الموضوع: موت الروح
عرض مشاركة واحدة
قديم 31-01-2005, 09:20 AM   رقم المشاركة : 1
د.اسامة شمس الدين
( ود جديد )
 







د.اسامة شمس الدين غير متصل

موت الروح

لم يعد احد في ايامنا هذه ينكر الروح ، ففي اواسط القرن الماضي ، سرت موجة انكار الروح الى العالم وانتشرت بين الناس ، واصبح من يؤمن بالروح ، يتهم بتمسكه بافكار عتيقة بالية ، اما اليوم ، فان من ينكر الروح ، ينظر اليه الناس بضجر ، ولا يكلف احد نفسه عناء مناقشته ، واصبح من المسلمات والبديهيات دور الروح في حياة الانسان وسعادته وشقائه ، ومثلما يضعف جسد الانسان ويمرض واذا طال عليه المرض مات ……… تضعف روح الانسان وتمرض واذا طال عليها المرض ماتت .
كيف تعيش الروح وكيف تموت ؟
بالنسبة للناس الذين انعم الله عليهم بنعمة الايمان فانهم يعرفون ان للروح غذاء ـ مثلما للجسد غذاء ـ وان غذاء الروح هو في اتصالها بمصدر طاقتها وحيويتها …. الله سبحانه وتعالى ، فكلما اتصل الانسان بربه بصلاة او دعاء او ذكر ، تجددت طاقته الروحية ، كما تتجدد طاقته الجسمية بعد غذاء شهي اثر جوع شديد ، او نوم عميق مريح اثر تعب واجهاد ، او متعة جسمية اثر حرمان طويل ، ولهذا كان الرسول (  ) اذا أهمه امر فزع الى الصلاة ـ أي الى ربه الكريم يستمد منه المزيد من القوة لمواجهة اعباء الدنيا وهمومها ـ وكان يقول اذا حان وقت الصلاة : ارحنا بها يا بلال .
اما بالنسبة للناس الذين حرمهم الله نعمة الايمان به ، فغذاء الروح عندهم متع الدنيا وشهواتها : الموسيقى والجنس والمال ولعبة النفوذ والسيطرة ، واذا أهم أحدهم أمر او وقع في مشكلة …. فانه يلجأ الى كل سراب ويطرق كل باب ، الا باب الله ، تكبرا واستنكافا ، يلجأ الى الخمر والى الدجل والمصحات النفسية والعقاقير التي تتلاعب بالتركيب الكيمياوي للدماغ ، كبديل عن التاثير الذي يتركه ذكر الله بالنسبة الى الانسان المؤمن ، وهم يستفيدون من ذلك ، ولكن كيف يستفيدون ؟
ان الانسان اذا دخل غرفة مظلمة ، يبحث عن شئ ما ، فانه يستطيع ان يجده اذا ما استعان بنور شمعة ضئيلة ، ويستطيع ايضا ان يجده اذا ما استعان بنور ثريا هائلة ، يستطيع ان يجده في الحالتين … ولكن شتان بين نور الشمعة الضئيل الذي يوصله الى ما يريد بعد تعب وعناء ووقت طويل ، ونور الثريا الذي يكشف امامه كل شئ بلحظات ، وهو نفس الفرق بين من يستعين بالموسيقى وبين من يستعين بذكر الله .
وانا اتوجه بمقالي هذا الى الذين لازال عندهم شئ من نور الله ، لينقذوا انفسهم قبل فوات الاوان ، اما الذين يصمون آذانهم عن سماع كلمة الله ، فهم وما اختاروا …
هل تعرفون ـ قرائي الاعزاء ـ ماذا يعني موت الروح ؟ …. انه ما يعرف بالكآبة ، ولا اقصد بالكابة : الحزن والاحباط الذي يشعر به أي منا في وقت ما ، ولكنني اقصد هذا المرض الفتاك الذي يسمى : سرطان الروح ، والذي من أهم علاماته ان المريض به لا يشفى ابدا …. !!
ماهي الكآبة ؟ وما هو موت الروح ؟
انه الاحساس بالفراغ الدائم ، وعبثية الحياة والوجود ، واليأس من كل شئ ، انه الانصات الى كلمات الله التي تفضل علينا بها في كتابه الكريم وكأنها كلام عادي لايحدث اثرا ولا يحرك ساكنا ، والمرور بالقبور وكانها ابنية عادية لاتذكر احدا ولاتنذر بشرا ، انه الانصراف الى الدنيا ومتعها في محاولة من المريض البائس لملء الفراغ الذي يحس به ، بالموسيقى او الجنس او الخمر او كلها اوغيرها ، ولا يجد المريض راحة في ذلك كالعطشان الذي يشرب من ماء البحر ، كلما شرب اكثر كلما ازداد عطشه اكثر ، وكلما مرت الايام ، ازداد المرض استفحالا وازداد المريض تدهورا ـ لان روحه تزداد ضعفا بمرور الايام ـ وهو يعاني ويكابر ويحاول علاجا آخر وآخر في دوامة مفرغة رهيبة لا تنتهي .
الى هؤلاء اتوجه بكلامي هذا ، فاقول لهم : ان الطريق للشفاء هو في الاتصال مع مصدر الشفاء … الله … ، فهو الوحيد القادر على ذلك ، لان للكآبة اسما آخر هو الكفر ، وهذا ليس كلاما انشائيا بل هو حقيقة علمية ، ففي كتاب تدريسي في الكلية الطبية عن موضوع الكابة ، يصف الاستاذ المختص بالامراض النفسية اعراض المرض فيذكر في مقدمتها : شعور المريض انه مبعد او بعيد من الله ، وشعوره دائما بالذنب دون سبب يفهمه هو ، وهذا النص الحرفي لما ورد في ذلك الكتاب ، وهذا هو الكفر بعينه كما يعرّفه الاسلام ، وعلى من اراد التوسع مراجعة ذلك الكتاب التدريسي .
كيف العلاج لهذا السرطان :
ان علاج موت الروح ليس امرا سهلا ابدا ، فهو مرض عضال لانه يتصل بروح الانسان وجوهره ، وهو يحتاج الى صبر طويل وعزيمة كبيرة ، فهذا الانسان الذي وقع فريسة لهذا الداء الوبيل لم يعد يؤثر فيه شئ ، ولم يعد يحركه شئ ، واهل العلم يقولون ان هذا المرض ـ الكآبة او موت الروح ـ هو الران الذي ذكره الله عزوجل في كتابه الكريم في معرض حيثه عن معاناة الكفار في الدنيا بقوله سبحانه وتعالى : (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) ، وهذا الران هو صدأ القلوب الذي يعميها عن تذكر الله وعن التفكر في مصير الانسان في حياته الدنيا والاخرة ، وهذا امر يحتاج علاجه الى صبر عظيم ووقت طويل ، و كما يعالج المريض المدنف الذي استفحل به المرض الجسمي بالتدريج والصبر على مرارة الدواء ، يعالج موت الروح بالتدريج والصبر على مرارة الدواء ، نعم … في اول الامر يشعر الانسان بضجر شديد وتعب من قراءة القران ومن الذكر ومن الصلاة ويتثاقل عنها ولايجد لها طعما ، الى ان ياذن الله بشفائه فيحس آنذاك بحلاوة ذكر الله ويشعر بان الصلاة تريحه من عناء الدنيا وهمومها ومتاعبها ، مثلما كان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يصفها .
الا يضجر الانسان المريض من الحاحنا عليه بتناول الدواء والاغذية المفيدة له ، ويقول لنا انه لا يحس باي شهية لها وانه يتجرعها تجرعا ، الى ان يستعيد قواه تدريجيا ويطلب هو ما يشتهي من غذاء ؟ .. هذا مثل ذاك .
ومع مداومة الاتصال بالله عزوجل ، وتذكر الانسان للحقيقة الكبرى الوحيدة في حياتنا المادية وهي اننا جميعا ميتون لا محالة ، ومع الالحاح في التوسل الى الله سبحانه وتعالى ، تبدا الروح في الانتعاش شيئا فشيئا ، الى ان تستعيد رغبتها الطبيعية في القرب من الله وفي استمداد القوة منه ، ويقترب المريض من الشفاء تدريجيا الى ان يفيق يوما من الايام على حقيقة امره : وهي انه كان على شفا حفرة فانقذه الله منها .







التوقيع :
الدكتور اسامة الحاتم