عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-2014, 05:35 AM   رقم المشاركة : 17
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏112‏)‏
‏{‏ التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ‏}
هذا نعت المؤمنين الذين اشترى اللّه منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة، ‏{‏التائبون‏}‏ من الذنوب كلها، التاركون للفواحش، ‏{‏العابدون‏}‏ أي القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها، ومن أخصها الحمد للّه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الحامدون‏}‏، ومن أفضل الأعمال الصيام، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع، وهو المراد بالسياحة ههنا، قال‏:‏ ‏{‏السائحون‏}‏ كما وصف أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سائحات‏}‏ أي صائمات، وكذا الركوع والسجود وهما عبارة عن الصلاة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الراكعون الساجدون‏}‏، وهم مع ذلك ينفعون خلق اللّه ويرشدونهم إلى طاعة اللّه بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود اللّه في تحليله وتحريمه علماً وعملاً، فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وبشر المؤمنين‏}‏ لأن الإيمان يشمل هذا كله، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به، والسياحة يراد بها الصيام فقد سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن السائحين‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏هم الصائمون‏)‏، وهذا أصح الأقوال وأشهرها‏.‏ وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد، وهو ما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن رجلاً قال‏:‏ يا رسول اللّه ائذن لي في السياحة، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏سياحة أمتي الجهاد في سبيل اللّه‏)‏ وعن عكرمة أنه قال‏:‏ هم طلبة العلم، وقال ابن أسلم‏:‏ هم المهاجرون، وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض، والتفرد في شواهق الجبال، والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال‏:‏ أي رؤوس الجبال‏"‏ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن‏)‏، وقال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏والحافظون لحدود الله‏}‏ قال‏:‏ القائمون بطاعة اللّه، وكذا قال الحسن البصري، وعنه قال‏:‏ لفرائض اللّه، والقائمون على أمر اللّه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏113 ‏:‏ 114‏)‏
{‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ‏.‏ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ‏}‏

لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد اللّه ابن أبي أمية فقال‏:‏ ‏(‏أي عم‏!‏ قل‏:‏ لا إله إلا اللّه، كلمة أحاج لك بها عند اللّه عزَّ وجلَّ‏)‏، فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبي أمية‏:‏ يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب‏؟‏ فقال‏:‏ أنا على ملة عبد المطلب‏!‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لأستغفرن لك ما لم أنه عنك‏)‏، فنزلت‏:‏ ‏{‏ما كان

للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم‏}‏، قال، ونزلت فيه‏:‏ ‏{‏إنك لا تهدي من أحببت ولكن اللّه يهدي من يشاء‏}‏ ‏"‏أخرجه الشيخان وأحمد عن ابن المسيب‏"‏‏.‏ وقال الإمام أحمد، عن ابن بريدة عن أبيه قال‏:‏ كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ونحن في سفر، فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم وقال‏:‏ يا رسول اللّه ما لك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إني سألت ربي عزَّ وجلَّ في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث‏:‏ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها لتذكركم زيارتها خيراً، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فكلوا وأمسكوا ما شئتم، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشريوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكراً‏)‏

وقال ابن أبي حاتم، عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوماً إلى المقابر، فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلاً، ثم بكى فبكينا لبكائه، ثم قام إليه عمر بن الخطاب، فدعاه ثم دعانا فقال‏:‏ ‏(‏ما أبكاكم‏)‏‏؟‏ فقلنا‏:‏ بكينا لبكائك، قال‏:‏ ‏(‏إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي‏)‏، ثم أورده من وجه آخر وفيه‏:‏ ‏(‏وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل عليَّ‏:‏ ‏{‏ما كان للنبي والذين آمنوا‏}‏ الآية، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة‏.‏

وقال ابن عباس في هذه الرواية‏:‏ كانوا يستغفرون لهم، حتى نزلت هذه الآية فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا، ثم أنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان استغفار إبراهيم لأبيه‏}‏ الآية، وقال قتادة في الآية، ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا‏:‏ يا نبي اللّه إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفك العاني، ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم‏؟‏ قال‏:‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بلى، واللّه إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه‏)‏، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين‏}‏، ثم عذر اللّه تعالى إبراهيم عليه السلام فقال‏:‏ ‏{‏وما كان استغفار إبراهيم لأبيه‏}‏ الآية، وقال الثوري، عن ابن عباس‏:‏ مات رجل يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عباس، فقال‏:‏ فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حياً، فإذا مات وكله إلى شأنه، ثم قال‏:‏ ‏{‏وما كان استغفار إبراهيم لأبيه - إلى قوله - تبرأ منه‏}‏، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي اللّه عنه‏:‏ لما مات أبو طالب قلت‏:‏ يا رسول اللّه إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال‏:‏ ‏(‏اذهب فواره ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني‏)‏، فذكر تمام الحديث‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبين له أنه عدو اللّه تبرأ منه‏.‏ وفي رواية‏:‏ لما مات تبين له أنه عدو اللّه، وكذا قال مجاهد والضحاك، وقوله‏:‏ ‏{‏إن إبراهيم لأواه حليم‏}‏، قال ابن مسعود‏:‏ الأواه الدعَّاء؛ وقال ابن جرير‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول اللّه ما الأواه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏المتضرع‏)‏، وقال الثوري‏:‏ سئل ابن مسعود عن الأواه، فقال‏:‏ هو الرحيم أي بعباد اللّه، وقال ابن عباس‏:‏ الأواه الموقن، بلسان الحبشة‏.‏ وعنه‏:‏ الأواه المؤمن‏.‏ وقال سعيد بن جبير والشعبي‏:‏ الأواه المسبّح، وعن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏ لا يحافظ على سبحة الضحى إلا الأواه، وعن مجاهد‏:‏ الأواه الحفيظ، الرجل يذنب الذنب سراً ثم يتوب منه سراً، ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه اللّه‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ إن رجلاً كان يكثر ذكر اللّه ويسبح، فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إنه أواه‏)‏، وقال أيضاً عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دفن ميتاً فقال‏:‏ ‏(‏رحمك اللّه إن كنت لأواهاً‏)‏ يعني تلاءً للقرآن، قال ابن جرير‏:‏ وأولى الأقوال قول من قال إنه الدعّاء وهو المناسب للسياق، وذلك أن اللّه تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله‏:‏ ‏{‏أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا‏}‏ فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن إبراهيم لأواه حليم‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏115 ‏:‏ 116‏)‏
‏{‏ وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم ‏.‏ إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة وحكمه العادل، إنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم، حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأما ثمود فهديناهم‏}‏ الآية، قال ابن جرير‏:‏ يقول تعالى‏:‏ وما كان اللّه ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأما قبل أن يبين كم كراهة ذلك فإنه لا يحكم عليكم بالضلال، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن اللّه له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون اللّه من ولي ولا نصير‏}‏ قال ابن جرير‏:‏ هذا تحريض من اللّه لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر، وأنهم يثقوا بنصر اللّه مالك السموات والأرض، ولا يرهبوا من أعدائه، فإنه لا ولي لهم من دون اللّه، ولا نصير لهم سواه‏.‏ وقال ابن أبي حاتم، عن حكيم بن حزام قال‏:‏ بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم‏:‏ ‏(‏هل تسمعون ما أسمع‏؟‏‏)‏، قالوا‏:‏ ما نسمع من شيء، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏117‏)‏
{‏ لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم ‏}‏

نزلت هذه الآية في غزوة تبوك، وذلك أنهم خرجوا إليها في سنة مجبة وحر شديد، وعسر من الزاد والماء، عن عبد اللّه بن عباس قال‏:‏ قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة، فقال عمر خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً فأصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى وإن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إن اللّه عزَّ وجلَّ قد عوّدك في الدعاء خيراً فادع لنا، فقال‏:‏ ‏(‏تحب ذلك‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر ‏"‏أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‏"‏، قال ابن جرير في قوله‏:‏ ‏{‏لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة‏}‏ أي من النفقة والظهر والزاد والماء، ‏{‏من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم‏}‏ أي عن الحق، ويشك في دين الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم، ‏{‏ثم تاب عليهم‏}‏ يقول‏:‏ ثم رزقهم الإنابة إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه ‏{‏إنه بهم رؤوف رحيم‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس