لتتأثر به، هذه الصراعات تدور في الإدارة التي تعمل فيها، فلذا عندما ينشب صراع بين رئيس الصيانة ورئيسك ستجد نفسك بكل بساطة بلا صيانة، ومعرض للعطل في أي لحظة، حتى في الصراعات التي تدور في الأقسام الأخرى، إن مجرد العمل في جو مشحون بالصراعات والدسائس والمؤامرات لأمر مقلق للروح والعقل، وقد تجد نفسك في أي لحظة مشتركا ً من غير إرادتك في إحدى المواجهات.

أنا: هذا صحيح، فلذا أنا أقوم بعملي فقط، وأقوم به على أفضل وجه ممكن، وأبقي نفسي على مسافة مناسبة من الجميع، بحيث لا يمكن لأحد أن يشركني في صراعاته.

فهد بسخرية: وتردد اللهم سلم سلم.

أنا: وماذا تريد مني أن أفعل؟ أعقد اجتماعا ً تربويا ً أحض فيه رؤساء الأقسام والموظفين على التعاون بدلا ً من الصراع؟

فهد: ربما... وربما تحتاج هذه الإدارة إلى مدير آخر من طراز حاتم.

أنا: أعوذ بالله، هذا وأنا أحمد الله أني لم أعاصره.

فهد: وماذا تعرف عنه؟ هاه؟ لا شيء... فقط ما ينقله لك هؤلاء الموظفين المستمتعين بالكسل والفوضى، وهم كما أرى لن يمتدحوا من سيفرض عليهم النظام والدقة والإنجاز، إذا أردت أن تعرف الرجل حقا ً فألق بكل ما قالوه لك عنه، ألق بكل آرائهم، بكل حكاياتهم التي صاغوها عنه في غيابه، ألقها كلها، لأنك لن تراه عندها إلا من خلال عيونهم، من خلال أهوائهم، من خلال ما يريدونه هم منه، لا ما كان، وعندما تتخلى عن كل هذا التراث المتراكم، المشوه، المتناقل، يمكنك عندها أن تقترب من الرجل من خلال آثاره، ستجد لمساته في كل شيء في هذه الإدارة، أبحث في الأنظمة التي صيغت في عهده، أبحث في المشاريع التي أدارها، وقارن بين حالها عندما كان موجودا ً، وحالها بعدما غادر وتركها لهؤلاء، وبعدما تستوفي بحثك هذا، يمكنك عندها أن تقول بأنك عرفت عنه شيئا ً، ويمكنك حينها أن تقر بأنه كان مديرا ً جيدا ً، وإن كان صارما ً، أو تقر معهم بأنه كان ( علة باطنية).

* * *

شغلني ما قاله فهد، فتوقفت عن تقليب ورقتي الصغيرة والعبث بحوافها، ونهضت إلى خزانة حشرت في إحدى زوايا الغرفة، وفتحت بابها الخشبي - الذي كسرت إحدى مفاصله في واحدة من مزحات سليمان الثقيلة مع زميلنا البدين عيسى، والتي تنتهي غالبا ً بخروج عيسى حانقا ً تصحبه شتائم لاذعة من سليمان – ، وانتقيت منها ثلاثة ملفات قديمة تغص بأوراق إدارية مختلفة تعود إلى عهد حاتم.

بدأت بتقليب الملف الأول والذي كان يضم القرارات الإدارية التي صدرت في تلك الفترة، التكليفات الرسمية، التوجيهات التي تطال كثيرا ً من تفاصيل العمل في القسم، الإنذارات، كنت أقفز عدة أوراق ثم انهمك بقراءة ورقة صيغت صياغة حسنة وكأنها كتبت بيد خبير قانوني، يحدد من المسئول عن من، ومن المسئول عن ماذا.

تناولت الملف الثاني لأجد نفسي غارقا ً في محاضر اجتماعات توثق تاريخ الاجتماع والحضور والنقاط التي تناولها، والنتائج التي خلص إليها، ثم مرفق بها كل ورقة لها علاقة بالاجتماع أو كانت من نتائجه ولو بعد حين.

مبهورا ً تناولت الملف الثالث لأجد فيه أكداسا ً من إجراءات العمل في الإدارة، ودورة العمل، ووصفا ً لمهام فرق العمل في عدد من المشاريع القائمة في حينها.

كانت الإدارة بين يدي الآن، كان يمكنني فهم أي مشروع، الهدف منه، ومراحله، والمشاكل التي مر بها، ونتائجه، بمجرد تقليب هذه الأوراق، كان بين يدي كنز من المعلومات المهمة والمفيدة لأي موظف في الإدارة، ولكنه كنز تُرك ليعلوه الغبار في هذه الملفات الكئيبة.

للمقارنة انتقيت أحد الملفات الحديثة وبدأت بتقليب أوراقه، كان خليطا ً متنافرا ً من الأوراق، كان يضم خطابات مختلفة، مع بعض القرارات الإدارية، مع محاضر اجتماعات لمشاريع متعددة، كان عبارة عن مجموعة أوراق إدارية بلا هوية واضحة، وبلا هدف، وضعت في هذا الملف لمجرد الحفظ، وتحسبا ً للحاجة لها في يوم من الأيام.

* * *

كان رأسي مثقلا ً عندما نهضت من قيلولتي المشحونة بأحلام ميتة – كتبت ذات يوم فيما بدا لي كشفا ً عظيما ً حينها ما معناه، كل الأحلام التي تذوب وتختفي في لحظات اليقظة الأولى مخلفة شعورا ً غامضا ً، هي أحلام ميتة، عوالم آفلة من الصور والأصوات الغامضة التي لا يمكنني استعادتها، أما الأحلام التي تبقى فهي أحلام حية، يمكنني استعادتها لو أردت، ما دامت موجودة في ذهني، وكل ما علي فعله أن أتمسك بها في لحظات النعاس لأجدها في اللجة الناعمة، ولكني بعد محاولات طويلة ومرهقة فشلت فيها في استعادة حلم وحيد وبسيط، كنت أمشي فيه وسط ممر طويل مشجر وممتد، صرفت الفكرة عن استعادة أحلام أعقد وأكثر ثراء ً بحيث بدا أحدها كحياة أخرى عشتها ذات يوم -.

كانت لينا قد أعدت الغداء، ولأنني كنت مثقلا ً، ولأنها كانت مشغولة باختبار ما، بحيث وزعت لقيماتها بين صفحات مذكرة وضعتها مطوية إلى جانبها، مر الغداء بصمت كئيب.

قطعت صمتي عندما انتهينا وعدت بيدين مبللتين وكوب الشاي العتيد، وكانت هي لا تزال مدفونة بين صفحات المذكرة:

أنا: لديك ِ امتحان غدا ً؟

لينا: امممممم.

أنا: وكيف استعدادك ِ له؟

لينا: لا أدري، درجتي في الامتحان الأول كانت منخفضة، وأحتاج إلى التعويض حتى لا أحمل المادة.

عدت إلى الصمت عندما لم أجد شيئا ً أقوله، واكتفيت بتمرير أصابعي على زجاج الكوب المحرق، وتأمل ملامح لينا الغارقة وشفتيها اللتين ترددان الكلمات بخفوت.

فهد: آآآآه... كم أشعر بحاجتي للتثاؤب عندما استمع لأحاديثكما معا ً.

أنا بسخرية: آسف لأننا لا نتحاور كما تريد.

فهد: أنتما لا تتحاوران أصلا ً، أنا قلت حديثكما ولم أقل حواركما، فما يدور بينكما لا يرقى لأن يكون حوارا ً، وإنما مجرد أحاديث، جزء منها ( أحاديث معيشية)، وأجزاء أخرى ليست إلا ثرثرة عن ما يدور لكما أو حولكما، ليس لديكما ذلك النوع من الحوار الذي يناقش فكرة أو حدث منفصل عنكما، وليس لديكما ذلك النوع من البوح الفكري الذي تعبران فيه عن أفكاركما، ولا ذلك البوح العاطفي الذي تعبران فيه عن عواطفكما وما تشعران به.

أنا: وماذا في ذلك؟ الحوار الذي تطمح إليه وتتحدث عنه يحتاج إلى محاور يقترب مستواه الثقافي من مستواي، وإلا فلا معنى ولا جدوى منه، ولينا ليست هذا المحاور فلذا الحوار معها حول موضوع ثقافي أو فكري لن يكون إلا سردا ً للأفكار من جانبي، أما البوح العاطفي فأظن أننا نستعيض عنه بوسائل أخرى، فخجل لينا يجعل استخدامنا للكلمات محدودا ً.

فهد: ولكن هذا يعني أن أقرب شخص لك افتراضيا ً، بعيد عن جزء كبير من حياتك، لا يمكنه الوصول إلى أفكارك، لا يمكنه فهمها، هذا قد يبدو لك الآن أمرا ً عاديا ً ومعقولا ً، فأنت أردتها زوجة لا مفكرة، ولذا كانت مواصفاتك في هذا الاتجاه، ولكن لتفكر بحالكما بعد عشر سنين، تخيل حجم الهوة التي ستفصل بينكما، أنت بعقلك الذي يتطور بسرعة ويقفز قفزات هائلة، وهي بعقلها النامي ببطء، وغير القادر على استخلاص التجارب وتطويرها، هذه الفجوة لن تكون فكرية فقط كما هي الحال عليه الآن، وإنما ستكون مادية أيضا ً، تخيل حجم الفجوة في تربيتكما لأبنائكما، أسلوبك وطريقتك المبنية على أسس نظرية وتجريبية خاصة بك، وأسلوبها الذي سيكون وريثا ً للبيئة التي جاءت منها والتي تعيش فيها، والآن كم مرة ستحتاج فيها أن تصطدم بها وأن تجبرها على انتهاج أسلوبك وطريقتك – فهي لن تقر كل أساليبك -، وقس هذا على كل شيء آخر مادي في حياتكما، هذه الفجوة قد تبتلع زواجكما في النهاية.

أنا: يا لتشاؤمك !!! لماذا تفترض أن عقليتها ستتطور ببطء؟ لا تنسى أنها هي من سيتعامل مع الأبناء بشكل يومي ومباشر، هذا أشبه ما يكون بتدريب وخبرة متنامية، ربما أفضل من خبرتي أنا، من سأكتفي بالتحديق عن بعد والتنظير.

فهد: هل تظن بأنها ستتعامل مع أبنائها كما يتعامل العالم !!! ترصد، تسجل، وتحلل !!! ههههههههههههههه، كل الخبرة التي ستحصل عليها خبرة عملية، خبرة خام، لا يمكن تحويلها إلى نظرية أو فكرة مجردة، ولذا ستجد أنها شبه جديدة مع كل طفل.

أنا: يمكن لي أنا أن أكون عاملا ً مساعدا ً لها في تطوير ذاتها.

فهد: بالتأكيد... دعني أتخيلك قليلا ً، مع كل تلك الهوة التي تفصل بينكما، تتوقف في كل يوم لتعيد تصحيح تصرفاتها وأفكارها حول كل شيء في حياتكما، ودعني أتخيل صبرك الطويل على هذا، ومقاومتها الأكيدة والمحتمة للتغيير، وغضبها من كل هذه الانتقادات التي توجهها لها، أخبرني كم صبرا ً؟ كم لطفا ً؟ كم حلما ً ستحمل في إهابك؟

أنا: أظن أن هذه هي الحياة الزوجية في معناها، محاولة الرجل والمرأة، الزوج والزوجة التوفيق بين اختلافاتهما لصالحهما ولصالح أبنائهما، تقديم التنازلات من هنا وهناك، يسمع الزوج لزوجته، وتسمع هي له، ويمكن للحياة أن تسير.

فهد: وماذا إذا كانت اختلافاتكما أكبر من أن يظلها سقف، ماذا إذا صارت الحياة تنازلات أليمة، هل أنت مستعد لتتحملها؟ لأني أخبرك أنها لن تفعل، وأنك ستسمع تحت سقفك زمجرتها في كل يوم.

أنا: حسنا ً... وما الذي تريدني أن أفعله؟

فهد: اكسر دائرتها المغلقة الآن، تحدث معها، حاورها، سرب لها أفكارك حول كل شيء وأي شيء، وافتح لك دربا ً إلى أفكارها، هذا سيقلص المسافة بينكما، وسيخفف الهوة المنظورة في المستقبل.

أنا: وماذا عن الهوة التي تفصلنا الآن، كيف يمكنني أن أطويها؟ كيف يمكنني أن أحدثها عن أشياء كثيرة وعديدة تشغلني، ولا أشعر بخيبة الأمل للسذاجة الكبيرة التي ستقابل بها أفكاري؟

فهد: هذه الهوة ستكون أكبر منك في يوم ما، وعليك الاختيار إما الآن أو أبدا ً.

رفعت لينا رأسها، وابتسمت:

- ما بك؟

- هه.

- مرت فترة لا بأس بها وأنت صامت وتتأملني، هل هناك شيء؟

- لا... لا... سلامتك.

غادرت غرفة الجلوس، كان كوب الشاي لا يزال يحتفظ بدفئه، ولكني مع ذلك وضعته في حوض المطبخ بشهية ناضبة، وقصدت مكتبي.

كنت متعبا ً بما يكفي لأنبذ أوراق الجد بعيدا ً، وأترك قدمي تحتلان المساحة إياها التي لطالما احتلتها قصيدة ( ذياب الجرادي)، ومخطوطة العم البعيد.