عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2014, 04:42 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏29 ‏:‏ 31‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ‏.‏ ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ‏.‏ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ‏}‏
ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل، أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في قلب الحكم الشرعي مما يعلم اللّه أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا، حتى قال ابن جرير، عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول‏:‏ إن رضيته أخذته وإلا رددت معه درهماً، قال‏:‏ هو الذي قال اللّه عزّ وجلَّ فيه‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‏}‏ وعن علقمة بن عبد اللّه في الآية قال‏:‏ إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة، وقال ابن عباس‏:‏ لما أنزل الله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‏}‏ قال المسلمون‏:‏ إن اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل أموالنا، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكيف للناس‏؟‏‏!‏ فأنزل اللّه بعد ذلك‏:‏ ‏{‏ليس على الأعمى حرج‏}‏ الآية‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏}‏ الاستثناء منقطع كأنه يقول‏:‏ لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها، وتسببوا بها في تحصيل الأموال، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى‏}‏، ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول لأنه يدل على التراضي نصاً بخلاف المعاطاة فإنها قد لا تدل على الرضا، وخالف الجمهور في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي، فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعاً، فصححوا بيع المعاطاة مطلقاً، ومنهم من قال‏:‏ يصح في المحقرات وفيما يعده الناس بيعاً، وهو احتياط نظر من محققي المذهب واللّه أعلم‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ {‏إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏}‏ بيعاً أو عطاء يعطيه أحد أحداً،
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏البيع عن تراض، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلماً‏) ‏"‏أخرجه ابن جرير وهو حديث مرسل هذا حديث مرسل، ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا‏)‏،وفي لفظ البخاري‏:‏ ‏(‏إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا‏)
‏، وذهب إلى القول يمقتضى هذا الحديث أحمد والشافعي وأصحابهما وجمهور السلف والخلف، ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة ايام، بحسب ما يتبين فيه حال البيع ولو إلى سنة في القرية ونحوها كما هو المشهور عن مالك رحمه اللّه، وصححوا بيع المعاطاة مطلقاً وهو قول في مذهب الشافعي، ومنهم من قال‏:‏ يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعاً، وهو اختيار طائفة من الأصحاب كما هو متفق عليه‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أنفسكم‏}‏ أي بارتكاب محارم اللّه وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل ‏{‏إن اللّه كان بكم رحيما‏}‏ أي فيما أمركم به ونهاكم عنه‏.‏
عن عمروا بن العاص رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ لما بعثه النبي صلى اللّه عليه وسلم عام ذات السلاسل قال‏:‏ احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال‏:‏ فلما قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال‏:‏ ‏(‏يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فذكرت قول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً‏}‏ فتيممت ثم صليت، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يقل شيئاً ‏"‏رواه أحمد وأبو داود‏"‏وأورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً‏)‏، وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة‏)‏ وفي الصحيحين ايضاً عن جندب بن عبد الله البجلي قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح فأخذ سكيناً نحر بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال اللّه عزَّ وجلّ‏:‏ عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة‏(ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً‏}‏ أي ومن يتعاطى ما نهاه اللّه عنه معتدياً فيه، ظالماً في تعاطيه، أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه ‏{‏فسوف نصليه ناراً‏}‏ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تجتنبوا كبارئر ما تهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم‏}‏ الآية‏.‏ أي إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها، كفرنا عنكم صغائر الذنوب وأدخلناكم الجنة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولنخلكم مدخلاً كريماً‏}‏، وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر‏.
‏ قال أبو جعفر بن جرير عن صهيب مولى الصواري، أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد يقولان‏:‏ خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوماً فقال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏)‏ ثلاث مرات ثم أكب فأكب كل رجل منا يبكي لا ندري ماذا حلف عليه، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر فكان أحب إلينا من حمر النعم فقال‏:‏ ‏(‏ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة ثم قيل له ادخل بسلام‏)‏"‏رواه النسائي والحاكم وابن حبان‏"‏
تفسير هذه السبع ‏:‏ وذلك بما
ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اجتنبوا السبع الموبقات‏)‏ قيل‏:‏ يا رسول اللّه وما هن‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الشرك باللّه وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات‏)‏فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر، لا ينفي ما عداهن إلا عند من يقول بمفهوم اللقب، وهو ضعيف عند عدم القرينة، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن أبي أيوب قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من عبد اللّه لا يشرك به شيئاً، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وصام رمضان واجتنب الكبائر فله الجنة - أو دخل الجنة - فسأله رجل ما الكبائر‏؟‏ فقال‏:‏ الشرك باللّه وقتل نفس مسلمة، والفرار من الزحف‏)‏ وكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهل اليمن كتاباً فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم وكان في الكتاب‏:‏ إن أكبر الكبائر عند اللّه يوم القيامة‏:‏ إشراك باللّه، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل اللّه يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن مردويه‏"‏ حديث آخر فيه ذكر شهادة الزور ‏:‏ عن أنس بن مالك قال‏:‏ ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال‏:‏ ‏(‏الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين‏)‏، وقال‏:‏ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر‏؟‏ قلنا‏:‏ بلى، قال‏:‏ ‏(‏الإشراك بالله، وقول الزور - أو شهادة الزور - ‏)‏ وأخرجه الشيخان من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏الا أنبئكم بأكبر الكبائر‏)‏‏؟‏ قلنا‏:‏ بلى، يا رسول اللّه، قال‏:‏ ‏(‏الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس، فقال‏:‏ ‏(‏الا وشهادة الزور، ألا وقول الزور‏)‏، فما زال يكررها حتى قلنا‏:‏ ليته سكت‏
.‏
حديث آخر فيه ذكر قتل الولد ‏:‏
عن عبد اللّه بن مسعود قال، قلت‏:‏ يا رسول اللّه أي الذنب أعظم‏؟‏ وفي رواية أكبر‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تجعل للّه نداً وهو خلقك‏)‏، قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك‏)‏ قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أن تزاني حليلة جارك‏)‏، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏والذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر - إلى قوله - إلا من تاب‏}
‏"‏الحديث في الصحيحين‏"‏
حديث آخر في اليمين الغموس ‏:
قال ابن أبي حاتم، عن عبد اللّه بن أنيس الجهني عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أكبر الكبائر الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين، واليمني الغموس، وما حلف حالف باللّه يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا كانت وكتة في قلبه إلى يوم القيامة‏)حديث آخر في التسبب إلى شتم الوالدين‏:‏ عن عبد اللّه بن عمر قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏)‏من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه‏)‏ قالوا‏:‏ وكيف يلعن الرجل والديه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه‏) ‏"‏رواه البخاري ومسلم‏"‏وثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر‏)‏
حديث آخر ‏:
عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏الإضرار في الوصية من الكبائر‏)‏، قال ابن أبي حاتم‏:‏ هو صحيح عن ابن عباس من قوله حديث آخر في ذلك ‏:‏ قال ابن جرير عن أبي أمامة‏:‏ أن أناساً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكىء فقالوا‏:‏ الشرك باللّه، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين، وقول الزور، والغلول، والسحر، وأكل الربا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏فأين تجعلون الذين يشترون بعهد اللّه وايمانهم ثمناً قليلاُ‏)‏‏؟‏ إلى آخر الآية ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ في إسناده ضعف وهو حسن‏"‏
ذكر أقوال السلف في ذلك قال ابن جرير عن الحسن‏:‏ أنا ناساً سألوا عبد اللّه بن عمرو بمصر، فقالوا‏:‏ نرى أشاياء من كتاب اللّه عزَّ وجلَّ أمر أن يعمل بها لا يعمل بها، فاردنا أن نلقي أمير المؤمنين في ذلك فقدم وقدموا معه، فلقي عمر رضي اللّه عنه، فقال‏:‏ متىقدمت‏؟‏ منذ كذا وكذا، قال‏:‏ أبإذنٍ قدمت‏؟‏ قال‏:‏ فلا أدري كيف رد عليه‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن ناساً لقوني بمصر، فقالوا‏:‏ إنا نرى أشياء في كتبا اللّه أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك‏.‏ قال فاجمعهم لي قال‏:‏ فجمعتهم له‏.‏ قال ابن عون - أظنه قال في بهو - ‏:‏ فأخذ أدناهم رجلاً فقال‏:‏ أنشدك بالله بحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فهل أحصيته في نفسك‏؟‏ فقال‏:‏ اللهم لا، قال‏:‏ ولو قال نعم لخصمه‏.‏ قال‏:‏ فهل أحصيته في بصرك‏؟‏ فهل أحصيته في لفظك‏؟‏ هل أحصيته في أثرك‏؟‏ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال‏:‏ ثكلت عمر أمه أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله‏؟‏ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات، قال‏:‏ وتلا ‏{‏إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم‏}‏ الآية‏.‏ ثم قال‏:‏ هل علم أهل المدينة‏؟‏ أو قال‏:‏ هل علم أحد بما قدمتم‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ لو علموا لوعظت بكم ‏"‏أخرجه ابن جرير وقال ابن كثير‏:‏ إسناد صحيح ومتن حسن‏"‏
أقوال ابن عباس في ذلك
روى ابن جرير عن طاوس، قال‏:‏ جاء رجل إلى ابن عباس، فقال‏:‏ أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهن اللّه ما هن‏؟‏ قال‏:‏ هن إلى السبعين أدنى منهن إلى سبع، وقال عبد الرزاق قيل‏:‏ لابن عباس الكبائر سبع‏؟‏ قال‏:‏ هن إلى السبعين أقرب؛ وقال ابن جرير عن سعيد بن جبير‏:‏ أن رجلاً قال النب عباس‏:‏ كم الكبائر، سبع‏؟‏ قال‏:‏ هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار‏:‏ ولا صغيرة مع إصرار‏.‏ وعن ابن عباس في قوله ‏{‏إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه‏}‏ قال‏:‏ الكبائر كل ذنب ختمه اللّه بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب‏.‏ وسئل ابن عباس عن الكبائر فقال‏:‏ كل شيء عصي اللّه به فهو كبيرة‏.‏ وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة، فمن قائل‏:‏ هي ما عليه حدّ في الشرع، ومنهم من قال‏:‏ هي ما عليه وعيد مخصوص من الكتاب والسنّة، وقيل غير ذلك‏.‏ قال [1]
أبو القاسم عبد الكريم الرافعي في كتابه الشرح الكبير
‏:‏ ثم اختلف الصحابة رضي اللّه عنهم فمن بعدهم في الكبائر، وفي الفرق بينها وبين الصغائر، ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه أحدها‏:‏ أنها المعصية الموجبة للحد، والثاني ‏:‏ أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنّة، وهذا أكثر ما يوجد لهم وإلى الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر، والثالث ‏:‏ قال إمام الحرمين‏:‏ كل جريمة تنبىء بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة فهي مبطلة للعدالة، والرابع ‏:‏ ذكر القاضي أبو سعيد الهروي‏:‏ أن الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه، وكل معصية توجب في جنسها حداً من قتل أو غيره‏.‏
ثم قال‏:‏ وفصَّل الروياني فقال‏:‏ الكبائر سبع‏:‏ قتل النفس بغير الحق، والزنا واللواطة، وشرب الخمر، والسرقة، وأخذ المال غصباً، والقذف؛ وزاد في الشامل على السبع المذكورة‏:‏ شهادة الزور، أضاف إليها صاحب العدة ‏:‏ أكل الربا، والإفطار في رمضان بلا عذر، واليمين الفاجرة، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم اللاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها بلا عذر، وضرب المسلم بلا حق، والكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمداً؛ وسب أصحابه، وكتمان الشهادة بلا عذر، وأخذ الرشوة، والقيادة بين الرجال والنساء، والسعاية عند السلطان، ومنع الزكاة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر مع القدرة، ونسيان القرآن بعد تعلمه، وإحراق الحيوان بالنار، وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب، واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر اللّه، ويقال الوقيعة في أهل العلم، وحملة القرآن‏.‏ ومما يعد من الكبائر‏:‏ الظهار، وأكل لحم الخنزير، والميتة إلا عن ضرورة‏.‏ قلت‏:‏ وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذهبي الذي بلغ نحواً من سبعين كبيرة، وإذا قيل‏:‏ إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بالنار بخصوصها كما قال ابن عباس وغيره وما يتبع ذلك، اجتمع منه شيء كثير، وإذا قيل‏:‏ كل ما نهى اللّه عنه فكثير جداً‏.‏ واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس