عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 03:50 AM   رقم المشاركة : 23
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
آية رقم ‏(‏102‏)‏
{‏ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ‏}‏
صلاة الخوف أنواع كثيرة فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة، وتارة يكون في غير صوبها، والصلاة تارة تكون رباعية، وتارة تكون ثلاثة كالمغرب، وتارة تكون ثنائية كالصبح وصلاة السفر، ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة، بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة غير مستقبليها ورجالاً وركباناً، ولهم أن يمشوا والحالة هذه ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة‏.‏ ومن العلماء من قال‏:‏ يصلون والحالة هذه ركعة واحدة لحديث ابن عباس المتقدم وبه قال أحمد بن حنبل، وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدى تومىء بها إيماء‏.‏ فإن لم تقدر فسجدة واحدة لأنها ذكر اللّه‏.‏ ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة كما أخر النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الأحزاب الظهر والعصر فصلاهما بعد الغروب، ثم صلى بعدهما المغرب ثم العشاء، وكما قال بعدها يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بين قريظة فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق، فقال منهم قائلون‏:‏ لم يرد منا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا تعجيل المسير ولم يرد منا تأخير الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها في الطريق، وأخر آخرون منهم صلاة العصر فصلوها في بني قريظة بعد الغروب ولم يعنف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحداً من الفريقين‏.‏ وأما الجمهور فقالوا‏:‏ هذا كله منسوخ بصلاة الخوف فإنها لم تكن نزلت بعد، فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك‏.‏ فقوله تعالى‏:‏
‏{‏وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة‏}‏ أي إذا صليت بهم إماما في صلاة الخوف وهذه حالة غير الأولى، فإن تلك قصرها إلى ركعتة - كما دل عليه الحديث - فرادى ورجالا وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ثم ذكر حال الإجتماع والائتمام بإمام واحد وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم لقوله ‏{‏وإذا كنت فيهم‏}‏ فبعده تفوت هذه الصفة فإنه استدلال ضعيف، ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة الذين احتجوا بقوله‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم‏}‏ قالوا‏:‏ فنحن لا ندفع زكاتنا بعده صلى اللّه عليه وسلم إلى أحد، بل نخرجها نحن بأيديدنا معلى من نراه، ولا ندفعها إلى إلى صلاته أي دعاؤه سكن لنا، ومع هذا رد عليهم الصحابة وابوا عليهم هذا الاستدلال وأجبروهم على أداء الزكاة وقاتلوا من منعها منهم‏.‏
ولنذكر سبب نزل هذه الآية الكريمة
أولاً قبل ذكر صفتها قال ابن جرير عن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ سال قوم من بني النجار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي‏؟‏ فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ ‏{‏وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ ثم انقطع الوحي، فلما كان كذلك بحول غزا النبي صلى اللّه عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلاَّ شددتم عليهم‏؟‏ فقال قائل منهم‏:‏ إن لهم أخرى مثلها في أثرها قال‏:‏ فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ بين الصلاتين ‏{‏إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏}‏ الآيتين فنزلت صلاة الخوف‏.وعن أبي عياش الزرقي قال‏:‏ منا مع رسول الله
ّ صلى اللّه عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الظهر فقالوا‏:‏ لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا‏:‏ يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال‏:‏ فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر العصر ‏{‏وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة‏}‏ قال‏:‏ فحضرت فأمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخذوا السلاح قال‏:‏ فصفنا خلفه صفين قال‏:‏ ثم ركع فركعنا جميعاً، ثم رفع فرفعنا جميعاً ثم سجد النبي صلى اللّه عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم ركع فركعوا جميعاً ثم رفع فرفعوا جميعاً، ثم سجد النبي صلى اللّه عليه وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم، ثم انصرف قال‏:‏ فصلاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم
‏"‏رواه أحمد وأصحاب السنن‏"
وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد اللّه قال‏ :‏ قاتل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم محارب خصفة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالسيف فقال‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الله‏)‏ فسقط السيف من يده فأخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏ومن يمنعك مني‏)‏ قال‏:‏ كن خير آخذ قال‏:‏ ‏(‏أتشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ لا، وكن أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله، فقال‏:‏ جئتكم من عند خير الناس، فلما حضرت الصلاة صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلاة الخوف فكان الناس طائفتين، طائفة بإزاء العدو‏.‏ وطائفة صلوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين وانصرفوا فكانوا مكان الطائفة الذين كانوا بإزاء العدو ثم انصرف الذين كانوا بإزاء العدو فصلوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركعتين فكان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين ‏"‏تفرد به الإمام أحمد‏"‏وأما الأمر بحمل السلاح في صلاة الخوف فمحمول عند طائفة من العلماء على الوجوب لظاهر الآية وهو أحد قولي الشافعي ويدل عليه قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعو أسلحتكم وخذوا حذركم‏}‏ أي بحيث تكونون على أهبة إذا احتجتم إليها لبستموها بلا كلفة ‏{‏إن اللّه أعد للكافرين عذاباً مهينا‏}‏‏.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
‏ الآية رقم ‏(‏103 ‏:‏104‏)‏ ‏
{‏ فإذا قضي تم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ‏.‏ ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما ‏}‏
يأمر اللّه تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخ وف وإن كان مشروعاً مرغباً فيه أيضاً بعد غيرها ولكن ها هنا آكد، لما وقع فيها من التخفيف في اركانها، ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب، وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها كما قال تعالى في الأشهر الحرام‏:‏ ‏{‏فلا تظلموا فيهن أنفسكم‏}‏ وإن كان منهياًعنه في غيرها، ولكن فيه آكد لشدة حرمتها وعظمها، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم‏}‏ أي في سائر أحوالكم، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة‏}‏ أي فإذا أمنتم وذهب الخوف، وحصلت الطمأنينة ‏{‏فأقيموا الصلاة‏}‏ أي فأتموها وأقيموها كما أمرتم بحدودها، وخشوعها، وركعوعها، وسجودها، وجميع شؤونها وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي مفروضاً، وقال ابن مسعود‏:‏ إن للصلاة وقتاً كوقت الحج، وقال زيد بن أسلم‏:‏ منجماً كلما مضى نجم جاء نجم، يعني كلما مضى وقت جاء وقت‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تهنوا في ابتغاء القوم‏}‏ أي لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدّوا فيهم، وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد ‏{‏إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون‏}‏ أي كما يصيبكم الجراح والقتل كذلك يحصل لهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وترجون من اللّه ما لا يرجون‏}‏ أي أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من اللّه المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم وهو وعد حق، وخبر صدق، وهم لا يرجون شيئاً من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم وأشد رغبة فيه، وفي إقامة كلمة اللّه وإعلائها ‏{‏وكان اللّه عليماً حكيما‏}‏ أي هو أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه وينفذه ويمضيه من أحكامه الكونية والشرعية وهو المحمود على كل حال‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏105 ‏:‏ 109‏)‏ ‏
{‏ إنا أنزل نا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ‏.‏ واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ‏.‏ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ‏.‏ يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ‏.‏ ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ‏}
يقول تعالى مخاطباً لرسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق‏}‏ أي هو حق من اللّه وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه، وقوله‏:‏ ‏{‏لتحكم بين الناس بما اراك اللّه‏}‏ احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى اللّه عليه وسلم له أن يحكم بالإجتهاد بهذه الآية وبما ثبت في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال‏:‏ ‏(‏ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها‏)‏ وقال الإمام أحمد عن أم سلمة قالت‏:‏ جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليس عندهما بيِّنه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ إنكم تختصمون إليّ وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها انتظاماً في عنقه يوم القيامة‏)‏ فبكى الرجلان وقال كل منهما‏:‏ حقي لأخي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما، ثم ليحلل كل منكما صاحبه‏) وقد روى ابن مردويه عن ابن عباس‏:‏ أن نفراً
من الأنصار غزوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض غزواته فسرقت درع لأحدهم فأظن بها رجل من الأنصار فأتى صاحب الدرع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏{‏إن طعمة بن أبيرق سرق درعي، فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء وقال لنفر من عشيرته‏:‏ إني غيَّبتُ الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده، فانطلقوا إلى نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليلاً فقالوا‏:‏ يا نبي اللّه إن صاحبنا بريء وإن صاحب الدرع فلان وقد أحطنا بذلك علماً فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه اللّه بك يهلك، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبرأه وعذره على رؤوس الناس فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اللّه ولا تكن للخائنين خصيماً‏}‏‏.‏ ثم قال تعالى للذين أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مستخفين بالكذب‏:‏ ‏{‏يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللّه‏}‏ يعني الذين أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مستخفين يجادلون عن الخائنين ثم قال عزَّ وجل‏:‏ ‏{‏ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه‏}‏ الآية يعني الذين أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مستخفين بالكذب، ثم قال‏:‏ ‏{‏ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً‏}‏ يعني السارق والذين جادلوا عن السارق‏.
وقد روى هذه القصة الترمذي وابن جرير عن قتادة
بن النعمان رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان أهل بيت منا يقال لهم بنوا أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم يمحله لبعض العرب، ثم يقول‏:‏ قال فلان كذا وكذا، وقال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك الشعر قالوا‏:‏ واللّه ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث - أو كما قال الرجل - وقالوا‏:‏ ابن الأبيرق قالها، قالوا‏:‏ وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة المكارون الذين ينقلون التجارة من بلد إلى بلد من الشام من الدرمك الدقيق الابيض ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، أما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملاً من الدرمك فجعله في مشربة له، وفي المشربة سلاح ودرع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح‏.‏ فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال‏:‏ يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنان فذهب بطعامنا وسلاحنا، قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا‏:‏ قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال‏:‏ وكان بنوا أبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدار - واللّه ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلاً منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال‏:‏ أنا أسرق‏!‏‏؟‏ واللّه ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينُنَّ هذه السرقة، قالو‏:‏ إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي‏:‏ يا ابن أخي لو أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له قال قتادة‏:‏ فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت‏:‏ إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له، أخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏ سآمر في ذلك‏)‏ فلما سمع بذلك بنوا ابيرق أتو رجلاً منها يقال له اسيد بن عروة فكلموه في ذلك، فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينه ولا ثبت، قال قتادة‏:‏ فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فلكلمته فقال‏:‏ ‏(‏عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة‏)‏، قال‏:‏ فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال‏:‏ يا ابن أخي ما صنعت‏؟‏ فأخبرته بما قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال‏:‏ اللّه المستعان، فلم نلبث أن نزل القرآن‏:‏ ‏{‏إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اللّه ولا تكن للخائنين خصيماً‏}‏ يعني بين أبيرق ‏{‏واستغفر اللّه‏}‏ أي مما قلت لقتادة ‏{‏إن اللّه كان غفوراً رحيماً، ولا تجادل الذين يختانون أنفسهم - إلى قوله - رحيماً‏}‏ أي لو استغفروا اللّه لغفر لهم ‏{‏ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه - إلى قوله - إثماً مبيناً‏}‏ قوله للبيد‏:‏ ‏{‏ولولا فضل اللّه عليك ورحمته - إلى قوله - فسوف نؤتيه أجراً عظيماً‏}‏ فلما نزل القرآن أتى رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة، فقال قتادة‏:‏ لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عمي أو عشي في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولاً فلما أتيته بالسلاح قال‏:‏ يا ابن أخي هي في سبيل اللّه فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً، إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد ضل ضلالاً بعيداً‏}‏ فلما نزل على سلافة بنت سعد هجاها حسان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت به فرمته في الأبطح، ثم قالت‏:‏ أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير
‏"‏رواه الترمذي وابن جرير من حديث قتادة بن النعمان‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللّه‏}‏ الآية، هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم، ويجاهرون اللّه بها مع أنه مطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان اللّه بما يعملون محيطاً‏}‏ تهديد لهم ووعيد، ثم قال تعالى‏:‏ وها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا‏}‏ الآية، أي هب أن هؤلاء انتصروا في الدنيا بما أبدوه أو أبدى لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظاهر وهم متعبدون بذلك، فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي اللّه تعالى الذي يعلم السر وأخفى‏؟‏ ومن ذا الذي يتوكل لهم يومئذ يوم القيامة في ترويج دعواهم‏؟‏ أي لا أحد يومئذ يكون لهم وكيلاً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أم من يكون عليهم وكيلاً‏}






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس