عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2014, 04:39 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏12 ‏:‏ 14‏)‏
{‏ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ‏.‏ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ‏.‏ فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ‏}‏

يقول تعالى مسلياً لرسوله صلى اللّه عليه وسلم عما كان يتعنت به المشركون فيما كانوا يقولونه عن الرسول كما أخبر تعالى عنهم في قوله‏:‏ ‏{‏وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا‏}‏، فأمر اللّه تعالى رسوله صلوات اللّه وسلامه عليه وأرشده إلى أن لا يضيق بذلك منهم صدره، ولا يصدنه ذلك ولا يثنيه عن دعائهم إلى اللّه عزَّ وجلَّ آناء الليل وأطراف النهار، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون‏}‏ الآية، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا‏}‏ أي لقولهم ذلك، فإنما أنت نذير ولك اسوة بإخوانك من الرسل قبلك فإنهم كُذّبوا وأوذوا فصبروا حتى أتاهم نصر اللّه عزَّ وجلَّ، ثم بين تعالى إعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله ولا بعشر سور مثله، ولا بسورة من مثله، لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات، وذاته لا يشبهها شيء، تعالى وتقدس وتنزه، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن لم يستجيبوا لكم‏}‏ أي فإن لم يأتوا بما
دعوتموهم إليه، فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك، وأن هذا الكلام منزل من عند اللّه متضمن علمه وأمره ونهيه ‏{‏وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون‏}‏‏.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏15 ‏:‏ 16‏)‏
‏{‏ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ‏.‏ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ‏}‏

قال ابن عباس‏:‏ إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيراً، يقول‏:‏ من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة لا يعمله إلا التماس الدنيا، أوفيّه الذي التمس
في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله وهو في الآخرة من الخاسرين، وقال أنَس والحسن‏:‏ نزلت في اليهود والنصارى، وقال مجاهد‏:‏ نزلت في أهل الرياء، وقال قتادة‏:‏ من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته، جازاه اللّه بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء؛ وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يرد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏17‏)‏
‏{‏ أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ‏}‏

يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة اللّه تعالى، التي فطر عليها عباده، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأقم وجهك لدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها‏}‏ الآية‏.‏ وفي الصحيحين‏:‏ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه الحديث‏.‏ وفي صحيح مسلم‏:‏ يقول اللّه تعالى إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم على دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم‏.‏ وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ‏.‏ فالمؤمن باق على هذه الفطرة، وقوله‏:‏ ‏{‏ويتلوه شاهد منه‏}‏ أي وجاءه شاهد من اللّه، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة، المختتمة بشريعة محمد صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ ‏{‏ويتلوه شاهد منه‏}‏ إنه جبريل عليه السلام، وعن علي والحسن وقتادة‏:‏ هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكلاهما قريب في المعنى، لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات اللّه عليهما بلغ رسالة اللّه تعالى، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه‏}‏ وهو القرآن بلّغه جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وبلّغه النبي إلى أمته، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قبله كتاب موسى‏}‏ أي ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة ‏{‏إماما ورحمة‏}‏ أي أنزله اللّه تعالى إلى تلك الأمة إماماً لهم، وقدوة يقتدون بها ورحمة من اللّه بهم، فمن آمن به حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك يؤمنون به‏}‏، ثم قال متوعداً لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه، ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏ أي ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض، مشركهم وكافرهم وأهل الكتاب وغيرهم من سائر طوائف بني آدم ممن بلغه القرآن، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لأنذركم به ومن بلغ‏}‏، ‏{‏فالنار موعده‏}‏ كما ورد في الصحيح والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ‏"‏أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري‏"‏، وقال سعيد بن جبير‏:‏ كنت لا أسمع بحديث النبي صلى اللّه عليه وسلم على وجهه إلا وجدت تصديقه في القرآن، فبلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار‏)‏، فجعلت أقول أين مصداقه في كتاب اللّه‏؟‏ حتى وجدت هذه الآية‏:‏ ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏، قال‏:‏ من الملل كلها، وقوله‏:‏ ‏{‏فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك‏}‏ الآية، أي القرآن حق من اللّه لا مرية ولا شك فيه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ولكن أكثر الناس لا يؤمنون‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللّه‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏18 ‏:‏ 22‏)‏
{‏ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ‏.‏ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون ‏.‏ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ‏.‏ أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ‏.‏ لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ‏}‏

يبيّن تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق، كما ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه عزَّ وجلَّ يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له‏:‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال‏:‏ فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول‏:‏ ‏{‏الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة اللّه على الظالمين‏}‏‏)‏ ‏"‏أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن عمر رضي اللّه عنهما‏"‏الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا‏}‏ أي يردون عن اتباع الحق، وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى اللّه عزَّ وجلَّ، ‏{‏ويبغونها عوجا‏}‏ أي ويريدون أن يكون طريقهم ‏{‏عوجا‏}‏ غير معتدلة، ‏{‏وهم بالآخرة هم كافرون‏}‏ أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها، ‏{‏أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء‏}‏ أي بل كانوا تحت قهره وغلبته، وفي قبضته وسلطانه، وهو قادر على الانتقام منهم، ولكنْ ‏{‏يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار‏}‏، وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏إن اللّه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته‏)‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏يضاعف لهم العذاب‏}‏، الآية، أي يضاعف عليهم العذاب، وذلك أن اللّه تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم، بل كانوا صماً عن سماع الحق، عمياً عن اتباعه، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار ‏{‏وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير‏}‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون‏}‏ أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا ناراً حامية، فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كلما خبت زدناهم سعيرا‏}‏، ‏{‏وضل عنهم‏}‏ أي ذهب عنهم، ‏{‏ما كانوا يفترون‏}‏، من دون اللّه من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئا بل ضرتهم كل الضرر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏سيكفرون بعبادتهم ويكون عليهم ضدا‏}‏، وقال الخليل لقومه‏:‏ ‏{‏ثم يوم القيامة يكفر بعضكم لبعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون‏}‏، يخبر تعالى عن مآلهم بأنهم أخسر الناس في الآخرة، لأنهم اعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏23 ‏:‏ 24‏)‏
‏{‏ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ‏.‏ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ‏}‏

لما ذكر تعالى حال الأشقياء، ثَّنى بذكر السعداء، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وبهذا ورثوا الجنات، المشتملة على الغرف العاليات، والقطوف الدانيات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والنظر إلى خالق الأرض والسماوات، وهم في ذلك خالدون لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون ولا يبصقون ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسك يعرقون؛ ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال‏:‏ ‏{‏مثل الفريقين‏}‏ أي الذين وصفهم أولاً بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع، فالكافر أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به، ‏{‏ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم‏}‏، وأما المؤمن ففطن ذكي، بصير بالحق يميز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشر، سميع للحجة فلا يروج عليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا‏؟‏ ‏{‏أفلا تذكرون‏}‏ أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏25 ‏:‏ 27‏)‏
‏{‏ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ‏.‏ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ‏.‏ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ‏}‏

يخبر تعالى عن نوح عليه السلام، وكان أول رسول بعثه اللّه إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه‏:‏ ‏{‏إني لكم نذير مبين‏}‏ أي ظاهر النذارة لكم من عذاب اللّه إن أنتم عبدتم غير اللّه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أن لا تعبدوا إلا اللّه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم‏}‏ أي إن استمررتم على ما أنتم عليه عذّبكم اللّه عذاباً أليماً، ‏{‏فقال الملأ الذين كفروا من قومه‏}‏، والملأ هم السادة والكبراء من الكافرين منهم ‏{‏ما نراك إلا بشرا مثلنا‏}‏،
أي لست بملك ولكنك بشر، فكيف أوحي إليك من دوننا‏؟‏ ثم ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا، ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم
يكن عن فكر ولا نظر، بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك، ولهذا قالوا‏:‏ ‏{‏وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي‏}‏ أي في أول بادئ ‏{‏وما نرى لكم علينا من فضل‏}‏، يقولون‏:‏ ما رأينا لكم
علينا فضلية في خَلْق ولا خُلُق لما دخلتم في دينكم هذا، ‏{‏بل نظنكم كاذبين‏}‏ أي فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة‏.‏ هذا اعتراض الكافرين على نوح عليه السلام وأتباعه، وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم، فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه، سواء
اتبعه الأشراف أو الأراذل، بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق وهم الأشراف ولو كانوا فقراء، والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء‏.‏ والغالب على الأشراف والكبراء مخالفة الحق، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون‏}‏، ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان‏:‏ أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم‏؟‏ قال‏:‏ بل ضعفاؤهم، فقال هرقل‏:‏ هم أتباع الرسل (1)‏، وقولهم بادي الرأي ليس بمذمة ولا عيب، لأن الحق إذا وضح لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال، والرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين إنما جاءوا بأمر جلي واضح، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان في فضائل أبي بكر‏"‏أي ما تردّد ولا تروّى، لأنه رأى أمراً عظيماً واضحاً فبادر إليه وسارع، وقوله‏:‏ ‏{‏وما نرى لكم علينا من فضل‏}‏، هم لا يرون ذلك لأنهم عميٌ عن الحق لا يسمعون ولا يبصرون، بل هم في ريبهم يترددون، وفي الآخرة هم الأخسرون‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس