عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 08:00 PM   رقم المشاركة : 22
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم‏}‏ الذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه، وقال الزهري‏:‏ دل الكتاب على العامد وجرت السنّة على الناسي، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله‏:‏ ‏{‏ليذوق وبال أمره عفا اللّه عما سلف ومن عاد فينتقم اللّه منه‏}‏ وجاءت السنّة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دل الكتاب عليه في العمد، وأيضاً فإن قتل الصيد إتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمد مأثوم والمخطىء غير ملوم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فجزاءٌ مثلُ ما قتل من النعم‏}‏ قرأ بعضهم بالإضافة، وقرأ آخرون بعطفها، وحكى ابن جرير أن ابن مسعود قرأ‏:‏ ‏{‏فجزاؤه مثل ما قتل من النعم‏}‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏فجزاء مثل ما قتل من النعم‏}‏ على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه الجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي، خلافاً لأبي حنيفة رحمه اللّه حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثلياً أو غير مثلي‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يحكم به ذوا عدل منكم‏}‏ يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة من غير المثل عدلان من المسلمين، واختلف العلماء في القاتل هل يجوز أن يكون أحد الحكمين على قولين أحدهما ‏:‏ لا، لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه وهذا مذهب مالك، والثاني‏:‏ نعم لعموم الآية وهو مذهب الشافعي وأحمد، قال ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران‏:‏ أن أعرابياً أتى أبا بكر فقال‏:‏ قتلت صيداً وأنا محرم، فما ترى علي من الجزاء‏؟‏ فقال أبو بكر رضي اللّه عنه لأبي بن كعب وهو جالس عنده‏:‏ ما ترى فيها‏؟‏ قال، فقال الأعرابي‏:‏ أتيتك وأنت خليفة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك‏؟‏ فقال أبو بكر‏:‏ وما تنكر‏؟‏ يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم‏}‏، فشاورت صاحبي، حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ وهذا إسناد جيد لكنه منقطع بين ميمون والصدّيق‏"‏فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابياً جاهلاً، وإنما دواء الجهل التعليم‏.‏ وقال ابن جرير عن ابي وائل، أخبرني ابن جرير البجلي قال‏:‏ اصبت ظبياً وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال‏:‏ ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك، فأتيت عبد الرحمن وسعداً، فحكما علي بتيس أعفر‏.‏

واختلفوا‏:‏ هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل، وإن كان قد حكم في مثله الصحابة، أو يكتفي بأحكام الصحابة المتقدمة‏؟‏ على قولين‏:‏ فقال الشافعي وأحمد‏:‏ يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة وجعلاه شرعاً مقرراً لا يعدل عنه وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين، وقال مالك وابو حنيفة‏:‏ بل يجب الحكم في كل فرد فرد سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يحكم به ذوا عدل منكم‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هدياً بالغ الكعبة‏}‏ أي واصلاً إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ويفرق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أم متفق عليه في هذه الصورة‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً‏}‏ أي إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال، أو قلنا بالتخيير في هذ المقام بين الجزاء والإطعام والصيام، كما هو قول مالك وابي حنيفة وأحد قولي الشافعي والمشهور عن أحمد رحمهم اللّه، لظاهر ‏)‏أو بأنها للتخيير‏.‏ والقول الآخر على الترتيب‏:‏ فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة، فيقوّم الصيد المقتول عند مالك وابي حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي‏:‏ يقوم مثله من النعم لو كان موجوداً، ثم يشتري به طعام فيتصدق به فيصرف لكل مسكين مد منه عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز، واختاره ابن جرير‏.‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ يطعم كل مسكين مَدَيْن، وهو قول مجاهد‏.‏ وقال أحمد‏:‏ مد من حنطة أو مدان من غيره، فإن لم يجد أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوماً، واختلفوا في مكان هذا الإطعام، فقال الشافعي‏:‏ مكانه الحرم وهو قول عطاء، وقال مالك‏:‏ يطعم في المكان الذي اصاب فيه الصيد أو أقرب الأماكن إليه، وقال أبو حنيفة‏:‏ إن شاء أطعم في الحرم وإن شاء أطعم في غيره‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليذوق وباب أمره‏}‏ أي أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة، ‏{‏عفا اللّه عما سلف‏}‏ أي في زمان الجاهلية لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع اللّه ولم يرتكب المعصية، ثم قال‏:‏ ‏{‏ومن عاد فينتقم اللّه منه‏}‏ أي ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه ‏{‏فينتقم اللّه منه والله عزيز ذو انتقام‏}‏ قال ابن جريج‏:‏ قلت لعطاء‏:‏ ما ‏{‏عفا اللّه عما سلف‏}‏‏؟‏ قال‏:‏ عما كان في الجاهلية‏.‏ قال، قلت‏:‏ وما ‏{‏ومن عاد فينتقم اللّه منه‏}‏‏؟‏ قال‏:‏ ومن عاد في الإسلام فينتقم اللّه منه، وعليه مع ذلك الكفارة، قال، قلت‏:‏ فهل في العود من حد تعلمه‏!‏ قال‏:‏ لا، قال، قلت‏:‏ فترى حقاً على الإمام أن يعاقبه‏؟‏ قال‏:‏ لا، هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين اللّه عز وجل، ولكن يفتدي، رواه ابن جرير‏.‏ وقيل‏:‏ معناه‏:‏ فينتقم اللّه منه بالكفارة؛ قاله سعيد بن جبير وعطاء، ثم الجمهور من السلف والخلف‏:‏ على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء، ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة، وإن تكرر سواء الخطأ في ذلك والعمد‏.‏ وقال ابن جرير عن ابن عباس فيمن أصاب صيداً يحكم عليه ثم عاد، قال‏:‏ لا يحكم عليه، ينتقم اللّه منه وبه قال شريح ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري واختار ابن جرير القول الأول قوله ‏{‏واللّه عزيز ذو انتقام‏}‏ أي‏:‏ واللّه منيع في سلطانه لا يقهره قاهر، ولا يمنعه من الإنتقام ممن انتقم منه، ولا من عقوبة من أرد عقوبته مانع لأن الخلق خلقه، والأمر أمره، له العزة والمنعة‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ذو انتقام‏}‏ يعني أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏96 ‏:‏ 99‏)‏
‏{‏
أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون ‏.‏ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم ‏.‏ اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ‏.‏ ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ‏}‏

قال ابن عباس وسعيد بن جبير في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أحل لكم صيد البحر‏}‏ يعني ما يصطاد منه طريا ‏{‏وطعامه‏}‏ ما يتزود منه مليحاً يابساً، وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه‏:‏ صيده ما أخذ منه حياً ‏{‏وطعامه‏}‏ ما لفظه ميتاً وهكذا روي عن أبي بكر وزيد بن ثابت وابراهيم النخعي والحسن البصري قال سفيان بن عيينة عن أبي بكر الصديق أنه قال‏:‏ ‏{‏طعامه‏}‏ كل ما فيه‏.‏ وقال ابن جرير خطب أبو بكر الناس فقال‏:‏ ‏{‏أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم‏}‏ وطعامه ما قذف‏.‏ وقال عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ طعامه ما لفظ من ميتة‏.‏ وقال ابن جرير إن عبد الرحمن بن أبي هريرة سال ابن عمر فقال‏:‏ إن البحر قد قذف حيتاناً كثيرة ميتة أفنأكلها كلها‏؟‏ فقال ‏:‏ لا تأكلوها، فلما رجع عبد اللّه إلى أهله أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة، فأتة هذه الآية‏:‏ ‏{‏وطعامه متاعاً لكم وللسيارة‏}‏ فقال‏:‏ اذهب، فقل له فليأكله فإنه طعامه، وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏متاعاً لكم وللسيارة‏}‏ أي منفعة وقوتاً لكم أيها المخاطبون، ‏{‏وللسيارة‏}‏ وهم جمع سيار، قال عكرمة‏:‏ لمن كان بحضرة البحر والسفر‏.‏ وقال غيره‏.‏ الطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر، وطعامه ما مات فيه أن اصطيد منه وملح، وقد يكون زاداً للمسافرين والنائين عن البحر‏.‏ وقد استدل الجمهور على حل ميتته بهذه الآية الكريمة، وبما رواه الإمام مالك عن جابر بن عبد اللّه قال‏:‏ بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعثاً قِبَل الساحل، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلثمائة، وأنا فيهم، قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر، قال‏:‏ فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة، فقال‏:‏ فقد وجدنا فقدها حين فنيت، قال‏:‏ ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظَّرِب الجبل الصغير فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة، فرحلت ومرت تحتهما فلم تصبهما‏.‏ وهذا الحديث مخرج في الصحيحين، وله طرق عن جابر‏.‏ وفي صحيح مسلم عن جابر‏:‏ فإذا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم، فأتينها فإذا بدابة يقال لها العنبر، قال، قال أبو عبيدة‏:‏ ميتة، ثم قال‏:‏ لا، نحن رسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا، قال‏:‏ فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلثمائة حتى سمنا، ولقد رايتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن، ويقتطع منه القدر كالثور، قال‏:‏ ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً، فاقعدهم في وقب عينيه، وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها، ثم رحّل أعظم بعير معنا فمر من تحته، وتزودنا من لحمه وشائق شرائح فلما قدمنا المدينة أتينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال‏:‏ ‏(‏هو رزق أخرجه اللّه لكم، هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ فأرسلنا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منه فأكله‏.‏ وقال مالك سأل رجل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏)‏ ‏
"‏رواه مالك وأصحاب السنن وصححه البخاري والترمذي‏"‏

وقد احتج بهذه الآية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر، ولم يستثن من ذلك شيئاً، وقد تقدم عن الصديق أنه قال‏:‏ طعامه كل ما فيه، وقد استثنى بعضهم الضفادع واباح ما سواها، لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي
عن أبي عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع، وللنسائي عن عبد اللّه بن عمرو قال‏:‏ نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع، وقال‏:‏ نقيقها تسبح وقال آخرون‏:‏ يؤكل من صيد البحر السمك، ولا يؤكل الضفدع، واختلفوا فيما سواهما فقيل‏:‏ يؤكل سائر ذلك، وقيل‏:‏ لا يؤكل، وقيل‏:‏ ما أكل شبهه من البر أكل مثله في البحر، وما لا يؤكل شبهه لا يؤكل وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي رحمه اللّه تعالى‏:‏ وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى‏:‏ لا يؤكل ما مات في البحر كما لا يؤكل ما مات في البر، لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ وقد ورد حديث بنحو ذلك فقال ابن مردويه عن جابر قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما صدتموه وهو حي فمات فكلوه وما ألقى البحر ميتاً طافياً فلا تأكلوه‏)‏

وقد احتج الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل بحديث العنبر المتقدم ذكره، وبحديث‏:‏ ‏(‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏)‏، وقد تقدم أيضاً‏.‏ وروى الإمام الشافعي عن ابن عمر قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أحلت لنا متتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال‏)‏ ‏"‏ورواه أحمد وابن ماجة والدار قطني والبهيقي وله شواهد‏"‏وقوله‏:‏ ‏{‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً‏}‏ أي في حلا إحرامكم يحرم عليكم الإصطياد، ففيه دلالة على تحريم ذلك، فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمداً أثم وغرم، أو مخطئاً غرم وحرم عليه أكله لأنه في حقه كالميتة، وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين عند مالك والشافعي في أحد قوليه‏.‏ فإن أكله أو شيئاً منه فهل يلزمه جزاء ثان‏؟‏ فيه قولان للعلماء أحدهما ‏:‏ نعم وإليه ذهب طائفة والثاني ‏:‏ لا جزاء عليه في أكله، نص عليه مالك بن أنس‏.‏ قال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة‏:‏ عليه قيمة ما أكل وأما إذا صاد حلال صيداً فأهداه إلى محرم، فقد ذهب ذاهبون إلى إباحته مطلقاً، ولم يستفصلوا بين أن يكون قد صاده من أجله أم لا، وبه قال الكوفيون، قال ابن جرير عن أبي هريرة‏:‏ أنه سئل عن لحم صيد صاده حلال أيأكله المحرم‏؟‏ قال‏:‏ فأفتاهم بأكله، ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره، فقال‏:‏ لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك وقال آخرون‏:‏ لا يجوز أكل الصيد للمحرم بالكلية، ومنعوا من ذلك مطلقاً لعموم هذه الآية الكريمة‏.‏

روي عن ابن عباس‏:‏
أنه كره أكل الصيد للمحرم، وقال‏:‏ هي مبهمة، يعني قوله‏:‏ ‏{‏وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً‏}‏ وعن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال وبهذا قال طاووس وجابر بن زيد وإليه ذهب الثوري وقد روي أن علياً كره أكل لحم الصيد للمحرم على كل حال‏.‏ وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل والجمهور‏:‏ إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد لم يجز للمحرم أكله، لحديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً، وهو بالأبواء أو بودّان فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال‏:‏ ‏(‏إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حُرُم‏)‏ ‏"‏الحديث مروي في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة‏"‏قالوا‏:‏ فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن هذا إنما صاده من أجله فرده لذلك، فأما إذا لم يقصده بالإصطاد، فإنه يجوز له الأكل منه، لحديث أبوي قتادة حين صاد حمار وحش وكان حلالاً لم يحرم وكان أصحابه محرمين، فتوفقوا في أكله، ثم سألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏هل كان منكم أحد أشار إليها أو أعان في قتلها‏)‏‏؟‏ قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏(‏فكلوا‏)‏، وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه القصة ثابتة أيضاً في الصحيحين بألفاظ كثيرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏100 ‏:‏ 102‏)‏
‏{‏ قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ‏.‏ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ‏.‏ قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ‏}‏

يقول اللّه تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ يا محمد ‏{‏لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك‏}‏ أي يا أيها الإنسان ‏{‏كثرة الخبيث‏}‏ ‏"‏أخرج الواحدي‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الخمر، فقال أعرابي‏:‏ إني كنت رجلاً كانت هذه تجارتي فاعتقت منها مالاً، فهل ينفع ذلك المال إن عملت بطاعة اللّه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن اللّه لا يقبل إلا الطيب‏)‏، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏قل لا يستوي‏}‏ الآية كما في ‏(‏اللباب‏)‏ يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏ما قل وكفى خير مما كثر وألهى‏)‏ وقال أبو القاسم البغوي عن أبي أمامة‏:‏ إن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال النبي صلى الله عليه سلم ‏:‏‏(‏قليل تؤدي شكره خير من كثير لاتطيقه‏)‏،‏{‏فاتقوا الله يا أولي الألباب‏}‏ أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به ‏{‏لعلكم تفلحون‏}‏ أي في الدنيا والآخرة‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‏}‏ هذا تأديب من اللّه تعالى لعباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسالوه عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها، لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر‏)‏، وقال البخاري عن أنس بن مالك قال‏:‏ خطب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، وقال فيها‏:‏ ‏(‏لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً‏)‏ قال فغطى أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجوههم، لهم حنين، فقال رجل‏:‏ من أبي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏فلان‏)‏ فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏لا تسألوا عن أشياء‏}‏، وعن أبي هريرة قال‏:‏ خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه، حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل، فقال‏:‏ أين أبي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏في النار‏)‏، فقام آخر فقال‏:‏ من أبي‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏أبوك حذافة‏)‏، فقام عمر بن الخطاب فقال‏:‏ رضينا باللّه رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرآن إماما، إنّا يا رسول اللّه حديثو عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا‏.‏ قال‏:‏ فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‏}‏ الآية، إسناده جيد، وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف، منهم السدي‏.‏ قال البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال‏:‏ كان قوم يسألون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل‏:‏ من أبي‏؟‏ ويقول الرجل تضل ناقته‏:‏ أين ناقتي‏؟‏ فأنزل اللّه فيهم هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‏}‏ حتى فرغ من الآية كلها‏.‏ وظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته، فالاولى الإعراض عنها وتركها، وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عبد اللّه بن مسعود قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏(‏لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر‏)‏، الحديث‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس