عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2014, 04:22 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏45 ‏:‏ 47‏)‏
‏{‏ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ‏.‏ ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ‏.‏ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ‏}

هذه بشارة من الملائكة لمريم عليها السلام، بأنه سيوجد منها ولد عظيم له شأن كبير، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إذ قالت الملائكة يا مريم إن اللّه يبشرك بكلمة منه‏}‏ أي بولد يكون وجوده بكلمة من اللّه، أي يقول له كن فيكون، وهذا تفسير قوله‏:‏ ‏{‏مصدقا بكلمة من اللّه‏}‏ كما ذكره الجمهور على ما سبق بيانه ‏{‏اسمه المسيح عيسى ابن مريم‏}‏ أي يكون مشهوراً في الدنيا يعرفه المؤمنون بذلك، وسمي المسيح - قال بعض السلف - ‏:‏ لكثرة سياحته، وقيل‏:‏ لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص لهما، وقيل‏:‏ لأنه كان إذا مسح أحداً من ذوي العاهات بريء بإذن اللّه تعالى‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عيسى ابن مريم‏}‏ نسبة إلى أمه حيث لا أب له، ‏{‏وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين‏}‏ أي له وجاهة ومكانة عند اللّه في الدنيا بما يوحيه اللّه إليه من الشريعة، وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه اللّه به، وفي الدار الآخرة يشفع عند اللّه فيمن يأذن له فيه، فيقبل منه أسوة بإخوانه من أولي العزم صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وقوله‏:‏ ‏{‏ويكلم الناس في المهد وكهلاً‏}‏ أي يدعو إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له في حال صغره، معجزة وآية، وفي حال كهولته حين يوحي اللّه إليه‏:‏ ‏{‏ومن الصالحين‏}‏ أي في قوله وعمله له علم صحيح وعمل صالح‏.‏ وقال ابن ابي حاتم‏:‏ عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏
‏(‏لم يتكلم في المهد إلا ثلاث، عيسى وصبي كان في زمن جريج، وصبي آخر‏)‏ فلما سمعت بشارة الملائكة لها بذلك عن اللّه عزّ وجلّ، قالت في مناجاتها‏:‏ ‏{‏أنَّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر‏}‏‏؟‏ تقول‏:‏ كيف يوجد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج، ولا من عزمي أن أتزوج، ولست بغياً حاش للّه‏!‏‏!‏ فقال لها الملك عن اللّه عزّ وجلّ في جواب ذلك السؤال ‏{‏كذلك اللّه يخلف ما يشاء‏}‏ أي هكذا أمرُ اللّه عظيم، لا يعجزه شيء، وصرح ههنا بقوله‏:‏ ‏{‏يخلق ما يشاء‏}‏، ولم يقل يفعل كما في قصة زكريا، بل نص ههنا على أنه يخلق لئلا يبقى لمبطل شبهة، وأكذ ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏إذا قضى أمراً فإنما يقول له من فيكون‏}‏ أي فلا يتأخر شيئاً، بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة كقوله‏:‏ و‏{‏وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر‏}‏
أي إنما نأمر مرة احدة لا مثنوية فيها، فيكون ذلك الشيء سريعاً كلمح البصر‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏48 ‏:‏ 51‏)‏
‏{‏ ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ‏.‏ ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ‏.‏ ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ‏.‏ إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ‏}‏
يقول تعالى مخبراً عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام‏:‏ إن اللّه يعلمِّه الكتاب والحكمة، الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة، والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة، والتوراة والإنجيل‏.‏ فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم عليهما السلام، وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ورسولاً إلى بني إسرائيل‏}‏ قائلاً لهم‏:‏ ‏{‏إني قد جئتكم بآية من ربكم، أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللّه‏}‏ وكذلك كان يفعل‏:‏ يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه فيطير عياناً بإذن اللّه عزّ وجلّ الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله، ‏{‏وابرىء الأكمه‏}‏ قيل‏:‏ الأعشى، وقيل‏:‏ الأعمش، وقيل‏:‏ هو الذي يولد أعمى، وهو أشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي ‏{‏والأبرص‏}‏ معروف، ‏{‏أحيي الموتى بإذن الله‏}‏ قال كثير من العلماء‏:‏ بعث اللّه كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى عليه اسلام السحر وتعظيم السحرة، فبعثه اللّه بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحَّار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار، انقادوا للإسلام وصاروا من عباد اللّه الأبرار، وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل أحد إليه أن أن يكون مؤيداً من الذي شرَّع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعثِ من هو في قبره رهينٌ إلى يوم التناد‏؟‏ وكذلك محمد بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاويد الشعراء، فأتاهم بكتاب من اللّه عزّ وجلّ، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتبوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبداً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وما ذاك إلا أن كلام الرب عزّ وجل لا يشبه كلام الخلق أبداً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في يوتكم‏}‏ أي أخبركم بما أكل أحدكم الآن، وما هو مدخر له في بيته لغد إن في ذلك كله، ‏{‏لآية لكم‏}‏ أي على صدقي فيما جئتكم به، ‏{‏إن كنتم مؤمنين ومصدقاً لما بين يديَّ من التوراة‏}‏ أي مقرراً لها ومثبتاً، ‏{‏ولأحل لكم بعض الذي حُرِّم عليكم‏}‏
فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين، ومن العلماء من قال‏:‏ لم ينسخ منها شيئاً، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه‏}‏ واللّه أعلم‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وجئتكم بآية من ربكم‏}‏ أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم، ‏{‏فاتقوا اللّه وأطيعون، إن اللّه ربي وربكم فاعبدوه‏}‏ أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه ‏{‏هذا صراط مستقيم‏.‏ ‏}‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏52 ‏:‏ 54‏)‏
‏{‏ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ‏.‏ ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ‏.‏ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فلما أحسَّ عيسى‏}‏ أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال، قال‏:‏ ‏{‏من أنصاري إلى اللّه‏}‏‏؟‏ قال مجاهد‏:‏ أي من يتبعني إلى اللّه، وقال سفيان الثوري‏:‏ أي من أنصاري مع اللّه، وقول مجاهد أقرب، والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى اللّه، كما كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر‏:‏ ‏(‏من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي‏)‏حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه، وهاجر إليهم فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر، رضي اللّه عنهم وأرضاهم‏.‏ وهكذا عيسى بن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ولهذا قال اللّه تعالى مخبراً عنهم‏:‏ ‏{‏قال الحواريون‏:‏ نحن أنصار اللّه، آمنا باللّه، واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين‏}‏، الحواريون قيل‏:‏ كانوا قصّارين، وقيل سموا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل‏:‏ صيادين، والصحيح أن الحواري‏:‏ الناصر كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير رضي اللّه عنه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏
‏(‏لكل نبي حواريّ، وحواريَّ الزبير‏)‏
عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاكتبنا مع الشاهدين‏}‏ قال‏:‏ مع أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهذا إسناد جيد‏.‏ ثم قال تعالى مخبراً عن ملأ بني إسرائيل، فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام وإرادته بالسوء والصلب، حين تمالؤا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان - وكان كافراً - أن هنا رجلاً يضل الناس، ويصدهم عن طاعة الملك، ويفسد الرعايا، ويفرق بين الأب وابنه، إلى غير ذلك، مما تقلدوه في رقابهم، ورموه به من الكذب، وأنه ولد زنية، حتى استثاروا غضب الملك فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به نجّاه اللّه تعالى من بينهم، ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء، وألقى اللّه شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل ‏{‏عيسى‏}‏ فأخذوه وأهانوه ووصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك وكان هذا من مكر اللّه بهم، فإنه نجّى نبيّه ورفعه من بين أظهرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم، وأسكن اللّه في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏55 ‏:‏ 58‏)‏
‏{‏ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ‏.‏ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ‏.‏ وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ‏.‏ ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ‏}‏
اختلف المفسرون في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إني متوفيك ورافعك إلي‏}‏، فقال قتادة‏:‏ هذا من المقدم والمؤخر تقديره إني رافعك إلي ومتوفيك، يعني بعد ذلك‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ إني متوفيك أي مميتك، وقال وهب بن منبه‏:‏ توفاه اللّه ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه إليه، قال مطر الوراق‏:‏ إني متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت، وكذا قال ابن جرير‏:‏ توفيه هو رفعه‏.‏ وقال الأكثرون‏:‏ المراد بالوفاة ههنا النوم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي يتوفاكم بالليل‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ {‏اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها‏}‏ الآية،وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إذا قام من النوم‏:‏ ‏(‏الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا‏)
الحديث‏.‏ وعن الحسن أنه قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إني متوفيك‏}‏ يعني وفاة المنام‏:‏ رفعه اللّه في منامه‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومطهرك من الذين كفروا‏}‏ أي برفعي إياك إلى السماء، ‏{‏وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة‏}‏ وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام لما رفعه اللّه إلى السماء، تفرقت أصحابه شيعاً بعده، فمنهم من آمن بما بعثه اللّه به على أنه عبد اللّه ورسوله وابن أمته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن اللّه، وآخرون قالوا‏:‏ هو اللّه، وآخرون قالوا‏:‏ هو ثالث ثلاثة وقد حكى اللّه مقالتهم في القرآن وردّ على كل فريق، فاستمروا على ذلك قريباً من ثلثمائة سنة‏.‏
ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين فدخل في دين النصرانية قيل‏:‏ حيلة ليفسده، فإنه كان فيلسوفاً، وقيل‏:‏ جهلاً منه، إلا أنه بدَّل لهم دين المسيح وحرَّفه وزاد فيه نقص منه، ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة، وأحل في زمانه لحم الخنزير، وصلوا له إلى المشرق، وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع، وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون، وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثنتي عشر ألف معبد، وبنى المدينة المنسوبة إليه، واتبعه طائفة الملكية منهم، وهم في هذا كله قاهرون لليهود، أيده اللّه عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم، وإن كان الجميع كفاراً عليهم لعائن اللّه، فلما بعث اللّه محمداً فكان من آمن به يؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق، فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض، إذ قد صدقوا النبي الأمي العربي خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الإطلاق، الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته مما قد حرفوا وبدلوا، ثم لو لم يكن شيء من ذلك لكان قد نسخ اللّه شريعة جميع الرسل بما بعث اللّه به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي لا يغير ولا يبدل إلى قيام الساعة، ولا يزال قائماً منصوراً ظاهراً على كل دين، فلهذا فتح اللّه لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واحتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدول وكسروا كسرى وقصروا قيصر، وسلبوهما كنوزهما وأنفقت في سبيل اللّه، كما أخبرهم بذلك نبيّهم عن ربهم عزّ وجلّ في قوله‏:
‏{‏وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً‏}‏
الآية‏.‏ فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقاً سلبوا النصارى بلاد الشام وألجؤوهم إلى الروم فلجأوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة‏.‏
وقد أخبر الصادق المصدوق صلى اللّه عليه وسلم أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويستفيئون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جداً لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها، وقد جمعت في هذا جزءاً مفرداً، ولهذا قال تعالى‏:
‏{‏وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون* فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين‏}‏، وكذلك فعل بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه أو أطراه من النصارى، عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك وفي الدار الآخرة عذابهم أشد وأشق ‏{‏وما لهم من اللّه من واق‏}‏
،{‏وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم‏}‏ أي في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالنصر والظفر، وفي الآخرة بالجنات العاليات ‏{‏واللّه لا يحب الظالمين‏}‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم‏}‏ أي هذا الذي قصصنا عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره، هو مما قاله تعالى وأوحاه إليك، ونزله عليك من اللوح المحفوظ، فلا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى في سورة مريم‏:
‏{‏ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون* ما كان للّه أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون‏}‏ وههنا قال تعالى‏:‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس