عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2014, 04:19 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏40 ‏:‏ 45‏)‏
‏{‏ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ‏.‏ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ‏.‏ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ‏.‏ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ‏.‏ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ‏.‏ فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ‏}‏

يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد، المتصرف في خلقه بما يشاء، وأنه لا معقب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه خلقه بل هو وحده لا شريك له، الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم الساعة‏}‏ أي أتاكم هذا أو هذا ‏{‏أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين‏}‏ أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن كنتم صادقين‏}‏ أي في اتخاذكم آلهة معه ‏{‏بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون‏}‏ أي في وقت الضرورة لا تدعون أحداً سواه وستذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كقوله‏:‏ ‏{‏وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه‏}‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء‏}‏ يعني الفقر والضيق في العيش، ‏{‏والضراء‏}‏ وهي الأمراض والأسقام والآلام، ‏{‏لعلهم يتضرعون‏}‏ أي يدعون اللّه ويتضرعون إليه ويخشعون‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا‏}‏ أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكوا لدينا، ‏{‏ولكن قست قلوبهم‏}‏ أي ما رقت ولا خشعت، ‏{‏وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون‏}‏ أي من الشرك والمعاندة والمعاصي، ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به‏}‏ أي أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، ‏{‏فتحنا عليهم أبواب كل شيء‏}‏ أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذاً باللّه من مكره، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏حتى فرحوا بما أوتوا‏}‏ أي من الأموال والأولاد والأرزاق ‏{‏أخذناهم بغتة‏}‏ أي على غفلة ‏{‏فإذا هم مبلسون‏}‏ أي آيسون من كل خير‏.‏ قال ابن عباس المبلس‏:‏ الآيس، وقال الحسن البصري‏:‏ من وسّع اللّه عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتّر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏فلما نسوا من ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏ قال‏:‏ مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا وقال قتادة‏:‏ بغت القوم أمر اللّه، وما أخذ اللّه قوماً قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا باللّه، فإنه لا يغتر باللّه إلا القوم الفاسقون‏.‏

وقال مالك عن الزهري{‏فتحنا عليهم أبواب كل شيء‏}قال‏:‏ رخاء الدنيا ويسرها‏.‏ وقد قال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا رأيت اللّه يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج‏)‏، ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏ ‏"‏رواه أحمد وابن جرير وابن ابي حاتم‏"‏وعن عباده بن الصامت أن رسول اللّه كان يقول‏:‏ إذا أراد اللّه بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف وإذا اراد اللّه بقوم اقتطاعاً فتح لهم - أو فتح عليهم - باب خيانة ‏{‏حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏، كما قال‏:‏ ‏{‏فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للّه رب العالمين‏}‏
‏"‏رواه ابن ابي حاتم وأحمد في مسنده‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏46 ‏:‏ 49‏)‏
‏{‏ قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ‏.‏ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون ‏.‏ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏.‏ والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ‏}‏

يقول اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين ‏{‏أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم‏}‏ أي سلبكم إياها كما أعطاكموها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار‏}‏ الآية، ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بها الانتفاع الشرعي، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وختم على قلوبكم‏}‏، كما قال‏:‏ ‏{‏أمن يملك السمع والأبصار‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏من إله غير اللّه يأتيكم به‏}‏ أي هل أحد غير اللّه يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه اللّه منكم‏؟‏ لا يقدر على ذلك أحد سواه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏انظر كيف نصرف الآيات‏}‏ أي نبينها ونوضحها ونفسرها دالة على أنه لا إله إلا اللّه، وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال، ‏{‏ثم هم يصدفون‏}‏ أي ثم هم مع البيان يصدفون، أي يعرضون عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه قال ابن عباس‏:‏ يصدفون أي يعدلون‏.‏ وقال مجاهد وقتادة‏:‏ يعرضون، وقال السدي‏:‏ يصدون‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه بغتة‏}‏ أي وأنتم لا تشعرون به حتى بغتكم وفجأكم، ‏{‏أو جهرة‏}‏ أي ظاهراً عياناً،‏{‏هل يهلك إلا القوم الظالمون‏}‏ أي إنما كان يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله ينجو الذين كانوا يعبدون اللّه وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقوله‏:‏ ‏{‏وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين‏}‏ أي مبشرين عباد اللّه المؤمنين بالخيرات، ومنذرين من كفر باللّه النقمات والعقوبات، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فمن آمن وأصلح‏}‏ أي فمن آمن قلبه بما جاءوا به وأصلح عمله باتباعه إياهم ‏{‏فلا خوف عليهم‏}‏ أي بالنسبة لما يستقبلونه، ‏{‏ولا هم يحزنون‏}‏ أي بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها، اللّه وليهم فيما خلفوه، وحافظهم فيما تركوه؛ ثم قال‏:‏ ‏{‏والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون‏}‏ أي ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل، وخرجوا عن أوامر اللّه وطاعته، وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏50 ‏:‏ 54‏)‏
‏{‏قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون ‏.‏ وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ‏.‏ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ‏.‏ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ‏.‏ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم‏}‏

يقول اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل لا اقول لكم عندي خزائن اللّه‏}‏ أي لستُ أملكها ولا أتصرف فيها، ‏{‏ولا أعلم الغيب‏}‏ أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب إنما ذاك من علم اللّه عزَّ وجلَّ، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه، ‏{‏ولا أقول لكم إني ملك‏}‏ أي ولا أدعي أني ملك، إنما أنا بشر من البشر يوحى إليَّ من اللّه عزَّ وجلَّ شرفني بذلك وأنعم عليّ به، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن أتبع إلا ما يوحى إلي‏}‏ أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه، ‏{‏قل هل يستوي الأعمى والبصير‏}‏ أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه، ومن ضل عنه فلم ينقد له ‏{‏أفلا تتفكرون‏}‏‏؟‏ وهذه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع‏}‏ أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد، ‏{‏الذين هم من خشية ربهم مشفقون‏}‏، ‏{‏الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب‏}‏، ‏{‏الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم‏}‏ أي يوم القيامة ‏{‏ليس لهم‏}‏ أي يومئذ ‏{‏من دونه ولي ولا شفع‏}‏ أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم ‏{‏لعلهم يتَّقون‏}‏ أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا اللّه عزَّ وجلَّ ‏{‏لعلهم يتقون‏}‏ فيعملون في هذه الدار عملاً ينجيهم اللّه به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه‏}‏ أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك، كقوله‏:‏ ‏{‏واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏يدعون ربهم‏}‏ أي يعبدونه ويسألونه ‏{‏بالغداة والعشي‏}‏ قال سعيد ابن المسيب‏:‏ المراد به الصلاة المكتوبة وهو قول مجاهد والحسن وقتادة وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم‏}‏ أي أتقبل منكم، وقوله‏:‏ ‏{‏يريدون وجهه‏}‏ أي يريدون بذلك العمل وجه اللّه الكريم وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات، وقوله‏:‏ ‏{‏ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء‏}‏ كقول نوح عليه السلام في جواب الذين قالوا‏:‏ ‏{‏أنؤمن لك واتبعك الأرذلون‏}‏، ‏{‏وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون‏}‏ أي إنما حسابهم على اللّه عزَّ وجلَّ، وليس عليّ من حسابهم من شيء، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء وقوله‏:‏ ‏{‏فتطردهم فتكون من الظالمين‏}‏ أي إن فعلت هذا والحالة هذه‏.‏

روى ابن جرير عن ابن مسعود قال‏:‏ مر الملأ من قريش برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد‏:‏ أرضيت بهؤلاء من قومك‏؟‏ أهؤلاء الذين منَّ اللّه عليهم من بيننا‏؟‏ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء‏؟‏ اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك، فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه‏}‏، ‏{‏وكذلك فتنا بعضهم ببعض‏}‏ إلى آخر الآية، وقال ابن أبي حاتم عن خباب في قول اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‏}‏ قال‏:‏ جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي صلى اللّه عليه وسلم حقّروهم في نفر من أصحابه فأتوه فخلوا به، وقالوا‏:‏ إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا‏:‏ فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏، قالوا‏:‏ فاكتب لنا عليك كتاباً، قال‏:‏ فدعا بصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية، فنزل جبريل فقال‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم‏}‏ الآية، فرمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصحيفة من يده، ثم دعانا فأتيناه ‏"‏أخرجه ابن ابي حاتم ورواه ابن جرير أيضاً من حدث أسباط بن نصر‏"‏وقال سعد نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، منهم ابن مسعود قال‏:‏ كنا نستبق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وندنو منه، فقالت قريش‏:‏ تدني هؤلاء دوننا، فنزلت‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‏}‏ ‏"‏رواه الحاكم في المستدرك وقال‏:‏ على شرط الشيخين وأخرجه ابن حبان في صحيحه‏"‏وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك فتنا بعضهم ببعض‏}‏ أي ابتلينا واختبرنا، وامتحنا بعضهم ببعض ‏{‏ليقولوا أهؤلاء منَّ اللّه عليهم من بيننا‏}‏، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان غالب من اتبعه في أول بعثته ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل، كما قال نوح لنوح‏:‏ ‏{‏وما نراك اتبعك إلا الذين هم اراذلنا بادي الرأي‏}‏ الآية، وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل فقال له فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم‏؟‏ فقال‏:‏ بل ضعفاؤهم، فقال‏:‏ هم أتباع الرسل، والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم ويعذبون من يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون‏:‏ أهؤلاء منَّ اللّه عليهم من بيننا‏؟‏ أي ما كان اللّه ليهدي هؤلاء إلى الخير لو كان ما صاروا إليه خيراً ويدعنا كقولهم‏:‏ ‏{‏لو كان خيراً ما سبقونا إليه،‏}‏ وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً‏}‏ قال اللّه تعالى في جواب ذلك‏:‏ ‏{‏وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئيا‏}‏، وقال في جوابهم حين قالوا‏:‏ ‏{‏أهؤلاء منَّ اللّه عليهم من بيننا‏}‏{‏أليس اللّه بأعلم بالشاكرين‏}‏‏؟‏ أي أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن اللّه لمع المحسنين‏}‏ وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إن اللّه لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم‏)‏ ‏"‏أخرجه مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏إن اللّه لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم‏.‏‏.‏‏)
‏الحديث‏.‏‏"‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم‏}‏ أي فأكرمهم برد السلام عليهم وبشرهم برحمة اللّه الواسعة الشاملة لهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كتب ربكم على نفسه الرحمة‏}‏ أي أوجبها على نفسه الكريمة تفضلاً منه وإحساناً وامتناناً ‏{‏أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة‏}‏، قال بعض السلف‏:‏ كل من عصى اللّه فهو جاهل وقال بعضهم‏:‏ الدنيا كلها جهالة‏:‏ ‏{‏ثم تاب من بعده وأصلح‏}‏ أي رجع عما كان عليه من المعاصي وأقلع، وعزم على أن لا يعود وأصلح العمل في المستقبل ‏{‏فإنه غفور رحيم‏} قال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لما قضى اللّه على الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي‏)‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس