عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-2014, 05:26 AM   رقم المشاركة : 16
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏105‏)‏
‏{‏ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ‏}‏

قال مجاهد‏:‏ هذا وعيد من اللّه تعالى للمخالفين أوامره، بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال‏:‏ ‏{‏يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يوم تبلى السرائر‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وحصل ما في الصدور‏}‏، وقد يظهر اللّه تعالى ذلك للناس في الدنيا كما قال الإمام أحمد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لأخرج اللّه عمله للناس كائناً ما كان‏)‏، وقد ورد‏:‏ أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما ورد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا‏:‏ اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد والطيالسي‏"‏‏.‏ وقال البخاري‏:‏ قالت عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ إذا أعجبك حسن عمل امرئ مسلم فقل‏:‏ ‏{‏اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون‏}‏، وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إذا أراد اللّه بعبده خيراً استعمله قبل موته‏)‏، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وكيف يستعمله‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه‏)‏ ‏
"‏أخرجه أحمد عن أنس ابن مالك‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏106‏)‏
‏{‏ وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم ‏}‏

قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ هم الثلاثة الذين خلفوا، أي عن التوبة، وهم مرارة بن الربيع و كعب بن مالك و هلال بن أمية ، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلاً وميلاً إلى الدعة والحفظ وطيب الثمار والظلال، لا شكاً ولا نفاقاً، فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك، وهم الثلاثة المذكورون، فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء، وأرجي هؤلاء عن التوبة، حتى نزلت الآية الآتية وهي قوله‏:‏ ‏{‏لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار‏}‏ الآية، ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت‏}‏ الآية، كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالك، وقوله‏:‏ ‏{‏إما يعذبهم وإما يتوب عليهم‏}‏ أي هم تحت عفو اللّه إن شاء فعل بهم هذا، وإن شاء فعل بهم ذاك، ولكن رحمته تغلب غضبه، ‏{‏واللّه عليم حكيم‏}‏ أي عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو، ‏{‏حكيم‏}‏ في أفعاله وأقواله لا إله إلا هو ولا رب سواه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏107 ‏:‏ 108‏)‏
‏{‏ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ‏.‏ لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين‏}‏

سبب نزول هذه الآيات الكريمات
أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب وكان قد تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، وله شرف في الخزرج كبير، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم اللّه يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة وظاهر بها، وخرج فاراً إلى كفار مكة من مشركي قريش، يمالئهم على حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام أحد، فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم اللّه عزَّ وجلَّ، وكانت العاقبة للمتقين، وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين،

فوقع في إحداهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصيب ذلك اليوم فجرح وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى، وشج رأسه صلوات اللّه وسلامه عليه، وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلما عرفوا كلامه قالوا‏:‏ لا أنعم اللّه بك عيناً يا فاسق يا عدو اللّه، ونالوا منه وسبوه، فرجع وهو يقول‏:‏ واللّه قد أصاب قومي بعدي شر، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد دعاه إلى اللّه قبل فراره وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يسلم وتمرد، فدعا عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً، فنالته هذه الدعوة‏.‏ وذلك لما فرغ الناس من أحد، ورأى أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فوعده ومنَّاه وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم عنده لأداء كتبه، ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، فعصمه اللّه من الصلاة فيه فقال‏:‏ ‏(‏إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء اللّه‏)‏، فلما قفل عليه السلام راجعاً إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على التقوى، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة؛ كما قال ابن عباس في الآية‏:‏ هم أناس من الأنصار بنوا مسجداً، فقال لهم أبو عامر‏:‏ ابنوا مسجداً واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجنود من الروم وأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏لا تقم فيه أبدا‏}‏ الآية‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليحلفن‏}‏‏:‏ أي الذين بنوه، ‏{‏إن أردنا إلا الحسنى‏}‏ أي ما أردنا ببنيانه إلا خيراً ورفقاً بالناس، قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه يشهد إنهم لكاذبون‏}‏ أي فيما قصدوا وفيما نووا، وإنما بنوه ضراراً لمسجد قباء، وكفراً باللّه وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله من قبل، وهو أبو عامر الفاسق لعنه اللّه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لا تقم فيه أبدا‏}‏ نهي له صلى اللّه عليه وسلم والأمة تبع له في ذلك عن أن تقوم فيه‏:‏ أي يصلي أبداً، ثم حثه على الصلاة بمسجد قباء الذي أسس من يوم بنيانه على التقوى، وهي طاعة اللّه وطاعة رسوله وجمعاً لكلمة المؤمنين وموئلاً للإسلام وأهله، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه‏}‏، والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏صلاة في مسجد قباء كعمرة‏)‏، وفي الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً، وفي الحديث‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو بن عوف، كان جبريل هو الذي عين له جهة القبلة واللّه أعلم‏.‏

قال الإمام أحمد، عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال‏:‏ ‏(‏إن اللّه تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ واللّه يا رسول اللّه ما نعلم شيئاً إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا‏.‏ وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف منهم ابن عباس وعروة بن الزبير وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم والشعبي والحسن البصري وسعيد بن حبان وقتادة وغيرهم ‏.‏ وقد ورد في الحديث الصحيح أن مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي في جوف المدنية هو المسجد الذي أسس على التقوى؛ وهذا صحيح، ولا منافاة بين الآية وبين هذا لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن سهل بن سعد الساعدي قال‏:‏ اختلف رجلان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى، أحدهما قال‏:‏ هو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال الآخر‏:‏ هو مسجد قباء، فأتيا النبي صلى اللّه عليه وسلم فسألاه فقال‏:‏ ‏(‏هو مسجدي هذا‏)‏ وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال أحدهما‏:‏ هو مسجد قباء، وقال الآخر‏:‏ هو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هو مسجدي هذا‏)‏ ‏"‏رواهما الإمام أحمد رضي اللّه عنه‏"‏‏.‏ وقال الإمام أحمد، عن أبي سعيد عن أبيه أنه قال‏:‏ تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل‏:‏ هو مسجد قباء، وقال الآخر‏:‏ هو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هو مسجدي‏)‏ ‏
"‏رواه أحمد والترمزي والنسائي‏"‏‏.‏

طريق آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى عن أنيس بن يحيى، حدثني أبي، قال‏:‏ سمعت أبا سعيد الخدري قال‏:‏ اختلف رجلان، رجل من بني خدرة، ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال الخدري‏:‏ هو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال العمري‏:‏ هو مسجد قباء، فأتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألاه عن ذلك، فقال‏:‏ ‏لمسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال في ذلك يعني مسجد قباء، وقد قال‏:‏ بأنه مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم جماعة من السلف والخلف، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد اللّه، وزيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، واختاره ابن جرير، وقوله‏:‏ ‏{‏لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين‏}‏، دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة اللّه وحده لا شريك له، وعلى استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء، والتنزه عن ملابسة القاذورات، وقال الإمام أحمد‏:‏ عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى بهم الصبح، فقرأ الروم فيها فأوهم، فلما انصرف قال‏:‏ ‏(‏إنه يلبس علينا القرآن، إن أقواماً منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا، فليحسن الوضوء‏)‏، فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها، وقال أبو العالية في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه يحب المطهرين‏}‏ إن الطهور بالماء لحسن ولكنهم المطهرون من الذنوب، وقال الأعمش التوبة من الذنوب والتطهر من الشرك‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏109 ‏:‏ 110‏)‏
‏{‏ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ‏.‏ لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان، ومن بنى مسجد
ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، فإنما يبني هؤلاء بنيانهم على شفا جرف هار، أي طرف حفيرة في نار جهنم، ‏{‏واللّه لا يهدي القوم الظالمين‏}‏ أي لا يصلح عمل المفسدين، قال جابر‏:‏ رأيت المسجد الذي بني ضراراً يخرج منه الدخان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال ابن جريج‏:‏ ذكر لنا أن رجالاً حفروا فوجدوا الدخان الذي يخرج منه، وكذا قال قتادة‏.‏
وقال خلف الكوفي‏:‏ رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره اللّه تعالى في القرآن، وفيه جحر يخرج منه الدخان وهو اليوم مزبلة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم‏}‏ أي شكاً ونفاقاً بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع، أورثهم نفاقاً في قلوبهم كما أُشرِب عابدو العجلِ حبَّه، وقوله‏:‏ ‏{‏إلا أن تقطع قلوبهم‏}‏ أي بموتهم، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد من السلف، ‏{‏واللّه عليم‏}‏ أي بأعمال خلقه، ‏{‏حكيم‏}‏ في مجازاتهم عنها من خير وشر‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏111‏)‏
‏{‏ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ‏}‏

يخبر تعالى أنه عاوض من عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم - إذ بذلوها في سبيله - بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العَوْض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له‏.‏ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة‏:‏ بايعهم واللّه فأغلى ثمنهم، وقال شمر بن عطية‏:‏ ما من مسلم إلا وللّه عزَّ وجلَّ في عنقه بيعة وفى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية، وقال عبد اللّه بن رواحة رضي اللّه عنه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعني ليلة العقبة‏:‏ اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال‏:‏ ‏(‏أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم‏)‏، قالوا‏:‏ فما لنا إذا فعلنا ذلك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الجنة‏)‏، قالوا‏:‏ ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت‏:‏ ‏{‏إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون‏}‏ أي سواء قَتَلوا أو قُتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة، ولهذا جاء في الصحيحين‏:‏ ‏(‏تكفّل اللّه لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي وتصديق برسلي بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن‏}‏ تأكيد لهذا الوعد، وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة وأنزله على رسله في كتبه العظيمة وهي ‏{‏التوراة‏}‏ المنزلة على موسى، و‏{‏الإنجيل‏}‏ المنزل على عيسى، و‏{‏القرآن‏}‏ المنزل على محمد صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، وقوله‏:‏ ‏{‏ومن أوفى بعهده من الله‏}‏ فإنه لا يخلف الميعاد، وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏ومن أصدق من اللّه حديثا‏}‏، ‏{‏ومن أصدق من اللّه قيلا‏}‏، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم‏}‏ أي فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد، ووفى بهذا العهد، بالفوز العظيم والنعيم المقيم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس