عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-2014, 07:58 PM   رقم المشاركة : 18
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الأية رقم ‏(‏118 ‏:‏ 119‏)‏
‏{‏ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ‏.‏ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ‏}‏

قال الإمام أحمد، عن عبيد اللّه بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال‏:‏ سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك‏:‏ لم أتخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزاة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها، وإنما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع اللّه بينهم وبين عدوهم على غير معاد، ولقد شهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر‏.‏ وكان خبري حين تخلفت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، واللّه ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورَّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفاوز، واستقبل عدواً كثيراً فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - ‏.‏ قال كعب‏:‏ فقلَّ رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه ما لم ينزل فيه وحي من اللّه عزّ وجلّ؛ وغزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظلال، وأنا إليها أصعر، فتجهز إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون معه، فطفقت أغدو لكي أنجز معهم، فأرجع ولم أقض من جهازي شيئاً، فأقول لنفسي‏:‏ أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي، حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غادياً والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً، وقلت‏:‏ أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه، فغدوت بعد ما فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فألحقهم وليت أني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذره اللّه عزّ وجلّ، ولم يذكرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك‏:‏ ‏(‏ما فعل كعب بن مالك‏)‏‏؟‏ فقال رجل من بني سلمة‏:‏ حبسه يا رسول اللّه برداه والنظر في عطفيه، فقال معاذ بن جبل‏:‏ بئسما قلت، واللّه يا رسول اللّه ما علمنا عنه إلا خيراً‏.‏ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

قال كعب بن مالك‏:‏ فلما بلغني
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي، وطفقت أتذكر الكذب، وأقول‏:‏ بماذا أخرج من سخطه غداً، وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أظل قادماً راح عني الباطل، وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه‏.‏ فأصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فيقبل منهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علانيتهم، ويستغفر لهم ويكل سرائرهم إلى اللّه تعالى، حتى جئت فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي‏:‏ ‏(‏تعال‏)‏، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي‏:‏ ‏(‏ما خلفك، ألم تكن قد اشتريت ظهراً‏؟‏‏)‏ فقلت‏:‏ يا رسول اللّه إني لو جلست عند غيرك
من الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكني واللّه لقد علمت لئن حدثتك بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن اللّه أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك بصدق تجد عليَّ فيه إني لأرجو عقبى ذلك من اللّه عزّ وجلّ؛ واللّه ما كان لي عذر، واللّه ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما هذا فصدق، فقم حتى يقضي اللّه فيك‏)‏ فقمت، وقام إلي رجال من بني سلمة واتبعوني، فقالوا‏:‏ واللّه ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏ واللّه ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، قال‏:‏ ثم قلت لهم‏:‏ هل لقي معي هذا أحد‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت‏:‏ فمن هما‏؟‏ قالوا‏:‏ مرارة بن الربيع العامري وهلال بن أُمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً لي فيهما أسوة، قال‏:‏ فمضيت حين ذكروهما لي؛ قال‏:‏ ونهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة‏.‏ ثم ذكر تتمة الحديث
‏"‏أخرجه الشيخان وأحمد، وله تتمة طويلة في توبة اللّه عزَّ وجلَّ عليه يرجع إليها في الصحيحين‏"‏‏.‏

قال وأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من اللّه إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن اللّه هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين‏}‏‏.‏ ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب من هجر المسلمين إياهم نحواً من خمسين ليلة بأيامها وضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت أي مع سعتها، فسدت عليهم المسالك والمذاهب، فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر اللّه واستكانوا لأمر اللّه، وثبتوا حتى فرج اللّه عنهم بسبب صدقهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في تخلفهم، وإنه كان عن غير عذر، فعوقبوا على ذلك هذه المدة ثم تاب اللّه عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيراً لهم وتوبة عليهم، ولهذا قال‏(‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين‏}‏ أي اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، اقرأوا إن شئتم‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين‏}‏، وقال الحسن البصري‏:‏ إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهذ في الدنيا والكف عن أهل الملة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الأية رقم ‏(‏120‏)‏
‏{‏ ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولاينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ‏}‏

يعاتب تبارك وتعالى المتخلفين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب، ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل له من المشقة، فإنهم نقصوا أنفسهم من الأجر، لأنهم ‏{‏لا يصيبهم ظمأ‏}‏ وهو العطش ‏{‏ولا نصب‏}‏ وهو التعب ‏{‏ولا مخمصة‏}‏ وهي المجاعة ‏{‏ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار‏}‏ أي ينزلوا منزلاً يرهب عدوهم، ‏{‏ولا ينالون‏}‏ منه ظفراً وغلبة عليه، ‏{‏إلا كتب لهم‏}‏ بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم وإنما هي ناشئة عن أفعالهم أعمالاً صالحة وثواباً جزيلاً، ‏{‏إن اللّه لا يضيع أجر المحسنين‏}‏ كقوله‏:‏
‏{‏إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الأية رقم ‏(‏121‏)‏
‏{‏ ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ‏}‏

يقول تعالى ولا ينفق هؤلاء الغزاة في سبيل اللّه ‏{‏نفقة صغيرة ولا كبيرة‏}‏ أي قليلاً ولا كثيراً، ‏{‏ولا يقطعون واديا‏}‏ أي في السير إلى الأعداء، ‏{‏إلا كتب لهم‏}‏، ولم يقل ههنا به لأن هذه أفعال صادرة عنهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون‏}‏، وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه من هذه الآية الكريمة حظ وافر ونصيب عظيم؛ وذلك أنه أفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة والأموال الجزيلة، كما روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب فحث على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان رضي اللّه عنه‏:‏ عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها قال‏:‏ ثم حث، فقال عثمان بن عفان‏:‏ عليَّ مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها، قال‏:‏ ثم نزل مرقاة من المنبر، ثم حث، فقال عثمان بن عفان‏:‏ علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها، قال‏:‏ فرأيترسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال بيده هكذا يحركها، ‏)‏ما على عثمان ما عمل بعد هذا‏)‏ وعن عبد الرحمن بن سمرة قال‏:‏ جاء عثمان رضي اللّه عنه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صلى اللّه عليه وسلم جيش العسرة، قال‏:‏ فصبها في حجر النبي صلى اللّه عليه وسلم، فرأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقلبها بيده، ويقول‏:‏ ‏(‏ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم‏)‏ يرددها مراراً، وقال قتادة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم‏}‏ الآية، ما ازداد قوم في سبيل اللّه بعداً من أهليهم إلا ازدادوا قرباً من اللّه‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس