عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2014, 10:09 PM   رقم المشاركة : 25
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏176 ‏:‏ 180‏)
‏{‏ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم ‏.‏ إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ‏.‏ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ‏.‏ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ‏.‏ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ‏}‏
يقول تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر‏}‏ وذلك من شدة حرصه على الناس، كان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق، فقال تعالى‏:‏ ولا يحزنك ذلك ‏{‏إنهم لن يضروا اللّه شيئاً يريد اللّه أن لا يجعل لهم حظاً في الآخرة‏}‏ أي حكمته فيهم أنه يريد بمشيئته وقدرته أن لا يجعل لهم نصيباً في الآخرة ‏{‏ولهم عذاب عظيم‏}‏‏.‏ ثم قال تعالى مخبراً عن ذلك إخبارً مقرراً‏:‏ ‏{‏إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان‏}‏ أي استبدلوا هذا بهذا، ‏{‏لن يضروا اللّه شيئاً‏}‏ أي ولكن يضرون أنفسهم ‏{‏ولهم عذاب أليم‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون‏}‏، وكقوله‏:‏{‏فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون‏}
‏‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب‏}‏
أي لا بد أن يعقد شيئاً من المحنة، يظهر فيه وليه ويفضح به عدوّه، يعرف به المؤمن الصابر، والمنافق الفاجر، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن اللّه به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم للّه ولرسوله صلى اللّه عليه وسلم، وهتك به ستار المنافقين، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد، وخيانتهم للّه ولرسوله صلى اللّه عليه وسلم، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏حتى يميز الخبيث من الطيب‏}‏، قال مجاهد‏:‏ ميز بينهم يوم أحد، وقال قتادة‏:‏ ميز بينهم بالجهاد والهجرة، وقال السدي‏:‏ قالوا‏:‏ إن كان محمد صادقاً فليخبرنا عمن يؤمن به منا ومن يكفر به فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب‏}‏ أي حتى يخرج المؤمن من الكافر روى ذلك ابن جرير‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب‏}‏ أي أنتم لا تعلمون غيب اللّه في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن اللّه يجتبي من رسله من يشاء‏}‏‏.‏
كقوله تعالى‏:‏
{‏عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً* إلا من ارتضى من رسول‏} الآية‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فآمنوا باللّه ورسله‏}‏ أي أطيعوا اللّه ورسوله واتبعوه فيما شرع لكم، ‏{‏وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم‏}‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم، بل هو شر لهم‏}‏ أي لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه بل هو مضرة عليه في دينه، وربما كان في دنياه، ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال‏:‏
‏{‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏}‏، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من آتاه اللّه مالاً فلم يؤد زكاته مثّل له شجاعاً شُجاعاً وشِجاعاً‏:‏ نوع من الحيات أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - ثم يقول أنا مالك، أنا كنزك‏)‏، ثم تلا هذه الآية‏:‏
‏{‏ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم‏}
‏"‏أخرجه البخاري عن أبي هريرة‏"‏إلى آخر الآية‏.‏
حديث آخر‏:‏
عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏)‏إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان ثم يلزمه يطوقه يقول‏.‏ أنا مالك، أنا كنزك‏)‏
‏"‏رواه أحمد والنسائي‏"‏‏.‏
حديث آخر‏:‏
عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه يفر منه فيتبعه فيقول‏:‏ أنا كنزك‏)‏، ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب اللّه ‏:‏ ‏{‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏}‏
‏"‏رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة‏"‏‏.‏
وقال العوفي، عن ابن عباس‏:‏ نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها، رواه ابن جرير، والصحيح الأول وإن دخل هذا في معناه، وقد يقال‏:‏ إن هذا أولى بالدخول واللّه سبحانه وتعالى أعلم‏.‏ وقوله تعالى‏:‏
‏{‏وللّه ميراث السموات والأرض‏}‏ أي ‏
{‏فأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه‏}‏، فإن الأمور كلها مرجعها إلى اللّه عزّ وجلّ‏.‏ فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم ‏{‏واللّه بما تعملون خبير‏}‏ أي بيناتكم وضمائركم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏181 ‏:‏ 184‏)
‏{‏ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ‏.‏ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ‏.‏ الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ‏.‏ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ‏}‏
قال ابن عباس‏:‏ لما نزل قوله تعالى‏:‏{‏من ذا الذي يقرض اللّه قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيره‏}‏، قالت اليهود‏:‏ يا محمد‏!‏ افتقر ربك فسأل عباده القرض‏؟‏ فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏لقد سمع اللّه قول الذين قالوا إن اللّه فقير ونحن أغنياء‏}
‏ الآية‏؟‏ وقال محمد بن إسحاق، عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس قال‏:‏ دخل أبو بكر الصدّيق بيت المدراس المدراس‏:‏ المعلم المدرس فوجد من يهود ناساً كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له أشيع، فقال له أبو بكر‏:‏ ويحك يا فنحاص اتق اللّه وأسلم فواللّه إنك لتعلم أن محمدأً رسول من عند اللّه قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل‏.‏ فقال فنحاص‏:‏ واللّه يا أبا بكر ما بنا إلى اللّه من حاجة من فقر، وإنه إلينا لفقير، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنياً ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر رضي اللّه عنه فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال‏:‏ والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو اللّه فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين، فذهب فنحاص إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏وما حملك على ما صنعت يا أبا بكر‏؟‏‏(‏ فقال‏:‏ يا رسول اللّه إن عدو اللّه قال قولاً عظيماً، يزعم أن اللّه فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت للّه مما قال فضربت وجهه، فجحد فنحاص ذلك وقال‏:‏ ما قلت ذلك، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏لقد سمع اللّه قول الذين قالوا إن اللّه فقير ونحن أغنياء‏}‏ الآية ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس‏"‏وقوله ‏{‏سنكتب ما قالوا‏}‏ تهديد ووعيد، ولهذا قرنه تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏وقتلهم الأنبياء بغير حق‏}‏ أي هذا قولهم في اللّه، وهذه معاملتهم رسل اللّه، وسيجزيهم اللّه على ذلك شر الجزاء، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ونقول ذوقوا عذاب الحريق* ذلك بما قدمت أيديكم وأن اللّه ليس بظلام للعبيد‏}‏ أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين قالوا إن اللّه عهد إلينا أن لا يؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار‏}‏، يقول تعالى تكذيباً لهؤلاء الذين زعموا أن اللّه عهد إليهم في كتبهم، أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته فتقبلت منه أن تنزل نار من السماء تأكلها، قالها ابن عباس والحسن وغيرهما، قال اللّه عزّ وجل‏:‏ ‏{‏قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات‏}‏ أي بالحجج والبراهين، ‏{‏وبالذي قلتم‏}‏ أي وبنار تأكل القرابين المتقبلة، ‏{‏قلم قتلتموهم‏}‏‏؟‏ أي فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم، ‏{‏إن كنتم صادقين‏}‏ أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل، ثم قال تعالى مسلياً لنبيّه محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير‏}‏ أي لا يوهنك تكذيب هؤلاء لك، فلك أسوة بمن قبلك من الرسل، الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات، وهي الحجج والبراهين القاطعة ‏{‏والزبر‏}‏ وهي الكتب المتلقاة من السماء كالصحف المنزلة على المرسلين ‏{‏والكتاب المنير‏}‏ أي والواضح الجلي‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏185 ‏:‏ 186‏)
‏{‏ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ‏.‏ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ‏}‏
يخبر تعالى إخباراً عاماً يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى‏:‏
‏{‏كل من عليها فان‏.‏ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏}‏، فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخراً كما كان أولاً، وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت، فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر اللّه وجودها من صلب آدم وانتهت البرية، أقام اللّه القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها، كبيرها وصغيرها‏.‏ فلا يظلم أحداً مثقال ذرة، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإنما توفون أجوركم يوم القيامة‏}‏، وروى ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‏:‏ لما توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم وجاءت التعزية، جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه، فقال‏:‏ السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته ‏{‏كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة‏} أي في اللّه عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، دركاً من كل فائت، فباللّه ثقوا وإياه فارجو، فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، قال جعفر بن محمد‏:‏ فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال‏:‏ أتدرون من هذا‏؟‏ هذا الخضر عليه السلام، وقوله‏:‏ ‏{‏فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز‏}‏ أي من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز‏.‏ وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم‏:‏{‏فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز‏}‏"‏رواه ابن أبي حاتم وأصله في الصحيحين‏"‏‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور‏}‏ تصغير لشأن الدنيا، وتحقير لأمرها،
وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها، وما عند اللّه خير وأبقى‏}وفي الحديث‏:‏‏(‏ واللّه ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه‏)‏ وقال قتادة‏:‏ هي متاع متروكة أوشكت - واللّه الذي لا إله إلا هو - أن تضمحل عن أهلها، فخذوا من هذا المتاع طاعة اللّه إن استطعتم ولا قوة إلا اللّه‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لتبلون في أموالكم وأنفسكم‏}‏، كقوله تعالى‏:‏
{‏ولنبلونك بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات‏}‏ إلى آخر الآيتين، أي لا بد أن يبتلي المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلي المؤمن على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء ‏{‏ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً‏}‏ يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر، مسلياً لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين، وآمراً لهم بالصفح والعفو حتى يفرج اللّه، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور‏}قال ابن أبي حاتم، عن أسامة بن زيد‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللّه، ويصبرون على الأذى، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا‏}‏ قال‏:‏ وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره اللّه به حتى أذن اللّه فيهم‏.‏
وعن عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد حدثه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية فطيفة فَدَكية‏:‏ كساء غليظ منسوب إلى فَدَك بلد على مرحلتين من المدينة وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، حتى مر على مجلس فيه عبد اللّه بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم ابن أبي، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، وأهل الكتاب واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد اللّه بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمّر عبد اللّه بن أُبي أنفه بردائه وقال‏:‏ لا تغبروا علينا، فسلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم وقف، فنزل ودعاهم إلى اللّه عزّ وجلّ وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد اللّه بن أُبي‏:‏ أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد اللّه بن رواحة رضي اللّه عنه‏:‏ بلى يا رسول اللّه فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي صلى اللّه عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب‏؟‏‏)‏ يريد عبد اللّه بن أُبي، قال كذا وكذا، فقال سعد‏:‏ يا رسول اللّه اعف عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك اللّه بالحق الذي نزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة، فلما أبى اللّه ذلك بالحق الذي أعطاك اللّه شرق بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
"‏رواه البخاري‏"‏‏.‏
وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللّه ويصبرون على الأذى قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ {‏ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفاراً، حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي اللّه بأمره‏}الآية‏.‏ وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره اللّه به حتى أذن اللّه له فيهم، فلما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدراً فقتل اللّه به صناديد كفار قريش، قال عبد اللّه بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان‏:‏ هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول على الإسلام، فبايعوا وأسلموا، فكل من قام بحق أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر فلا بد أن يؤذى فما له دواء إلا الصبر في اللّه، والاستعانة باللّه والرجوع إلى اللّه‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس