عرض مشاركة واحدة
قديم 20-06-2014, 04:46 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏89 ‏:‏ 93‏)‏
‏{‏ وقل إني أنا النذير المبين ‏.‏كما أنزلنا على المقتسمين ‏.‏ الذين جعلوا القرآن عضين ‏.‏ فوربك لنسألنهم أجمعين ‏.‏ عما كانوا يعملون ‏}‏

يأمر تعالى نبيّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقول للناس‏:‏ ‏{‏إني أنا النذير المبين‏}‏ البين النذارة، نذير للناس من عذاب أليم، كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها، وما أنزل اللّه عليهم من العذاب والانتقام، وقوله‏:‏ ‏{‏المقتسمين‏}‏ أي المتحالفين، أي تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذبيهم وأذاهم، كقوله تعالى إخباراً عن قوم صالح إنهم‏:‏ ‏{‏قالوا تقاسموا باللّه لنبيتنه وأهله‏}‏ الآية، أي نقتلهم ليلاً، قال مجاهد‏:‏ تقاسموا وتحالفوا ‏{‏وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت‏}‏، ‏{‏أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم اللّه برحمة‏}‏ فكأنهم لا يكذبون بشيء من الدنيا إلا أقسموا عليه فسموا مقتسمين‏.‏ قال عبد الرحمن بن زيد‏:‏ المقتسمون أصحاب صالح الذين تقاسموا باللّه لنبيتنه وأهله، وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إنما مثلي ومثل ما بعثني اللّه به كمثل رجل أتى قومه فقال‏:‏ يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏الذين جعلوا القرآن عضين‏}‏ أي جزأوا كتبهم المنزلة عليهم، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، قال البخاري عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏جعلوا القرآن عضين‏}‏ قال‏:‏ هم أهل الكتاب جزأوه فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وروي عن مجاهد والحسن والضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير نحو ذلك ‏.‏ وقال عكرمة‏:‏ العضه، السحر بلسان قريش، تقول للساحرة‏:‏ إنها العاضهة، وقال مجاهد‏:‏ عضوه أعضاء قالوا‏:‏ سحر، وقالوا‏:‏ كهانة، وقالوا‏:‏ أساطير الأولين، وقال عطاء‏:‏ قال بعضهم‏:‏ ساحر، وقالوا‏:‏ مجنون، وقالوا‏:‏ كاهن، فذلك العضين‏.‏
وقال محمد بن إسحاق، عن ابن عباس‏:‏ إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا شرف فيهم، وقد حضر الموسم، فقال لهم يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قولكم بعضه بعضاً، فقالوا‏:‏ وأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به، قال‏:‏ بل أنتم قولوا لأسمع، قالوا‏:‏ نقول كاهن، قال‏:‏ ما هو بكاهن، قالوا‏:‏ فنقول مجنون، قال‏:‏ ما هو بمجنون، قالوا‏:‏ فنقول شاعر، قال‏:‏ ما هو بشاعر، قالوا‏:‏ فنقول ساحر، قال‏:‏ ما هو بساحر، قالوا‏:‏ فماذا تقول‏؟‏ قال‏:‏ واللّه إن لقوله لحلاوة فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول أن تقولوا‏:‏ هو ساحر، فتفرقوا عنه بذلك، وأنزل اللّه فيهم‏:‏ ‏{‏الذين جعلوا القرآن عضين‏}‏ أصنافاً‏:‏ ‏{‏فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون‏}‏ أولئك النفر الذي قالوا لرسول اللّه‏.‏ وقال ابن عمر في قوله‏:‏ ‏{‏لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون‏}‏ قال‏:‏ عن ‏{‏لا إله إلا اللّه‏}‏ ‏"‏ورد فيه حديث مرفوع رواه الترمذي عن أنَس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏فوربك لنسألهم أجمعين‏}‏ قال‏:‏ عن ‏{‏لا إله إلا اللّه‏}‏‏"‏، وقال ابن مسعود‏:‏ والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو اللّه به يوم القيامة، فيقول‏:‏ ابن آدم ماذا غرك مني بي‏؟‏ ابن آدم ماذا عملت فيما علمت‏؟‏ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين‏؟‏ وقال أبو جعفر، عن أبي العالية في قوله‏:‏ ‏{‏فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون‏}‏ قال‏:‏ يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة‏:‏ عما كانوا يعبدون، وعماذا أجابوا المرسلين، وقال ابن عيينة‏:‏ عن عملك وعن مالك، وقال ابن أبي حاتم، عن معاذ بن جبل قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يا معاذ إن المرء يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه، وعن فتات الطينة بأصبعه فلا ألفينك يوم القيامة وأحد غيرك أسعد بما آتاك اللّه منك‏)‏ وقال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون‏}‏، ثم قال‏:‏ ‏{‏فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان‏}‏ قال‏:‏ لا يسألهم هل عملتم كذا‏؟‏ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لم عملتم كذا وكذا‏؟‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏94 ‏:‏ 99‏)‏
‏{‏ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ‏.‏ إنا كفيناك المستهزئين ‏.‏ الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ‏.‏ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ‏.‏فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ‏.‏ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ‏}‏

يقول تعالى آمراً رسوله صلى اللّه عليه وسلم بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به، وهو مواجهة المشركين به، كما قال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏فاصدع بما تؤمر‏}‏‏:‏ أي أمضه؛ وفي رواية افعل ما تؤمر ‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ هو الجهر بالقرآن في الصلاة‏.‏ وعن عبد اللّه بن مسعود‏:‏ ما زال النبي صلى اللّه عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت‏:‏ ‏{‏فاصدع بما تؤمر‏}‏ فخرج هو وأصحابه، وقوله‏:‏ ‏{‏وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين‏}‏ أي بلغ ما أنزل إليك من ربك، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات اللّه ‏{‏ودوا لو تدهن فيدهنون‏}‏ ولا تخفهم، فإن اللّه كافيك إياهم، وحافظك منهم، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس‏}‏‏.‏ وعن أنَس مرَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فغمزه بعضهم، فجاء جبريل - أحسبه قال‏:‏ فغمزهم - فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا ‏"‏أخرجه الحافظ البزار في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا كفيناك المستهزئين‏}‏‏"‏‏.‏ وقال محمد بن إسحاق‏:‏ كان عظماء المستهزئين خمسة نفر، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم، من بني أسد بن عبد العزى أبو زمعة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال‏:‏ ‏(‏اللهم أعم بصره وأثكله ولده‏)‏، ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث ، ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة ، ومن بني سهم العاص بن وائل ، ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة ‏.‏ فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الاستهزاء أنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين - إلى قوله - فسوف يعلمون‏}‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر فسوف يعلمون‏}‏ تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع اللّه معبوداً آخر‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين‏}‏ أي وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض، فلا يضيقنك ذلك، ولا يثنينّك عن إبلاغك رسالة اللّه وتوكل عليه، فإنه كافيك وناصرك عليهم، فاشتغل بذكر اللّه وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين‏}‏، ولهذا كان رسول اللّه إذا حزبه أمر صلى‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏واعبد ربك حتى يأتيك اليقين‏}‏، قال البخاري عن سالم بن عبد اللّه ‏{‏واعبد ربك حتى يأتيك اليقين‏}‏ قال‏:‏ الموت وهكذا روي عن مجاهد والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم أنهم فسروا اليقين بالموت ‏.‏ والدليل على ذلك قوله تعالى إخباراً عن أهل النار أنهم قالوا‏:‏ ‏{‏وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين‏}‏‏.‏ وفي الصحيح‏:‏ ‏(‏أما هو فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير‏)‏ قاله صلى اللّه عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، فقالت أم العلاء‏:‏ رحمة اللّه عليك، فشهادتي عليك لقد أكرمك اللّه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏وما يدرك أن اللّه أكرمه‏)‏ الحديث ‏.‏ ويستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله‏:‏ ‏{‏واعبد ربك حتى يأتيك اليقين‏}‏ على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏، ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا - هم وأصحابهم - أعلم الناس باللّه وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا أكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة؛ وإنما المراد باليقين ههنا الموت، كما قدمناه، وللّه الحمد والمنة‏
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس