عرض مشاركة واحدة
قديم 06-06-2014, 02:20 AM   رقم المشاركة : 14
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏88 ‏:‏ 89‏)‏
{‏ وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ‏.‏ قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ‏}‏

هذا إخبار من اللّه تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه، لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ظلماً وتكبراً وعتواً، قال موسى‏:‏ ‏{‏ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة‏}‏ أي من أثاث الدنيا ومتاعها، ‏{‏وأموالا‏}‏ أي جزيلة كثيرة ‏{‏في‏}‏ هذه ‏{‏الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك‏}‏ أي ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك، وليظن من أغويته أنك إنما أعطيتهم هذا لحبك إياهم واعتنائك بهم ‏{‏ربنا اطمس على أموالهم‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أي أهلكها، وقال الضحاك‏:‏ اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت، وقال قتادة‏:‏ بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة، وقوله‏:‏ ‏{‏واشدد على قلوبهم‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي اطبع عليها ‏{‏فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم‏}‏ وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضباً للّه ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم ولا يجيء منهم شيء، كما دعا نوح عليه السلام فقال‏:‏ ‏{‏رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا‏}‏، ولهذا استجاب اللّه تعالى لموسى عليه السلام فيهم هذه الدعوة التي أمَّن عليها أخوه هارون، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏قد أجيبت دعوتكما‏}‏، قال أبو العالية وعكرمة‏:‏ دعا موسى وأمن هارون، أي قد أجبناكما فيما سألتما من تدمير آل فرعون، ‏{‏فاستقيما‏}‏ أي كما أجيبت دعوتكما فاستقيما على أمري، قال ابن عباس‏:‏ فاستقيما‏:‏ فامضيا لأمري وهي الاستقامة، قال ابن جريج‏:‏ يقولون إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة، وقيل‏:‏ أربعين يوماً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏90 ‏:‏ 92‏)‏
‏{‏ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين ‏.‏ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ‏.‏ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ‏}‏

يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده، فإن بين إسرائيل لما خرجوا من مصر وهم فيما قيل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية، اشتد حنق فرعون عليهم، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه، فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده اللّه تعالى بهم، فلحقوهم وقت شروق الشمس، ‏{‏فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون‏}‏، أي كيف المخلص مما نحن فيه‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏كلا إن معي ربي سيهدين‏}‏، فأمره اللّه تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى، وهو في مائة ألف، فلما رأى ذلك هاله، وأحجم وهاب وهمَّ بالرجوع، وهيهات ولات حين مناص، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، وميكائيل في ساقتهم، لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم، فلما استوسقوا فيه وتكاملوا، وهمَّ أولهم بالخروج منه أمر اللّه القدير البحر أن يرتطم عليهم، فارتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو كذلك‏:‏ ‏{‏آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين‏}‏، فآمن حيث لا ينفعه الإيمان ‏{‏فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا‏}‏، ولهذا قال اللّه تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال‏:‏ ‏{‏آلآن وقد عصيت قبل‏}‏ أي أهذا الوقت تقول، وقد عصيت اللّه قبل هذا قيما بينك وبينه‏؟‏ ‏{‏وكنت من المفسدين‏}‏ أي في الأرض، ‏{‏وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون‏}‏، وهذا الذي حكى اللّه تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله، ذلك من أسرار الغيب التي أعلم اللّه بها رسوله صلى اللّه عليه وسلم، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل، عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل - قال، قال لي جبريل‏:‏ لو رأيتني وقد أخذت من حال حال البحر‏:‏ طينه الأسود البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة‏)‏ ‏"‏ورواه الترمذي وابن أبي حاتم وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية‏}‏، قال ابن عباس وغيره من السلف‏:‏ إنَّ بعض بني إسرائيل شكّوا في موت فرعون، فأمر اللّه البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح، ليتحققوا من موته وهلاكه؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاليوم ننجيك‏}‏ أي نرفعك على نشز من الأرض ‏{‏ببدنك‏}‏، قال مجاهد‏:‏ بجسدك، وقال الحسن‏:‏ بجسم لا روح فيه، وقوله‏:‏ ‏{‏لتكون لمن خلفك آية‏}‏ أي لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك، وأن اللّه هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده، وأنه لا يقوم لغضبه شيء، ‏{‏وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون‏}‏ أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون بها، وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما قال ابن عباس‏:‏ قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا اليوم الذي تصومونه‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏(‏وأنتم أحق بموسى منهم فصوموه‏)‏ ‏"‏رواه البخاري عن ابن عباس‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏93‏)‏
‏{‏ ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ‏}‏

يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية، وقوله‏:‏ ‏{‏مبوأ صدق‏}‏ قيل‏:‏ هو بلاد مصر والشام مما يلي بين المقدس ونواحيه، فإن اللّه تعالى لما أهلك فرعون وجنوده، استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها‏}‏، وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏كذلك وأورثناها بني إسرائيل‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏كم تركوا من جنات وعيون‏}‏ الآيات، ولكن استمروا مع موسى عليه السلام طالبين إلى بلاد بيت المقدس، وهي بلاد الخليل عليه السلام فاستمر موسى بمن معه طالباً بيت المقدس، وكان فيه قوم من العمالقة، فنكل بنو إسرائيل عن قتالهم، فشردهم اللّه تعالى في التيه أربعين سنة، ومات فيه هارون، ثم موسى عليهما السلام، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون ففتح اللّه عليهم بيت المقدس، واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حيناً من الدهر، ثم انتزعها الصحابة رضي اللّه عنهم من يد النصارى، وكان فتح بيت المقدس على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وقوله‏:‏ ‏{‏ورزقناهم من الطيبات‏}‏ أي الحلال من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعاً وشرعاً، وقوله‏:‏ ‏{‏فما اختلفوا حتى جاءهم العلم‏}‏ أي ما اختلفوا في شيء من المسائل إلا من بعد ما جاءهم العلم، أي ولم يكن لهم أن يختلفوا، وقد ورد في الحديث‏:‏ أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار‏.‏ قيل من هم يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ما أنا عليه وأصحابي‏)‏، ‏"‏رواه الحاكم بهذا اللفظ وهو في السنن والمسانيد‏"‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن ربك يقضي بينهم‏}‏ أي يفصل بينهم ‏{‏يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون‏}‏‏.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏94 ‏:‏ 97‏)‏
‏{‏ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ‏.‏ ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين ‏.‏ إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ‏.‏ ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم }‏

قال قتادة بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا أشك ولا اسأل‏)‏، وهذا تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلى اللّه عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏} الآية، ثم مع هذا العلم الذي يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم، يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه، ولا يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم‏}‏ أي لا يؤمنون إيماناً ينفعهم، بل حين لا ينفع نفساً إيمانها، ولهذا لما دعا موسى على فرعون وملئه قال‏:‏ ‏{‏فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم‏}‏‏.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏98‏)‏
‏{‏ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ فهلا كانت قرية آمنت بكمالها من الأمم السالفة بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إلا كذبه قومه أو أكثرهم، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا حسرة على العباد ما يأيتهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون‏}‏‏.‏ وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏عرض عليَّ الأنبياء فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس، والبني يمر معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي ليس معه أحد‏)‏ ثم ذكر كثرة أتباع موسى عليه السلام، ثم ذكر كثرة أمته صلوات اللّه وسلامه عليه كثرةً سدَّت الخافقين، والغرض أنه لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وهم أهل نينوى وما كان إيمانهم إلا تخوفاً من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم، بعد ما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم فعندها جأروا إلى اللّه واستغاثوا به وتضرعوا له، واستكانوا، وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا اللّه تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم؛ فعندها رحمهم اللّه، وكشف عنهم العذاب وأخروا‏:‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين‏}‏‏.‏ وقال قتادة في تفسير هذه الآية‏:‏ لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب، إلا قوم يونس لما فقدوا نبيهم، وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف اللّه في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى اللّه أربعين ليلة، فلما عرف اللّه الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏99 ‏:‏ 100‏)‏
{‏ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ‏.‏ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولو شاء ربك‏}‏ يا محمد لأذن أهل الأرض كلهم في الإيمان، ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا‏}‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفأنت تكره الناس‏}‏ أي تلزمهم وتلجئهم، ‏{‏حتى يكونوا مؤمنين‏}‏ أي ليس ذلك عليك ولا إليك ‏{‏ليس عليك هداهم ولكن اللّه يهدي من يشاء‏}‏، ‏{‏إنك لا تهدي من أحببت‏}‏، ‏{‏فإنا عليك البلاغ وعلينا الحساب‏}‏، ‏{‏لست عليهم بمصيطر‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن اللّه تعالى هو الفعال لما يريد، الهادي من يشاء المضل لمن يشاء، لعلمه وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه ويجعل الرجس‏}‏ وهو الخبال والضلال ‏{‏على الذين لا يعقلون‏}‏ أي حجج اللّه وأدلته، وهو العادل في كل ذلك في هداية من هدى وإضلال من ضل‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏101 ‏:‏ 103‏)‏
‏{‏ قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ‏.‏ فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ‏.‏ ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ‏}‏

يرشد تعالى عباده إلى التفكر في آلائه، وما خلق اللّه في السماوات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب، وما أنزل اللّه منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها، وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والأزاهير وصنوف النبات، وما ذرأ فيها من دواب مختلفة الأشكال والألوان والمنافع، وما فيها من جبال وسهول وقفار وعمران وخراب، وما في البحر من العجائب والأمواج، وهو مع هذا مسخّر مذلل للسالكين، بتسخير القدير لا إله إلا هو رب العالمين، وقوله‏:‏ ‏{‏وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون‏}‏ أي‏:‏ وأي شيء تغني الآيات السماوية والأرضية، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها، عن قوم لا يؤمنون، كقوله‏:‏ ‏{‏إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم‏}‏، أي فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام اللّه في الذين خلوا من قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلهم، ‏{‏قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين * ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا‏}‏، أي ونهلك المكذبين بالرسل، ‏{‏كذلك حقا علينا ننج المؤمنين‏}‏ حقاً أوجبه اللّه تعالى على نفسه الكريمة، كقوله‏:‏ ‏{‏كتب ربكم على نفسه الرحمة‏}‏، وكما جاء في الصحيحين‏:‏
‏(‏إن اللّه كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏104 ‏:‏107‏)‏
‏{‏ قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين ‏.‏ وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ‏.‏ ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ‏.‏ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ‏}‏
يقول تعالى لرسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الناس إن كنتم في شك‏}‏ من صحة ما جئتكم به من الدين الحنيف الذي أوحاه اللّه إليَّ، فأنا لا أعبد الذين تعبدون من دون اللّه، ولكن أعبد اللّه وحده لا شريك له، وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم، ثم إليه مرجعكم، فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون اللّه حقاً فأنا لا أعبدها، فادعوها فلتضرني فإنها لا تضر ولا تنفع، وإنما الذي بيده الضر والنفع هو اللّه وحده لا شريك له، وأمرت أن أكون من المؤمنين، وقوله‏:‏ ‏{‏وأن أقم وجهك للدين حنيفا‏}‏، أي أخلص العبادة للّه وحده حنيفا أي منحرفاً عن الشرك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا تكونن من المشركين‏}‏، وهو معطوف على قوله‏:‏ ‏{‏وأمرت أن أكون من المؤمنين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن يمسسك اللّه بضر‏}‏ الآية، فيه بيان لأن الخير والشر والنفع والضر إنما هو راجع إلى اللّه تعالى وحده، روى الحافظ بن عساكر، عن أنَس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات ربكم، فإن للّه نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوه أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وهو الغفور الرحيم‏}‏ أي لمن تاب إليه ولو من أي ذنب كان حتى من الشرك به فإنه يتوب عليه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏108 ‏:‏ 109‏)‏
‏{‏ قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل ‏.‏ واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ‏}‏

يقول تعالى آمراً لرسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يخبر الناس، أن الذي جاءهم به من عند اللّه هو الحق الذي لا مرية فيه، فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفعه على نفسه، ومن ضل عنه فإنما يرجع وبال ذلك عليه، ‏{‏وما أنا عليكم بوكيل‏}‏، أي وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين وإنما أنا نذير لكم، والهداية على اللّه تعالى، وقوله‏:‏ ‏{‏واتبع ما يوحى إليك واصبر‏}‏ أي تمسك بما أنزل اللّه عليك وأوحاه إليك، واصبر على مخالفة من خالفك من الناس ‏{‏حتى يحكم اللّه‏}‏ أي يفتح بينك وبينهم، ‏{‏وهو خير الحاكمين‏}‏ أي خير الفاتحين بعدله وحكمته‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس